الصفحة الرئيسية
النفاق حركة تلازم الأمة الإسلامية منذ نشأتها ..كيف واجهها الرسول(ص)(64)
- 29 تشرين1/أكتوير 2013
- الزيارات: 4262
حركة النفاق في المدينة (1) - (64)
أخطر ما واجه النبي (ص) خلال دعوته الإسلامية حركة النفاقِ والمنافقين التي برزت داخلَ المجتمعِ الإسلامي في العصر المدني، ووقفتْ من الإسلام موقفاً معادياً لا يقلُّ خطورةً عن الموقف العِدائي الذي اتخذته القوى الخارجيةُ، الوثنيةُ واليهوديةُ والنصرانية.
فمن هم المنافقون؟ وكيف برزوا إلى الوجود في عهد النبي (ص)؟.
لقد وجد الوثنيون والمشركون في المدينة أنفسَهم في وضع حرجِ بعد الانتصار الكبير الذي حققه المسلمون في معركة بدر على القيادة الوثنية المتمثلةِ بقريش، فهم إما أن يبقَوْا على كفرهم وشركهم فيُعرِّضوا أنفسَهم للعقاب، وإما أن ينتموا للدين الجديد أي للإسلام وهم لم يألفوا ولم يعتادوا الانضباطَ والانقيادَ لسلطة موحدة، ولا الالتزامَ بمبادىءَ وشعائرَ وقيمٍ وأخلاقياتٍ دائمةٍ ثابتةٍ كما يريد الإسلام.
وسرعان ما وجد زعيمُهُم عبدُ الله بنُ أُبي – الذي كان قد رُشِّح لتتويجه ملكاً على عرب المدينة قبل هجرة النبي (ص)_ سرعان ما وَجَدَ أن خير وسيلة للخروج من هذا المَأزِق هو أن يعلن هو وأتباعُهُ إسلامَهم ظاهراً ويبقَوْا على اعتقاداتِهم وعلاقاتِهم ومبادئِهم الجاهليةِ باطناً.
وبهذا ينجُون من شبح العقاب ويحتفظون في الوقت نفسهِ بمعطياتهم الجاهلية، فضلاً عن أن تظاهرَهُم بالإسلام واندساسَهم في صفوف المسلمين سيتيحُ لهم فرصةً أوسعَ لتخريب المجتمع الإسلامي الجديدِ من الداخل، والتنفيسِ عن حقدهم وهزيمتهم أمام المسلمين.
فاستجابوا لنداء زعيمِهم عبدِ الله بنِ أُبي، الذي قال لهم بعدما سمعَ نبأَ الانتصارِ الحاسم لجيش الإسلام في معركة بدر: هذا أمرٌ توجَّهَ فلا مطمعَ في إزالته. فدخلوا جميعاً في الإسلام. ومنذ ذلك الحين، أي بعد انتصارِ المسلمين في بدر برزتْ إلى الوجود قوةٌ جديدةٌ في مواجهة الإسلام – وهذه المرة من داخل المجتمع الإسلامي – هي قوةُ المنافقين. هذه القوةُ التي سببت للإسلام الكثيرَ من المتاعب والمحن ووضعتْ في دربه الكثيرَ من الحواجز والعراقيل، ومارستْ إزاءَه من الداخل عملياتٍ تخريبيةً لا حصر لها.
ونستعرض هنا بعضَ أساليبهم ومظاهرِ عَدائِهم وتخريبِهم وفق مجراها الزمني منذ ظهورِ هذه الكتلة في أعقاب حربِ بدرٍ حتى وفاةِ النبي (ص) :
إن أول عمل عِدائيٍ مارسه المنافقون ضد الإسلام والمسلمين هو: مدُّ يدِ العون لليهود ومساندتُهُم فيما كانوا يَحِيكُونه من مؤامرات ضد الإسلام والمسلمين. فقد كان المنافقون على صلة دائمةٍ باليهود، بل إن اليهود هم الذين غذوا حركةَ النفاق في المدينة. بعدما التقت أهدافُهُم مرحلياً مع هذه الحركة، لأنهم جميعاً كانوا يرون أن انتصار الإسلام وانتشارَه وازديادَ نفوذه سوف يَضُرُ بمصالحهم وبموقعهم السياسي والاجتماعي والاقتصادي في المنطقة.
ولعل من أبرز الشواهدِ التاريخية التي تكشف عن مدى العلاقة التي كانت تربط المنافقين باليهود ما حصل في غزوة بني قينقاع وغزوةِ بني النضير. فعندما حاصر الرسول (ص) بني قينقاع وهي أولُ قبيلةٍ يهوديةٍ كبيرةٍ تنقضُ عهدَها مع النبي (ص) تحرك زعيمُ المنافقين عبدُ الله بنُ أُبي بسرعةٍ ووقف إلى جانب بني قينقاع مدافعاً عنهم إزاء هجوم المسلمين، طالباً لهم العفوَ والمغفرة فنزلتْ آياتُ القرآنِ منددةً بهذا الموقف المنافقِ المتأرجحِ بين ولاية الإسلام وولاية أعدائه، فقال تعالى: {يا ايها الذين آمنوا لا تتخذوا اليهودَ والنصارى أولياء بعضهم أولياءَ بعضُهُم أولياءُ بعض، ومن يتولَّهُم منكم فإنه منهم إن الله لا يهدي القومَ الظالمين فترى الذين في قلوبهم مرضٌ يسارعون فيهم يقولون نخشى أن تصيبنا دائرةٌ فعسى اللهُ أن يأتيَ بالفتحِ أو أمرٍ من عنده، فيصبحوا على ما أسرُّوا في أنفسهم نادمين} المائدة/51 – 52.
وفي حصار بني النضير، القبيلةِ اليهوديةِ الثانية التي طُرِدت من المدينة بعد تآمرها على حياة رسول الله (ص) أعادَ ابن أُبي وكبارُ المنافقين تمثيلَ الدورِ نفسِهِ الذي مثلوه مع بني قينقاع، إذ بعثوا إلى بني النضير وهم يعانون من حصار المسلمين وقبضتِهِم المحكمة بعثوا لهم أنْ اثبُتُوا وتَمنّعُوا فإنا لن نُسْلِمَكُم، إن قاتلتم قاتلنا معكم، وإنْ أُخرجتم خرجنا معك.
فنزلت آياتُ القرآن كاشفةً موقفَهم وعلاقاتِهم باليهود وهي تندد بهم وتفضحُهُم حيث قال تعالى: {ألم ترَ إلى الذين نافقوا يقولون لإخوانهمُ الذين كفروا من أهل الكتاب لئن أُخرجتم لنخرُجَنَّ معكم ولا نطيعُ فيكم أحداً أبداً، وإنْ قُوتلتم لننصرنَّكم واللهُ يشهدُ إنهم لكاذبون، لئن أُخرجوا لا يخرجون معهم ولئِن قُوتلوا لا ينصرونهم ولئِنْ نصروهم ليُولُّنَّ الأدبارَ ثم لا يُنصرون} الحشر/11 – 12.
إن تعامل المنافقين مع اليهود ومساندتَهم لهم فيما كانوا يدبرونه من مؤمرات ضد الإسلام والمسلمين يُذكّرُنَا بمواقف العملاء الذين تعاملوا مع العدو الصهيوني المحتل ومدوا يدَ العونِ والمساعدة إلى هذا العدو ليمكِّنوا له احتلالَه للأرض والمقدسات في لبنان وفلسطين ويُذكرنا بأولئك الذين ساعدوه في إرهابه وعدوانه وجرائمه التي ارتكبها في لبنان ولا يزال يرتكبها بحق الشعب الفلسطيني في فلسطين.
لا تخذل الأوطان إلا بالنفاق :
لقد خان المنافقون وطنَهم وشعبَهم في عهد رسول الله عندما ساندوا اليهود في مؤامراتهم ضد الإسلام والمسلمين في المدينة المنورة وها هم العملاء المنافقون اليوم يخونون وطنَهم وأرضَهم وأهلَهم عندما يقفون إلى جانب المحتل الصهيوني ليشاركوه القتلَ والعدوانَ والإرهابَ والتنكيلَ بحق شعوب هذه المنطقة.
إن أحدَ الأمور التي تمنعُ الشعبَ الفلسطيني من تحرير أرضه ونيلِ استقلاله واستعادةِ أرضه وحقوقه هو وجودُ هذه الشريحةِ من العملاء المنافقين الذين أوكلَ إليهمُ الصهاينةُ مُهمةَ التجسسِ والاغتيالِ وحمايةِ الاحتلال وتمكِّينِهِم من إلقاء القبض على المقاومين المجاهدين لزجهم في غياهب المعتقلات والسجون.
إن الواجبَ الإسلامي والوطني يقضي بالكشف عن هؤلاء العملاء أينما كانوا وفضحِهِم وعزلِهِم وإنزالِ أشدِّ العقوباتِ بحقهم من أجل أن يكونوا عبرةً لكل من تُحدثُهُ نفسُهُ بالتعامل مع العدو. ويجب أن يكون العقابُ قاسياً لأولئك المحاربين القتلة على قاعدة قولِ اللهِ عز وجل: {إنما جزاءُ الذين يحاربون اللهَ ورسولَه ويسعَوْنَ في الأرض فساداً أن يُقتَّلُوا أو يُصَلّبُوا أو تُقطّعَ أيديهم وأرجُلُهُمْ من خِلافٍ ، أو يُنْفَوْا من الأرض ، ذلك لهم خِزيٌ في الدنيا ولهم في الآخرةِ عذابٌ عظيم} المائدة/33.
الشيخ علي دعموش