أحكام الصوم في القرآن (6)
- المجموعة: قرآنيات
- 06 نيسان/أبريل 2014
- اسرة التحرير
- الزيارات: 4941
ان فقرة (وعلى الذين يطيقونه فدية طعام مسكين ) تشير الى حكم اخر من الاحكام المتعلقة بالصوم وهو حكم اولئك الذين يستطيعون الصوم ولكن لا يستطيعونه إلا بجهد ومشقة وتعب كبير بحيث يستنفد الصوم جميع قواهم وطاقتهم، كالطاعنين في السن والمصابين بمرض العطاش الذين يجهدهم الصوم ، فان مثل هؤلاء لا يجب عليهم الصوم
بسم الله الرحمن الرحيم
(يا ايها الذين آمنوا كتب عليكم الصيام كما كتب على الذين من قبلكم لعلكم تتقون .اياما معدودات فمن كان منكم مريضاً او على سفر فعدة من أيام اخر ، وعلى الذين يطيقونه فدية طعام مسكين فمن تطوع خيراً فهو خيرٌله وأن تصوموا خيرٌلكم إن كنتم تعلمون. البقرة 183/184 .
تحدثنا في بعض الحلقات الماضية حول بعض ما يتعلق بالآية الأولى .وأما الآية الثانية وهي قوله تعالى : (أياما معدودات فمن كان منكم مريضاً..) فان هذه الاية تبين الاحكام والتشريعات المتعلقة بفريضة الصوم ،وهي تشير الى عدة امور نذكرها في ثلاث نقاط:
النقطة الأولى : روي ان النبي (ص) حين قدم الى المدينة مهاجراً من مكة كان يصوم يوم عاشوراء وثلاثة ايام من كل شهر ،وان هذه الأيام فرضها الله على المسلمين في بداية الصوم ثم بعد ذلك نسخ وجوب صيامها بفرض صيام شهر رمضان بنزول قوله تعالى : "شهر رمضان الذي انزل فيه القرآن ...."في الآية 185 من سورة البقرة.
وقد رأى بعض المفسرين استناداً الى هذه الرواية وغيرها من الروايات ان هذه الأيام الثلاثة ويوم عاشوراء هي المعنية بقوله تعالى في الآية (اياما معدودات ).
ولكن هذا القول وكما ذكرنا في بعض الحلقات السابقة غير صحيح ولا يمكن الأخذ به ،وذلك :
اولاً : لان الروايات التي استندوا اليها ضعيفة من جهة السند وهي متعارضة ومختلفة من جهة المضمون .
وثانياً : ان الصوم عبادة للمسلمين جميعاً وامرها لا ينبغي ان يخفى على احد ،فكان يلزم ان يتواتر نقل هذا الأمر اعني وجوب صيام تلك الأيام على المسلمين الاولين،مع انه لم ينقل ذلك بالتواتر ،ولو كان ذلك صحيحاً لورد عن اهل البيت عليهم السلام مع انه لم يرد عن طريقهم شيء من ذلك .
وثالثاً : ان ذكر يوم عاشوراء مع الأيام الثلاثة من كل شهر يكشف عن كذب الروايات الواردة في ذلك،فان يوم عاشوراء من الأيام التي اتخذها بنو امية عيداً لهم بعد ان قتلوا الإمام الحسين (ع) وذرية رسول الله (ص) في كربلاء ،فاتخذوا منه يوماً مباركاً يصومون فيه وجعلوه عيداً ولعل ذلك من اجل ان يغطوا جريمتهم النكراء بحق اهل بيت النبوة عليهم السلام .
ولاجل كل ذلك فان الصحيح ان المراد بقوله تعالى : (أياماً معدودات ) هو شهر رمضان الذي سيرد ذكره في الآية التالية، وانما عبر الله عن شهر رمضان هنا في هذه الآية بهذا التعبير ( أياما معدودات ) من اجل بيان ان الايام التي فرض الله فيها الصوم بالنسبة الى سائر السنة انما هي ايام قليلة (اياماً معدودات ) وليست كثيرة حتى يستصعب المؤمن القيام بها ويتثاقل من الصيام فيها .
النقطة الثانية : ان قول الله تعالى : (فمن كان منكم مريضاً او على سفر فعدة من ايام أخر)يدل على ان الانسان اذا كان مريضاً او مسافراً فيجب عليه الافطار ثم يقضي الصوم بعد ذلك بعدد الايام التي افطرها.
فالمريض والمسافر معفوان من الصوم وعليهما ان يقضيا ما فاتهما من ايام الصوم في ايام اخرى. والمرض الموجب للافطار هو المرض الذي يضره الصوم وذلك بان يزيد المرض او يصير بسبب الصوم صعب العلاج او بحيث يتأخر الشفاء من المرض بسبب الصوم ،ففي هذه الحالة على الانسان ان يفطر في شهر رمضان ثم يقضي الايام التي افطرها في ايام اخرى من السنة بعد الشفاء.
والمرجع في تحديد الحالة التي يجب الافطار فيها عند المرض الى ضمير الانسان ،فهو اعلم بنفسه فيما اذا كان الصوم يزيد من مرضه او يؤخر شفائه ،ولا يكفي قول الطبيب الا اذا كان موثوق وأميناً أو أوجب قوله الخوف عند الانسان من ازدياد المرض.
فقد روى زرارة بن أعين عن الإمام الصادق (ع) قال : سألت ابا عبد الله عن حد المرض الذي يفطر به الرجل او يدع الصلاة من قيام ؟ فقال (ع) : بل الانسان على نفسه بصيرة هو اعلم بما يطيقه .(من لا يحضره الفقيه-ج2 ص83 باب 40 ح1 )
واما السفر فهو موجب للافطاربشروط خاصة ،كقطع المسافة وعدم الاقامة في مكان السفر عشرة ايام وما الى ذلك مما هو مذكور في كتب الفقه.
والآية كما ذكرنا تدل بشكل واضح على ان السفر موجب للافطار وهذا هو مذهب ائمة اهل البيت (ع) .ولكن فقهاء المذاهب الاربعة ذهبوا الى جواز الافطار في السفر عند تحقق شروطه وليس الى وجوبه، مع ان الآية ظاهرة في وجوب الافطار في السفر كما هي ظاهرة في وجوب الافطار عند المرض الذي يضره الصوم.
النقطة الثالثة : ان فقرة (وعلى الذين يطيقونه فدية طعام مسكين ) تشير الى حكم اخر من الاحكام المتعلقة بالصوم وهو حكم اولئك الذين يستطيعون الصوم ولكن لا يستطيعونه إلا بجهد ومشقة وتعب كبير بحيث يستنفد الصوم جميع قواهم وطاقتهم، كالطاعنين في السن والمصابين بمرض العطاش الذين يجهدهم الصوم ، فان مثل هؤلاء لا يجب عليهم الصوم بل يجوز لهم أن يفطروا ولا يكلفون بقضاء ما فاتهم وانما يكتفون بدفع فدية بدلاً عن كل يوم افطروا فيه ، والفدية هي عبارة عن طعام يدفعونه الى مسكين بمقدار ما يشبعه.
وقد ورد عن الإمام الباقر (ع): تفسير هذه الجملة من الآية بالشيخ الكبير والانسان المريض بكثرة العطش والمرأة التي تخاف على ولدها اذا كانت حاملاً او مرضعاً بحيث يؤثر الصوم في حليبها ، فإن هؤلاء حسب الآية يجوز لهم الآفطار ويدفعون الفدية الى مسكين بدلاً عن كل يوم افطروا فيه في شهر رمضان.
ثم تقول الاية ( فمن تطوع خيراً فهو خيرٌ له ) اي من تطوع للاطعام اكثر مماهو واجب عليه بان يعطي المسكين من الطعام ازيد من الفدية الواجبة عليه فهو خيرٌ له .
وفي الختام تبين الآيةحقيقة اخرى هي :( وان تصوموا خيرٌ لكم ان كنتم تعلمون ).
وقد اختلفت وجهة نظر المفسرين في تفسير وبيان المراد من هذه الجملة ، فبعضهم يرى ان الظاهر منها هو انها خطاب لاولئك الذي يجهدهم الصوم والقضاء فتباح لهم الفدية بدلاً عن ذلك..هي خطاب لهم لاعلامهم بان الفدية وان كانت جائزة بدلاً عن كل يوم افطروا فيه،إلا ان الصوم خيرٌ لهم إن كانوا يعلمون، لما فيه من النتائج الروحية والعملية المؤثرة في حياتهم .بينما يرى البعض الآخر من المفسرين ان عبارة ( وان تصوموا خيرٌ لكم ) هي خطاب موجه الى كل الصائمين المؤمنين وليس الى مجموعة خاصة،وان هذا الخطاب جاء ليؤكد مرة احرى على فلسفة الصوم وعلى اهميته وعلى فوائده وعلى ان هذه العبادة كسائر العبادات لا تزيد الله عظمة او جلالاً، بل تعود كل فوائدها ونتائجها التربوية والروحية على الناس.فأن تصوموا ايها المؤمنون وتطيعوا الله في هذا الواجب الالهي وتؤدوا هذه الفريضة ،امتثالاً لامر الله وابتغاءاً لمرضاته فذلك خيرً لكم في الدنيا والاخرة إن كنتم تعلمون.
وآخر دعوانا ان الحمد لله رب العالمين