محاضرة حول سورة العصر القيت في حسينية حبشيت /الجنوب اللبناني
- المجموعة: محاضرات
- 01 كانون2/يناير 2000
- اسرة التحرير
- الزيارات: 4614
هذه السورة وإن كانت صغيرة في حجمها وكلماتها والفاظها، ولكنها كبيرة جدا في مضمونها ومعناها، لانها تتضمن العناصر التي يتوقف عليها نجاح الإنسان الفرد ونجاح الإنسان المجتمع.إنها توضح لنا الاساس في نجاح الإنسان في حياته الفردية وفي نجاح الإنسان في حياته الاجتماعية
ضمن عناصر أربعة: عنصران يشترك فيها الإنسان بصفته فرداً، والإنسان بصفته جزءاً من مجتمع. وعنصران آخران يعيشان في إطار المجتمع.الإيمان، العمل الصالح، التواصي بالحق، التواصي بالصبر.
الله سبحانه وتعالى يقسم بالعصر أي بوقت العصر أو بالدهر بكل ما يحمله من أحداث وتطورات وأوضاع ، يقسم بالعصر باعتبار كونه مظهراً من مظاهر قدرة الله وعظمة الله وإعجاز خلقه، يقسم بالعصر وما يمثله من قدرة وعظمة واعجاز بأن الإنسان في خسر (والعصر إن الإنسان لفي خسر).
الإنسان كل الإنسان يبقى خاسراً يخسر نفسه ويخسر حياته ويخسر اخرته، إذا لم يأخذ بأسباب النجاح،وإذا لم يأخذ بأسباب الفلاح. لأن الإنسان الذي لا يأخذ بأسباب النجاح وباسباب الفلاح سوف يستسلم لشهواته ويستسلم لأطماعه ويستسلم لزخارف الدنيا ومادياتها، والانسان الذي يستسلم لشهواته وأطماعه ويخضع للذاته ويتبع اهوائه، ويخلد في الأرض ولا يرتفع بروحه إلى السماء ولا يرتفع بطموحاته إلى الله سبحانه. هذا الإنسان يبقى يعيش الخسران في نفسه، لأنه يظل متعلقاً بشهواته وملذاته ويظل محكوماً لطموحات الدنيا، ويظل محكوما لطموحات الأرض ولا يرتفع بطموحاته إلى السماء وإلى الله، وكل من يظل محكوما لشهواته وغرائزه ولأهوائه وللذاته وكل من يظل عبدا واسيرا للدنيا ولزخارفها يظل خاسرا، يخسر نفسه وحياته وآخرته، وينطبق عليه قوله تعالى: "قل إن الخاسرين الذين خسروا انفسهم واهليهم يوم القيامة، ألا ذلك هو الخسران المبين" الزمر/15.
قد يتمتع جسده وقد يتنعم في حياته ولكنه يجعل نفسه خالية من أي معنى في الحياة وروحه خالية من أي هدف سامي في الحياة فتتحول الحياة عنده إلى مجرد عنصر يعيش معه الأنانية الفردية بأبسط صورها.
ولهذا لا بد للإنسان من شيء يرتفع به إلى القمة يرتفع بروحه ويرتفع بفكره ويرتفع بأهدافه وغاياته ويرتفع بطموحاته ويرتفع بجميع مجالات حياته.
ما هو هذا الشيء؟ إنها العناصر الأربعة التي تحدث الله عنها في هذه السورة, الإيمان ، العمل الصالح، التواصي بالحق، التواصي بالصبر .
العنصر الأول: الإيمان (إلا الذين آمنوا) الإيمان بالله وصفاته واسمائه ورسله وكتبه والإيمان باليوم الآخر.
والإيمان صفتان: صفة شكلية وصفة حقيقية
الإيمان بالشكل هو الإيمان الفارغ من مضمونه، هو الإيمان الفارغ من جوهره وأبعاده. كالانسان الذي يعبد الله ولكنه في الوقت نفسه يخضع لغير الله يحب الله، ولكن يحب غير الله أكثر، يصلي لله، ولكنه لا يعيش روحية الصلاة ونتائج الصلاة، يصوم ولكنه لا يعيش روحية الصيام، يقرأ القرآن ويلعن الظالمين ولكنه يظلم ويعتدي ويأخذ ما ليس له فيه حق.
وهذا اللون من الإيمان هو ما تحدثت عنه بعض الروايات كقول أمير المؤمنين (كم من صائم ليس له من صيامه إلا الجوع والظمأ. وكم من قائم ليس له من قيامه إلا السهر والعناء)
وكقوله (ص) (رب قارئ للقرآن والقرآن يلعنه). وهكذا ....
وللإيمان صفة حقيقية كما قلنا، صفة تعيش في قلب الإنسان فتضيئ قلبه وتعيش في حياة الإنسان فتضيئ حياته، وتعيش في فكر الإنسان فتضيئ عقله وفكره بحيث يشعر الإنسان بالنور يحيط به من كل جانب ومكان.
الإيمان الحقيقي ماذا يعني؟ يعني أنك تتعبد وتخضع لإله واحد وأنك لا تشعر إلا بهذا الإله الواحد الذي تلتقي عنده كل أفكارك عندما تتوزع الأفكار هنا وهناك، وكل عواطفك ومشاعرك عندما تتوجه هنا وهناك، وتلتقي عنده كل اهدافك وغاياتك ونياتك عندما تختلف أهداف الناس ونواياهم.
الإيمان يعني أنك تشعر بأن الله وحده هو الذي يدير حياتك ويحيط بها ويتصرف بكل حياتك وهو غاية حياتك وعبادتك وأعمالك وطاعتك في هذه الحياة.
الإيمان هو الالتزام الفكري والعملي بما أمر به وبما نهى عنه وبكل ما شرعه للإنسان، وهو الاحساس الدائم بحضور الله وبرقابته عليك وعلى أقوالك وأفعالك وتصرفاتك.
الإيمان معناه أنه يجب الخضوع المطلق أمام الله والتسليم المطلق له والطاعة المطلقة لأمره ونهيه بلا قيد ولا شرط.
على الإنسان أن يملك روح الإيمان، هذا يعني عندما يأمر الله نلتزم أمره، عندما يحكم نلتزم حكمه، أن لا يكون لنا إرادة أو رأي أو خيار في مقابل إرادته ورأيه وخياره.
كما قال تعالى: (وما كان لمؤمن أو مؤمنة إذا قضى الله ورسوله أمراً أن يكون لهم الخيرة من أمرهم) الأحزاب /36. (ومن يعصي الله ورسوله فقد ضل ضلالا مبيناً) (إنما المؤمنون الذين آمنوا بالله ورسوله ثم لم يرتابوا وجاهدوا بأموالهم وانفسهم في سبيل الله أولئك هم الصادقون) الحجرات /15
التعبد لله الواحد ماذا يعطي الإنسان؟ ما هي معطيات الإيمان ونتائجه وآثاره؟
1- التعبد لله الواحد يعطي الإنسان الشعور بالحرية الداخلية تجاه كل القوى الأخرى ، تشعر أنك جزء من العالم كله وأنك لست خاضعاً لست عبداً، لست منقادا، لست مسحوقا أمام أي قوة من قوى العالم سواء كانت قوى بشرية أو قوى طبيعية. تشعر أنك لست خاضعا إلا لقوة واحدة هي قوة الله، وإن كل القوى مهما كبرت ومهما عظمت إنما هي قوى زميلة ورفيقة أنت رفيقها لأنك مثلها في عبوديتك لله سبحانه.
2- إن الإيمان يدفعك إلى الشعور بالمسؤولية الداخلية اتجاه كل ما تقوم به، يجعلك تشعر بمسؤوليتك تجاه أعمالك قبل أن يحملك الآخرون المسؤولية لأنك تشعر بأنك مسؤول أمام الله سبحانه وتعالى، قبل أن تكون مسؤولاً أمام الناس. الإيمان يخلق لك الضمير الذي يحاكمك ويحاسبك ويخلق لك النفس اللوامة ويجعلك تلوم نفسك عندما تنحرف أو تخطئ قبل أن يلومك الآخرون أو يلتفتوا إلى أخطائك، وبهذا يتحول المؤمن من خلال إيمانه إلى إنسان يحاكم نفسه في كل ما يعمل قبل أن يلتفت الآخرون إلى اخطائه.
3- الإيمان يمنع الانسان من المعصية في جميع الحالات، في حالات الرضا وفي حالات الغضب والانفعال، لأنه يحذر من تحدي إرادة الله سبحانه. وفي هذا يقول الإمام الجواد (ع) : إنما المؤمن الذي إذا رضي لم يدخله رضاه في إثمٍ ولا باطل، وإذا سخط لم يخرجه سخطه من قول الحق، والذي إذا قدر لم تخرجه قدرته إلى التعدي على ما ليس له بحق.
4- الإيمان يجعل الإنسان ربانياً، يجعل اهدافه ومنطلقاته ودوافعه ربانية، يجعلك تندفع إلى القيام بواجباتك ومسؤولياتك بكل رغبة ابتغاء مرضاة الله. فالإنسان إذا لم يكن مؤمنا ويندفع للعمل، يندفع للعمل لا لأجل أن يرضى الله عنه، وإنما لأجل أن يرضى عنه فلان وفلان، أو يعمل لأجل أن يحصل على شهرة أو على طمع أو على أنانية، يعمل لأجل أن يحصل على مكاسب سياسية أو اجتماعية أو وظيفية، منصب، جاه، مال الخ... هذا الذي لا يؤمن بالله تظل أهدافه وغاياته منطلقة مع اطماعه وشهواته وأنانيته. وانظروا في حياتكم هذه إلى الذين لا يعيشون الإيمان والالتزام بالقيم كما يجب، لماذا يعملون ولماذا يتحركون؟ إنهم يعملون من أجل قضاياهم الخاصة التي ترجع إليهم شخصيا، من أجل مشاريعهم الشخصية والخاصة، يستعبدون أنفسهم للآخرين من أجل أن يحصلوا على بعض المكاسب: على جاه، على مال، على أرباح، على مديح وثناء. ولكنك عندما تؤمن بالله تتحول إلى إنسان يشعر بأن عليه أن يرضي الله ويتقرب إليه ويضحي في سبيل الله وأن يخدم الآخرين قبل أن يخدموه، لا يعمل المؤمن من أجل أن يمدحه الناس بل من أجل أن يرضى عنه الله سبحانه، وهكذا يشعر بأن عليه أن يتحمل الخسارة في سبيل أن يربح عند الله ويتحمل الألم والمعاناة في سبيل أن يرتاح عند الله.
هكذا كان شهدؤنا في المقاومة الإسلامية في لبنان وهكذا هم مجاهدونا في هذه المسيرة، هؤلاء الربانيون كانت تحكمهم الأهداف الإلهية منذ انطلقت هذه المقاومة.
هذه المقاومة الصادقة المخلصة ميزتها وخصوصيتها منذ البداية منذ اليوم الأول أنها كانت مقاومة لله جهادها وقتالها، دموعها ودمائها، سعادتها وآلامها، فرحها وحزنها وتضحياتها كانت لله وحده، لم يكن أحد يفكر بدنيا ولا بحطامها، لم يكن أحد يفكر بمكاسب، الجميع في هذه المقاومة كانوا يفكرون بالله. هؤلاء الذين قدموا أولادهم وانفسهم وأهليهم واخوتهم وصبروا وتحملوا كانوا يرون الله ويطمعون برضاه ورضوانه، وبتوفيقه وبنصره ، ولذلك كانت المقاومة في لبنان من أبرز المصاديق التاريخية ومن أبرز المصاديق المعاصرة لقوله تعالى (إن تنصروا الله ينصركم ويثبت أقدامكم) (وإن ينصركم الله فلا غالب لكم) هذه المقاومة التي انتصرت في لبنان فأعطته بذلك الشرف والعزة والكرامة والحرية والمجد والعنفوان.
نحن في حزب الله والمقاومة الإسلامية لانطلب مكافأة ولا جوائز على جهادنا وتضحياتنا والنصر الذي صنعناه من أحد، نحن عندما قاتلنا وجاهدنا وقدمنا الشهداء كنا نقوم بواجبنا وبتكليفنا الشرعي ولا نمن على أحد بأننا قمنا بهذا الواجب، بل الله يمن علينا أن هدانا للإيمان ولطريق الجهاد والمقاومة. وهنا نود أن نقول: لا يوجد أحد يمكن أن يكافئ المقاومين والمجاهدين والشهداء مهما كانت إمكانته ضخمة وعظيمة وكبيرة.
يجب أن يعرف المسؤولون في لبنان أنه لا قيمة ولامكافاءة عندهم يمكن أن يقدموها في مقابل دماء شهداء المقاومة الإسلامية، فدماء شهداء المقاومة الإسلامية اعز واقدس وأغلى من أن تستطيع حكومات العالم وليس الحكومة اللبنانية وحدها من أن تكافئ هذه الدماء أو أن تقدم شيئا في مقابلها.
نحن ننزه دماء الشهداء وآلام الجرحى وقيودالأسرى وعرق المجاهدين والمضحين عن أن تكون في حسابات الربح والخسارة والأخذ والعطاء والبيع والشراء وطلب الجوائز والمكفاءات وليكن هذا واضحاً.
لا يوجد أحد في لبنان يمكنه أن يكافئ هؤلاء وهم على كل حال لا يطلبون مكافأة من أحد، الوحيد في هذا الوجود الذي يستطيع أن يكافئ هولاء الشهداء والمجاهدين هو ربهم وإلههم ومن بيده ملك السموات والأرض هذه هي الحقيقة.
وما حصل في الأيام الماضية لم يقف أخواننا ونوابنا في المجلس النيابي حتى يطلبوا جوائز ومكافاءات لأننا قاتلنا إسرائيل ولا زلنا، ولم يتكلم أحد بهذا المنطق وبهذه اللغة.
ولم نكن في صدد أن ندخل في سجال سياسي مع أحد أياً يكن موقعه السياسي في هذا البلد.
ما حصل أن هناك نواب منطقة هي منطقة بعلبك الهرمل،هم نواب انتخبهم الناس، ينتمون إلى منطقة تعاني الإهمال والحرمان منذ عشرات السنين، جاؤوا ليقولوا،طالما أن النقاش هو نقاش في الموازنة ولا يوجد في هذه الموازنة لمنطقتهم المنكوبة والمحرومة والمظلومة شيء يذكر، قاموا ورفعوا الصوت يطالبون بحقوق منطقتهم المظلومة والمحرومة،وطالبوا الحكومة بأن تؤدي واجباتها تجاه هذه المنطقة.
لكن البعض هرب من الإنماء إلى السياسة ونقل الموضوع من موضوع إنمائي اقتصادي إلى موضوع سياسي، لم يتحدث نواب بعلبك الهرمل عن مزارع شبعا أو عن موقف الحكومة من المقاومة، أو عن الإصلاح السياسي أو عن شيء من هذا القبيل.
كانوا يخاطبون الدولة بأن الموازنة التي قدمتها الحكومة لا يوجد فيها شيء لهذه المنطقة التي يجب أن تعطى أولوية. وطبعا نحن نطالب بإنماء كل المناطق المحرومة، نحن ندعم كل المناطق المحرومة ونطالب بأن تكون موضع اهتمام الحكومة. لكن يجري التأكيد احيانا على بعلبك الهرمل أو على المناطق المحررة، لأنها الأكثر حرمانا وإهمالا ولأنه يوجد تآمر عليها من أوساط عديدة في الداخل والخارج.
لذلك نقول للحكومة: لا تهربوا من الإنماء إلى السياسة نحن لم نكن نريد ولا نريد الأن أن ندخل في سجال سياسي مع أحد، ليس من موقع الضعف،وإنما من موقع الحرص على تماسك البلد ووحدته وتعاون الجميع على إعطاء الأولوية للأخطار التي تحدق بهذا البلد، فلبنان لا يزال في دائرة التهديد الصهيوني ولا بد أن يتعاون الجميع لدفع اخطاره وإرهابه.
ما نقوم به هو واجبنا وتكليفنا،كما واجبنا أن نقاوم الاحتلال، من واجبنا أن ندافع عن حقوق المستضعفين والمحرومين والفقراء.
عندما نجد أن هناك عمالا أو موظفين في شركة ما مثل الميدل إيست مظلومين ومضطهدين ومقهورين سنرفع الصوت ونطالب بحقوقهم.
نحن لانفتش عن موقع ولا نفتش عن مكاسب سياسية نحن نتحرك في الدفاع عن الناس لأنها مسؤليتنا الشرعية والأخلاقية والإنسانية، ومن واجبنا أن نفعل ذلك، نحن لسنا في صراع سياسي مع أحد لكن نحن نريد أن ندافع عن الناس وعن حقوقهم بقدر استطاعتنا. ولا نستطيع أن نتخلى عن هذا الواجب.
لذلك الحريصون على هذا البلد عليهم أن ينصفوا الناس والمظلومين والمناطق المحرومة وفي مقدمتها بعلبك – الهرمل والمناطق المحررة،وعليهم أن لا يهربوا من الإنماء إلى السياسة والدخول في صراع سياسي ليس لمصلحةهذا البلد ولا لمصلحة أحد فيه، المطلوب هو التماسك السياسي والتعاون لدفع الأخطار وانصاف الناس وإعطائهم حقوقهم.
والحمد لله رب العالمين.