المقالات
مقال لمجلة بقية الله بعنوان: آداب العلاقة بالإمام الحجة (عج)
- المجموعة: مقالات
- 02 أيلول/سبتمبر 2002
- اسرة التحرير
- الزيارات: 7127
إن الارتباط بأئمة اهل البيت (ع) ليس مجرد ارتباط عاطفي أو وجداني يندرج في إطار الحب والمودة والتفاعل العاطفي والنفسي ولم يرد الله لنا أن تكون علاقتنا بالنبي (ص) وبأئمة اهل البيت (ع) مجرد علاقة حب ومودة بقدر ما هي علاقة فكرية وعقيدية، وعملية تتصل بما جعله الله لهم من موقع مقدس في الإسلام والعقيدة (قل إن كنتم تحبون الله فاتبعوني يحببكم الله).
على أن الارتباط بالإمام الحجة المهدي ليس مجرد ارتباط بفكرة عقيدية غيبية بل بإنسان كامل حي جسدا وروحا يعيش بيننا يرانا ونراه يعرفنا ولا نعرفه ويسددنا ويوجهنا إلى حيث مصلحتنا ومصلحة الأمة وهو إمام الانس والجن بل إمام الكون وقوامه، فلولا وجود الإمام لساخت الأرض بأهلها فهو أمان لأهل الارض كما ان النجوم امان لأهل السماء كما ورد في الأحاديث المأثورة عنهم (ع) ، وهذا يعني أن الإمام لو سحب الطافه ولم يتدخل في بعض الشؤون، ولم يعمل على رعاية الأمة وتسديدها في حركتها ومواقفها، فالله وحده يعلم كيف سيصبح حال المجتمع الإسلامي وإلى أي درجة من الانحطاط والضياع يمكن ان يصل....
فقد كتب الإمام (ع) مخاطبا الشيخ المفيد ومن وراءه كل المؤمنين : انا غير مهملين لمراعاتكم. ولا ناسين لذكركم ولولا ذلك لنزل بكم اللاواء – أي الشدائد- واصطلمكم الاعداء فاتقوا الله جل جلاله، وظاهرونا على انتشالكم من فتنة قد افاقت عليكم، يهلك فيها من همُّ أجله ويحمي عنها من ادرك امله.
وقد ورد في بعض الأحاديث أن اعمالنا تعرض عليه فيحزن لسيئها ويفرح لما حسُن منها. ولذلك علينا أن نطهر نفوسنا ونراقب اعمالنا لتكون بمستوى رضا الله ورضا الإمام الحجة(عج).
يقول الإمام الخميني (قده): علينا ان ننظر في صحيفة اعمالنا قبل أن تصل إلى محضر الله ومحضر صاحب الزمان (عج).
وبعد النظر في صحيفة الأعمال ومن اجل أن يكون المؤمن بالمستوى اللائق في محضر الإمام (عج) لا بد من مراعاة جملة من آداب العلاقة معه والارتباط به، هي تلك الآداب التي وردت في الأحاديث عن ائمة أهل البيت (ع). والتي نذكر منها هنا ما يلي:
1- مبايعته: فقد ورد في دعاء العهد:" اللهم إني اجدد له في صبيحة يومي هذا وما عشت من ايامي عهدا وعقدا وبيعة لي في عنقي لا أحول عنها ولا أزول ابدا"
2- إظهار الشوق لرؤيته: حيث ورد أن امير المؤمنين (ع) ذكر المهدي (عج) من ولده فأومأ إلى صدره شوقا إلى رؤيته.
وعن الإمام الصادق (ع) أنه قال – وهو يتشوق لرؤيته - : "... لو ادركته لخدمته ايام حياتي ..."
وعلمنا اهل البيت (ع) ان ندعو الله لرؤيته ففي دعاء العهد: اللهم ارني الطلعة الرشيدة والغرة الحميدة، واكحل ناظري بنظرة مني إليه ...
وفي دعاء الندبة: "... واره سيده يا شديد القوى ..." وفيه ايضا " ... هل إليك يا ابن أحمد سبيل فتلقى ..."
وورد في دعاء العمري عنه عجل الله تعالى فرجه الشريف: اللهم إني اسألك أن تريني ولي امرك ظاهرا نافذ الأمر.
وفي بعض الادعية ورد: (اللهم ارني وجه وليك الميمون في حياتنا وبعد المنون ...).
وهنا لا بد من الإشارة إلى أن رؤية الإمام (ع) في زمن الغيبة الكبرى ممكنة بل وميسرة لخواص المؤمنين. وقد تشرف بعض علمائنا برؤيته صلوات الله عليه، فقد نقل عن السيد بحر العلوم أنه جاء إليه رجل وسأله عن إمكان رؤية الإمام الحجة (عج) في زمن الغيبة الكبرى. فسكت السيد عن جوابه وطأطأ رأسه وخاطب نفسه .. ما أقول في جوابه؟ وقد ضمني صلوات الله عليه إلى صدره. (جنة المأوى ص 51).
كما ورد في وصية السيد ابن طاووس لولده: والطريق مفتوحة إلى إمامك (ع) لمن يريد الله جل شأنه عنايته به وتمام إحسانه إليه.
أما الرويات التي تكذب من ادعى رؤيته فليس المقصود بالرؤية فيها ما أشرنا إليه بل هي تشير إلى معنى آخر وهوما نقله الشيخ الاشتهاردي عن الإمام الخميني (قده) حيث يقول: .... والاخبار الدالة على تكذيب رؤيته منزلة على دعوة رؤيته بدعوى نيابته الخاصة من قبله (ع) كنيابة الحسين بن روح وغيره من النواب الأربعة (تنقيح الأصول ج 3 ص 139
3- الثبات على ولايته: فعن الإمام الباقر (ع) أنه قال: يأتي على الناس زمان يغيب عنهم إمامهم، طوبى للثابتين على امرنا في ذلك الزمان. إن ادنى ما يكون لهم من الثواب أن ينادي بهم الباري جل جلاله فيقول: عبيدي وإمائي آمنتم بسري وصدقتم بغيبي فابشروا بحسن الثواب مني، أي عبيدي وإمائي حقا منكم أتقبل وعنكم اعفو ولكم اغفر،وبكم اسقي عبادي الغيث وادفع عنهم البلاء، لولاكم لأنزلت عليهم عذابي (البحار: ج 52 ص 145).
4- الاغتمام والبكاء على فراقه: فقد ورد في الكافي الشريف عن الإمام الصادق (ع) ، أنه قال: نفس المهموم لنا المغم لظلمنا تسبيح.
وعنه (ع) ايضاً:" والله ليغيبن إمامكم سنينا من دهركم، ولتمحصن حتى يقال: مات لو هلك بأي واد سلك، ولتدمعن عليه عيون المؤمنين"
وروي في عيون الأخبار في خبر متعلق به (عج) عن الإمام الرضا (ع) أنه قال: كم من حرى مؤمنة وكم من مؤمن متأسف حيران حزين عند فقدان الماء المعين، يعني الحجة (عج)
5- الدعاء له: لا سيما دعاء: " اللهم كن لوليك الحجة بن الحسن صلواتك عليه وعلى آله في هذه الساعة وفي كل ساعة وليا وحافظا...الخ.
وورد عن الإمام الحسن العسكري (ع) في دعاءه له عجل الله فرجه الشريف: اللهم اعذه من شر كل طاغٍ وباغ، ومن شر جميع خلقك واحفظه من بين يديه ومن خلفه وعن يمينه وعن شماله واحرسه وامنعه أن يصل إليه بسوء واحفظ فيه رسولك وآل رسولك واظهر به العدل وأيده بالنصر. (البحار: ج94 ص 78)
وقد ورد التأكيد على الدعاء له بتعجيل الفرج ، ففي التوقيع الشريف عنه (عج): واكثروا الدعاء بتعجيل الفرج فإن ذلك فرجكم (الاحتجاج ج 2 ص 384)
وروي عن الامام الحسن العسكري (ع) انه قال: والله ليغيبن غيبة لا ينجو فيها من الهلكة إلا من ثبته الله عزوجل على القول: بإمامته ووفقه للدعاء بتعجيل فرجه.(كمال الدين:ج2ص284)
6- المواظبة على زيارته : لا سيما زيارة آل ياسين الواردة عنه (عج) حيث يعلمنا فيها كيف نشعر بحضوره فنقول: السلام عليك حين تقوم، السلام عليك حين تقعد، السلام عليك حين تقرأ وتبين، السلام عليك حين تصلي وتقنت، السلام عليك حين تركع وتسجد.
7- التوسل به إلى الله سبحانه: سواء في امور الحياة الدنيا كما توسل به الإمام القائد السيد علي الخامنئي (دام ظله الوارف) في مسجد جمران من اجل نصر المقاومة الإسلامية في عدوان نيسان، أو في امور الآخرة شفيعا لنا كما في دعاء التوسل.
وقد ورد في بعض الروايات توسل بالإمام صاحب العصر والزمان (عج) منها: اللهم إني اسألك بحق وليك وصحبتك صاحب الزمان إلا اعنتني به على جميع اموري وكفيتني به مؤنة كل موذ وطاغ وباغ واعنتني به فقد بلغ مجهودي وكفيتني كل عدو وهم وغم ودين، وولدي وجميع اهلي وإخواني ومن يعنيني أمره وخاصتي، آمين رب العالمين. (بحار الأنوار: ج94ص 35
8- القيام عند ذكر اسمه: لاسيما عند ذكر لفظ "القائم" فقد ورد أنه ذكر اسمه المبارك (عج) في مجلس الإمام الصادق (ع) فقام تعظيما واحتراما له.
وفي تنزيه الخاطر: أن الإمام الصادق (ع) سئل عن سبب القيام عند ذكر القائم من القاب الحجة (عج) فقال (ع) : لأن له غيبة طولانية (منتخب الآثر: ص 506
وروي ايضا عن الإمام الرضا (ع) أنه قام في مجلسه بخراسان عند ذكر لفظة القائم ووضع يده على رأسه الشريف وقال: اللهم عجل فرجه، وسهل مخرجه (منتخب الأثر: ص 506).
وفي كتاب مشكاة الأنوار قال: لم قرأ دعبل قصيدته المعروفة على الرضا (ع) وذكره عجل الله فرجه: وضع الرضا (ع) يده على رأسه وتواضع قائما ودعى له بالفرج. (منتخب الأثر: ص 506)
9- الصلاة عليه : فقد ورد استحباب الصلاة عليه في اكثر من مورد، كما في دعاء الافتتاح، وكالصلاة الواردة عن الإمام العسكري (ع): اللهم صل على وليك وابن أوليائك الذين فرضت طاعتهم ... (مكيال المكارم: ج2 ص 264).
وورد في مصباح الزائرص 420: اللهم صل عليه صلاة تظهر بها حجته وتوضح بها بهجته وترفع بها درجته وتؤيد بها سلطانه وتعظم بها برهانه وتشرف بها مكانه، وتعلي بها بنيانه،وتعز بها نصره، وترفع بها قدره، وتسمي بها ذكره، وتظهر بها كلمته، وتكثر بها نصرته، وتعز بها دعوته، وتزيده بها إكراما، وتجعله للمتقين بها إماما، وتبلغه منا تحية وسلاما.
10- التصدق عنه: فقد ورد في دعاء التصدق حين السفر: اللهم إن هذا لك ومنك وهي صدقة عن مولانا محمد عجل الله فرجه، وصل عليه بين اسفاره وحركاته وسكناته في ساعات ليله ونهاره.
هذه بعض آداب العلاقة مع ولي الله الأعظم الحجة بن الحسن صلوات الله عليه، نسأل الله سبحانه أن يوفقنا ويوفق المؤمنين لتأديتها لنكون بمستوى رضا الله ورضاه صلوات الله وسلامه عليه.
وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.