الإمام الصادق(ع)وتجسيد الإيمان في الاخلاق والسلوك
- المجموعة: 2014
- 22 آب/أغسطس 2014
- اسرة التحرير
- الزيارات: 2116
لقد جسد الإمام إيمانه وورعه وتقواه في أخلاقه وسلوكه ومواقفه وعلاقاته وأسلوبه وطريقة تعامله مع الناس, لأن قيمة الاعتقاد والايمان والتقوى وكذلك قيمة العبادة هي في أن تنعكس في سلوك الإنسان وأخلاقه وأعماله وتصرفاته , في سلوكه الفردي وفي سلوكه الاجتماعي..
خلاصة الخطبة:
أكد سماحة الشيخ علي دعموش في خطبة الجمعة التي القاها من على منبر مجمع السيدة زينب(ع) في حارة حريك:أن الأحداث والتطورات التي تحصل في المنطقة, من العراق إلى سوريا ولبنان ومؤخراً في عرسال, أثبتت صحة موقف حزب الله الذي استشعر مبكراً خطر الجماعات الإرهابية وقرر أن يشن حرباً استباقية ضدها..
وقال: كنا منذ البداية نقول: إن الذي يجري في سوريا ليس ثورة شعبية ولا انتفاضة وطنية تبتغي الديمقراطية والحرية..وإن الذين يحملون السلاح في سوريا هم متطرفون وإرهابيون وأدواة يخدمون مشاريع دولية وإقليمية، وان انتشار هذه الجماعات في سوريا سيهدد كل دول المنطقة. . وها نحن وصلنا إلى ما كنا نحذر منه دائماً.
ولفت الى ان داعش تحولت إلى خطر حقيقي وجدي داهم وملموس وواضح لجميع اللبنانيين ولكل شعوب ودول المنطقة والعالم بعد الأحداث التي جرت في العراق لا سيما ما حصل ضد المسيحيين والإيزديين وكذلك بعد الذي حصل في عرسال.
واعتبر: ان المشهد الدولي الذي كان داعماً بشكل أو بآخر لهذه الجماعات في سوريا تغير, وبات الجميع حتى الذين ساندوا ودعموا بالمال والسلاح يدركون خطورة هذه الجماعات وضرورة مواجهتها ,مثل أمريكا وفرنسا وبريطانيا والاتحاد الأوروبي ومجلس الأمن الدولي وغيرهم الذين باتوا يخشون حتى على دولهم من خطر هؤلاء.
ورأى: انه لم يعد أحد لا في لبنان ولا في الخارج قادراً على إنكار وجود خطر حقيقي من هذه المجموعات على لبنان وعلى الاستقرار في المنطقة وفي العالم, ولم يعد أحد قادراً على الدفاع عن أي شيء يرتبط بهذه الجماعات, لأن الحقيقة انكشفت وتغير المشهد كله.
وشدد: على وجوب قيام توجه وطني شامل لمواجهة التكفيريين الإرهابيين, والالتفاف حول الجيش اللبناني ودعمه ومؤازرته لمواجهة هذه الجماعات..مؤكداً:ان الوقوف الى جانب الجيش في هذه المواجهة هو مسؤولية وطنية تقع على عاتق الجميع.
نص الخطبة:
بسم الله الرحمن الرحيم
في هذه الأيام نلتقي بذكرى شهادة الإمام السادس من أئمة أهل البيت(ع) وهو الإمام جعفر بن محمد الصادق(ع) الذي كانت ولادته في 17 ربيع الأول في سنة80 هجرية, وشهادته في 25 شوال في سنة 148 هجرية , وبذلك يكون هذا الإمام أكبر الإئمة سناً حيث بلغ الثمانية والستين من العمر وهو ما لم يبلغه أحد من أئمة أهل البيت(ع).
لقد كان الإمام الصادق(ع) كبقية الأئمة (ع), قمة في التقوى والورع والعبادة والارتباط بالله سبحانه وتعالى،وكان يعرفه بذلك القاصي والداني ويقرُّ بفضله وعلو منزلته وعظيم درجته حتى من كان لا يتفق معه في الفكر أو في المذهب أو في التوجه والإنتماء.
يقول مالك إمام المذهب المالكي: اختلفت إلى جعفر بن محمد زماناً فما كنت أراه إلا على إحدى ثلاث خصال: إما مصلياً، وإما صائماً، وإما يقرأ القرآن، وما رأيته قط يحدث عن رسول الله إلا على طهارة ,ولا يتكلم بما لا يعنيه، وكان من العلماء العباد والزهاد الذين يخشون الله، وما رأت عين ولا سمعت إذن ولا خطر على قلب بشر أفضل من جعفر بن محمد الصادق علماً وعبادة وورعاً.
وقد جسد الإمام إيمانه وورعه وتقواه في أخلاقه وسلوكه ومواقفه وعلاقاته وأسلوبه وطريقة تعامله مع الناس, لأن قيمة الاعتقاد والايمان والتقوى وكذلك قيمة العبادة هي في أن تنعكس في سلوك الإنسان وأخلاقه وأعماله وتصرفاته , في سلوكه الفردي وفي سلوكه الاجتماعي , فلا يظلم ولا يغش ولا يحتال ولا يتهرب من دفع الحقوق، لا يحتكر ولا يأكل الربا ولا يسرق، لا يتلصص على الناس ولا يسب الناس ولا يتهمهم ولا يهتك أعراضهم، ولا تصدر عنه ردات فعل غير مناسبة عندما يتناوله أحد بسوء أو بشتيمة أو بوقيعة..الخ..أما الإيمان الذي لا يتجسد في العمل والاخلاق والسلوك فهو ايمان أجوف لا قيمة له,وكذلك العبادة حينما لا تؤثر في أخلاق الانسان وتصرفاته تصبح بلا قيمة ايضاً.
جاء رجل إلى الإمام الصادق (ع) فقال: إن فلاناً ذكرك فما ترك شيئاً من الوقيعة والشتيمة إلا قاله فيك، فنادى الإمام الصادق (ع) جاريته وقال لها: آتيني بماء الوضوء فتوضأ ودخل أحد جوانب الدار، فقال الرجل في نفسه: لا شك أنه سيدعو عليه، فصلى الإمام ركعتين، ولما انتهى قال: يا رب هو حقي قد وهبته، وأنت أجود مني وأكرم، فهبه لي ولا تؤاخذه بي ولا تقايسه، ثم رق فلم يزل يدعو، قال الرجل فتعجبت من ذلك، رجل يسبه ويشتمه شخص سيء فيدعو له ولا يدعو عليه؟!!
كان يتعامل حتى مع خادمه بالرفق واللين والرحمة والعفو والتسامح والتجاوزعن أخطائه وهفواته.
فقد بعث الإمام (ع) ذات يوم خادماً له في حاجة فتأخر، فخرج الإمام (ع) في أثره يبحث عنه، فوجده نائماً، فجلس عند رأسه يروّح له الهواء حتى انتبه، فعاتبه الإمام برقة وقال له: تنام الليل وتنام النهار؟! لك الليل ولنا النهار.
وكان الإمام (ع) يعمل بيده في بستانه من أجل تحصيل الرزق الحلال، وكان إذا عمل لديه أحد أعطاه حقه قبل أن يجف عرقه.
يقول أحد أصحابه: رأيت الإمام (ع) وبيده مسحاة (مجرفة) وعليه إزار غليظ يعمل في بستان له، والعرق يتصبب منه، فقلت: جعلت فداك: أعطني المسحاة أكفِك العمل. فقال (ع): إني أحب أن يتأذى الرجل بحر الشمس في طلب المعيشة.
واستأجر الإمام (ع) ذات مرة عمالاً ليعملوا في بستانه، فلما فرغوا من عملهم قال لغلامه: أعطهم أجرهم قبل أن يجف عرقهم.
وكان يعمل (ع) في التجارة ويأبى أن يستغل حاجة الناس للسلع والبضائع لرفع أسعارها..
فقد دعا الإمام (ع) مولى له واسمه مصادف وأعطاه ألف دينار ليتاجر بها، وقال له: تجهز حتى تخرج إلى مصر، فإن عيالي قد كثروا ونحن بحاجة إلى طلب الحلال، فتجهز وخرج مع قافلة التجارة إلى مصر، فصادفتهم قافلة في الطريق عائدة من مصر، فسألوهم عن حاجة الناس هناك لبضائعهم، فأخبروهم أنهم بحاجة إلى هذه البضائع لأنه ليس في مصر منها شيئ.
فاتفق التجار ومنهم مصادف على استغلال حاجة أهل مصر إلى هذا النوع من البضاعة، ورفع أسعارها والحصول على أرباح فاحشة، فلما وصلوا إلى مصر باعوا بضائعهم بأسعار تصل أرباحها إلى مئة بالمئة، ثم عادوا إلى المدينة, فدخل مصادف على الإمام الصادق (ع) وهو يحمل كيسين: في كل واحد ألف دينار وقال للإمام (ع): يا سيدي هذا رأس المال وهذا ربحه فقال الإمام: هذا ربح كثير كيف ربحته؟ فأخبر مصادف الإمامَ(ع) كيف استغلوا حاجة أهل مصر لبضائعهم وكيف تحالفوا على رفع أسعارها.
فانزعج الإمام (ع) من ذلك وقال مستنكراً: تتحالفون على قوم مسلمين ألاّ تبيعوهم إلا ربح الدينار ديناراً؟!!
ثم أخذ الإمام (ع) رأس المال فقط ورفض أخذ ربحه وقال: هذا مالنا ولا حاجة لنا في ربحه ثم قال: يا مصادف مجالدة السيوف أهون من طلب الحلال..
وكان الإمام (ع) يحسن إلى كل الناس ويقضي حاجات كل الناس ويأمر بالإحسان إليهم والبر بهم حتى ولو لم يكونوا من شيعته أو من أتباع دينه.
يقول المعلى بن خنيس رأيت الإمام الصادق (ع) ذات ليلة يمشي تحت المطر والظلام يغمر المدينة، وهو يحمل كيساً مليئاً بالخبز, فتبعته لأعرف أين يذهب، فسقطت منه بعض أرغفة الخبز فجمعها ومضى في طريقه حتى وصل إلى مساكين كانوا نائمين، فوضع عند رأس كل واحد منهم رغيفين , فاقتربت منه وسلمت عليه وسألته: أهم من شيعتك وأتباعك؟ قال: لا.
وكان الإمام يعول الكثير من العوائل والأسر الفقيرة .. يحمل إليهم الطعام في الليل وهم لا يعرفونه, فلما استشهد (ع) انقطع ما كان يأتيهم إلى بيوتهم في الليل, فعرفوا أن الذي كان يأتيهم بحاجاتهم في الليل إنما هو الإمام الصادق(ع).
ودخل على الإمام ذات مرة شاب نصراني كان قد أسلم حديثاً، فدعا له الإمام وقال له: سل عما شئت.
فقال الشاب: إن أبي وأمي وأهل بيتي على النصرانية، وأمي مكفوفة البصر, وأنا أعيش معهم وآكل في آنيتهم أفيصح هذا؟
فقال الإمام: أيأكلون لحم الخنزير؟ قال: لا.
فقال الإمام: كل معهم, وأوصيك بأمك فلا تقصر في برها ,وكن أنت الذي تقوم بشأنها.
وعاد الشاب إلى بلده، فرأت أمه منه أخلاقاً حسنة وسلوكاً حسناً لم تره من قبل, فقالت: يا بني ما كنت تصنع بي هذا وأنت على ديني فما الذي أرى منك منذ هاجرت ودخلت في الحنيفية؟
فقال الشاب: أمرني بهذا رجل من ولد النبي محمد (ص).
فقالت أمه: أهو نبي؟
فقال الشاب: لا , ولكنه ابن نبي.
فقالت الأم: دينك خير الأديان إعرضه عليَّ.
فعرض الأبن على أمه دين الإسلام فأسلمت وقالت أشهد أن لا إله إلا الله وأن محمد رسول الله.
الدين هو عمل وممارسة ومعاملة حسنة , هو أخلاق ورحمة واستقامة وعفة وطهارة.
اليوم سلوكنا هو الذي يكشف عن عظمة ديننا وإسلامنا. أئمتنا أرادوا لنا أن يكون هناك انسجام بين ايماننا وبين عملنا ,بين التزامنا بولايتهم وبين العمل بأخلاقهم وتعاليمهم.
هناك هوة كبيرة في المجتمعات المؤمنة وفي واقع المؤمنين بين الإعتقاد والإيمان الذي يحمله المؤمن وبين عمله وتصرفاته , هناك فجوة كبيرة بين العبادة التي يؤديها المؤمن وبين أخلاقه وممارساته وطريقة تعامله مع الناس من حوله.
ترى البعض ايمانه واعتقاده صحيحاً وسليماً لكنه لا ينعكس على أعماله وتصرفاته , فأعماله بعيدة كل البعد عن إيمانه واسلامه .
ترى البعض يحرص على الاهتمام بأداء الفرائض والواجبات وحتى المستحبات, فيصلي صلاة صحيحة وقد لا يصلي إلا في المسجد , ويصوم, ويذهب الى الحج في كل سنة, ويقوم بما هو مطلوب منه على المستوى العبادي ولكنه في الجانب الاخلاقي وفي التعامل مع الناس سيء الخلق ,فظ,غليظ, قاسي, يظلم الناس ,يؤذي جيرانه ,يحتال على الناس, يراوغ ,يتهرب من دفع الحق, سباب شتام ,يتكلم بألفاظ نابية ..الخ..وهذا موجود في واقعنا.
هناك ازدواجية واختلاف وتعارض بين إيمان المؤمن وبين عمله , بين عبادته وبين أخلاقه , بين مضمره وبين مظهره , بين جوهره وبين ممارساته وتصرفاته,فايمانه والتزامه الديني غالباً لا ينعكس على تصرفاته وأخلاقه وطريقة تعامله مع الناس مما يعطي انطباعاً سيئاً عن مجتمع المؤمنين.
ائمتنا أرادوا أن يتجسد ايماننا وولائنا وحبنا لهم بالعمل والممارسة والسلوك الحسن, بأن نعمل بعملهم, ونتحلى بأخلاقهم, ونأخذ بقيمهم التي هي قيم الاسلام, ونلتزم بسيرتهم وسنتهم التي هي سيرة وسنة رسول الله(ص).
وقد حدد أئمتنا مواصفات شيعتهم وأتباعهم على أساس ذلك ..
فعن الإمام الصادق(ع): شيعتنا أهل الهدى, وأهل التقى ,وأهل الخير, وأهل الإيمان, وأهل الفتح والظفر.
وعنه(ع): إياك والسفلة.. فإنما شيعة علي من عفّ بطنه وفرجه, واشتد جهاده, وعمل لخالقه, ورجا ثوابه ,وخاف عقابه, فإذا رأيت أولئك فأولئك شيعة جعفر.
ويقول (ع) لأحد أصحابه (عليك بتقوى الله والورع والاجتهاد, وصدق الحديث, وأداء الأمانة, وحسن الخلق, وحسن الجوار, وكونوا دعاة إلى أنفسكم بغير ألسنتكم, وكونوا زيناً لنا ولا تكونوا شيناً علينا.
اليوم نحن بحاجة إلى تقديم هذه الصورة الناصعة والمشرقة عن ديننا واسلامنا وقيمنا وأخلاقنا، خصوصاً في هذه المرحلة وفي هذا الوقت الذي يقدم فيه بعض أدعياء الإسلام التكفريين الارهابيين صورة مشوهة عن ديننا وأخلاقنا.
الأحداث والتطورات التي تحصل في المنطقة, من العراق إلى سوريا ولبنان ومؤخراًعرسال, أثبتت صحة موقف حزب الله الذي استشعر مبكراً خطر الجماعات الإرهابية وقرر أن يشن حرباً استباقية ضدها..
كنا منذ البداية نقول: إن الذي يجري في سوريا ليس ثورة شعبية ولا انتفاضة وطنية تبتغي الديمقراطية والحرية.
كنا منذ البداية نقول: إن الذين يحملون السلاح في سوريا هم متطرفون وإرهابيون وأدواة يخدمون مشاريع دولية وإقليمية، وأن انتشار هذه الجماعات في سوريا سيهدد كل دول المنطقة. . وها نحن وصلنا إلى ما كنا نحذر منه دائماً.
لقد تحولت داعش إلى خطر حقيقي وجدي داهم وملموس وواضح لجميع اللبنانيين بعد الأحداث التي جرت في العراق لا سيما ما حصل ضد المسيحيين والإيزديين وكذلك بعد الذي حصل في عرسال.
بل إن هذا الخطر أصبح واضحاً لكل شعوب ودول المنطقة والعالم.. والمشهد الدولي الذي كان داعماً بشكل أو بآخر لهذه الجماعات في سوريا تغير وبات الجميع حتى الذين ساندوا ودعموا بالمال والسلاح يدركون خطورة هذه الجماعات وضرورة مواجهتها ,مثل أمريكا وفرنسا وبريطانيا والاتحاد الأوروبي ومجلس الأمن الدولي وغيرهم الذين باتوا يخشون حتى على دولهم من خطر هؤلاء.
لم يعد أحد لا في لبنان ولا في الخارج قادراً على إنكار وجود خطر حقيقي من هذه المجموعات على لبنان وعلى الاستقرار في المنطقة وفي العالم, ولم يعد أحد قادراً على الدفاع عن أي شيء يرتبط بهذه الجماعات, لأن الحقيقة انكشفت وتغير المشهد كله. وأمام هذا الواقع يجب قيام توجه وطني شامل لمواجهة التكفيريين الإرهابيين, والالتفاف حول الجيش اللبناني ودعمه ومؤازرته لمكافحة الإرهاب ومواجهة هذه الجماعات.
والوقوف الى جانب الجيش في هذه المواجهة هو مسؤولية وطنية تقع على عاتق الجميع.
والحمد لله رب العالمين