كلمة في حفل إصدار سلسلة امراء النصر والتحرير في نقابة الصحافة اللبنانية في 10 ربيع اول 1422.

       الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على خاتم الانبياء والمرسلين سيدنا ونبيينا أبي القاسم محمد بن عبد الله وعلى آله الطيبين الطاهرين وصحبه المنتجبين وعلى جميع الشهداء والمجاهدين في سبيل الله.راعي الاحتفال دولة نائب رئيس مجلس الوزراء الرئيس عصام فارس، السادةالعلماء والنواب وأصحاب السعادة، السادة الحضور، ايها الحفل الكريم .. السلام عليكم جميعا ورحمة الله وبركاته.

       إن اندحار العدو الإسرائيلي عن جزء كبير وعزيز من أرضنا في الخامس والعشرين من ايار 2000 م، هو انتصار حقيقي وتاريخي للمقاومة وللبنان،وهزيمة حقيقية وتاريخية للعدو الصهيوني ولكيانه المغتصب للأرض والمقدسات.

       وهو قبل كل شيء وبعد كل شيء نصر إلهي بكل ما ينطوي عليه من اسباب وعوامل وقوى مادية ومعنوية، منحة الله للبنان وللبنانيين، ومن وراءهم لكل العرب والمسلمين والشرفاء، بفضل دماء الشهداء والاستشهاديين ومعاناة الأسرى وآلام الجرحى.

       فالشهداء والأسرى والجرحى هم اساس هذا النصر وأركانه وأمراؤه وصناعه. والفضل الأول والأكبر بعد الله سبحانه وتعالى يعود إليهم وإلى كل المجاهدين والمقاومين والمضحين الذين تركوا الديار والأهل والجامعات والمصانع والمزارع وقضوا زهرة شبابهم وعمرهم في القتال والجهاد والمقاومة.

       هذا الانتصار، هو النتيجة الحتمية لهذا الكم الهائل من التضحيات والعطاءات والجهاد الدامي الذي لم يعرف الكلل والملل في يوم من الأيام، هوثمرة تضحيات وجهاد اللبنانيين ومن كان معهم،وليس منة من أحد، فلا المجتمع الدولي ولا الاتحاد الأوروبي ولا اميركا ولا الأمم المتحدة هي التي اعادت أرضنا إلينا. أرضنا عادت إلينا بدمائنا، بأشلائنا، بدموعنا،وآلامنا، بدماء الشهداء الطاهرة الزكية واشلاء استشهاديينا وعذابات أسرانا وجرحانا وآلامهم وصبرهم، ودموع اطفالنا ونسائنا وجهاد مجاهدينا وتعبهم، عزم هؤلاء الرجال وإرادتهم، إصرارهم على المقاومة ومتابعة طريقها حتى النهاية، تضحياتهم وعطاءاتهم، صدقهم وإخلاصهم هو الذي استجلب هذا النصر واستعجله وأعطاه هذا العمق وهذا الحجم وهذه القوة وهذه الاندفاعة.

       والأهم من ذلك، أن شهداء هذه المقاومة واسراها وجرحاها والمجاهدين فيها، لم يحققوا فقط نصرا مباشرا، وإنما أيضا استنهضوا الأمة وأخرجوا شعوب المنطقة من الإحباط إلى حماس وعزم المقاومة،واسقطو أسطورة الجيش الذي لا يقهر، وهزموه نفسيا ومعنويا وماديا، واوقفوا مشروع سيطرة الإسرائيلي الأمني والسياسي والاقتصادي على لبنان والمنطقة، واسسوا لمنطق وثقافة وخيار مختلف في هذه الأمة هو خيار المقاومة المعتمدة على الإرادة الذاتية.

       إن دماء الشهداء لم تهزم إسرائيل لتخرجها من لبنان فقط، وإنما احدثت تحولا ثقافيا على امتدادالعالم العربي والإسلامي، واسست لفهم جديد في هذه الأمة. هو انه بالإمكان إنجاز عملية تحرير كاملة للأرض واستعادة الحقوق والمقدسات بالمقاومة والشهادة.

       ونستطيع أن نقول: إن الثقافة الغالبة اليوم في الأمة بفضل تضحيات الشهداء، باتت ثقافة المقاومة والاستشهاد والانتصار، بعد أن كانت ثقافة الاحباط والهزيمة،وهذه نقطة تحول كبرى وتاريخية مهمة، يجب الحفاظ عليها وتثميرها والاستمرار بها إلى ابعد حد.

       لأن هذه الثقافة، ثقافة المقاومة والشهداء هي التي يخشى منها الإسرائيليون، وهي التي تقلق اليوم الكيان الصهيوني في داخل فلسطين،خاصة بعدما ارتفع الصوت في الشارع الفلسطيني بكل شرائحه ليطالب بهذا المنطق وبهذا الخيار، وها هي الانتفاضة المستمرة والعمليات الجهادية والاستشهادية في الداخل،تؤكد أن الشعب الفلسطيني اختار طريق المقاومة واسلوب حزب الله لاستعادة ارضه وحقوقه ومقدساته،وهو يرفض اليوم بكل فصائله أن يتخلى عن هذا السلاح، بالرغم من كل التهديد والتهويل والضغط الذي يمارس عليه من هنا وهناك، من اجل أن يوقف انتفاضته بالكامل.

       لذلك كله، هذه المعاناة وهذه الدماء، يجب أن نستفيد منها لمصلحة الأمة. ونريد لهذه الدماء أن تحقق اهدافها بكل قوة.

       من هنا تأتي مسؤوليتنا في تحويل كل حياة وسلوك واخلاق وحقيقة الشهداء والمجاهدين والمضحين إلى نبض وتيار حي في ذاكرة ووجدان وعقول وقلوب ابنائنا واطفالنا ونسائنا ورجالنا.

       اليوم ليس فقط في لبنان بل في فلسطين وعلى امتداد العالم العربي المطلوب  أن تبقى التضحيات التي صنعها الشهداء والاستشهاديون والأسرى والجرحى والمجاهدون في هذه المنطقة، حية في ذاكرة الناس وفي عقولهم وتجارب حياتهم. كما يجب أن تبقى مشاهد الجهاد والمقاومةوالشجاعة والتضحية والإيثار والثبات والشهادة حية في ضمائرهم . ففي لبنان وفلسطين بل وعلى امتداد العالم العربي ثمة مشاهد تضحية وفداء وإباء وعطاء وبذل وشهادة. وهناك رموز وشهداء لا تعرفهم الأمة يجب أن نتعرف عليهم.

       ولا يكفي هنا أن نوثق ما نعرفه وخبرناه عن هؤلاء في مراكز الدراسات والأبحاث، بل يجب تحويله إلى مادة حية للذاكرة وللوعي والوجدان.

       يجب على كل اجيالنا أن تتعلم تضحيات هؤلاء وتتذكر اخلاقهم وسلوكهم وجهادهم وروحيتهم التي هي سر قوتهم وعنفوانهم، ولا يعقل ابدا أن نرى اليوم من ابناء هذا الوطن من لا يعرف شيئا عن الشهداء والرجال الذين صنعوا هذا النصر وساهموا بدمائهم في تحقيقه وإنجازه.

       وانطلاقا من هذه المسؤولية فقد بادرت الوحدة الثقافية في حزب الله وعبر العديد من المسابقات والانشطة الثقافية بالتعاون مع بعض الكتاب والادباء إلى وضع مشروع يتناول حياة كل الشهداء والأسرى والجرحى في إطار سلسلة اطلقنا عليها سلسلة أمراء النصر والتحرير، فكانت باكورة هذا العمل هذه المجموعة التي نحتفل بإصدارها اليوم والتي نستحضر فيها تضحيات هؤلاء ومشاهدالبطولة التي صنعوها ومدى شجاعتهم. والتزامهم ،وصبرهم، وزهدهم في الدنيا وفنائهم في القضية والرسالة التي حملوها من اجل أن نتعرف وتتعرف الأمة على حقيقة هؤلاء الرجال الذين صنعوا النصر والتحرير في لبنان.

       إن هذه السلسلة تحمل صوت الدم الطاهر للشهداء في لبنان من اجل أن يبقى دمهم يضج ويصرخ ويخاطب كل ضمير في هذه الأمة. ويعمل على تعميم هذا النموذج.

       وانطلاقا من هذه المسؤولية أيضا نحن نأمل أن يبادر الأدباء والكتاب والمثقفون ومراكز الدراسات إلى دراسة تجربة المقاومة في لبنان ووضع ابحاث حول شهدائها ومجاهديها، ليس لمجرد الترف الفكري أو الادبي وليس لمدح هذه المقاومة وتبجيلها، بل لأننا بحاجة إلى تعميم هذه التجربة وتجربة الشهداء والمجاهدين  والمضحين.

       فإن هناك مسؤولية محسومة في لبنان بعد إنجاز التحرير، وهي أن على اللبنانيين ومن معهم الذين صنعوا هذه التجربة أن يحفظوها ويعمموها وأن يشرحوها للعالم.

       وعندما يحمل الشعراء والأدباء والمثقفون والسياسيون والصحافيون والإعلاميون والناس العاديون لغة هذه المقاومة وخطاب هذه المقاومة، وانتصار هذه المقاومة، وتضحيات شهدائها وعظمة مجاهديها وآلام هذا الشعب الذي تحمل كل هذه المجازر، ويعملون على تعميمها لدى شعوب منطقتنا العربية لا ريب أنها ستترك آثارا كبيرة.

       عندما نحافظ جميعا على الدم الذي سفك في لبنان، على دماء الشهداء والاستشهاديين،وثقافة هذه الدماء،ومنطق هذه الدماء، عندما نحافظ على كل هذا حيا ونعممه وننشره وننقله بأمانة إلى عقول الناس وافكارهم وعواطفهم، فلا ريب أن النتائج ستكون عظيمة وكبيرة على مستوى كل الأمة.

       ونحن في حزب الله جاهزون لأن نضع كل إمكاناتنا المتاحة بين ايدي الجميع للتعاون في تحمل هذه المسؤولية وهذه الأمانة.

       وثمة مسؤولية اخرى تخص الوزارات والمؤسسات الرسمية المعنية وخاصة وزارة الثقافة ووزارة التربية وهي أن هذه الثقافة، ثقافة المقاومة، ثقافة الانتصار، ثقافة الصمود، ثقافة أولوية مواجهة العدو الإسرائيلي، يجب أن نعمل على تعزيزها في مدارسنا ومؤسساتنا ومناهجنا التربوية، وينبغي أن تضاف إلى كتب التاريخ والتربية الوطنية المادة المتعلقة بتاريخ المقاومة ومقاومة الشعب اللبناني وتضحياته  وتجربة شهدائه ومعاناة الأسرى في سجون الاحتلال الصهيوني،وتضحيات جرحى العدوان الإسرائيلي، ودروس المواجهات الشعبية والعسكرية، ولدينا مادة مشرقة ومضيئة في هذا المجال.

       ولذلك فإن من اعظم امانات دماء الشهداء في مسؤولية الدولة والحكومة ووزارة التربية بالتحديد هي هذه الأمانة.

       وفي هذه المناسبة ايضا نود أن نذكر المسؤولين في الدولة بالمسؤولية تجاه اسر وعوائل الشهداء والجرحى والأسرى المحررين، نذكر بواجب هو افضل ما يمكن أن تقدمه الدولة لأمراء النصر والتحرير الذين صنعوا الانتصار بدمائهم وابنائهم.

       اتقدم بالشكر الكبير من دولة نائب رئيس مجلس الوزراء دولة الرئيس عصام فارس على مشاركته ورعايته لهذا الحفل،كما اتقدم بالشكر من سعادة نقيب الصحافة الاستاذ محمد بعلبكي وامين سر اتحاد الكتاب اللبنانيين الدكتور فيليب أبي فاضل، وكل السادة الحضور على مشاركتهم. والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.