المقالات
مقالة لأحدى المجلات الأجنبية تحت عنوان: ضرورة الولاية واهميتها في حياة الامة.
- المجموعة: مقالات
- 21 أيلول/سبتمبر 1999
- اسرة التحرير
- الزيارات: 6327
بسم الله الرحمن الرحيم الولاية بمفهومها الإسلامي والسياسي حاجة اجتماعية وإسلامية ضرورية، تقتضيها طبيعة الاجتماع الإنساني، وطبيعة نظام الإسلام واحكامه وتشريعاته،وذلك لأن الإسلام هو القانون الإلهي الكامل والشامل والأصلح الذي فرض الله على كافة الناس الالتزام به وبجميع حدوده واحكامه وتشريعاته في كل عصر وزمان
، فلا بد لهذا الدين وللمؤمنين الذين يلتزمون به، من قائد يعمل على نشر تعاليمه وقيمه، ويقوم بتطبيق وتنفيذ احكامه وقوانينه، ويحدد للناس تكاليفهم ومسؤولياتهم، ويحفظ كيان الأمة من الأخطار والتحديات، ويمنع الانحراف والفساد، ويرفع الشبهات، ويجمع الناس تحت سقف واحد، ليمنع عنهم الاختلاف والضياع.
وقد اجمع المسلمون على ضرورة وجود الإمام (ولي الأمر) في كل عصر وزمان، وإذا كان فيهم من يرى خلاف ذلك كالخوارج الذين رفعوا شعار (لاحكم إلا لله) فهو شاذ لا يعتنى به.
وقد بين أئمة أهل البيت عليهم الصلاة والسلام في عشرات النصوص فلسفة أن يكون في كل عصر وزمان ممثل إلهي- نبي أو إمام معصوم أونائب عنه - على هذه الأرض يلي أمر الأمة ويدير شؤونها ويحدد لها التكاليف والمسؤوليات.
فقد روي عن الفضل بن شاذان عن الإمام علي بن موسى الرضا عليه السلام، أنه قال في علة تعيين أولي الأمر والأمر بطاعتهم، أنه قال:
" فإن قال: فلم جعل أولي الأمر وأمر بطاعتهم؟ قيل: لعلل كثيرة: منها أن الخلق لما وقفوا على حد محدود وأمروا أن لا يتعدوا ذلك الحد لما فيه من فسادهم، لم يكن يثبت ذلك ولا يقوم إلا بأن يجعل عليهم فيه أمينا يمنعهم من التعدي والدخول فيما حظر عليهم، لأنه لو لم يكن ذلك كذلك، لكن احد لا يترك لذته ومنفعته لفساد غيره، فجعل عليهم قيما يمنعهم من الفساد ويقيم فيهم الحدود والأحكام.
ومنها: أنا لا نجد فرقة من الفرق ولا ملة من الملل بقوا وعاشوا إلا بقيم ورئيس، لما لا بد منه في امر الدين والدنيا، فلم يجز في حكمة الحكيم أن يترك الخلق مما يعلم أنه لا بد لهم منه، ولا قوام لهم إلا به، فيقاتلون به عدوهم ويقسمون به فيئهم، ويقيم لهم جمعتهم وجماعتهم ويمنع ظالمهم من مظلومهم.
ومنها: أنه لو لم يجعل لهم إماما قيما أمينا حافظا مستودعا لدرست الملة، وذهب الدين وغيرت السنن والأحكام، ولزاد فيه المبتدعون، ونقص منه الملحدون، وشبهوا ذلك على المسلمين، لأنا قد وجدنا الخلق منقوصين محتاجين غير كاملين مع اختلافهم واختلاف اهوائهم وتشتت حالاتهم ، فلو لم يجعل لهم قيما لما جاء به الرسول (ص) لفسدوا على نحوما بينا، وغيرت الشرائع والسنن والأحكام والإيمان، وكان في ذلك فساد الخلق أجمعين. (علل الشرائع).
ومن الواضح أنه في صدر الإسلام وحتى نهاية الغيبة الصغرى للإمام المهدي (عج) كانت الولاية للنبي (ص) وللأئمة الأطهار (ع) فقد كانوا هم الولاة الحقيقيين لهذه الأمة، الذين يمارسون هذه المسؤوليات،ويقومون بهذا الدور اتجاه الإسلام والأمة، ويحددون للمؤمنين التكليف والوظيفة العملية حيال مختلف القضايا، وقد تصدوا لإدارة شؤون الأمة حسبما كانت تسمح به ظروف المرحلة التي عاش فيها كل واحد منهم.
وهنا نلفت إلى أن شخصية النبي لها بعدان: بعد تشريعي وبعد قيادي: ففي البعد الأول: يحدد النبي أو الإمام الحكم الإلهي الثابت في التشريع،بمعنى أنه يبين أحكام الله الواقعية الثابتة إلى يوم القيامة، فيقول هذا حلال وهذا حرام وما شاكل ذلك.
وفي البعد الثاني: يحدد النبي أوالإمام تكليف الناس ومسؤولياتهم على ضوء الأوضاع والظروف،والمصالح والمفاسد، فيكون قرار الحرب والسلم بيده، فيأمر بالجهاد في ظرف ويأمر بالصلح في ظرف آخر، ويعين هذا الولي في هذا الموقع، ويعين ذاك في موضع آخر، وقد يتخذ قرارا برفع اسعار السلع في حالات أو قرارا بخفضها في حالات اخرى، وهكذا يمارس ولايته وسلطته فيما يتعلق بأمور الناس وشؤونهم.
فما يقوله المعصوم في البعد الأول،هوحكم ثابت في كل عصر وزمان لأن حلال محمد حلال إلى يوم القيامة وحرامه حرام إلى يوم القيامة، وما يقوله في البعد الثاني، هوتكليف شرعي له علاقة بالظروف والمرحلة وطبيعة الأوضاع السياسية والاجتماعية القائمة فعلا، فمثلا عندما ينهى الإمام الصادق (ع)، المؤمنين عن الخروج والثورة في زمنه، فليس لذلك بُعد تشريعي بالمعنى الأول، أي ليس معنى ذلك أن الحكم الإلهي هو حرمة الثورة إلى قيام الساعة، وأن هذا التكليف هو تكليف المؤمنين إلى يوم القيامة، وإنما لهذا النهي علاقة بطبيعة المرحلة والظروف القائمة فعلا، فقد يكون ذلك ناشئا من كون الثورة ليس لها افق واضح، أو أن اهدافها لا تنسجم مع اهداف الإسلام، أو لغير ذلك مما يراه وبشخصه الإمام (ع)
ولذلك نرى أن المؤمنين في مكة كانوا يعذبون ويضطهدون وتصادر ممتلكاتهم لكن لم يكن هناك قرار من النبي (ص) بالقيام بردة فعل مسلح، وإنما كان تكليفهم في تلك المرحلة هوالصبر والثبات .
وبعد ذلك كان تكليفهم الهجرة، ثم كان القرار الإلهي بالجهاد والقتال والمواجهة ، وكذلك نجد أن الأئمة عليهم السلام حاربوا في مرحلة بينما في مرحلة أخرى صالحوا وأمروا الناس بالصلح، وفي مرحلة ثالثة امروا الناس بأن يجلسوا في بيوتهم، وكان هناك نهي عن الخروج والثورة.
فالمعصوم كان يحدد التكليف، بحسب المرحلة والظروف القائمة، والمؤمنون السائرون في خط العبودية لله تعالى دائما كانوا يتطلعون إلى ما يريده الله تعالى ورسوله والأئمة (ع)، ولا ينطلقون ليحددوا تكاليفهم بأنفسهم وحسب عواطفهم وامزجتهم ومصالحهم و أهوائهم!
والآن في عصر الغيبة الكبرى، فإن الفقيه الجامع للشرائط العارف بمقتضيات الزمان، المتصدي لشؤون الأمة، هوالولي الذي يحدد التكليف والوظيفة العملية للناس في مختلف القضايا والمستجدات، وهوالذي يقوم بإدارة شؤون الأمة وتطبيق احكام وقوانين الإسلام في حياة الأمة بالنيابة عن الإمام المعصوم(عج).
ولا بد من الإشارة هنا إلى أن الأئمة (ع) ينصبون للولاية من قبل الله تعالى ورسوله (ص) بالاسم الصريح والنص الواضح، فنجد أن النبي (ص) يعين الإمام عليا (ع) وليا بالاسم، وكذلك يتم تعيين الحسن والحسين وسائر الأئمة (ع)، وقدوردت روايات كثيرة عن رسول الله (ص) ينص فيها على إمامة كل واحد من الأمة الاثنى عشر (ع) بأسمائهم. وهكذا فإن الأئمة (ع) يعينون نوابهم الخاصين بالاسم ايضا فنجد أن الإمام المهدي (عج) مثلا يعين السفير الأول بالاسم،وكذلك السفير الثاني والثالث والرابع.
بينما في عصر الغيبة الكبرى فإن الولاية لم تجعل لشخص خاص مسمى بالاسم مثلما حصل للنبي (ص) والأئمة (ع) ونوابهم الخاصين (رضوان الله عليهم). وإنما جعلت الولاية للفقهاء بشكل عام، وقام الأئمة بتحديد مجموعة من المواصفات لولي الأمر بحيث من تنطبق عليه هذه الصفات من الفقهاء يكون هو نائب الإمام الحجة (عج) وولي أمر المسلمين في عصر الغيبة.
والخلاصة أنه في ظل المرحلة الجديدة التي نعيشها وفي ظل المتغيرات السياسية والاجتماعية التي نشهدها وفي زمن اختلاف المقاييس وتنوع الأهواء والمصالح ... تبرز أهمية الولاية اكثر فأكثر.
فالولاية اليوم – كما هي في زمن المعصوم عليه السلام – هي ضمانة الوحدة في الأمة، والولي الفقيه هو الضمانة من تمزق الأمة ووقوعها في الضياع والفتنة والاختلاف، ولذلك أمرنا بالتمسك به، فإذا تمسكنا بولايته لا تزل لنا قدم ولا يزيغ لنا قلب.
وولي الأمر هو مقياس الحق ايضا، عندما تشتبه علينا المقاييس، وعندما تختلط مقاييس الحق والباطل، ولذلك فقد ورد عن الإمام الباقر (ع): "إن الله لم يدع الأرض بغير عالم، ولولا ذلك لم يعرف الحق من الباطل".
ومع الولاية نقترب إلى اقصى حد من الحق والحقيقة والواقع ورضا الله عز وجل، وبدون الولاية لا نعرف أين نتجه وإلى أين سنصل.
من هنا فان أول وظيفة في هذا العصر أن نعتقد بالولاية وأن نفهمها وان نتمسك بها وأن لا نحيد عنها مهما اختلفت الظروف والاحوال.
والحمد لله رب العالمين.