اليهود انتظروا ظهوره ولمّا لم يكن النبي (ص) "إسرائيلياً"حاربوه(54)
- المجموعة: لبيك يا رسول الله2
- 19 تشرين1/أكتوير 2013
- اسرة التحرير
- الزيارات: 3061
اليهود في مواجهة الإسلام (3) - (54)
من المعلوم أن رسالة النبي (ص)، رسالةَ الإسلام، جاءت إلى الناس جميعاً. يقول الله سبحانه وتعالى (قل يا أيها الناس إني رسول الله إليكم جميعاً) الأعراف:158. فقد كانت رسالةُ النبي (ص) إلى العرب أولاً لينقذهم من عبادة الأوثان والأصنام واقترافِ الآثام، وكانت رسالتُهُ لليهود أيضاً لإصلاح ما طرأ على دينهم من بدع ولتقويم سلوكهم وأخلاقهم وما أصابهم من فسادٍ وانحراف عن أصول دينهم.
ولذلك كان من الطبيعي أن يدعوَ النبيُ (ص) اليهودَ إلى الإيمان برسالته. وها هو القرآن يدعوهم إلى ذلك حيث يقول: (يا بني إسرائيل أذكروا نعمتي التي أنعمتُ عليكم، وأوفوا بعهدي أوفِ بعهدكم وإياي فارهبون وآمنوا بما أنزلتُ مصدقاً لما معكم ولا تكونوا أولََ كافر به ولا تشتروا بآياتي ثمناً قليلاً وإياي فاتقون ولا تَلبِسُوا الحقَ بالباطل وتكتموا الحقَ وأنتم تعلمون) البقرة/40 – 42.
اليهود يكتشفون بأن محمداً هو النبي الموعود :
ففي هذه الآيات يُذكِّرُ اللهُ بني إسرائيل الذين هم اليهود بالنعم التي تفضل بها عليهم، وهذا يوجبُ عليهم الانصياعَ لأوامر الله وعدمَ التمردِ عليها والوفاءَ بعهد الله، والخضوعَ لأحكامه والإيمانَ بنبوة محمد (ص) الذي تنطبق صفاتُهُ وملامحُهُ على ما جاء في كتبهم.
فلو وَفَىَ بنو إسرائيلَ بهذا العهد لوَفَىَ اللهُ بعهده لهم من الرفعة في الدنيا وحسنِ الثوابِ في الآخرة، ثم يدعوهم الله للإيمان بالقرآن المُنزل من عنده المصدقِ لما معهم من أهداف الدين والمصدقِ لما بين أيديهم من التوراة، وأن لا يكونوا أولَ من يكفرُ به مستبدلين بهدايته عَرَضاً قليلاً زائلاً من متاع الحياة الدنيا.
وبرَغم دعوة القرآن الصريحة لليهود إلى الإيمان والدخولِ في الإسلام، وبرغم كل الحقائق التي كانوا يعرفونها عن النبي (ص) وصدقِهِ في دعوته فقد كفروا بهذه الدعوة كبرياءً وإعراضاً عن الحق الذي جاء به نبيٌ ليس منهم. ولم يكتفوا بتكذيب النبي (ص) وعدمِ الإيمان برسالته، بل وقفوا منه ومن الإسلام ومنذ اليوم الأول الذي دعاهم فيه إلى الإيمان وقفوا في مواجهة الإسلام وكانوا ولا يزالون أشدَّ الناسِ عداوةً وحقداً على الإسلام والمسلمين.
وها هم أحفادُهُم الصهاينة المحتلون في فلسطين يُعبّرُونَ عن هذا الحقد وهذه العداوة من خلال ما يقولونه بحق نبينا محمد (ص) وما يصفونه به وهم يعبّرون يومياً عن حقدهم وعداوتهم للعرب والمسلمين من خلال قتل الشيوخ والأطفال من أبناء الشعب الفلسطيني الأعزل ومن خلال الاعتداءات المستمرة على المسجد الأقصى وسائرِ مقدسات المسلمين في القدس الشريف وفي غيرها من المدن الفلسطينية.
ولنا هنا أن نتساءل عن الأسباب والعوامل التي جعلت اليهودَ يقفون هذا الموقفَ العدائيَ الحاقدَ من الإسلام والمسلمين منذ ظهور الإسلام حتى اليوم؟ فما هي تلك الأسباب والعوامل؟؟
لعل من أهم أسباب عداوةِ اليهودِ للإسلام والمسلمين هو:
أولاً: لقد وجدوا أن هذا النبيَ (ص) يدعو الناس إلى دينٍ هو نظامٌ كاملٌ وشاملٌ للحياة، وقد اهتم هذا الدينُ بمحاربة الربا والاحتكارِ والغشِ وجميعِ أنواعِ وأشكالِ استغلال الإنسان لإخيه الإنسان ، فلم ينسجمْ ذلك مع أطماعهم ومصالحهم، بل رأوه يتنافىَ مع تلك الأطماع ومع أهدافهم ومصالحهم الشخصية، فاليهود يعيشون على الغش والربا والدعارة والاحتكار والفساد بكل أشكاله، والإسلامُ يحرمُ كلَ ذلك.
واليهودُ قبل هجرة النبي (ص) إلى المدينة كانوا هم السادةَ للحياة الاقتصادية في المدينة المنورة، فقد أنشأوا فيها معاصرَ للخمور وبيوتاً للدعارة ومراعيَ للخنازير.
وكانوا يحتكرون صياغة الذهب والفِضة وصناعةََ الأسلحة ويتاجرون بالربا ولا يتورعون عن الاستغلال والاحتكار، ولكن بعد إقامة النبي (ص) بالمدينة وإسلامِ أهلها شعر اليهودُ بالخطر المباشر على أرباحهم وامتيازاتهم لأن شبابَ المدينة لن يترددوا بعد اليوم على حوانيتهم ومواخيرهم وأهلَهَا لن يأكلوا لحوم الخنازير، ولن يشربوا الخمر. ومعنى هذا أن اليهود يفقدون بوجود الإسلام جميعَ مصادر الثراء والأرباح. ويفقدون أيضاً أطماعَهم ومصالحَهم ومنافعَهم الماديةَ الخاصة. ومن أجل هذا أخذوا يتآمرون مع المشركين ضد المسلمين للقضاءِ على هذا الدين.
ثانياً: لقد رأى اليهودُ كيف أن الإسلام يزدادُ قوةً واتساعاً ونفوذاً يوماً بعد يوم، ورأوا أن نفوذََهم كمصدرٍ وحيدٍ للمعارف والعلوم والتفوقِ العلمي بدأ ينحسر أمام حركة الإسلام ومعارفِهِ وأحكامهِ ومفاهيمه. ورأوا أيضاً أن هذا الدينَ يرفضُ إعطاءَ الامتيازاتِ على أساس عرقيٍ أو عنصري وهو يساوي بين الناس جميعاً يساوي بين اليهود وغيرِهم، ويُبطلُ مزاعمَهم وادعاءاتِهم بالتفوق الاجتماعي وبأنهم شعبُ اللهِ المختار لأنه يلتزمُ بمبدأ (إن أكرمكم عند الله أتقاكم) ولا فضل لعربي على أعجمي إلا بالتقوى. وهذا الأمرُ كان يُزلزلُ مكانتَهم ويفقدُهُم الشيءَ الذي يعتزون به ويتسامون به على الناس.
ثالثاً: أن يهود المنطقة العربية في عهد النبي (ص) كانوا أصحابَ أموال وأملاكٍ كثيرة كما كانوا أصحابَ وجاهةٍ وزعامةٍ وسلطةٍ سياسيةٍ واجتماعية. وكان نفوذُهُم يمتدُ إلى مختلِفِ أنحاء المنطقة وإلى معظم قبائلِها وشرائحِها الاجتماعية والسياسية، ولكنَّ انتشارَ الإسلام المستمرَّ في الجزيرة العربية جعلهم يشعرون بأنهم بدأوا يفقدون سيطرتهم وهيمنتهم على المنطقة وأهلِ الشرك فبدأوا ينصبون العِدَاءَ للنبي (ص) وللإسلام والمسلمين.
رابعاً: إن اليهود كانوا يأملون في أن يكون النبيُ الجديد إسرائيلياً، فلما رأوه عربياً كفروا به حسداً وتعصباً للعنصرية اليهودية، لأن العقلية اليهودية تأبى أن تعترف بنبي من غير بني إسرائيل. وقد أشار القرآنُ الكريمُ إلى عامل الحسد هذا بقوله تعالى: {ولما جاءهم كتابُ من عند الله مصدقٌ لما معهم وكانوا من قبلُ يستفتحون على الذين كفروا فلما جاءهم ما عَرَفوا به كفروا به فلعنةُ الله على الكافرين بئسما اشتروا به أنفسَهم أن يكفروا بما أَنزلَ اللهُ بغياً أن يُنزِّل اللهُ من فضله على من يشاء من عباده فباءوا بغضب على غضب وللكافرين عذابٌ مُهين} البقرة89/90. ومعنى الآية: أن اليهود كفروا بمحمد (ص) لا لشيء إلا لأنهم يريدون أن يحصروا الوحي والفضلَ والنبوةَ فيهم وحدَهم ولا يقبلون من الله ولا من غيره إلا ما يوافقُ أهواءَهم ومصالحَهم.
والخلاصة: إن الإسلامَ حوّلَ اليهودَ من موقع القوة والنفوذ السياسي والاقتصادي والاجتماعي إلى موقع الضعف والهوان وأبطل ادعاءاتِهم بالتفوق العلمي والاجتماعي، وقضى على اليهودية المحرفة وعلى أحلام بني إسرائيل، فامتلأت قلوبُ اليهود قديماً وحديثاً بالغيظ والأحقاد على هذا الدين وأتباعه، فبدأوا بمعاداة الإسلام ومواجهته ومواجهةِ المسلمين بأشكال التآمر والغدرِ والخيانة والممارسات الإرهابية التي تدل على وحشيتهم وحجم إمعانهم في القتل والجريمة.
الشيخ علي دعموش