تنمية روح البذل والعطاء
- المجموعة: 2020
- 23 تشرين1/أكتوير 2020
- اسرة التحرير
- الزيارات: 463
حب الإنسان لذاته وحرصه على الاستئثار بامواله لنفسه، قد يكون امرا طبيعيا ومقبولا ان لم يتحول الى انانية مفرطة، تدفعه الى البخل وعدم الشعور بالاخرين، فالانسان كما ينبغي ان يفكر بنفسه ويعمل على تلبية حاجاته،
عليه ان يفكر بالاخرين، بان تكون لديه مشاعر انسانية تجعله يتحسس هموم الاخرين ومعاناتهم، فيسعى لمساعدتهم والانفاق عليهم، وقضاء حوائجهم.
على الانسان أن يجاهد نفسه، ويفكر خارج ذاته، فكما هو يريد أن يعيش مرتاحا، هناك اناس من حوله من حقهم أن يعيشوا مرتاحين، وعليه أن يعرف بأنّ المال الذي انعم الله به عليه، فيه حق للاخرين، لا سيما للفقراء والمحتاجين والمحرومين، كما يقول تعالى: ﴿وَفِي أَمْوَالِهِمْ حَقٌّ لِلسَّائِلِ وَالْمَحْرُومِ﴾.وفي آية أخرى: ﴿وَالَّذِينَ فِي أَمْوَالِهِمْ حَقٌّ مَعْلُومٌ * لِلسَّائِلِ وَالْمَحْرُومِ﴾.
وورد عن علي (ع): إنَّ اللهَ سُبحانَهُ فَرَضَ في أموالِ الأَغنِياءِ أقواتَ الفُقَراءِ، فَما جاعَ فَقيرٌ إلّا بِما مُتِّعَ بِهِ غَنِيٌّ ، وَاللهُ تَعالى سائِلُهُم عَن ذلِكَ.
المال الذي يملكه الانسان ليس له وحده، وإنما للمحتاجين والفقراء حق فيه، وعليه ان يعطي هذا الحق لاصحابه .
الانسان يجب ان يخرج من دائرة الانانية وحب الذات والبخل والتمسك بالمال، وبدلا من ذلك يجب ان ينمي في نفسه روح البذل والعطاء والاهتمام بالاخرين والشعور بمعاناتهم والامهم ومشاكلهم وحاجاتهم، وحتى يعين نفسه على ذلك لا بد من ان يلتفت الى بعض الامور التي تساعده على ذلك:
اولا: ان يتذكر دائماً، حقيقة وحتمية انه سيرحل عن هذه الدنيا، وسيترك كل ما لديه من اموال وأملاك وعقارات وثروات للاخرين ليتنعموا هم بها، وقد تنتقل أمواله وأملاكه الى من لا يحب، كما حصل مع بعض اصحاب الثروات بعد موتهم حيث انتقلت املاكهم واموالهم الى من لا يحبون ، فاذا كان الانسان لديه اموال طائلة لا يحتاجها كلها، فان عليه ان ينفق من هذه الاموال على المحتاجين واعمال البر، لانه سيرحل عنها في نهاية المطاف ولن يستفيد منها، فلماذا لا ينفقها في الخير ويستفيد من ذلك لآخرته ومصيره؟!
لماذا يغفل الانسان عن حقيقة انه سيرحل وأنه سيترك كل شيء وراءه وانه لن يأخذ معه شيئاً سوى أعماله الخيرة والطيبة؟ لماذا لا يستحضر الانسان هذه الحقيقة حتى يتجاوز الحالة الذاتية ويفكر في حاجات الاخرين ؟!
ثانياً: على الانسان ان يعرف بان الاهتمام بامور الفقراء والمساكين والمحتاجين والمتعسرين هو واجب ديني واخلاقي واجتماعي لا يمكن تجاهله.
فالزكاة والخمس واجبان عندما تتحقق شروطهما الشرعية، والتصدق على الاخرين وقضاء حوائجهم والاهتمام بشؤونهم والانفاق في سبيل الله وغير ذلك من العناوين التي تدخل في اطار التكافل الاجتماعي وتساهم في استقرار المجتمع وتحقيق أمانه الاجتماعي هي من أهم العناوين التي أكد عليها الاسلام، ومنح اصحابها الكثير من المكاسب والامتيازات في الدنيا والاخرة .
فقد قال الله تعالى عن الخمس: (وَاعْلَمُوا أَنَّمَا غَنِمْتُم مِّن شَيْءٍ فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبَىٰ وَالْيَتَامَىٰ وَالْمَسَاكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ إِن كُنتُمْ آمَنتُم بِاللَّهِ وَمَا أَنزَلْنَا عَلَىٰ عَبْدِنَا يَوْمَ الْفُرْقَانِ يَوْمَ الْتَقَى الْجَمْعَانِ ۗ وَاللَّهُ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ).
وعن الزكاة قال تعالى:(وَأَقِيمُواْ الصَّلاَةَ وَآتُواْ الزَّكَاةَ وَمَا تُقَدِّمُواْ لأَنفُسِكُم مِّنْ خَيْرٍ تَجِدُوهُ عِندَ اللّهِ ) .
وقال الله تعالى عن الصدقة: ﴿إِن تُبْدُواْ الصَّدَقَاتِ فَنِعِمَّا هِيَ وَإِن تُخْفُوهَا وَتُؤْتُوهَا الْفُقَرَاء فَهُوَ خَيْرٌ لُّكُمْ وَيُكَفِّرُ عَنكُم مِّن سَيِّئَاتِكُمْ وَاللّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ﴾.
وفي الحديث عن الإمام الصادق (عليه السلام): صدقة العلانية تدفع سبعين نوعًا من أنواع البلاء.
وعن الإمام الباقر (عليه السلام): البرّ والصدقة ينفيان الفقر، ويزيدان في العمر، ويدفعان سبعين ميتة سوء.
وفي قضاء الحوائج ورد عن الإمام موسى الكاظم (عليه السلام): إنّ لله عباداً في الأرض يسعون في حوائج الناس، هم الآمنون يوم القيامة.
وعن الإمام الصادق (عليه السلام): قال الله عزّ وجلّ: الخلق عيالي، فأحبّهم إليّ ألطفهم بهم، وأسعاهم في حاجاتهم.
لقد ربانا القران الكريم ونبينا الاكرم(ص) وائمة اهل البيت(ع) على حب العطاء، وقضاء الحوائج، والانفاق على المحتاجين، والاهتمام بحاجات المعسرين، وهذا السلوك الاجتماعي الاصيل، ليس بعيداً عن سلوك واخلاق مجتمعنا، ففي مجتمعنا العديد من الاغنياء والميسورين المحسنين الذين ينفقون من ثرواتهم على الفقراء، ويهتمون بالحاجات الاجتماعية، ويساهمون في اعمال البر والخير.
وهناك نماذج وشخصيات وجهات ومؤسسات خيرة كثيرة بادرت منذ نشوء الازمة الاقتصادية والمعيشية في لبنان الى الوقوف بجانب الفقراء والمحتاجين، فقامت بتوزيع الحصص الغذائية وتبرعت بمبالغ مالية كبيرة لمساعدة المتضررين من جائحة كورونا ومن الازمة المالية ومن انفجار مرفأ بيروت.
وما نطمح اليه هو أن لا تكون مثل هذه المبادرات الطيبة موسمية ومحدودة، بل ان تكون مستمرة ودائمة وان تكون هي السائدة في مجتمعنا ، بحيث يفكر كلّ إنسان ميسور وقادر على العطاء، بان عليه ان يساهم ولو بالقليل للتخفيف من تداعيات الازمة المعيشية على الناس.
ومن فضل الله علينا انه يوجد في مجتمعنا المحلي والاغترابي الكثير من الميسورين الخيرين المتمكنين من الانفاق والعطاء، وهم يملكون هذه الروحية ولا يقصرون اتجاه اهلهم ومجتمعهم .
ونحن ندعو كافة الاغنياء والميسورين الى تحمل مسؤولياتهم الدينية والاخلاقية والاجتماعية والوطنية والانسانية، والى خلق مبادرات اجتماعية وانسانية تساعد المحتاجين والمتعسرين والمتضررين في لبنان على تجاوز المحن والازمات والظروف الصعبة التي يمرون بها .
فما الذي يمنع هؤلاء الميسورين اللبنانيين المنتشرين في كل قارات العالم والمتمكنين من العطاء وسد بعض الحاجات من مبادرات اجتماعية من هذا النوع؟!
ما الذي يجعل هؤلاء محرومين من التوفيق لصرف أموالهم فيما ينفعهم، فيكونوا مصداقا لقول تعالى: (الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ بِاللَّيْلِ وَالنَّهَارِ سِرًّا وَعَلَانِيَةً فَلَهُمْ أَجْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ). ولقوله تعال: (وَمَا تُقَدِّمُوا لِأَنْفُسِكُمْ مِنْ خَيْرٍ تَجِدُوهُ عِنْدَ اللَّهِ هُوَ خَيْرًا وَأَعْظَمَ أَجْرًا ۚ وَاسْتَغْفِرُوا اللَّهَ ۖ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ). ومصداقا لقوله تعالى: ﴿إِنْ أَحْسَنْتُمْ َأحْسَنْتُمْ لِأَنْفُسِكُمْ﴾
الين ينفقون ويساهمون في مساعدة الناس سيستفيدون من ذلك في الدنيا والآخرة، ففي الدنيا يحصلون على السمعة الطيبة والذكر الحسن، ويصبح المجتمع الذي ينتمون إليه اكثر قوة وتماسكاً، وفي الآخرة يحصلون على عظيم الأجر والثواب.
وهناك مجالات إنسانية كثيرة يمكن للميسورين ان يساهموا فيها.
هناك الكثير من المؤسسات الرعائية والخيرية التي تساعد الاف العوائل الفقيرة كالامداد وغيرها وتعاني من قلة الموارد وقلة الدعم، ويمكن للميسورين ان يساهموا في دعمها، لتصل الى كل عائلة فقيرة والى كل بيت محتاج.
اليوم بالرغم من كثرة المبادرات الاجتماعية على مستوى الانفاق والتكافل الاجتماعي الا انها لا تزال دون المستوى المطلوب ولا تلبي كل الحاجات الاجتماعية القائمة، كما أنّ أولويات الإنفاق لا تزال ملتبسة عند الناس ولا تراعي التراتبية المطلوبة، ولذلك يجب:
اولا : استثارة مكامن الخير لدى كل الاغنياء والميسورين وليس لدى شريحة منهم فقط، من اجل ان تكون المبادرات والاسهامات الاجتماعية بمستوى الضائقة المعيشية المستعصية وعلى قدر المطلوب.
وثانيا: ترتيب سلم الأولويات، فهناك مشاريع يندفع الخيرون اليها ويتفاعلون معها كالمشاريع والانشطة الدينية وهذا امر جيد نحمد الله عليه، ونشكر كلّ من ساهم ويساهم في إنشاء المساجد والمجمعات والانشطة الدينية، لكن إلى جانب ذلك نحتاج إلى مشاريع انمائية واجتماعية وإنسانية.
بعض القرى والبلدات بحاجة إلى مشاريع مائية وكهربائية وبنى تحتية وغيرها، والعديد من الشباب وغيرهم بحاجة الى مساعدات وقروض لتامين فرص عمل او للزواج او لاكمال الدراسة وما شاكل، فلماذا لا نلتفت إلى مثل هذه الحاجات؟!
علينا أن نوسع من آفاق التفكير في مجالات البذل والعطاء، ونرتب الأولويات، لتشمل مناطق الفراغ والحاجات الماسة في المجتمع.
وايضا كما ان على الإنسان ان لا يبخل بماله الخاص، فان عليه ان لا يحبس المال العام الذي يكون تحت يديه، فمن لديه مال عام او لديه حقوق شرعية، يستلمها من الناس باعتباره مجازا باستلامها ومؤتمنا على إيصالها إلى مستحقيها، عليه ان يبادر الى صرفها في مواردها وعلى مستحقيها وان لا يحبسها ويتمسك بها ويبخل ويقتر، ويختلق الاعذار والمبررات.
المال العام وكذلك الحقوق الشرعية لا يجوز حبسها وادخارها مع وجود مستحقيها وهذا ما يفتي به جميع الفقهاء والمراجع . والحمد لله رب العالمين.