كلمتان في السيدة المعصومة(ع) ووصية الإمام العسكري (ع)
- المجموعة: 2013
- 22 شباط/فبراير 2013
- اسرة التحرير
- الزيارات: 899
ولدت السيدة المعصومة (ع) هذه السيدة الجليلة في بيت أبيها الإمام الكاظم (ع) وفتحت عينيها على الدنيا في أيام محنة أبيها الكاظم (ع) الذي كان يعاني من مرارة الحبس في سجون العباسيين, حيث قضى في السجن ما مجموعه سبعة عشر سنة.
خلاصة الخطبة
الشيخ دعموش في خطبة الجمعة: على شعوب المنطقة طرد المجموعات التكفيرية القاتلة من صفوفها.
أكد سماحة الشيخ علي دعموش في خطبة الجمعة: أن الخطر الذي باتت تشكله المجموعات التكفيرية الإرهابية على منطقتنا بات خطراً كبيراً وداهماً بعدما تحولت هذه المجموعات إلى أداة بيد الاستخبارات العالمية والى أداة للقتل ونشر الدمار في كل مكان.
واعتبر: أن السلوك الإجرامي الذي تقوم به مجموعات تدعي انتسابها إلى الدين, هو سلوك لا يقره دين, والإسلام والدين بريء منها, لأن هذا النهج غريب عن ديننا وقيمنا واخلاقنا, وهو صنيعة الإستخبارات العالمية التي جعلت من هذه الجماعات أداة بيدها تستخدمها في زرع الفتنة.
ورأى: أن على شعوب المنطقة أن تطرد هذه المجموعات القاتلة من صفوفها, وأن تواجه هؤلاء الذين يعملون على تدمير مستقبل شعوب هذه المنطقة, وتقضي على كل الفرص التي تُفضي إلى معالجة الأزمات التي تمر فيها.. حتى لا يجدوا أي موطئ قدم أو أي بيئة حاضنة في بلداننا.
نص الخطبة
في العاشر من شهر ربيع الثاني نلتقي بمناسبتين: المناسبة الأولى: هي وفاة السيدة فاطمة المعصومة(ع) ابنة الامام موسى الكاظم واخت الامام علي الرضا عليهما السلام, والمناسبة الثانية: هي ذكرى ولادة الامام الحادي عشر من ائمة اهل البيت(ع) الامام الحسن العسكري(ع).
وأمام هاتين المناسبتين لا بد من كلمتين: كلمة في السيدة المعصومة(ع), وكلمة في بعض وصايا الامام الحسن العسكري(ع).
أما الكلمة في السيدة فاطمة المعصومة(ع),فقد ولدت هذه السيدة الجليلة في بيت أبيها الإمام الكاظم (ع) وفتحت عينيها على الدنيا في أيام محنة أبيها الكاظم (ع) الذي كان يعاني من مرارة الحبس في سجون العباسيين, حيث قضى في السجن ما مجموعه سبعة عشر سنة.
كان عمرها لا يتجاوز الست سنوات عندما قُبض على أبيها, فارتسمت حياتها بالحزن والأسى والألم.
وقد استشهد أبوها وهي لا تزال صغيرة السن, حيث كان عمرها أقل من عشر سنوات , فعاشت في كفالة أخيها الإمام الرضا (ع).
ونشأت في رعاية الامام الرضا(ع) تتلقى منه العلم والمعرفة والحكمة والفضائل والأخلاق السامية, في بيت من بيوت العصمة والطهارة, فأصبحت عالمة عارفة محدثة مفسرة, بل من رواة العلم والحديث .
وقد نوه الأئمة(ع) حتى قبل ولادتها بمكانتها وموقعها ومقامها وفضل زيارتها, كما عن جدها الإمام الصادق (ع), فقد روى جماعة من أهل الري: أنهم دخلوا على الامام الصادق(ع) فقالوا: نحن من أهل الري, فقال (ع): مرحباً بأخواننا من أهل قم, فقالوا: نحن من أهل الري, فأعاد الكلام.. وقالوا مراراً وأجابهم بنفس الجواب الأول.
ثم قال (ع): إن لله حرماً وهو مكة, وإن لرسول الله (ص) حرماً وهو المدينة, وإن لأمير المؤمنين (ع) حرماً وهو الكوفة, وإن لنا حرماً وهو بلدة قم، وستدفن فيها امرأة من أولادي تسمى فاطمة, فمن زارها وجبت له الجنة..
بعد أن أجبر المأمون العباسي الإمام الرضا (ع) على السفر إلى مرو وخراسان, سافر الإمام الرضا(ع) وترك عائلة الإمام الكاظم(ع) في المدينة بمن فيهم فاطمة المعصومة, لكن فاطمة لم تستطع أن تصبر على فراق أخيها , فقررت بعد سنة من سفر الإمام قررت(ع) ومعها بعض أخوة الإمام وأبناء أخوته اللحاق به والسفر اليه (ع).
فسافرت فاطمة ووصلت القافلة إلى مدينة ساوة, وهي على مقربة من قم, وهناك مرضت السيدة المعصومة مرضاً شديداً, فقررت الذهاب إلى بلدة قم, وعندما عرف القميون بوجودها دعوها للإقامة في قم, وفي العاشر من ربيع الثاني سنة 201 هـ توفيت دون أن ترى أخاها الإمام الرضا (ع) ودفنت هناك حيث مقامها شامخاً اليوم في قم المشرفة, يقصده المسلمون من كل أنحاء العالم الاسلامي لزيارتها.
ويقول الإمام الرضا (ع): من زار المعصومة بقم كمن زارني.
هذه هي السيدة فاطمة التي انما سميت بالمعصومة لطهارتها وقداستها وتقواها, هذه المرأة التي أصبحت عنواناً للطهر والتقوى والعبادة والعفاف والقداسة.
وأما الإمام الحسن العسكري (ع) فهو الإمام الحادي عشر من أئمة أهل البيت(ع).
أبوه الإمام علي الهادي(ع), وأمه تُسمى حُديث, وهو والد الامام الحجة المهدي(ع)
ولد(ع) في 8 ربيع الثاني سنة 232 , وكانت شهادته في 8 ربيع الأول سنة 260 هـ
لقد أدرك (المعتمد العباسي) أن الخطر بوجود الإمام أكبر من أي خطر يمكن أن يواجهه, فأوعز إلى من دس إليه السم في الطعام, وقد دفن إلى جانب أبيه الإمام الهادي(ع) في سامراء.
استطاع الإمام العسكري(ع) أن يفرض احترامه على أشد الناس حقداً على أهل البيت (ع).
فهذا عبيد الله بن يحيى بن خاقان الوزير العباسي يقول بحب الإمام: لو زالت الخلافة عن بني العباس ما استحقها أحد من بني هاشم غيره, لفضله وعفافه وهديه وصيانة نفسه وزهده وعبادته وجميل أخلاقه وصلاحه.
أحد أهم الأدوار الأساسية التي قام بها الإمام العسكري(ع) هو التمهيد لإمامة المهدي المنتظر(عج) وتعريف الشيعة به, والتمهيد لغيبته, وربط الوكلاء به, والتأسيس للانتقال من الارتباط المباشر بالإمام المعصوم إلى الارتباط غير المباشر.
فقد كانت فكرة الغيبة وفكرة الارتباط غير المباشر بالمعصوم فكرة جديدة لم يعتد عليها الشيعة, فكان لا بد من التمهيد والتحضير نفسياً وعملياً للارتباط غير المباشر.
ولذلك قام الامام(ع) بالعديد من الاجراءات للتمهيد للإمام المهدي (عج) كما شرحنا في خطبة سابقة.
وما نريد أن نستفيده من الامام العسكري (ع) في هذه المناسبة هو وصيته بصلاة الليل , حيث روي عنه(ع) انه قال: إن الوصول الى الله عز وجل سفر لا يدرك إلا بامتطاء الليل. أي من يريد ان يصل الى الله سبحانه وتعالى ويكون بالقرب منه ومن ساحة رحمته, فان عليه أن يحي الليل بالعبادة والطاعة والتوجه الى الله والتوسل به, أن يحيها بصلاة الليل التي دلّ على فضلها القرآن الكريم بقوله تعالى:(أقم الصلاة لدلوك الشمس الى غسق الليل وقرآن الفجر إن قرآن الفجر كان مشهودا ومن الليل فتهجد به نافلة لك عسى ان يبعثك ربك مقاماً محمودا)
صلاة الليل هي من الصلوات العظيمة والجليلة التي ورد في عشرات النصوص الحث على أدائها في آخر الليل.
ولذلك فقد ورد عن رسول الله (ص) انه قال: خيركم من أطاب الكلام, وأطعم الطعام, وصلى بالليل والناس نيام.
وعن علي (ع): قيام الليل مصحة للبدن, ومرضاة للرب عز وجل, وتعرض للرحمة, وتمسك بأخلاق النبيين.
بل إن أداء صلاة الليل من صفات المؤمنين وخصائصهم كما يقول أمير المؤمنين في خطبة المتقين : أما الليل فصافون أقدامهم, تالين لأجزاء القرآن يرتلونها ترتيلا, حانون على أوساطهم, مفترشون لجباههم وأكفهم وأطراف أقدامهم, يطلبون الى الله في فكاك رقابهم.
وعن الامام الصادق(ع): ثلاثة هنّ فخر المؤمن وزينة في الدنيا والآخرة: الصلاة في آخر الليل, ويأسه مما في أيدي الناس, وولاية الامام من آل محمد(ص).
وانما كان لصلاة الليل كل هذه المرتبة والدرجة الرفيعة, لأنها تساهم في تقريب الانسان من ربه, وفي تربية النفس الانسانية على طاعة الله عز وجل , وفي تهذيب النفس من كل السيئات والموبقات.
أما ثواب هذه الصلاة فهو ثواب عظيم كما ورد عن الامام الصادق(ع): ما من عمل حسن يعمله العبد إلا وله ثواب في القرآن إلا صلاة الليل, فان الله لم يبين ثوابها لعظيم خطرها عنده فقال تعالى: (تتجافى جنوبهم عن المضاجع فلا تعلم نفس ما أخفي لهم من قرة أعين جزاءاً بما كانوا يكسبون) فالله عزوجل لم يبين حجم ثواب هذه الصلاة ليدلل على عظيم فضلها وثوابها.
لكن نحن في كثير من الأحيان نُحرم من أداء هذه الصلاة ولا نُوفق لها,فلماذا يحصل ذلك؟ لماذا نحرم من نتائج وآثار وبركات وقيمة هذه الصلاة؟
هناك أسباب وعوامل تحول بين الانسان وبين التوفيق لإحياء الليل, هناك أشياء تسلب التوفيق لأداء صلاة الليل,منها:
أولاً: ارتكاب الذنوب, فعندما يرتكب الانسان الذنوب ويُبتلى بالمعاصي ويعتاد على ممارسة السيئات والموبقات, ولا يتورع عن التمرد على الله سبحانه, فإن الله عزوجل يسلب منه التوفيق لقيام الليل.
والإنسان قد يسلب التوفيق لصلاة الليل بسبب الذنوب حتى في الوقت الذي قد يكون فيه متشوقاً ومتلهفاً لقيام الليل.
وهذا ما أكدت عليه الروايات عن أهل البيت(ع), فقد ورد عن الإمام الصادق(ع) أنه قال: إن الرجل يذنب فيحرم صلاة الليل, وإن العمل السيء أسرع في صاحبه من السكين في اللحم.
وجاء رجل الى أمير المؤمنين(ع) يشكو إليه عدم التوفيق لقيام الليل,فقال(ع) له: أنت رجل قيدتك ذنوبك. فاذا أردت قيام الليل فبتعد عن الذنوب والمعاصي, عن الكذب وعن الغيبة وعن النميمة وعن قول الفحش وعن السب والشتم وغيرها من السيئات.
ولذلك ورد عن علي(ع) أيضاً: إن الرجل ليكذب كذبة واحدة فيحرم بها صلاة الليل.
ثانياً: اللهو وإضاعة الوقت على أشياء غير مفيدة, والسهر على أمور تصرف الإنسان عن العبادة والتوجه الى الله, كالسهر الى ما بعد منتصف الليل على النرجيلة أو على الأنترنت أو في المقاهي أو على التلفاز والأفلام والمسلسلات وغيرها من الأشياء التي تجهد الإنسان وتجهد روحه وعقله وجسده فلا يعود قادراً على العبادة وقيام الليل.
ثالثاً: العجب, فعندما يُعجب الإنسان بعبادته أو بأعماله الصالحة والخيرة, تنتفخ شخصيته, ويشعر بالإكتفاء بما قام ويقوم به من أعمال عبادية , فينصرف عن صلاة الليل والقيام فيه, فالعجب يمكن أن يفتك بروحية الإنسان الى الحد الذي يحرمه من كثير من العبادات والطاعات والأعمال الصالحات التي تقرب الإنسان من الله.
وإذا أردنا أن نتحدث عن فوائد ونتائج صلاة الليل وآثارها وانعكاساتها على شخصية الإنسان, على روحيته ونفسيته وعقله وقلبه وجسده وصحته ومختلف جوانب حياته.. فهناك عشرات النصوص الواردة عن أئمة أهل البيت(ع) التي تتحدث عن نتائج صلاة الليل.
فقد ورد في بعض الروايات: أنها تطرد الداء من الأجساد, وتصحح الأبدان من الأسقام والأمراض, وتبيض وجه الإنسان, وتحسن الخلق, وتطيب الريح, وتدّرُّ الرزق, وتقضي الدين, وتذهب بالهم والغم, وتجلو البصر, وتمنع من نزول العذاب, وتجلب رضا الله عزوجل, وتعرض الإنسان لرحمته وعفوه ورضوانه, وتنفي السيئات, وإن العبد ليقوم في الليل فيميل به النعاس يميناً وشمالاً وقد وقع ذقنه على صدره فيأمر الله تعالى أبواب السماء فتفتح له, ثم تقول الملائكة له: انظروا الى هذا العبد ما يصيبه في التقرب الى الله عزوجل راجيا ثواب الله سبحانه وتعالى وراجياً ثلاثة أشياء يستجيب الله له بها: ذنباً يغفره له, وتوبة يجددها له, ورزقاً يزيده في ملكه , فاشهدوا يا ملائكتي أني قد جمعت كل هذه الأشياء لمن قام في عبادتي في الليل.
هذه هي بعض النتائج التي يحصل عليها الإنسان من خلال صلاة الليل, وبذلك يتحول الليل الى سفر الى الله عزوجل يعيش الإنسان من خلاله في رضوان الله وفي رحمته, وتنعكس تلك العبادة على كل مجريات حياته, فلا يفكر إلا بالخير ولا يصدر منه إلا الخير, وعند ذلك يطرد الإنسان من حياته كل السيئات والسيئين, وكل أشكال الظلم والظالمين والمستكبرين , ويطرد من حياته كل أولئك الذين يرتكبون الجرائم والقتل بحق الأبرياء والمسلمين العزل, حيث تشهد منطقتنا المزيد من القتل والتدمير.
بالأمس شهدت دمشق سلسلة تفجيرات إرهابية ذهب ضحيتها العشرات, وجُرح المئات, وقبل ذلك شهدت بغداد تفجيرات مماثلة, وفي باكستان قتل العديد من المسلمين الشيعة في تفجيرات إرهابية خلال الأيام الأخيرة.
إن يد الإجرام لا تترك فرصة إلا وتستغلها لزرع الموت والقتل والدمار للأبرياء وللتلامذة العائدين من مدارسهم.
إن المجرمين والقتلة لا يأبهون ولا يبالون بما يتركه هذا الإجرام والقتل من مآسي لعائلات تفقد أبناءها أو معيلها أو أرزاقها وأملاكها..
إن الخطر الذي باتت تشكله المجموعات التكفيرية الإرهابية على منطقتنا بات خطراً كبيراً وداهماً بعدما تحولت هذه المجموعات إلى أداة بيد الاستخبارات العالمية والى أداة للقتل والدمار في كل مكان.
إن هذا السلوك الإجرامي الذي تقوم به مجموعات تدعي انتسابها إلى الدين, هو سلوك لا يقره دين, والإسلام والدين بريء منها, لأن هذا النهج وهذا السلوك وهذه العقلية الإجرامية غريبة عن ديننا وقيمنا واخلاقنا, هذا النهج هو صنيعة الإستخبارات العالمية التي جعلت من هذه الجماعات أداة بيدها تستخدمها في زرع الفتنة والقتل والموت في كل مكان, وهي تتستر بالإسلام والإسلام منها براء.
إن على شعوب هذه المنطقة أن تطرد هذه المجموعات القاتلة من صفوفها, وأن تواجه هؤلاء الذين يعملون على تدمير مستقبل شعوب هذه المنطقة, وتقضي على كل الفرص التي تُفضي إلى معالجة الأزمات التي تمر فيها.. حتى لا يجدوا أي موطئ قدم أو أي بيئة حاضنة في هذه المنطقة.
والحمد لله رب العالمين