المقالات
عقد "هدنة" الحديبية كانت ذكاء من النبي (ص) خسّر قريش أهم قبائلها(47)
- المجموعة: لبيك يا رسول الله2
- 12 تشرين1/أكتوير 2013
- اسرة التحرير
- الزيارات: 3502
غزوة الحديبية - 2 (47)
يعبر عن المعاهدة التي أبرمت في الحديبية بين رسول الله (ص) والمشركين حَسَبَ المصطلح الفقهي الإسلامي بـ"الهُدنة", لأن الهُدنة هي المعاقدة على ترك الحرب وتجميدِ حال الصراع مع العدو مدةً معينة, وهذا ما حصل في الحديبية حيث وقَّعَ النبيُ (ص) صُلحاً مؤقتاً مع المشركين مدتُهُ عشرُ سنوات.
والهدنة بهذا المعنى جائزةٌ في الإسلام إذا اقتضت مصلحةُ المسلمين ذلك, والمصلحةُ هنا إنما يشخصها وليُ أمر المسلمين, لا أفرادُ المسلمين أو جماعاتُهُم أو أحزابُهُم أو من يَفرِضُ زعامته عليهم, فوليُ الأمر الذي بيده قرارُ الحرب والسلم هو الذي يُشخِّصُ مصلحةَ المسلمين تبعاً للظروف والأوضاعِ الاجتماعية والسياسية والأمنية وغيرِها, فهو وحده الذي يحدد بحسب طبيعة المرحلة في كل عصر وزمان ما إذا كانت مصلحةُ المسلمين تقتضي الحربَ او السلم .. الجهادَ أو الهُدنة.
ويبدو من نظرة معمقةٍ لأوضاع الإسلام والمسلمين قبل معاهدة الحديبية وبعدَهَا وما تمخضَ عنها من نتائج, أن هذه المعاهدة جاءت في مصلحة الإسلام والمسلمين بالكامل, بل كانت مغنماً كبيراً ونصراً عظيماً ولم يدرك أهميتها بعضُ المسلمين الذين احتجوا على بعض بنودها واعتبروها مجحفةً بحقهم ومكانتهم. بل لقد كانت هذه المعاهدةُ من الأحداث السياسية الهامة في تاريخ الإسلام التي مهدت لنتائجَ عقيدية وعسكرية وسياسية كبرى في مصلحة الإسلام والمسلمين وجعلتْ انتصارَ الإسلام أمراً محسوماً وحتمياً.
وهنا نذكر أهمَّ نتائجِ صُلح الحديبية في عدة نقاط :
أولاً: إن الهجمات والمؤامرات المتوالية التي قامت بها قريش على امتداد السنوات الست بعد الهجرة ضد الإسلام ودولته الفتية لم تترك للنبي (ص) فرصةً لنشر الإسلام على نطاق واسع في شبه الجزيرة العربية وخارجَهَا, فقد كان النبي (ص) يصرف معظم أوقاته في الدفاع عن الإسلام وصدِّ حملات المشركين ومؤامراتهم ضده وضد المسلمين, ولكن بعد صلح الحديبية وتجميد حال الصراع مع قريش عاشت المنطقةُ فترةً من الهدوء والاستقرار أتاحت لرسول الله (ص) أن يقوم بنشاط تبليغيٍ واسعٍ لحساب الإسلام في المناطق كافة, فقد نَشِطَ النبيُ (ص) منذ أواخر السنة السادسة للهجرة وحتى فتح مكة في توجيه سفرائه ومبعوثيه إلى كبار أمراء العرب المشركين وزعمائِهم يدعوهم إلى الإسلام في الفترة نفسها التي كان قد وجَّهَ فيها سفراءَه ومبعوثيه إلى أباطرة العالم وملوكِهِ يعرض عليهم الدعوةَ التي بعث بها إلى الناس جميعاً.
ثانياً: أزال صلحُ الحديبية الموانعَ الماديةَ والنفسية التي كانت قد وضعتها قريشٌ بين الناس وبين الإسلام بعدما اعترفت بالإسلام قوة في المنطقة, وسمحَ صلحُ الحديبية لمختلِفِ القبائلِ المشركة المنتشرةِ في الجزيرة العربية بالاتصال بالمسلمين وبالتعرف عن قرب إلى مبادئ الإسلام ومفاهيمه وأحكامه بعد أن منحَ الصلحُ تلك القبائلِ الحريةَ المطلقة في أن تختار المعسكرَ الذي تراه مناسباً, كما فتحَ الصلحُ المجالَ أمامَ المسلمين لينطلقوا بحرية في الدعوة إلى الإسلام حتى داخلَ مكة, فدخل الكثير من الناس في الإسلام, بل لقد دخل في الإسلام خلال سنتين أكثرُ مما دخل فيه على امتداد كل السنوات السابقة للصلح, بدليل أن النبي (ص) خرج إلى الحديبية في ألفٍ وأربَعِمِئةِ مقاتل, بينما خرج في فتح مكة بعد سنتين على رأس عَشَرَةِ آلافِ مقاتل.
ثالثاً: فسح الاتفاق في الحديبية المجال أمامَ قبيلة خزاعة للانضمام إلى معسكر المسلمين والدخولِ في تحالف وثيق معهم, وكان انضمامُ خزاعةَ إلى معسكر الإسلام نصراً كبيراً للرسول وللإسلام والمسلمين وذلك لأن جزءاً كبيراً من الأحابيش الذين كانت قريشٌ تعتمدُ عليهم وتستخدِمُهُم في حروبها ضد المسلمين يُعَدُّونَ من بطون خزاعة, وبذلك ضمَ النبيُ (ص) جزءاً كبيراً من هذه القوة إلى جانبه وأضعفَ بذلك مركزَ قريش الحربي, ومهَّدَ بهذا وذاك لفتح مكةَ والقضاءِ على قاعدة الوثنيةِ في المنطقة.
رابعاً: أتاح صلح الحديبية الفرصة أمام النبي (ص) ليخوض بهدوء صراعاً ضد القوى الأخرى المعاديةِ للإسلام والمسلمين كاليهود الذين تم القضاءُ عليهم في حصون خيبرَ والمواقعِ المجاورةِ لها, والبيزنطيين وحلفائِهمْ العرب الذين ازداد تآمرُهُم على الإسلام في الجهات الشمالية للجزيرة العربية بازدياد نشاط الإسلام هناك, فضلاً عن التجمعات القبلية البدوية المشركة المنتشرةِ في الصحراء والتي كانت تنتظر الفرصة المؤاتية لإنزال الضربات بالمسلمين.
الشيخ علي دعموش