المقالات
فضل تلاوة القرآن (8)
- المجموعة: قرآنيات
- 08 نيسان/أبريل 2014
- اسرة التحرير
- الزيارات: 5713
عن الباقر (ع) ان رسول الله قال : من قرأ عشر آيات في ليلة لم يكتب من الغافلين ، ومن قرأ خمسين آية كتب الذاكرين ، ومن قرأ مئة آية كتب من القانتين ، ومن قرأ مئتي آية كتب من الخاشعين ، ومن قرأ ثلاثمائة آية كتب من الفائزين.
بسم الله الرحمن الرحيم
قال الله تعالى : (فاقرؤوا ما تيسر من القرآن ) .
شهر رمضان هو شهر القرآن لأن القران نزل فيه . والقرآن الكريم هو الكتاب الالهي الذي انزله الله على نبيه محمد بن عبد الله (ص) ليكون معجزته الكبرى، التي تدلل على صدق نبوته ورسالته، وليكون مصدر هداية الناس الى طريق الله والإيمان والحق، وليكون الدستور الحي في حركتها وفي حياتها .
وقد ذكرنا في الحلقة السابقة ان القران نزل على رسول الله دفعة واحدة في شهر رمضان وفي ليلة القدر منه بالذات وانه نزل مرة اخرى تدريجياً منذ بداية البعثة النبوية في اليوم السابع والعشرين من رجب وانه استمر بالنزول التدريجي طيلة ثلاث وعشرين سنة هي مدة الدعوة الاسلامية.
ولذلك فقد وصُف هذا الشهر المبارك ،شهر رمضان ،بشهر القران لنزول القرآن فيه ، واكتسب قداسته وحرمته وفضله من فضل القران وعظمته وسمو مقامه، ويكفي القران عظمة ومنزلة وفخراً وشأناً انه كلام الله العظيم،ومعجزة نبيه الكريم، وان آياته هي التي تكفلت بهداية الناس في جميع امورهم وشؤونهم ،وهي التي ضمنت لهم الحصول على الغاية القصوى ،والسعادة الكبرى في الدنيا والاخرة.
يقول تعالى:(كتاب انزلناه اليك لتخرج الناس من الظلمات الى النور بإذن ربهم الى صراط العزيز الحميد).
ويقول تعالى : (هذا بيان للناس وهدى وموعظة للمتقين ).
فكل آية من آياته هي منبع غزير بالهداية والموعظة الحسنة،وكل كلمة من كلماته هي مصدر من مصادر الارشاد والرحمة والتربية ،فالانسان الذي يريد ان يرقى الى السعادة الخالدة والى الاطمئنان والسلام،والانسان الذي يريد ان يربح الدين والدنيا عليه ان يتعاهد القرآن بان يجعل القران عهده وكتابه الذي ينظر فيه آناء الليل واطراف النهار ،وان يجعل آياته ومفاهيمه في ذاكرته وتفكيره وروحه ،ليعمل به ويسير على ضوئه ونهجه ونوره.
وقد جاءت الآيات التي قرأناها في بداية الحديث لتؤكد على هذه الفكرة : على قراءة القرأن وتلاوته وترتيله والتدبر في معانيه.
فالآية الاولى تؤكد على قراءة القرآن فتقول : (فاقرؤوا ماتيسر من القرآن)والمقصود هو قراءة ما يتمكن منه الانسان من آياته وسوره.
وقد وردت احاديث كثيرة عن رسول الله وعن ائمة اهل البيت صلوات الله عليهم في فضل تلاوة القرآن وفي بيان فوائد القراءة في الدنيا والاخرة.
فقد ورد عن الباقر (ع) ان رسول الله قال : من قرأ عشر آيات في ليلة لم يكتب من الغافلين ، ومن قرأ خمسين آية كتب الذاكرين ، ومن قرأ مئة آية كتب من القانتين ، ومن قرأ مئتي آية كتب من الخاشعين ، ومن قرأ ثلاثمائة آية كتب من الفائزين.
كما ورد عن الإمام الصادق (ع) انه قال : ( القرآن عهد الله الى خلقه فقد ينبغي للمرء المسلم ان ينظر في عهده وان يقرأمنه في كل يوم خمسين آية.)
وقال (ع) : ما يمنع التاجر منكم المشغول في سوقه وتجارته اذا رجع الى منزل ان لا ينام حتى يقرأ سورة من القرآن فيكتب له مكان كل آية يقرأها عشر حسنات ويمحى عنه عشر سيئات.
وفي حديث آخرعنه (ع): عليكم بتلاوة القران فان درجات الجنة على عدد آيات القرآن ،فاذا كان يوم القيامة ،يقال لقارئ القرآن إقرأ وارق،فكلما قرأ آية رقى درجة.
وقد دلت جملة من الاحاديث على ان القراءة في المصحف افضل من القراءة غيباً عن ظهر قلب.
فقد سأل اسحاق بن عمار الإمام الصادق (ع) قال له : جعلت فداك إني احفظ القرآن عن ظهر قلبي اي غيباً فأقراءه عن ظهر قلبي افضل او انظر في المصحف افضل؟ فقال (ع) : لا،بل اقرأه وانظر في المصحف فهو افضل أما علمت ان النظر في المصحف عبادة.
وقال في نص آخر : من قرأ القرآن في المصحف متع ببصره وخفف عن والديه وإن كانا كافرين .
وقد ارشدتنا بعض الروايات الى فضل قراءة القران في البيوت على القراءة في المساجد والاماكن الاخرى الخاصة بالعبادة.
ولعل السر في ذلك هو ان الله يريد للقرآن ان تنتشر مفاهيمه واحكامه وقوانينه من خلال انتشار قراءة القران في البيوت، فان الرجل اذا قرأ القرآن في بيته تعتاد المرأة ان تقرأه ويعتاد الطفل ان يقراه وتعتاد الاسرة ان تقرأه ، فينتشر القرآن في كل بيت وتصبح على لسان كل فرد من افراد الاسرة ، اما اذا جعل لقرأة القران اماكن خاصة فان القراءة لا تتهيأ لكل أحد وفي كل وقت في تلك الاماكن الخاصة.
وقد اكدت بعض الاحاديث على ان القراءة في البيوت تترك آثاراً ايجابية كبيرة في تلك البيوت.
فقد ورد في الحديث : ان البيت الذي يُقرأ فيه القرآن،ويذكرالله فيه تكثر بركته، وتحضره الملائكة ،وتهجره الشياطين، ويضيء لاهل السماء كما يضيء الكوكب الدري لاهل الارض، وإن البيت الذي لا يقرأ فيه القرآن ولا يذكر الله فيه،تقل بركته،وتهجره الملائكة،وتحضره الشياطين.
ولا ينبغي ان يعلق القرآن في البيوت او في المحال التجارية والمؤسسات او في السيارات لمجرد الزينة كما يفعل الكثيرون منا من دون ان نقرأ فيه ، فانه بالرغم من ان وضع القرآن في هذه المواضع مستحب لانه يطرد الشياطين منها كما في بعض الاحاديث ، الا انه ينبغي ان لا يترك ليأكله الغبار من دون ان نقرأ فيه ونتدبر في معانيه.
فقد ورد في الحديث عن الإمام الصادق (ع) : ثلاثة يشكون الى الله عز وجل : مسجد خراب لا يصلي فيه اهله،وعالم بين جهال ، ومصحف معلق قد وقع عليه غبار لا يقرأ فيه.
وهناك آداب لتلاوة القرآن لا بد أن تراعيها اثناء ذلك وهي : ان تكون طاهر البدن والثياب ، وان تكون متوضئاً لانه لا يجوز مس ايات القران وكلماته من دون وضوء ، وان تكون خاشعاً متأدباً حال القراءة، وإذا اردت التلاوة فاستعذ بالله من الشيطان الرجيم ثم ابدء بالقراءة.
ولا بد ان ننتبه هنا الى شيء اساسي وهو انه ليس المراد بالقراءة والتلاوة في الايات والاحاديث التي اكدت على قراءة القران وبينت فضل تلاوته ليس المقصود مجرد قراءة الالفاظ والكلمات او القراءة السطحية الخالية من التفكر والتأمل والتدبر في معاني الايات ومضمونها ومحتواها، بل المقصود هو القراءة الواعية التي يتفهم من خلالها الانسان معاني القرآن ومعارفه ومفاهيمه واحكامه. القراءة التي تبعث على التفكر والتدبر والتعمق في معاني القرآن ،والتدقيق في موضوعاته من اجل الاستفادة والعمل ، القراءة التي يتعلم من خلالها الانسان كيف يبني ذاته وشخصيته وكيف يقوي ايمانه والتقوى ،وكيف يهذب نفسه ويحسن اخلاقه وسلوكه . وقد قال تعالى : أفلا يتدبرون القرآن ام على قلوب اقفالها. ولذلك فان على قارىء القرآن ان يفكر في غاية كل آية يقرأها،وفي هدف كل كلمة ينظر فيها.
ولهذا فقد ورد : ان الصحابة كانوا يأخذون من رسول الله (ص) عشر آيات، فلا يأخذون عشرة اخرى حتى يعلموا ما في العشرة الاولى من العلم والمعرفة والعمل .
وقد روي عن الإمام زين العابدين (ع) انه قال :" آيات القرآن خزائن ، فكلما فتحت خزينة ينبغي لك ان تنظر ما فيها " . وهكذا على من يتلو القرآن ان يقدر وهو يقرأ آياته انه هو المقصود بكل امر وبكل نهي من اوامر القرآن ونواهيه،ان يعيش روحية القرآن وأجوائه وحالاته.
وكما قال امير المؤمنين (ع) وهو يصف المتقين وحالهم مع القرآن : "أما الليل فصافون اقدامهم ،تالين لاجزاء القرآن يرتلونها ترتيلا،يحزنون به انفسهم ،ويستثيرون به دواء دائهم، فاذا مروا يآية فيها تشويق ركنوا اليها طمعاً ،وتطلعت نفوسهم إليها شوقاً وظنوا أنها نصب أعينهم ، وإذا مروا بآية فيها تخويف أصغوا إليها مسامع قلوبهم ،وظنوا ان زفير جهنم وشهيقها في اصول آذانهم" .
وآخر دعوانا ان الحمد الله رب العالمين.