الصفحة الرئيسية
النبي (ص) يهجر مكة بعد تفاقم اضطهاد قريش أم أن هناك أسباباً أخرى؟!(33)
- 26 أيلول/سبتمبر 2013
- الزيارات: 4475
أسباب الهجرة إلى المدينة المنورة (33) :
أمضى النبي (ص) ثلاثة عشر سنة بعد بعثته الشريفة في مكة يدعو إلى الله سبحانه وتعالى ويواجه تحديات المشركين وقرر في هذه السنة الهجرة إلى المدينة المنورة. فهاجر إليها مع من بقي من المسلمين في مكة، بعد أن سبقه في الهجرة إليها معظم المسلمين.
والسؤال الذي يطرح نفسه هنا، لماذا قرر الرسول (ص) الهجرة إلى المدينة، وما هي أسباب هذه الهجرة ودوافعها؟!. بالتأكيد لم تكن هذه الهجرة ردّ فعل لاضطهاد قريش وآذاها، أو للتخلص من التعذيب والقهر والقتل، الذي كانوا يتعرضون له من المشركين ومن قريش وحسب، وإنما كانت الهجرة إلى المدينة فعلاً خطط له النبي (ص) وقام بها نتيجة دراسة لمستقبل الإسلام، ونتيجة لإرادته وقناعته لفعله.
ويمكن تلخيص أسباب هذه الهجرة ودوافعها إلى أكثر من سبب :
الأمر الأول : إن مكة المكرمة لم تعد مكاناً صالحاً للدعوة الإسلامية، فلقد حصل النبي (ص) منها على أقصى ما يمكن الحصول عليه، خلال ثلاثة عشر سنة، فقد أسلم من أسلم وعاند من عاند، ولم يبق فيها بعد أي أمل في ظهور جماعات أو جهات جديدة يمكن العمل عليها في المستقبل القريب على الأقل. وذلك في ظل ما وضعه المشركون من حواجز وعراقيل تمنع من تقدم الإسلام في مدينتهم. من هنا لم يعد من مبرر للرسول للبقاء فيها، بل يصبح البقاء خيانة للإسلام، ومعاونة على حربه والقضاء عليه، لاسيما بعد أن حشدت قريش كل طاقاتها لمواجهة الإسلام. فكانت الهجرة إلى المدينة، لأن النبي (ص) شعر أن المدينة يمكن أن تكون مركزاً قوياً صلباً للدعوة الإسلامية، خاصة بعدما أسلم أهلها وبايعوا الرسول (ص).
لأمر الثاني : إن الإسلام كما نعلم ليس مجرد عبادات، من صوم وصلاة وحج وغيرها، إنما هو دين شامل ونظام كامل يعالج بأحكامه وتعاليمه جميع مشكلات الحياة ومصاعبها، على جمييع الصعد الاجتماعية والاخلاقية والاقتصادية والسياسية وغيرها. فهو يدعو، إضافة إلى عقيدة التوحيد وبناء الروح، إلى بناء مجتمع إنساني سياسي تطبق فيه أحكام الله سبحانه وتشريعاته في السلوك والمعاملات والأخلاق والسياسة وكل ميدان. والنبي (ص) مرسل إلى جميع الخلق، يدعوهم إلى الإسلام، وتطبيق تشريعاته وأحكامه. فتجربة الرسول في مكة بعد ثلاثة عشر سنة، وكل التحديات التي كانت تواجهه لا تمكّنه من بناء المجتمع الإسلامي الذي يرغب فيه، والقادر على استلام السلطة وتطبيق الشريعة الإسلامية، كنظام اجتماعي وسياسي. لأجل ذلك كان لا بد من الانتقال إلى ساحة يستطيع النبي (ص) فيها بناء مثل هذا المجتمع والدولة.
الأمر الثالث : هو استمرار المشركين في الضغط بكل الوسائل على المسلمين لإجبارهم على التراجع عن دينهم وعقيدتهم، والتي تحدثنا عنها في مقالات سابقة. وكان إذا فرض عليهم الاستمرار في مواجهة هذه الضغوط والعراقيل من دون أمل أو رجاء في حلّ معين فإن من الطبيعي والحال هذه أن يتطرق اليأس إلى نفوسهم، ويملوا من هذه الحياة. وإنه ليس بمقدورهم متابعة حياتهم بهذه الآم والضغوط. وخصوصاً أن النبي (ص) لم يكن قادراً على توفير الحماية لهم من قريش وغيرها، فكان لا بد من إيجاد حلّ مناسب لهؤلاء المعذبين والمضطهدين، يأمنون من خلاله على أنفسهم وحياتهم وأعراضهم. فكانت الهجرة إلى المدينة وقتها هي هذا الحل. ولذلك نجد أن الرسول (ص) حين أمر المسلمين بالهجرة قال لهم :"إن الله عزّوجل قد جعل لكم إخواناً وداراً تأمنون بها". أي داراً تعيشون فيها الأمن والهدوء والاستقرار بعيداً عن اضطهاد قريش وملاحقاتها لهم ولأسرهم.
والخلاصة، إنه كان لا بد للنبي (ص) ولمن معه من المسلمين، من الخروج من مكة المكرمة إلى مكان يبعدهم عن الضغوط والاضطهاد ويملكون فيه حرية العبادة يعلنون فيه عن إسلامهم ويمارسون شعائرهم الدينية بالعلن، إلى جانب حرية التخطيط لبناء مجتمع ودولة إسلامية ويكون فيه النبي (ص) قادراً على القيام بهذه المهمة العظمى. فكانت الهجرة إلى المدينة المنورة من أجل كل هذه الأهداف.
الشيخ علي دعموش