الأسرة بين الإستقرار الداخلي والتوتر
- المجموعة: 2013
- 26 نيسان/أبريل 2013
- اسرة التحرير
- الزيارات: 827
الإحسان والبر بالعائلة, بالزوجة والأولاد والأهل, تؤدي بطبيعة الحال لارتياح الإنسان مع عائلته, وإذا كان الإنسان سعيداً في حياته من الطبيعي أن لا تصيبه الأمراض النفسية والجسدية التي تعجل في موته.
خلاصة الخطبة:
الشيخ دعموش في خطبة الجمعة: المدخل للاستقرار السياسي في لبنان تأليف حكومة سياسية جامعة.
أكد سماحة الشيخ علي دعموش في خطبة الجمعة: على أن المدخل للاستقرار السياسي في لبنان هو تأليف حكومة سياسية تكون بمستوى متطلبات المرحلة وبمستوى التحديات في المنطقة.
وقال: نحن بحاجة إلى حكومة تتمثل فيها كل القوى بأحجامها ويتفق عليها الجميع, وتأخذ في أولوياتها الحفاظ على الاستقرار الداخلي, وإجراء الانتخابات النيابية, ومعالجة الأزمات الاجتماعية والمعيشية للناس, لأن الخيار البديل هو الذهاب إلى أزمة سياسية مفتوحة على كل الاحتمالات.
نص الخطبة
تمثل العائلة الدائرة الاجتماعية الأقرب للإنسان، وهناك تلازم بين الاستقرار الذي تعيشه الأسرة وبين سعادة الإنسان, فكلما كانت الأجواء السائدة في داخل الأسرة هادئة وطيبة ومستقرة, كان الإنسان أكثر سعادة وفرحاً وسروراً, أما إذا كانت الأجواء متوترة والوسط العائلي مليئاً بالمشاكل فهذا يجعل حياة الإنسان نكداً.
من هنا ينعكس تأثير الأسرة والعائلة على الإنسان على نحو مباشر, لأنها الدائرة الأقرب للإنسان, وهي الدائرة التي يتعاطى معها بشكل يومي، فهو يعيش معها في بيت واحد, وتحت سقف واحد, وتتداخل مصالحه معها, ويتأثر بوضعها كما تتأثر العائلة بوضع أي فرد من أفرادها.
من هنا وردت العديد من الروايات التي تؤكد على الاهتمام بالوضع العائلي بشكل خاص, لأن سلامة الوضع العائلي سينعكس إيجاباً على السلامة النفسية والصحية للإنسان، فإذا كان الوضع العائلي هادئاً ومستقراً, فإن نفسية الإنسان تكون مرتاحة وصحته تكون جيدة, والعكس صحيح, فنلاحظ أن الإنسان الذي يعيش مشاكل في داخل بيته تكون نفسيته متأزمة باستمرار ويكون مريضاً لا يقوى على الإنتاج.
ورد عن الإمام الصادق (ع): من حسن بره بأهله زاد الله في عمره.
فما هي علاقة حسن البر بالأهل والعائلة بزيادة العمر؟
الإحسان والبر بالعائلة, بالزوجة والأولاد والأهل, تؤدي بطبيعة الحال لارتياح الإنسان مع عائلته, وإذا كان الإنسان سعيداً في حياته من الطبيعي أن لا تصيبه الأمراض النفسية والجسدية التي تعجل في موته.
بل إن الارتياح والهدوء في الوسط العائلي ينعكس على حياة الإنسان العامة, فيصبح الإنسان أكثر فاعلية وإنتاجية في عمله وأكثر عطاءاً في دراسته وأكثر مرونة في تعاطيه مع الآخرين, وتصبح أخلاقه أفضل وتعامله أحسن..
إذن: المطلوب أن تكون العائلة مستقرة والعلاقة فيها طيبة, وبعيدة عن التوترات. ومسؤولية صناعة الأجواء الإيجابية داخل الأسرة تقع على عاتق جميع أفراد العائلة, الزوج والزوجة والأولاد, وخاصة إذا كان الأولاد شباباً وصبايا..
فليس من الصحيح تقاذف المسؤولية بين أفراد العائلة عندما يكون الجو متوتراً, الجميع مسؤول عن توفير الأجواء الإيجابية, والجميع يجب أن يساهم في إزالة التوترات الداخلية.
من هنا جاء الخطاب النبوي موجهاً للجميع فقال (ص): خيركم خيركم لأهله. خيركم: يعني أكثركم خيراً.
تأتي أهمية هذا الخطاب من مشكلة شائعة في أوساطنا وهي إصابة وابتلاء بعض الناس بالإزدواجية في الشخصية.
البعض يتقمص مع الناس دور الشخصية اللطيفة الهادئة.. بينما يتقمص داخل المنزل ووسط العائلة دور الشخصية الانفعالية..
يتملكنا العجب في بعض الأحيان عندما تصلنا شكاوى عائلية ضد أشخاص معروفين في الأوساط العامة بحسن الأخلاق والسيرة والطيبة, فكيف تشكو منهم زوجاتهم وعوائلهم؟! لكن عند البحث عن ذلك نكتشف أن هناك ازدواجية في الشخصية لدى هذا الشخص, هذه الأزدواجية تدفعه لكي يتعاطى بطريقة مختلفة في داخل الأسرة غير طريقته خارج الأسرة.
الأولى أن تكون شخصية الإنسان في داخل بيته ومع أهله وعائلته أفضل منها مع الناس، وبذلك يفخر النبي (ص) ويقول (وأنا خيركم لأهلي).
وقد ورد عن علي (ع) في وصيته للحسن (ع): (لا يكن أهلك أشقى الخلق بك).
وفي هذا الإطار هناك العديد من التوجيهات الإسلامية التي تستهدف إنجاح العلاقات العائلية وجعل الحياة أكثر سعادة وهدوءاً:
أولاً: الاهتمام بحسن العلاقة مع العائلة:
فيجب أن تكون علاقة الإنسان بأسرته قوية ومتينة وحسنة, أكثر من علاقته بسائر الناس.
البعض يمارس العكس.. وكأن العلاقة مع العائلة شيئاً كمالياً.. وهذا خلاف تعاليم الإسلام التي توجه الإنسان ليعطي هذا الجانب أهمية كبيرة.
إذن كما تحرص على حسن علاقتك بالناس, يجب أن يكون حرصك على حسن علاقتك بالعائلة أكبر وأولى, بل أن بعض الروايات ترى أن حسن العلاقة مع العائلة أفضل من كثير من العبادات والأعمال الصالحة.
فعن رسول الله (ص): جلوس المرء عند عياله أحب إلى الله تعالى من اعتكاف في مسجدي هذا.
يجب أن يهتم بأن يجلس معهم, خاصة الذين يغيبون عن بيوتهم وعوائلهم كثيراً.
وشددت الروايات على ضرورة اهتمام الرجل بزوجته وأسرته.
فعن رسول الله (ص): أوصاني جبرائيل (ع) بالمرأة حتى ظننت أنه لا ينبغي طلاقها إلا من فاحشة مبينة .
هذا من جانب الرجل.. أما من جانب المرأة, فإن على الزوجة أن تعلم أن أعظم الناس حقاً عليها زوجها, فليس لها أن تقدم زيارة الآخرين على حضورها معه في المنزل, أو حتى أن تقدم حضور المجالس الدينية أو العبادية على الجلوس معه.
ولذلك ورد عن النبي (ص): لا شفيع للمرأة أنجح عند ربها من رضا زوجها عنها, ولما ماتت فاطمة (ع) قام عليها أمير المؤمنين (ع) وقال: اللهم إني راض عن ابنة نبيك. وكان الهدف من هذا القول أن يبين أن رضى الزوج له أهمية كبيرة.
وعنه (ص): ويل لامرأة أغضبت زوجها وطوبى لامرأة رضي عنها زوجها.
وفي حديث آخر عنه (ص): من كان له امرأة تؤذيه لم يقبل الله صلاتها ولا حسنة من عملها حتى تعينه وترضيه, وعلى الرجل مثل ذلك الوزر إذا كان لها مؤذياً ظالماً.
لقد جاءت هذه النصوص لتؤكد أهمية العلاقات العائلية وأولوياتها.
ثانياً: الخدمة داخل البيت, بيت العائلة:
فإن أحد عوامل نجاح العلاقة العائلية هو بلوغ الأسرة حد التباري في خدمة بعضهم البعض, بأن يعمل الرجل على خدمة زوجته وأبنائه، وتقوم الزوجة والأبناء بخدمته.
فعن النبي (ص): لا يخدم العيال إلا صديق شهيد أو رجل يريد الله به خير الدنيا والآخرة.
وفي حديث آخر: (إذا سقى الرجل امرأته الماء أجر).
عن الإمام زين العابدين (ع): (إن أرضاكم عند الله أسبقكم على عياله).
وقد قسم علي (ع) والزهراء (ع) أعمال البيت بينهما، فكان هو يأتي بما يحتاجه البيت من الخارج, وكانت هي تعمل الخبز والطعام وتهتم بشؤون البيت في الداخل.
ثالثاً: التنازلات المتبادلة والتسامح والعفو عن الأخطاء: فإن وقوع الأخطاء من أفراد العائلة أمر طبيعي نتيجة الغفلة أو الجهل أو الغضب, وعلى الإنسان أن يكون مرناً في تقبل الأخطاء من الزوج والزوجة أو الأولاد, ليس من الصحيح أن يتحلى بعض الأشخاص بالمرونة في تقبل الأخطاء من الناس خارج البيت ويصعب عليه تقبل الأخطاء من داخل أفراد البيت.
فعن الباقر (ع): إني لأصبر من غلامي هذا أو من أهلي على ما هو أمرّ من الحنظل’ إنه من صبر نال بصبره درجة الصائم القائم, ودرجة الشهيد.
على الإنسان أن يتحمل داخل العائلة الإساءات والمشاكل العائلية.
فعن رسول الله (ص): ألا ومن صبر على خلق امرأة سيئة الخلق, احتسب في ذلك الأجر, أعطاه الله ثواب الشاكرين.
تحمل الأخطاء هو أحد عوامل نجاح الحياة السعيدة.
إذا تمسك كل طرف في العائلة بموقفه المتعنت من الآخر واختار التعامل بشدة وقسوة وكيدية وابتزاز مع الطرف الآخر, فالحياة لا تستقيم ولا تنتظم, فالرحمة والشفقة والعطف هو المطلوب لحياة مستقرة.
الاستقرار على المستوى العائلي يولد الاستقرار على المستوى الاجتماعي العام, والاستقرار الاجتماعي يساهم في الاستقرار السياسي والأمني, والمدخل للاستقرار السياسي اليوم في لبنان هو تأليف حكومة سياسية تكون بمستوى متطلبات المرحلة وبمستوى التحديات في المنطقة.
نحن بحاجة إلى حكومة تتمثل فيها كل القوى بأحجامها, حكومة يتفق عليها الجميع, لأن الخيار البديل هو الذهاب إلى أزمة سياسية مفتوحة على كل الاحتمالات، حكومة تأخذ في أولوياتها: الحفاظ على الاستقرار الداخلي وإجراء الانتخابات النيابية ومعالجة الأزمات الاجتماعية والمعيشية للناس.
والحمد لله رب العالمين