يروي التاريخ أن أبا لهب كان العدو الأول للنبي (ص) كيف كان بهذه القوة؟!(28)
- المجموعة: لبيك يا رسول الله2
- 22 أيلول/سبتمبر 2013
- اسرة التحرير
- الزيارات: 3534
النبي (ص) يعرض الإسلام على القبائل العربية (28) :
أحد الأساليب التي اتبعها النبي (ص) في الدعوة إلى الدين الإسلامي هو أسلوب الاتصال الشخصي المباشر مع الأفراد والجماعات. ولقد عمل بهذا الأسلوب على خطين.
في الخط الأول : كان يهاجر إلى خارج مكة المكرمة، إلى الطائف في السنة العاشرة من البعثة النبوية بعد وفاة أبي طالب، وأقام فيها عشرة أيام يتجول بين أحيائها ويدعو أهلها إلى الإسلام وعبادة الله الواحد الأحد. ولكنهم لم يسمعوا منه بل جلسوا له في الطريق يرمونه بالحجارة حتى أصيب رأسه الشريف. فرجع أدراجه إلى مكة دون أن يحقق نتيجة في الطائف.
في الخط الثاني : كان النبي (ص) يغتنم الفرص في بعض المناسبات الدينية والاقتصادية داخل مكة ليعرض الإسلام على القبائل التي كان تأتي إلى مكة للحج أو التجارة ويذهب إليهم، ويجلس معهم ويحاورهم ويدخل في تفاصيل ما يدعو إليه من قيم ومبادئ.
أبو لهب كان يتعقب النبي ويلاحقه في كل خطواته :
ويقول المؤرخون إنه كان لا يسمع بقادم إلى مكة له اسم وشرف ونفوذ إلا وبادر إلى اللقاء به ودعاه إلى الإسلام. وكان لا يدع مناسبة يجتمع فيه الناس إلا ويقصدهم إلى أنديتهم ومنازلهم ليدعوهم إلى الله الواحد لا شريك له. ولكن عمه أبا لهب كان وراءه يلاحقه أينما ذهب ويعقّب على كلامه ويطلب من الناس عدم الاستجابة له. وكان الناس في الغالب يسمعون من قريش وأبي لهب، ويتأثرون بدعاياتهم ضد النبي (ص). إما لأنهم كانوا يخافون من سلطان قريش ونفوذها وإما حفاظا على مصالحهم الاقتصادية في مكة.
ولعل هذا السبب هو ما أفشل مبادرات النبي (ص)، حيث لم يكن يجد أذاناً صاغية لدعوته بين أفراد هذه القبائل في بعض الحالات. كما أن تصدي أبي لهب، وهو عمه، بالذات لتكذيب النبي (ص) واتهامه بعقله وشخصيته والتشويش عليه، كان سبباً أخرا لعدم استجابة هذه القبائل، على اعتبار أن الناس كانت تفكر بأن هذا الرجل الذي يدعوهم إلى عدم الاستماع إلى النبي وتكذيبه هو عم النبي (ص) يعني أنه من أعرف الناس به. فلو كان صادقاً فيما يقول ويدعو إليه لقبل منه الإسلام ولما شهّر به وكذّبه.
ولأجل ذلك عندما كان النبي (ص) يعرض رسالته عليهم كانوا يردّون عليه أقبح الرد. ويقولون له :"أسرتك وعشيرتك أعلم بك حيث لم يتبعوك". لكن النبي (ص) مع ذلك لم يفقد الأمل واستمر باتباع هذا الأسلوب، يتصل بالأفراد والجماعات.
وكان يهدف من خلال الطريقة في العمل الإسلامي تحقيق عدة أمور :
أولاً : إيصال صوت الدعوة الإسلامية إلى كل مكان وكل جماعة بشكل شخصي مباشر. وعدم الاكتفاء بدعوة العامة من بعيد. إذ إن هدفه إعطاء الناس الصورة الواضحة عن الإسلام وعقائده ومفاهيمه والدخول في التفاصيل. بينما لو اعتمد الرسول (ص) الدعوة من بعيد وبشكل عام، لا يحقق هذا الهدف المطلوب ولا يقرّب للناس روح الدين ومفاهيمه ولا يهيئهم للتفاعل مع قضاياه. والقبائل التي لم تستجب للنبي (ص) في البداية عادت ودخلت في الإسلام، خاصة بعد فتح مكة، بمجرد ارتفاع الضغوط من قريش عنهم، ولم تعد قادرة على نفوذها السابق أو وضع العراقيل والموانع في وجه الإسلام.
ثانياً : إن هدف هذا النبي (ص) من هذا الإتصال الشخصي بالأفراد والجماعات حتى مع زعماء قبائل العرب، لتتعمق معرفته أكثر عن عقليتهم وطريقة تفكيرهم واحوالهم النفسية من جهة، ومن جهة أخرى كان يريد تعريفهم بنفسه ليتأكدوا من حقيقته وصدقه. وإنه من خلال أسلوبه وطريقة حديثه معهم والتفاصيل التي كان يناقشها وأياهم والقضايا الدينية التي كان يدعو إليها، تجعلهم يتعرفون صورة مختلفة عن شخصيته مغايرة لما يسمعوه من إشاعات مغرضة بحقه. فيكون ذلك خطة عملية لتحطيم كل الدعايات والإفتراءات التي كان المشركون يروجونها ضده.
ثالثاً : إن عرض النبي (ص) دعوته على القبائل التي كانت تأتي إلى مكة هدف منه إيضاً انتشار الدعوة في كل مكان وأن تصل إلى آذان كل الناس خارج جدران مكة، وهذا من شأنه الإسهام في الدعاية للدعوة الإسلامية ونشر صيته في مختلف أنحاء الجزيرة العربية وغيرها. إذ كان من الطبيعي أن يتداول هؤلاء الناس، حين يرجعون إلى بلادهم، بما رأوه وسمعوه في سفرهم. ولم يكن هناك خبر أكثر إثارة لهم من خبر ظهور هذا الدين الجديد وفي مكة المكرمة بالذات.
رابعاً : إن النبي (ص) كان يفتش عن قاعدة إقليمية وبشرية للإسلام يستطيع فيها الدعوة أخذ حريتها، وحماية نفسها، لأن مكة لم تكن صالحة للانطلاق إلى العالم، نظرا لكونها قاعدة للشرك، ولن يسمح المشركون للنبي (ص) فيها بالحركة بحرية. فكان لا بد من البحث عن مكان أخر تتوفر فيه الأرضية المناسبة للدعوة إلى الله بحرية، ويستطيع النبي فيه تشكيل القاعدة البشرية التي تحتاجها الدعوة حتى تنطلق إلى العالم كله.
لذا كانت اتصالاته بالقبائل وهجراته خارج مكة لتحقيق هذا الهدف. ونجحت محاولاته في نهاية المطاف حيث التقى بجماعة من أهل المدينة المنورة "يثرب" فأسلموا، وكانوا نواة دخول الإسلام إلى المدينة. وكانوا نواة المجتمع الإسلامي حيث أبدوا الاستعداد الكامل لحماية الرسول (ص) وتأييده وحماية دعوته ورسالته من خلال بعيتين، عرفتا في التاريخ "بيعة العقبة الأولى" و" بيعة العقبة الثانية".
الشيخ علي دعموش