كربلاء وعوامل الخذلان
- المجموعة: 2020
- 28 آب/أغسطس 2020
- اسرة التحرير
- الزيارات: 527
واقعة كربلاء هي من أهم الوقائع التاريخية الملهمة التي يمكن أن يستلهم الإنسان منها الدروس ويستخلص منها العبر ويتعظ من أحداثها وما جرى فيها, وهي في نفس الوقت الذي تعتبر فيه من أغنى منابع ومصادر الاستلهام والتحفيز والإثارة لكل طالبي الحق والعدالة
ولكل المجاهدين في سبيل الحق والحرية.. هي أيضاً من أعظم الحوادث مرارة وألماً وقسوة ووحشية , بل هي من أمرّ الحوادث وأعظم الفجائع التي حصلت في تاريخ الإسلام.
فما جرى في كربلاء على الحسين وآل الحسين (ع) من الظلم والقهر والقتل والذبح والسبي وانتهاك الحرمات لم يحصل لأحد في تاريخ الإسلام.
فما هي الأسباب والعوامل التي أدت إلى ما حصل؟
لماذا تقهقرت الأمة وتخاذلت وقصرت عن نصرة ولي أمرها وإمامها المفروض الطاعة؟
عندما ندرس واقعة كربلاء والظروف التي أحاطت بها سنجد أن هناك العديد من الأسباب التي أدت إلى ما جرى اقتصر منها على ذكر أمرين:
الأول: لا شك أن الدنيا بكل مظاهرها وأشكالها، بمالها وملذاتها وجاهها ومصالحها وشهواتها, هي سبب أساسي ورئيسي في عدم استجابة الناس لنداء الجهاد والمقاومة..
أ ـ التعلق بمظاهر الدنيا والانشداد إلى شهواتها وملذاتها، والميل نحو الرفاه والرخاء, وحب السلامة والعافية والراحة,والاهتمام بجمع المال والثروة، والاستغراق في الملذات في القصور والفلل والسيارات الفخمة والخدم والحشم والسفر وغير ذلك، فإن هذا كله من الأمور التي تصرف الإنسان عن الاهتمام بما يجري حوله أو بما هو مطلوب منه تجاه الأخطار والتحديات التي يواجهها الإسلام أو تواجهها الأمة..
ب ـ طلب الدنيا وحب الجاه والرئاسة والزعامة والسعي للحصول على المواقع والمناصب والملك، فإن حب الإنسان لهذه الأمور وسعيه للحصول عليها بأي وسيلة قد يدفع الإنسان ليس لخذلان الحق فقط بل لنصرة الباطل والوقوف في المعسكر المقابل لمعسكر الحق، وهذا تماماً ما حصل مع رجل كعمر بن سعد الذي كان يريد أن يصل إلى ملك الري الذي وعد به بأي طريق إن هو قاتل الحسين (ع).
فإن طلب الدنيا والسعي للحصول على ملكها ومناصبها وجاهها هو الذي جعل هذا الرجل يخذل الحق وينتصر للباطل ويخسر في النهاية الدنيا والآخرة.
ج ـ الخوف على امتيازات الدنيا وما بأيدينا من مال أو ديار أو رزق أو جاه أو عيال وأولاد. فإن الخوف على فقدان هذه الأمور وضياعها خصوصاً عندما يواجه الإنسان تهديداً بذلك، أو الخوف على مصير ومستقبل هذه الأمور.. يدفع الإنسان في بعض الأحيان للتخلي عن مسؤولياته وواجباته في نصرة الحق والوقوف إلى جانبه.
وهناك نماذج كثيرة في عصر الحسين (ع) خذلوه ولم ينصروه بالرغم من دعوته لهم بسبب خوفهم على أموالهم وعيالهم ومصالحهم تماماً كما يقول البعض عندما تدعوه للقيام بواجباته الوطنية والشرعية، لدي أسرة وأموال ومصالح، وقد تعبت كثيراً حتى جمعت مالي وأسست مصلحتي أو شركتي أو تجارتي، أتريدني أن أتخلى عن كل ذلك وأذهب لميادين القتال؟! ولمن أترك عيالي وأولادي؟! ومن سيتدبر شؤونهم وأمورهم من بعدي؟! إنه الخوف على امتيازات الدنيا إلى الحد الذي تقف هذه الأمور عائقاً وحاجزاً يعيق حركة الإنسان ويحجزه عن الانطلاق إلى الله والقيام بمسؤولياته في نصرة الحق.
د ـ الطغاة والظالمون وأهل الباطل يحاولون باستمرار إغراء الناس أيضاً وشراء ضمائرهم, فهم يعملون على استمالتهم إليهم ببذل الأموال لهم ومنحهم ما يحبون من مناصب ومواقع، فيبتعد الناس عن الحق.
وقد استفاد الحكم الأموي من هذا الأسلوب في مواجهة الحسين (ع) فاشترى ضمائر معظم وجوه أهل الكوفة بالمال أو بالترهيب والتخويف فخذلوا الحسين (ع) وخانوه بعد أن راسلوه ووعدوه بأن يكونوا إلى جانبه إن هو قدم إليهم.
وهذا هو أسلوب الطغاة والمستكبرين والظالمين على امتداد العصور وفي كل زمان ومكان, فقد كانوا ولا يزالون يحاولون شراء ضمائر الناس والنفوس الضعيفة بالمال والجاه والإغراءات المتنوعة من أجل استمالتهم إلى الباطل في مواجهة الحق.
وهو ما تفعله الادارة الأمريكية وحلفاؤها مع بعض الشخصيات والجهات السياسية المعادية لنهج المقاومة في لبنان لاستخدامهم في مواجهة المقاومة والتحريض عليها وتشويه صورتها واتهامها بكل ما يجري في لبنان، وهو ما فعلوه ايضا في السنوات الماضية مع الشباب اللبناني عندما أنفقوا مئات ملايين الدولارات لأجل صرف الشباب عن الانخراط في المقاومة، ولكنهم فشلوا.. لأن شبابنا كانوا يملكون من الوعي والحصانة ما يجعلهم يرفضون التخلي عن مسؤولياتهم وواجباتهم الوطنية والشرعية لقاء حفنة من الدولارات.
والخلاصة: إن الإنخداع بالدنيا ينسي الآخرة ويدفع الإنسان لإجراء صفقة خاسرة ببيع الآخرة والسعادة الأبدية بدنيا فانية زائلة.
ولذلك نقرأ في زيارة الأربعين عن عن دوافع الذين خذلوا الحسين (ع) في كربلاء: (وقد توازر عليه من غرته الدنيا، وباع حظه بالأرذل الأدنى، وشرى آخرته بالثمن الأوكس، وتغطرس وتردَّى في هواه، وأسخطك وأسخط نبيك, وأطاع من عبادك أهل الشقاق والنفاق وحملة الأوزار والمستوجبين النار).
الثاني: الغفلة عن الأهداف والغايات والقضايا الكبرى التي تتعلق بالاسلام وبواقع ومستقبل الأمة, وعدم الشعور بحجم المأساة الجارية على الصعيد السياسي الاجتماعي والاخلاقي والأمني, وعدم الاهتمام بأمور الدين والإسلام والقيم وقضايا الحق , وغفلة الانسان عن مسؤولياته على هذا الصعيد.
المجتمع في عهد الحسين كان غافلاً عن أهداف الإسلام وقيمه وما يتعرض له من تشويه.. وعن مسؤولياته تجاه ذلك, بسبب استغراقه في أكله وشربه وحياته وانغماسه بشؤونه الخاصة.
كان الإمام الحسين (ع) يحاول أن يرفع حجب الغفلة عن الأمة , وان يوقظها على الحقيقة المرة وعلى الواقع السيء والمتردي الذي وصلت اليه في ظل الحكم الجائر, فقد قال في عاشوراء:
تباً لكم أيتها الجماعة وترحاً، أحين استصرختمونا والهين فأصرخناكم موجفين سللتم علينا سيفاً لنا في أيمانكم، وحششتم علينا ناراً اقتدحناها على عدونا وعدوكم, فأصبحتم إلباً لأعدائكم على أوليائكم بغير عدل أفشوه فيكم ولا أمل أصبح لكم فيهم.
اننا بحاجة الى معالجة حالة التعلق بالدنيا وحالة الغفلة عن مسؤولياتنا حتى لا نقع با وقع به المتخاذلون والمتخلفون عن نصرة الحسين(ع) في كربلاء, خصوصاً عندما نقع بين خيارين ويكون المطلوب منا ان نختار جانب الحق ونتحمل مسؤولياتنا تجاهه.