الأسرة المسلمة والتحديات المعاصرة
- المجموعة: 2020
- 24 تموز/يوليو 2020
- اسرة التحرير
- الزيارات: 789
في الاول من شهر ذي الحجة سنة 2 هجرية تزوج امير المؤمنين علي بن ابي طالب(ع) من ابنة رسول الله(ص) السيدة فاطمة الزهراء (ع)، فكان هذا الزواج المبارك بكل عناوينه نموذجا للزواج الاسلامي والمثالي الذي يقوم على اساس الحب والمودة والرحمة والكفاءة،
ومثالا لبناء اسرة متدينة متماسكة ومتعاونة تلتزم قيم الاسلام واخلاقه واحكامه وتراعي الحقوق والواجبات التي شرعها من اجل ضمان سعادتها واستقرارها النفسي والاجتماعي.
وقد اعتبرت هذه المناسبة الجليلة مناسبة لإقامة اسبوع للاسرة من كل عام، نستحضر فيه المفاهيم والقيم والاخلاق الأسرية التي جاء بها الاسلام والتي يجب ان تحكم حياة الاسرة، ونتحدث فيه عن اهم الضغوط والتحديات والمشكلات المعاصرة التي تواجه الاسرة المسلمة، وكيفية مواجهتها وتجاوزها، ومن هنا فان حديثنا في هذه المناسبة سيتناول أبرز التحديات التي تواجهها الاسرة المسلمة في لبنان لا سيما في الظروف الصعبة التي يعيشها لبنان على اكثر من صعيد.
فالاسرة المسلمة في لبنان تواجه العديد من التحديات الثقافية والاخلاقية والسلوكية والاجتماعية والاقتصادية والمعيشية القاسية ، ومواجهة هذه التحديات والضغوط تحتاج الى وعي وصبر وتضحية وحصانة تزيد الاسرة ترابطا وتماسكا وتمنع عنها التفكك والضياع اوالانزلاق فيما يريده أعداء الاسرة والمتربصين بها.
ان ابرز تلك التحديات هي :
1-التحديات الفكرية والثقافية، حيث ثمة توجه لغزو الافكار والعقول وضرب مرتكزات واسس الفكر والعقيدة الاسلامية وذلك من خلال: تشويه صورة الإسلام وعقيدته واحكامه وإثارة الشبهات حول القرآن الكريم والسنة النبوية الشريفة، وإفساد التعليم، ومحاولات التنصير، وإفساد المرأة، والعولمة الثقافية والتغريب.
والسبيل لمواجهة هذه التحديات هو تعزيز الهوية الإسلامية، واظهار عدالة الاسلام وحكمته وحضارته وثقافته وتاريخه، ومواجهة التحديات بالتعليم السليم والتثقيف والتحصين، وكشف مخاطر وعيوب العولمة والتغريب.
2-التحديات الاخلاقية والسلوكية، فالأعداء بعدما عجزوا عن تدمير مجتمعنا عسكريا من خلال الاحتلال والعدوان والإرهاب اتجهوا لتدميره أخلاقيا وسلوكيا وذلك من خلال: اغراق جيل الشباب بالملذات والشهوات، وتوريطهم بأفة المخدرات الخطيرة والمدمرة ، ونشر شبكات الدعارة، والمثلية، والتركيز على نزع الحياء من المرأة وسلب عفتها، فان احد الاهداف التي يركز عليها أعدائنا لضرب مجتمعنا أخلاقيا وسلوكيا في اطار الحرب الناعمة التي يشنها علينا هو ضرب العفة لدى الاجيال وفي الحد الادنى اضعاف حالة العفة والحشمة في مجتمعنا ولدى شبابنا وفتياتنا خصوصا لدى الفتاة والمرأة المسلمة، وصولا الى جعلها انسانة مائعة ومتهتكة وفاجرة ومتحللة اخلاقيا تحت عنوان حرية المرأة، هناكاستعباد للمرأة واحتقار للمرأة واستخدامها لإشباع الرغبات الجنسية بلا كرامة وبلا حياء وبلا ماء وجه وبلا حياة شريفة، وينتهى الأمر بالإدمان على المخدرات والانتحار أو القتل. ولا بد في مواجهة هذا التحدي من تحصين هذا الجيل بالقيم والاخلاق والسهر على تربية الجيل ومتابعته وملاحقته بالنصح والارشاد والتوجيه الصحيح، والعودة الى القرآن والعمل بقيمه ومفاهيمه وأحكامه، لانه يمنحنا ويمنح أجيالنا هذه الحصانة والمناعة التي نستطيع من خلالها مواجهة الغزو الثقافي وهذه الحرب الناعمة .
3-التحديات الاجتماعية، وأبرزها، التفكك العائلي، وممارسة العنف الاسري، وانتشار حالات الطلاق، لا سيما في الفترة الاخيرة بعد الضائقة الاقتصادية والمالية التي تعصف بلبنان، ولا بد في مواجهة ذلك من تعزيز الوعي لدى افراد الاسرة حول واجباتهم والادوار الموكولة اليهم داخل الاسرة، كما لا بد من قيام الوالدين بالاهتمام بثقافة الأبناء وتربيتهم التربية الصحيحة، وإشاعة ثقافة النقد والحوار لدى الأسرة، وتوعية الأبناء فيما يتعلق بالأسرة والزواج، وعدم عزل الأبناء عن التكنولوجيا والتوجيه السليم لإستخدام وسائل التواصل الاجتماعي التي باتت تسبب الكثير من المشكلات بسبب الادمان عليها وسوء استخدامها ، كما لا بد من الالتفات الى عدم المسارعة إلى الطلاق لدى أدنى مشكلة، فهناك من يتزوّج وعند أوّل مشكلة يطلب الطلاق بحجة انه لم يعد يقدرعلى تحمّل الآخر!
أهلنا كانوا يعيشون في ظلّ حياة صعبة وكانوا يتحمّلون ويصبرون. ولا يلجأون الى الطلاق بسهولة.
اليوم نسب الطلاق في لبنان مرتفعة، وسنة بعد سنة بدل أن تتراجع النسب المئوية فهي تزداد.
الزوج والزوجة مدعوان للتجمل بالصبر لحدود بعيدة من أجل الحفاظ على العائلة، أخواتنا وأمهاتنا وزوجاتنا وبناتنا عليهم مسؤولية عظيمة في حماية العائلة من التفكك وعدم المسارعة إلى الطلاق.
الزوج عليه أن يصبر والزوجة عليها أن تصبر، وإذا فقدت البنت الصبر فإن على الأم أن تساعدها وعلى الأب أن يساعدها على الإستمرار لا على الإنفصال والطلاق.
يجب ثني الشباب والبنات عن الطلاق، والتشدّد بموضوع الطلاق، فليس بمجرد أن ترفع البنت الصوت تسارع الأم لتساعدها على ذلك، لا؛ فمنذ القدم كانوا قاسين ولم يكونوا يفعلوا ذلك. لذلك بقيت البيوت. نحن لا ندعو الى القسوة وعدم الطلاق في جميع الحالات، لكن يجب أن نكون منطقيين وموضوعيين. الأب والأم للشاب كما هما للبنت: فإذا اختلف الشاب والبنت فالأم تقف إلى جانب ابنها، هذا خطر كبير وسيء ويدمّر بيوتكم ومجتمعكم ودنياهم وآخرتهم.
وظيفة الجميع، العلماء والمحاكم والآباء والأمهات، وظيفتهم الدينية والأخلاقية والشرعية والإنسانية مواجهة ظاهرة الطلاق، وأن لا يسارعوا الى إجراء الطلاق، بل يعطوا فرصا ويفتّشوا عن الحلول للحفاظ على العائلة.
4-التحديات الاقتصادية والمعيشية، وأبرزها الحصار والعقوبات الاقتصادية والمالية المفروضة امريكيا على لبنان، والبطالة، وفقدان الوظائف، وتدني قيمة العملة الوطنية، وارتفاع اسعار السلع والمواد الضرورية، وتفشي ظاهرة الإستهلاك الترفي، ولعل أبرز مظاهر الإستهلاك الإسراف والتبذير في الطعام والاثات والكماليات، والرغبة في الترفيه والسياحة وشم الهوا، وارتياد المطاعم والمقاهي، والسفر، واستهلاك أدوات الزينة من قبل الرجال والنساء، واستقدام الخادمات .
وفي مواجهة هذه التحديات لا بد من من الصبر والثبات في مواجهة الحصار والعمل على افشاله من خلال ايجاد البدائل، كما لا بد ان تسود روح التعاون بين افراد الاسرة، والتحلي بالصبر والوعي والتضحية وتحمل الصعوبات والظروف القاسية، والتوجه نحو ترشيد الانفاق، والاعتدال في الإنفاق بين التبذير والتقتير، والحد من الإنفاق على الكماليات، والإنفاق على قدر الاستطاعة وبالمقدارالذي يتناسب مع قدرات الانسان ومداخيله، كما لا بد من السعي لتقليص الاعباء من خلال المبادرة الى اعمال تساهم في اكتفاء الاسرة من بعض الحاجيات وتغنيها عن صرف الاموال عليها، كالعمل في الزراعة والحرف المختلفة التي تساعد الاسر والمجتمع على الاكتفاء الذاتي في بعض المجالات، وتجعلها تساهم من خلال ذلك في مواجهة الحصار والعقوبات. والحمد لله رب العالمين