المقالات
الاساءات التي تعرضت لها شخصية النبي(ص) قديما وحديثا (1)
- المجموعة: لبيك يا رسول الله2
- 20 آب/أغسطس 2013
- اسرة التحرير
- الزيارات: 4106
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين سيدنا ونبينا أبي القاسم محمد بن عبد الله وعلى آله الطيبين الطاهرين.هذا برنامج مخصص للحديث عن بعض المحطات المضيئة في سيرة رسول الله محمدِ بنِ عبد الله (ص), ولكن قبل أن نبدأ في تفاصيل الحديث عن هذه السيرة العطرة ومحطاتِها ومجرياتها والموضوعاتِ التي نريد بحثها هنا.
لا بد أن نتعرف على ما نقصده من كلمة (السيرة), فما هو المقصود من كلمة السيرة؟ وماذا تعني سيرة النبي(ص) ؟
كلمة السيرة مشتقة من كلمة السير, والسير يعني المشي والحركة, بينما السيرة تعني طريقة المشي والحركة والسلوك.
وبتعبير آخر: السيرة عبارة عن النمط والاسلوب والنهج الذي يتبعه الإنسان في حياته وفي أعماله اليومية.
فعندما نبحث في سيرة رسول الله محمد(ص) إنما نريد معرفة الأسلوب والنمط الذي كان يتبعه النبي(ص) في أعماله اليومية للوصول إلى أهدافه وغاياته.
مثلاً: كانت لرسول الله حياته قبل البعثة, فكيف كان يعيش حياته في تلك المرحلة؟ كيف كان سلوكه وكيف كانت أخلاقه وعلاقاته؟ بماذا كان يتعبد ويتدين قبل البعثة ؟ ما هي مواقفه والأحداث التي شارك فيها في تلك المرحلة؟
وكان الرسول بعد البعثة يبلغ رسالته, فكيف كان يقوم بذلك؟ وما هي الأحداث و التحديات التي واجهها في طريق الدعوة إلى الله؟
وفي الوقت الذي كان النبي(ص) يبلغ رسالته كان يقود مجتمعه سياسياً وإدارياً واقتصادياً وأمنياً, فكيف كان يدير المجتمع والدولة؟
وكان للنبي أعداءٌ وخصومٌ ومعارضون, فكيف كان يتعامل مع أعدائه؟ وكيف كان يواجههم؟
والنبي كسائر الناس كانت له أسرة وحياة عائلية كانت له زوجات وأولاد فكيف كانت حياته الزوجية؟ وكيف كان يعامل زوجاته وأبنائه؟
هذه الموضوعات وغيرها مما يرتبط بحياته الخاصة والعامة وتلك المرتبطة بمواقفه وسلوكه وأوضاعه وطريقة عمله اليومي هي ما نقصده من السيرة وهي التي تبحث عادةً في السيرة النبوية.
فعندما نريد أن نتحدث عن سيرة النبي الأكرم(ص) لا بد أن نتكلم عن كل ذلك من أجل أن نتعرف على شخصية رسول الله وعلى مختلف جوانب حياته. من أجل أن نتأسى به ونقتدي بأقواله وأفعاله ومواقفه لتكون حياتنا وسيرتنا ومسيرتنا مرتبطةً بحياته وسيرته ومسيرته.
وهنا لا بد أن نشير إلى أن شخصية النبي والسيرة النبوية قد تعرضتا للكثير من الاختلاق والإفتراء والتشويه والاساءة قديما وحديثا
لقد جرى ذلك قديما على أيدي بعض الحكام والسلاطين لا سيما في العصرالأموي.
واما حديثا فقد جرى من قبل بعض الحاقدين من كتاب وصحفيين وفنانين ورسامين غربيين
فرسول الله (ص) الذي اصطفاه الله واختاره من بين جميع خلقه ليكون نبي الانسانية ونبي هذه الأمة وقدوتَها والأسوةَ الحسنةَ فيها كما قال تعالى : "ولكم في رسول الله أسوةٌ حسنة".
هذا النبي الذي وصفه الله في القرآن الكريم بأنه " على خلق عظيم" والذي يمثل النموذج الإنساني الكامل المعصوم من الخطأ. رسول الله(ص) الذي هو رجل الفضل والعقل والحكمة, رجلُ الوقار والجلال والأخلاق الذي جمع في شخصيته كل الصفات والقيم والخصائص الإنسانية الفاضلة.
رسول الله(ص) الذي لا ترى في أعماله ومواقفه, ولا في تصرفاته وسلوكه أيَ خلل أو ضعف أو تناقض.
هذا النبي العظيم الذي له هذه الصورةُ المشرقة في قلوبنا وعقولنا وعقيدتنا والقرآن, تصوره لنا بعض النصوص والروايات التاريخية المختلقة على أنه رجل عاصي غير متوازن, ضعيفُ الشخصية يتصرف كطفل ويتكلم كجاهل, ويرتكب بعضَ الأعمال التي لا يقبلها الإنسانُ العادي على نفسه
ولعل من أبرز نماذج وشواهد هذا الإفتراء والتشويه, ما تنقله لنا مثلاً بعض الروايات التاريخية, من أن النبي كان يحمل زوجته على عاتقه أمام الناس لتنظر إلى لعب السودان – أي - وهو واضع خده على خدها.
أو أن النبي كان يترك جيشه وينفرد بزوجته من أجل أن يسابقها في قلب الصحراء فمرة هي تسبقه ومرة هو يسبقها فيقول لها هذه بتلك, ويقولون: إن هذا التصرف حصل منه أكثر من مرة وفي أكثر من مناسبة, أليس هذا تشويها لسيرة رسول الله(ص)؟
أضف إلى ذلك أن بعض النصوص تصور النبي على أنه يهوى زوجة ابنه بالتبني أي زوجة زيدِ بنِ حارثة بعد أن رآها في حالة مثيرة.
كما أن من أمثلة التشويه والافتراء على رسول الله(ص), ما يذكر في بعض النصوص من أنه كان له شيطان يعتريه, وكان يأتيه على صورة جبرائيل, أو أنه كان ينسى ما هو من وظيفته ومهامه مثل ليلة القدر حيث قيل: إنه نسي أيَ ليلة هي ليلة القدر, ولما عجز عن تذكرها, أمر الناس أن يلتمسوها في العشر الأواخر من شهر رمضان. أو أنه كان ينسى أنه جنب في بعض الأحيان, وأنه كان يبول وهو قائم, أو أنه كان يشرب النبيذ, وما إلى ذلك من الأعمال التي يخجل الإنسان العادي أن يمارسها.
وثمة روايات اخرى تصور لنا النبي(ص) ايضا على أنه رجل عاجز ومضطرب يحتاج دائماً إلى من يعلّمه, ويدبر أموره, ويأخذ بيده, ويشرف على شؤونه, ويحل له مشاكله, الكل أعرف وأعقل وأقوى منه ...
نعم... هكذا شاء بعض الحكام في التاريخ من خلال بعض الروايات التي اختلقوها والمدوّنة في بعض الكتب التاريخية والحديثية أن يصوروا لنا شخصيةَ وسيرةَ أعظمِ رجل وأكرمِ وأفضلِ نبي على وجه الأرض.
إن إعطاء هذا الإنطباع عن شخصية رسول الله(ص) وهو القدوة والأسوة, هو خيانة كبرى للتاريخ وللأمة وللإنسانية .
هذا كله قديما اما حديثا فقد شهدنا في السنوات الاخيرة محاولات منظمة ومدروسة للنيل من نبينا (ص) تمثلت في قيام بعض وسائل الإعلام الغربية بتصوير رسول الله (ص) بوسائل وأساليب ساخرة ومهينة، وبأنه رجل حرب وعنف.. لا يعرف الرحمة ولا الشفقة.
فقد اتهموه بالقسوة، والظلم، وانتهاك حقوق الإنسان، ووسموه بأنه غليظ القلب، لا تدمع عيناه على أحد، وأنه يُعذب بدق المسامير بالأيدي إلى الحائط، ويسمّلُ العيون، ويقطع الأيدي والأرجل، ويمنع الماء عن خصومه، ويتركُهُم ينزفون حتى الموت ثم يُحرقُهُم بالنار..!!
وقد بدأت هذه المحاولات بكتاب آيات شيطانية للمرتد سلمان رشدي، واستمرت مع الرسوم الكاريكتورية التي نشرت في الدانمارك، وحرق القرآن الكريم من قبل القس الأمريكي تيري جونز في الولايات المتحدة، ومن قبل جنود أمريكيين في افغانستان وسجن غونتنامو، وصولاً إلى الفيلم المسيء الذي صدر مؤخراً في أمريكا.
وهذا يدعونا إلى أننا عندما نريد أن نقرأ تاريخ رسول الله(ص), أو أن نستفيد من كتب السيرة والتاريخ لا بد أن نقرأها بحذر ووعي وبدقة وتأمل وأن لا نأخذ منها إلا ما ينسجم مع الواقع التاريخي الصحيح ومع الصورة الحقيقية لرسول الله(ص) التي عكستها النصوص والدلائل والشواهد الصحيحة.
وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين