الصفحة الرئيسية
اُصول العلاقة مع غير المسلمين
- 07 تشرين2/نوفمبر 2014
- الزيارات: 3549
الإسلام لا يرفض التعايش مع غير المسلمين, بل يعتبر أن غير المسلمين الذين ينتمون إلى هذا البلد الإسلامي أو ذاك, هم مواطنون كسائر المواطنين المسلمين لهم حقوق وعليهم واجبات.وعلاقة المسلمين أو الحكومة الإسلامية مع غير المسلمين وكذلك التعامل معهم, يخضع لمجموعة من الأصول والقواعد التي ينبغي على أفراد المسلمين وكذلك على الحاكم والحكومة الإسلامية رعايتها واحترامها والالتزام بها وعدم الخروج عنها.
خلاصة الخطبة
رأى سماحة الشيخ علي دعموش في خطبة الجمعة: أن سلوك التكفيريين الإرهابيين هو سلوك جاهلي وحشي لا إنساني ولا أخلاقي, وهو لا يمت بصلة إلى الإسلام ولا إلى أخلاق الإسلام ولا إلى الأصول التي أرساها الإسلام للتعامل مع الآخرين.
وقال: نحن منذ بداية الأحداث في سوريا حذرنا من تعاظم قوة التكفيريين وخطرهم, وقلنا إن هؤلاء سيشكلون تهديداً ليس لسوريا وحدها وإنما لكل دول المنطقة.. وهدفهم السيطرة على هذه المنطقة والقضاء على الأقليات من أتباع الديانات الأخرى والمذاهب الأخرى، وطردهم وتهجيرهم من مناطقهم في الحد الأدنى, لتصبح هذه المنطقة صافية لهم يقيمون عليها خلافتهم المزعومة.
ولفت: الى ان التكفيريين لم يستطيعوا أن يسيطروا لا على سوريا ولا على العراق ولا أن يخترقوا الساحة اللبنانية بفضل دماء الشهداء وعزم المجاهدين الذين حموا لبنان وظهر المقاومة ومنعوا التكفيريين من استباحة أرضنا وبلداتنا على الحدود الشرقية مع سوريا.
وأكد : أن الجماعات الارهابية لن يستطيعوا أن يحققوا شيئاً في المستقبل لأنه كما قال الأمين العام حفظه الله: هؤلاء لا مستقبل لهم ولا حياة لمشروعهم وستلحق الهزيمة بهم في كل المناطق وفي كل البلدان, وسيكون لنا شرف أننا كنا جزءاً من إلحاق الهزيمة بهم.
نص الخطبة:
يقول تعالى:[لا ينهاكم الله عن الذين لم يقاتلوكم في الدين ولم يخرجوكم من دياركم أن تبروهم وتقسطوا إليهم إن الله يحب المقسطين , إنما ينهاكم الله عن الذين قاتلوكم في الدين وأخرجوكم من دياركم وظاهروا على إخراجكم أن تولوهم ومن يتولهم فأولئك هم الظالمون] الممتحنة/ 8-9
من المسائل المطروحة للبحث خصوصاً بعد الأحداث الجارية في المنطقة وطريقة تعامل التيارات التكفيرية مع غير المسلمين من الأقليات وأتباع الديانات الأخرى، مسألة تعايش المسلمين مع غير المسلمين وعلاقة المسلمين بغير المسلمين الذين يعيشون في المجتمع الاسلامي أو في بلد اسلامي.
فهل الإسلام يرفض الآخر ولا يقبل أن يتعايش المسلمون مع غيرهم من الأقليات و أتباع الديانات الأخرى؟! هل السلوك الوحشي الذي نراه ويراه العالم من الجماعات التكفيرية الارهابية - التي تتحرك تحت عناوين وشعارات إسلامية - تجاه غير المسلمين والأقليات التي تعيش في المنطقة والذي يقوم على أساس تهجير أتباع الديانات الأخرى وطردهم والإساءة الى رموزهم ومقدساتهم كما يحصل في سوريا والعراق وغيرهما، هل هذا السلوك هو ما يريده الإسلام تجاه غير المسلمين؟ أم أنه سلوك لا يمت إلى الإسلام ولا إلى تعاليم الإسلام وقيمه؟
بالتأكيد عندما نعود إلى الآيات والأحاديث والسيرة والتاريخ سنجد أن هذا السلوك ليس إسلامياً ولا يمت إلى الإسلام بأي صلة.
الإسلام لا يرفض التعايش مع غير المسلمين, بل يعتبر أن غير المسلمين الذين ينتمون إلى هذا البلد الإسلامي أو ذاك, هم مواطنون كسائر المواطنين المسلمين لهم حقوق وعليهم واجبات.
وعلاقة المسلمين أو الحكومة الإسلامية مع غير المسلمين وكذلك التعامل معهم, يخضع لمجموعة من الأصول والقواعد التي ينبغي على أفراد المسلمين وكذلك على الحاكم والحكومة الإسلامية رعايتها واحترامها والالتزام بها وعدم الخروج عنها.
ومن هذه الأصول ما أشارت إليه الآية التي تلوتها في بداية الحديث:[لا ينهاكم الله عن الذين لم يقاتلوكم في الدين ولم يخرجوكم من دياركم أن تبروهم وتقسطوا إليهم] وهو أصل البر والإحسان, وأصل العدل والقسط , أي التعاطي الإيجابي والحسن مع غير المسلمين ومراعاة قواعد العدل والقسط في التعامل معهم.
فالإحسان للأشخاص الذين يعيشون داخل المجتمع الإسلامي أوالبلد الإسلامي من الذميين أو المستأمنين أو أولئك الذين يعيشون في بلدان أخرى ولكنهم من المسالمين أو الحياديين أو المعاهدين الذين لم يحاربوا المسلمين أو الدولة الإسلامية ولم يضمروا العداء لها, يُعد من الاصول المقبولة التي ينبغي مراعاتها تجاه غير المسلمين.
والتعامل الإيجابي والحسن مع الناس, والإحسان للناس, مسلمين وغير مسلمين, والقيام بالأعمال التي تنفع الناس كل الناس بمعزل عن أديانهم وعقائدهم, وإيجاد الالفة والرحمة بين الناس, كل ذلك يُعد من أسباب وحدة المجتمع وتماسكه وقوته وعدم تفككه.
والإحسان لغير المسلمين ولا سيما لأهل الكتاب ليس مجرد أمر مقبول فقط بل هو أمر راجح شرعاً وربما يثاب عليه الإنسان كما يثاب على أي أمر راجح ومحبوب شرعاً.
وهذا الأمر يستفاد من الأحاديث التي تحث الناس على الإحسان وإسداء المعروف لبعضهم البعض أياً كان انتماؤهم الديني.. طالما أنهم غير محاربين وغير معادين.
نعم المحاربون الذين يشهرون السلاح ويحاربون المسلمين أو البلد الإسلامي أو يضمرون العداء لهما, لهم شأن آخر، فإن التعامل مع هؤلاء يتخذ منحى آخر وأسلوباً آخر.
الإسلام يدعو إلى التعامل الحسن والإحسان إلى المسالمين من غير المسلمين لا إلى المحاربين, أما المحاربون والمعتدون والمحتلون والمغتصبون للأرض والمقدسات والمتآمرون فلهم حد السيف والقوة، كاليهود الصهاينة الذين يدنسون هذه الأيام المسجد الأقصى ويحاولون تهويد القدس والحاق المزيد من القهر والظلم بالشعب الفلسطيني.
هؤلاء محاربون ومغتصبون ومحتلون لا يجوز التعامل معهم بالإحسان ولا البر ولا المعروف ولا الرحمة .. هؤلاء لا تنفع معهم وفي مواجهتهم إلا لغة القوة والمقاومة.
والإحسان إلى غير المسلمين, والتعامل معهم بمحبة ورحمة, والسعي في قضاء حاجاتهم, وبذل المعروف لهم , كما هو صريح الآية المتقدمة هو أيضاً صريح الروايات التي حثت على الإحسان والمعروف للجميع بغض النظر عن الدين أو الطائفة او المذهب.
فعن الإمام الصادق (ع) قال: قال الله عز وجل: الخلق عيالي فأحبهم إليَّ ألطفهم بهم وأسعاهم في حوائجهم.
وعن أمير المؤمنين (ع): المحسن من عم الناس بالإحسان. أي أن المحسن هو من شمل احسانه الجميع من دون تفرقة بين أتباع دين ودين
وعنه (ع) أيضاً: أبذل معروفك للناس كافة فإن فضيلة فعل المعروف لا يعدلها عند الله شيء.
ويقول الإمام الصادق (ع) لإسحاق بن عمار: يا إسحاق وإن جالسك يهودي فأحسن مجالسته.
بل إن تقديم المعونات والمساعدات المالية والمادية كتقديم الزكاة مثلاً لغير المسلمين من باب الإحسان إليهم من أجل استقطابهم وجذبهم إلى الإسلام واستمالتهم وتأليف قلوبهم ليس أمراً مباحاً فقط بل هو من الأمور الراجحة التي أوصى بها القرآن وأكد عليها النبي (ص) والأئمة الأطهار (ع) وكانت بارزة في سيرتهم وسلوكهم مع غير المسلمين, وقد كان هذا السلوك الإنساني والحضاري سبباً لدخول البعض في الاسلام.
هذا كله في النصوص, اما في السيرة والتاريخ فلنا ان نسأل:
كيف كان يتعامل النبي (ص) مع غير المسلمين؟ وكيف تعامل أئمة أهل البيت (ع) معهم؟
والجواب: أننا بالعودة إلى سيرة النبي(ص) وأهل بيته (ع) وسلوكهم تجاه غير المسلمين الذين كانوا يعيشون داخل المجتمع والدولة الإسلاميين أو أولئك الذين كانوا يعيشون خارج الكيان الاسلامي , سنجد أن النبي (ص) تعامل معهم وكذلك أئمتنا الأطهار(ع) باحترام ومحبة وإحسان وعدل , وراعوا حقوقهم وضمنوا الأمن لهم ولأموالهم وأعراضهم وممتلكاتهم وأرزاقهم وأشياءهم، ومنعوا من التعرض لهم بأي سوء.
وقد عاش اليهود والنصارى وحتى المشركين غير المحاربين في ظل الدولة الإسلامية مكرمين, ونالوا كافة حقوقهم كمواطنين لهم حق المواطنية في الدولة الإسلامية.
بل إن النبي (ص) والمسلمين تعاملوا حتى مع المعاندين الذين كانوا يشتمونهم ويستهزئون بهم بالرفق والعفو والتسامح والتجاوز عن أخطائهم وسيئاتهم, ولم يتعامل النبي (ص) معهم بغضب أو انفعال أو رد فعل قاس وغير مناسب.
فقد روت عائشة أنه استأذن جماعة من اليهود على رسول الله (ص) فقالوا: السام عليكم، فقال رسول الله (ص): وعليكم، فقالت عائشة: بل عليكم السام واللعنة، فقال رسول الله (ص): يا عائشة، إن الله يحب الرفق بالأمر كله، قالت: ألم تسمع ما قالوا؟ فقال (ص): قد قلت وعليكم.
وفي موقف آخر نجد النبي (ص) يقف احتراماً لجنازة يهودي عندما مرت من أمامه ولما قال له أصحابه: هذه جنازة يهودي قال (ص): أليست نفساً، أي أليس هذا الرجل إنساناً والإنسان أياً كان دينه علينا احترامه لإنسانيته..لأنه إن لم يكن أخوك في الدين فهو نظيرك في الإنسانية, كما قال أمير المؤمنين (ع) : الناس صنفان: أما أخ لك في الدين أو نظير لك في الخلق. أي في الإنسانية وعليك أن تحترمه وتتعامل معه بالرحمة والرفق والعفو لإنسانيته.
وروي أن الإمام الصادق (ع) كان في سفر مع جماعة من أصحابه، فوجدوا مسيحياً استولى عليه الضعف من العطش، فأمر الإمام أصحابه بسقيه الماء، فقال أصحابه: إنه مسيحي؟! فأصرَّ الإمام على سقيه فسقوه.
وكان الأئمة (ع) يراعون الحقوق المختلفة للناس بمعزل عن معتقداتهم ,حق الجار على الجار, وحق الرفيق في السفر, وحق المعلم, وحق الناصح والمستشير, وحق الحاكم, وحق الرعية وغيرها من الحقوق التي يمكن أن تكون للناس على بعضهم في الحياة الاجتماعية.
نقرأ في سيرة أئمة أهل البيت وفي تاريخ علي (ع) أن علياً (ع) رافق يهودياً في سفر فلما وصل إلى محل يفترقان فيه، رافق علي (ع) الذمي في مسيره , فسأله عن سبب مرافقته له، فأجاب أمير المؤمنين (ع): إن حقك عليَّ في هذا السفر يوجب عليَّ مشايعتك، وأنا أؤدي حق الرفيق, فلما رأى الرجل هذه الأخلاق الحسنة وعرف أن من يعامله بذلك هو خليفة المسلمين وأمير المؤمنين (ع) أسلم وأصبح من أصحاب علي (ع).
والنقطة المهمة التي كان يؤكد عليها أئمتنا (ع) فيما يتعلق بمعاشرة الناس والتعامل معهم هي الابتعاد عن البحث عن دين أصدقائك ورفقائك والناس المحيطين بك.
يقول الإمام الصادق (ع): لا تفتش الناس أديانهم فتبقى بلا صديق. خصوصاً اذا كان الانسان يعيش في مجتمع متنوع دينياً وطائفياً ومذهبياً.
في مواقف أخرى: نجد كيف أن النبي (ص) كان حريصاً على أداء الأمانات التي كانت لديه -عندما هاجر من مكة إلى المدينة- إلى أهلها, وكانت بعض تلك الإمانات لمشركين, حيث أمر علياً (ع) بتأدية الأمانات إلى أهلها.
وكيف أنه كان يفي بالعقود والمعاملات والعهود والإتفاقيات التي كان يبرمها مع غير المسلمين في المدينة وخارجها, ويحترمها ويلتزم بنودها وشروطها.
وفي موقف آخر نجد كيف أن أمير المؤمنين (ع) كان يعين المحتاجين ويساعدهم ويحسن إليهم من بيت المال! حتى ولو كانوا غير مسلمين.
فقد روي أنه (ع) مر بشيخ مكفوف ضرير كبير السن وهو يشحذ ويستعطي الناس, فقال أمير المؤمنين (ع) ما هذا؟ قالوا: يا أمير المؤمنين نصراني، فقال أمير المؤمنين (ع): استعملتموه حتى إذا كبر وعجز منعتموه، انفقوا عليه من بيت المال.
وهذا نموذج من إحسان الحاكم الإسلامي العادل لغير المسلمين...
وفي موقف آخر عندما سمع أمير المؤمنين (ع) أن جيش معاوية هجم على امرأة غير مسلمة فسلبها حُليّها, قال (ع): فلو أن امرئً مسلماً مات من بعد هذا أسفاً ما كان به ملوماً بل كان به عندي جديراً.
ومن مصاديق العدل والإنصاف الإنساني الذي نشاهده في سيرة وتعامل النبي (ص) وأهل بيته (ع) مع غير المسلمين , ما روي من أن النبي (ص) كان مدينا ً ليهود، فصادفه اليهودي في الطريف فقال للنبي (ص): إن لم تدفع ديني فلا أدعك تذهب من هنا, فجلس النبي (ص) هناك حتى نقل أنه أقام الصلاة في ذلك المكان، وعندما أراد أصحابه أن ينتصروا له ويزجروا اليهودي قال لهم النبي (ص): دعوه إنه صاحب حق، هذا السلوك النبوي المنصف والعادل دفع باليهودي إلى أن يعلن إسلامه.
وقد أوصى علي (ع) مالك الأشتر في عهده بالتزام العدل مع جميع الناس مسلمين وغير مسلمين عندما قال له:
وأشعر قلبك الرحمة للرعية والمحبة لهم واللطف بهم، ولا تكونن عليهم سبعاً ضارياً تغتنم أكلهم, فإنهم صنفان: أما أخ لك في الدين, أو نظير لك في الخلق، يفرط منهم الزلل وتعرض لهم العلل ويؤتى على أيديهم في العمد والخطأ، فأعطهم من عفوك وصفحك مثل الذي تحب أن يعطيك الله من عفوه وصفحه.
هذه هي أخلاق الإسلام وسلوك الاسلام وانسانيته , فهو لا يفرق بين المواطنين المسلمين وغير المسلمين في أصول التعامل وفي العدل والإنصاف والرفق والمحبة والرحمة والاحترام.
أما سلوك التكفيريين الإرهابيين فهو سلوك جاهلي وحشي لا إنساني ولا أخلاقي, وهو لا يمت بصلة إلى الإسلام ولا إلى أخلاق الإسلام ولا إلى الأصول التي أرساها الإسلام للتعامل مع الآخرين.
نحن منذ بداية الأحداث في سوريا حذرنا من تعاظم قوة التكفيريين وخطرهم, وقلنا إن هؤلاء سيشكلون تهديداً ليس لسوريا وحدها وإنما لكل دول المنطقة.. وهدفهم السيطرة على هذه المنطقة والقضاء على الأقليات من أتباع الديانات الأخرى والمذاهب الأخرى، وطردهم وتهجيرهم من مناطقهم في الحد الأدنى, لتصبح هذه المنطقة صافية لهم يقيمون عليها خلافتهم المزعومة, ولكنهم لم يستطيعوا أن يسيطروا لا على سوريا ولا على العراق ولا أن يخترقوا الساحة اللبنانية بفضل دماء الشهداء وعزم المجاهدين الذين حموا لبنان وظهر المقاومة ومنعوا التكفيريين من استباحة أرضنا وبلداتنا على الحدود الشرقية مع سوريا, وهؤلاء لن يستطيعوا أن يحققوا شيئاً في المستقبل لأنه كما قال الأمين العام حفظه الله: هؤلاء لا مستقبل لهم ولا حياة لمشروعهم وستلحق الهزيمة بهم في كل المناطق وفي كل البلدان, وسيكون لنا شرف أننا كنا جزءاً من إلحاق الهزيمة بهم.
والحمد لله رب العالمين