رغم هزيمة المسلمين فيها "معركة أحد" تدخل القرآن الكريم(42)
- المجموعة: لبيك يا رسول الله2
- 06 تشرين1/أكتوير 2013
- اسرة التحرير
- الزيارات: 3107
معركة "أحد" في القرآن الكريم (42)
لم يهتمَّ القرآنُ الكريمُ بأي معركة من معارك الإسلام الأولى بالحجم الذي اهتم فيه بمعركة أحد, التي وقعت في شوال من السنة الثالثة للهجرة, وبرُغْمِ ذلك فلم يتحدث القرآن بطريقة تفصيلية عن الوقائع الميدانية لهذه المعركة وإنما اختار بعضَ المواقفِ التي تشكل محطاتٍ مُهِمَّةٍ فيها, من أجل أن يقف المسلمون وقفة تأمل في هذه المواقف ليأخذوا منها العبرَ والدروس.
ونحن هنا نتحدثُ عن بعض هذه المواقف التي أثارها القرآن الكريم فيما يتعلقُ بهذه المعركة ضمنَ عدة نقاط :
النقطةُ الأولى: من المعروف أن معركة أحد انتهت بهزيمة المسلمين وقد تركت هذه الهزيمةُ والخسائرُ التي مُنِيَوا بها (حيث سقط منهم سبعون شهيداً إضافةً إلى عدد كبير من الجرحى) أزمةً نفسيةً شديدة, فقد أُصيبَ المسلمون بفعل الهزيمة بصدمة عنيفة وحزنٍ عميق وشعروا بالضعف والوهنِ والإحباط, حتى كاد اليأسُ أن يتسربَ إلى البعض والشكُ إلى البعض الآخر.
القرآنُ الكريمُ تحدث عن هذه الحالة النفسية واستنكرها, لأن الوهنَ والضعفَ والشعورَ بالإحباط والشكَ ليست من مواصفات الإنسان المؤمن المرتبطِ بالله عز وجل, فالمؤمنُ هو من يتعالى على الجراح, المؤمنُ لا يضعُفُ أمام أي انكسار ولا يضعفُ أمامَ أيِ هزيمة, لأن المؤمنَ يبقى مع الله, ويستمدُ القوةَ والعزمَ والإرادةَ من الله ويعرفُ أن القوة لله جميعاً وأن العزّة لله جميعاً ويقول كما قال رسولُ الله(ص) في أشد ساعات المحنة "إذ يقول لصاحبه لا تحزن إن الله معنا".
المؤمنُ لا يفقد الأملَ بنصر الله ما دام أنه يأخذ بأسباب النصر, والمؤمنُ بَدَلَ أن ييأس ويضعُفَ أمام الهزيمة يقفُ بقوة وعزمٍ راسخ ليأخذ العبرةَ من الأحداث ويدرسَ الأسبابَ التي أدت إلى الهزيمة, ويتفحصَ مواطنَ القوة والضعف من أجل أن يصححَ الأخطاء في المستقبل ويتفادى عواملَ الانكسارِ والهزيمة.
الهزيمة ليست قدرا :
ولذلك فإن القرآن الكريم حاول بكل قوة أن يبعث الأملَ في نفوس المسلمين في "أحد" وأن يعيدَ إليهمُ الثقةَ بأنفسهم ويجددَ عزيمتهم وإرادتَهم وذلك عن طريق التشجيع والمواساة, فقد قال تعالى في سورة آل عمران: (ولا تهنوا ولا تحزنوا وأنتم الأعلون إن كنتم مؤمنين، إن يمسسكم قَرحٌ فقد مسَّ القومَ قَرحٌ مِثْلُهُ), فإذا كنتم قد هُزمتم في أُحُد فقد هُزمَ المشركون في بدر (وتلك الأيامُ نداولها بين الناس), فليس هناك انتصارٌ دائم وليس هناك انكسارٌ دائم, لأن الدنيا مداولةٌ بين الحق والباطل, فقد ينتصرُ الحقُ في معركة وقد ينتصرُ الباطلُ في معركة أخرى, وهذه هي سنةُ الله في الكون والحياة.
النقطةُ الثانية: إن الهزيمة والإنكسارَ والفشلَ في بعض مواقع الصراع قد يكون اختباراً وابتلاءاً من أجل تمحيص الناس وتمييزهم ليتميز المؤمنُ من غير المؤمن والصابرُ من غير الصابر والصادقُ من غير الصادق والملتزمُ بالتكليف من غير الملتزم لأن القرآن يرى أن جوهر شخصية الإنسان تتضح عندما تخضع للبلاء, فالبلاءُ هو الذي يحددُ حقيقة الإنسان وواقعَهُ, فالإنسان قد يتصور نفسه قوياً وشجاعاً وصُلباً في مواقع التحدي ولكن عندما يخضعُ للتجربة العملية ويحينُ وقتُ الجدِّ وينزلُ إلى ساحة الجهاد ويخضعُ للابتلاء يتبينُ العكسُ ويهتزُ إيمانُهُ وقد يعيشُ حالات الشك والتراجع. وهذا الواقعُ أكدته أحداثُ "أُحُد", فالهزيمةُ الطارئةُ زلزلت ضعاف النفوس التي كانت تدعي الإيمان وجعلَتهَا تعيشُ الشكَ بصدق رسول الله(ص), بينما زادت الهزيمةُ البعضَ الآخر قوةً وإصراراً وثباتاً على مواجهة التحديات, وبذلك انكشف الإيمانُ المزيفُ من الإيمان الخالص والإيمانُ القويُ ا لراسخُ في العقول والقلوب من الإيمان المتزلزل.
وأيضاً فإن المسلمين في "أُحُد" كانوا يتمنون الموتَ والشهادةَ في ساحات الجهاد ولكن حين خضع بعضُهم للتجربة وفُرضتْ عليهم المعركةُ من جديد وأصبحوا قاب قوسين أو أدنى من الموت سقطوا في الامتحان وحاولوا الفرارَ من أرض المعركة ولم يَثبُتْ مع رسول الله(ص) إلا القلةُ رُغم أنهم كانوا يرونَهُ يتعرضُ لهجوم واسع من قبل المشركين وقد أصيب ببعض الجراحات.
وقد صور لنا القرآنُ هذا الواقعَ الذي كان يعيشه بعضُ المسلمين اثناء خضوعهم للتجربة في معركة أحد, حيث قال تعالى في سورة آل عمران أيضاً, (وليُمَحِّصَ اللهُ الذين آمنوا ويمحقَ الكافرين, أم حسبتم أن تدخلوا الجنةَ ولمّا يعلمِ اللهُ الذين جاهدوا منكم ويعلمَ الصابرين, ولقد كنتم تَمَنَّوْنَ الموتَ من قبلِ أن تَلْقَوْه فقد رأيتمُوه وأنتم تنظرون) 142/143.
فالجنةُ التي وعد الله بها عباده لا تُقدمُ للكُسالى والمتخاذلين الذين يقضون حياتهم في الراحة والاسترخاء ولا يتحملون في هذه الحياة مسؤولياتهم, الجنةُ تُعطى للمؤمنين الذين يصمدون أمام التحديات, والذين يجسدون إيمانهم جهاداً وتضحيةً وصبراً في مواقع التحدي. الذي يستحقُ الجنةَ والثواب والفضل هو الذي يقدم حياته في سبيل إيمانه ورسالته والحق, فمن أراد الجنةَ فليسع لها بوسائلها وفي طليعة هذه الوسائل الجهادُ والثباتُ والتحملُ والصبرُ في مواقعه وساحاته.
النقطة الثالثة: إن من أخطر المواقف التي واجهت المسلمين في نهاية معركة أحد هو موقفَ البعضِ الذي بدأ يفتشُ عمن يأخذ له الأمانَ من العدو من أجل أن يسلم بنفسه, أو بدأ يشككُ بصدق رسول الله ونبوتِه وذلك عندما انطلقتْ الإشاعاتُ عن مقتل النبي(ص) وشعرَ المسلمون بالقلق والضياع, فقد قال بعضُ المسلمين عندما سمعَ إشاعةً أن النبي قد قتل: ليتنا نجدُ من يأخذُ لنا الأمان من أبي سفيان, وقال البعضُ أيضاً: لو كان محمدٌ نبياً لمَ يقتل, إلحقوا بدينكم الأوّل.
وقد تحدث القرآنُ في معرض تحليله لمواقف المسلمين في أُحُد عن هذا الموقف حيث قال تعالى:(وما محمدٌ إلا رسولٌ قد خلتْ من قبله الرسل أفإن مات أو قتل انقلبتم على أعقابكم, ومن ينقلبْ على عقبيه فلن يضرَّ اللهَ شيئاً وسيجزيِ اللهُ الشاكرين) آل عمران / 144.
غياب القائد لا يوقف المسيرة :
فالمتزلزلون في إيمانهم وغيرُ الواعين, ينقلبون على أعقابهم ويشككون ويتراجعون عن دينهم وعن الحق بعد أن سمعوا بمقتل الرسول ويشعروا بغياب القائد. ولكن في مقابل هؤلاء نجدُ من الرجال المؤمنين من يمثلون حقيقة الإيمانِ والثباتِ على الحق حتى في حال غياب القائدِ أو موته.
فقد رُويَ في "أُحُد" أن رجلاً من المهاجرين مرّ برجل من الأنصار يتشحطُ في دمه, فقال المهاجريُ للأنصاري: أَعلمتَ أن محمداً قد قتل؟. فأجابه الأنصاري: إن كان محمدٌ قد قتل فقد بلَّغَ، فقاتلوا عن دينكم.
وفي روايةٍ أخرى: إن أنسَ بنَ الضر مرَّ برجال من المهاجرين والأنصار في معركة أحد وقد انكفؤوا عن الجهاد والقتال, فقال لهم أنس: ما يجلسُكُم, فقالوا: قتل محمد... فقال: إن كان محمدٌ قد قتل, فإن ربَّ محمدٍ لم يقتل, وما تصعون بالحياة بعده؟ فقاتلوا على ما قاتل عليه, وموتوا على ما مات عليه. ثم قال: اللهم إني أعتذر إليك مما قال هؤلاء, وابرأ إليك مما جاءوا به, ثم شدَّ سيفَه وقاتلَ حتى قتلَ رضوان الله عليه.
إذن ما نستفيدُهُ من ذلك: ان غيابَ القائدِ مهما كان عظيماً لا يُوقفُ المسيرةَ ولا يلغي الرسالة, فإذا مات الرسولُ أو القائد فلا يجوزُ أن ينحرف المسلمون عن خط الرسالة أو يتخَلَوا عن مسيرتهم وقضيتهم أو ينقلبوا على أعقابهم ويتراجعوا إلى الكفر والضلال, وإنّما عليهم أن يجردوا أنفسهم لحمل مسؤولية تبليغِ الرسالة من بعده وإكمالِ المسيرة.