الغيبة جهد العاجز

الإنسان الذي يحب الخير للناس ولديه دوافع خيرة وصالحة ويملك أهلية أن ينفع الناس ويصلح الناس ويتعاون معهم تراه يقوم بنصح صاحب الخطأ أو العيب ويتعاون معه ليتجاوز خطأه أما إذا كان الإنسان فاشلاً وعاجزاً ولا يملك أهلية وكفاءة النصح تراه بدل أن يهتم بمعالجة أخطاء الآخرين يقوم بالحديث عنها فتكون الغيبة جهد العاجز.

خلاصة الخطبة

رأى سماحة الشيخ علي دعموش في خطبة الجمعة: أن الحسد والحقد وحب الانتقام كلها عوامل للكثير من المشكلات والأزمات والانقسامات والفتن التي تحصل في بلدنا وفي المنطقة.

 وقال: إن الشحن والتحريض والاتهامات العشوائية وارتكاب الجرائم وعمليات الخطف والخطف المضاد وما تنتجه من أحقاد هي أحد أهم أسباب حالة الفوضى التي شاهدناها في الأسبوع الماضي في بعض المناطق اللبنانية والتي كادت أن تفتح البلد على فتنة أو بدايات فتنة لا يعلم أحد كيف تنتهي.

ودعا: الى أن يكون الناس أكثر وعياً وانضباطاً وعقلانية وحكمة وهدوءاً , وأن لا ينساقوا مع ردات فعل غير مسؤولة يمكن أن تؤدي إلى تفلت لا يحمد عقباه.

واعتبر: أن الفتنة ليست من مصلحة أحد في لبنان , بل مصلحة اللبنانيين جميعاً إبعاد شبح الفتنة عن البلد.

وأكد أننا في حزب الله كنا السباقين في الدعوة إلى الحوار والتلاقي والتعاون. مشدداً: على ان الأخطار التي تواجهها المنطقة ويواجهها لبنان والتي تستهدف الجميع ولا تستثني أحداً .. وتستهدف لبنان كله بكيانه ووحدته وطوائفه ودولته وجيشه كل هذه الأخطار تتطلب أعلى درجة من الوعي والعقلانية والحكمة والتضامن والالتفاف الداخلي والتفاهم والتعاون حتى نستطيع جميعاً أن نواجه الأخطار الراهنة والأزمات الفعلية.

وختم بالقول: نرحب بكل الدعوات والمواقف السياسية التي تحمل هذه المسؤولية وهذا الحرص وتدعو الى درء الفتنة والتفاهم, ونمد اليد للتلاقي والتعاون لما فيه مصلحة لبنان ومصلحة كل اللبنانيين.

 

نص الخطبة

[يا أيها الذين آمنوا اجتنبوا كثيراً من الظن إن بعض الظن إثم ولا تجسسوا ولا يغتب بعضكم بعضاً أيحب أحدكم أن يأكل لحم أخيه ميتاً فكرهتموه واتقوا الله إن الله تواب رحيم].

للإنسان في النظرة الإسلامية الاجتماعية حرمته وكرامته وقدسيته، فليس لإنسان أن يسيء إلى حرمة إنسان آخر, أو يعتدي على كرامته، أو يخترق خصوصيته, أو يذكر عيوبه وأخطاءه المستورة أمام الناس بهدف التشهير به أو الاقتصاص منه أو النيل من كرامته او شخصيته .

فالله سبحانه وتعالى أراد لحياة الناس الخاصة أن تكون محصنة وان لا تنتهك حرمتها وان لا تكون عرضة للاختراق والهتك .

وقد جاءت الآية المباركة في سياق إرساء هذه النظرة لتقيم مبدءاً اجتماعياً في السلوك وفي العلاقات يقوم على أساس احترام حياة الآخرين وخصوصياتهم وأسرارهم، وعدم انتهاك حرمات الناس بالتفتيش عن عيوبهم ,أو بالبحث عن أسرارهم الخفية وإشاعتها ونشرها...

ولذلك حرمت الآية ثلاثة أمور تؤدي عادة إلى مفاسد اجتماعية كثيرة ومخاطر كبيرة وهي: سوء الظن والتجسس والغيبة.

وسأتحدث عن الغيبة باعتبارها مرضاً أخلاقياً ينتشر في مجتمعنا ويتفشى في مجالسنا ..

الغيبة هي أن تذكر عيوب الآخرين المستورة في غيابهم أمام الناس بهدف الذم والانتقاص والتشهير والنيل من الكرامة.

فقد روي عن رسول الله (ص) قال: هل تدرون ما الغيبة؟ قالوا: الله ورسوله أعلم قال: ذكرك أخاك بما يكره قال: أرأيت إن كان فيه ما أقول قال(ص): إن كان فيه ما تقول فقد اغتبته وإن لم يكن فيه فقد بهته.

فالفرق بين الغيبة والبهتان ان الغيبة ان تذكر عيباً موجوداً فيه بينما البهتان ان تذكره بعيب ليس موجوداً فيه بان تختلق له عيباً غير موجود في شخصيته وتنسبه اليه كذباً وافترءاً وبهتاناً.   

ولا فرق في العيب الذي يذكره الإنسان عن أخيه الإنسان في الغيبة بين العيب أو النقص الذي يكون في بدن الإنسان أوفي نسبه أو في أخلاقه وسلوكه أو في أفعاله وتصرفاته أو في قوله أو دينه أو دنياه وحتى في ثوبه وداره وأشياءه.فاذا ذكر عيباً في جسم أخيه الانسان بان قال عنه مثلاً : فلان أعمش العينين، أو فلانة حولة..أو فلان أبوه فاسق أو خبيث.أو فلان متكبر سيء الخلق ,كذاب, سيء الظن.أو ذكر عيبا في أفعاله: فلان سارق محتال, متهاون في الصلاة, قليل الأدب.أوفي ثوبه وبيته بأن قال: فلان وسخ الثياب أو فلانة وسخة في بيتها أو ما شابه ذلك .. فان كل هذه الامثلة تدخل في نطاق الغيبة المحرمة.

والغيبة لا تقتصر على القول والتلفظ وذكر العيوب باللسان, وإنما كل شيء يمكن من خلاله تفهيم الغير بعيب من عيوب الآخرين وتعريفهم بما يكرهون يدخل في الغيبة.

فالتعريض مثل التصريح ,والفعل مثل القول، والإشارة والرمز والإيماء والغمز واللمز والكتابة والحركة وكل ما يدل على وجود العيب والنقص داخل في الغيبة ويكون ذلك كما لو ذكرت العيب بلسانك.

ومن الغيبة أيضاً المحاكاة كأن يقلد فلان فلاناً في مشيته أو في عرجته او في طريقة كلامه ..

وكان رسول الله (ص) إذا كره من إنسان شيئاً قال: ما بال أقوام يفعلون كذا وكذا ولا يُعين ولا يشخص , وإنما يذكر أفعال قوم وجماعة بشكل عام من دون تحديد.

ومن أسوأ أنواع الغيبة غيبة المتدينين وأهل الصلاح والتقوى هؤلاء الذين يظهرون أنفسهم بمظهر المتعفف عن الغيبة وتناول عيوب الناس,هؤلاء الذين يغتابون الناس بصورة مبطنة.

مثل إن يذكر عنده إنسان مسؤول فيقول الحمد لله الذي لم يبتلينا بحب الرئاسة والمنصب والموقع أو الحمد لله الذي لم يبتلينا بحب الدنيا أو الحمد لله الذي لم يجعلنا من أصحاب الفيلات أو البيوت الفاخرة أو السيارات الفاخرة ويكون المقصود التعريض بالذي يتم الحديث عنه. أو يقول: نعوذ بالله من قلة الحياء أو من سوء التوفيق.أو نسأل الله أن يعصمنا من كذا أو أن لا يبتلينا بكذا.

فمجرد الحمد أو الدعاء إذا علم منه اننا نحمد الله على عدم كذا لأن فلاناً الذي نتحدث عنه متصف به فهو غيبة , خاصة اذا كان المقصود إظهار عيب غيره بصيغة الدعاء.

بعض الأحيان الإنسان يغتاب الآخرين بطريقة انه يقدم أولاً مدح من يريد غيبته فيقول: ما أحسن فلان ما كان يقصر في العبادة والصلاة ولكن خفت همته وابتلى بما نبتلي به كلنا من قلة الهمة واللامبالاة , فيذكر نفسه بالذم ومقصوده أن يذم غيره.

هكذا يلعب الشيطان بالإنسان فيوقعه في الغيبة بأساليب وطرق متعددة.

ومن أقسام الغيبة الخفية الاستماع إلى الغيبة على سبيل التعجب, فإذا اغتيب فلان بمحضره يظهر المستمع التعجب وكأنه يتفاجأ بما يسمع , ويكون ذلك من أجل أن يقول المستغيب المزيد في حق المغتاب ومن أجل أن يتحدث عن المزيد من عيوبه وخفاياه .

فيقول مثلاً: أصحيح فعل فلان كذا؟ تفاجأت مما ذكرت! ما كنت أعلم عنه هذا الأمر! ما كنت أعرف فلان بذلك! وهو يريد بذلك  حث وتشجيع المستغيب على قول المزيد.

والتصديق بالغيبة غيبته, والإصغاء إليها غيبة ,والسكوت عنها غيبة.

عن رسول الله (ص): السامع للغيبة أحد المغتابين.

يعني السامع الذي يرضى بما يقول ولا ينكر مع القدرة على الإنكار, لأنه يجب رد الغيبة وإنكارها.

فعن رسول الله  (ص): من ردّ الخلائق عن عرض أخيه بالغيب, كان حقاً على الله أن يرد عن عرضه يوم القيامة.

و الأسباب التي تولد هذا المرض وهذا السلوك عند الإنسان, خصوصاً عندما تتحول الغيبة إلى سلوك يمارسه الإنسان بشكل يومي في الجلسات والسهرات وعلى وسائل التواصل الاجتماعي وفي المجلات ومختلف وسائل الإعلام كثيرة وأهمها:

 أولاً: الفراغ وضعف الشخصية والشعور بالفشل والعجز:

يقول أمير المؤمنين (ع) الغيبة جهد العاجز.

فالإنسان الفاشل الذي يعيش حالة الفراغ وليس لديه اهتمامات وانشغالات مفيدة ونافعة، الإنسان الضعيف العاجز عن العمل والإنتاج وصنع الإنجازات، يملأ فراغه وعجزه وضعفه بالحديث عن أخطاء الناس وعيوبهم ونقاط ضعفهم أما بلسانه أو بقلمه أو بوسائل التواصل المتعددة, أما الإنسان الذي يعمل على بناء شخصيته وتطوير ذاته فهو لا يملك وقتاً للحديث عن أخطاء الآخرين وعيوبهم.

وكذلك الإنسان الذي يحب الخير للناس ولديه دوافع خيرة وصالحة ويملك أهلية أن ينفع الناس ويصلح الناس ويتعاون معهم تراه يقوم بنصح صاحب الخطأ أو العيب ويتعاون معه ليتجاوز خطأه أما إذا كان الإنسان فاشلاً وعاجزاً ولا يملك أهلية وكفاءة النصح تراه بدل أن يهتم بمعالجة أخطاء الآخرين يقوم بالحديث عنها فتكون الغيبة جهد العاجز.

ثانياً: الحسد والشعور بعدم التفوق: فبعض الناس نتيجة فشله وعجزه عن اللحاق بالآخرين والوصول إلى ما وصلوا إليه, يحسدهم, فيقوم بالبحث عن أخطاءهم والحديثعنها .

ثالثاً: كثرة العيوب التي يملكها البعض: فالبعض يقوم - من أجل أن يغطي على عيوبه ويبرر عيوبه - باغتياب الناس وذكر عيوبهم  ليوحي للآخرين بأنه ليس وحده لديه عيوب ومساوىء وانما فلان المسؤول وفلان الوجيه ولان العالم لديهم ايضاً أخطاء وسلبيات وعثرات فيبرر بذلك عيوبه.

يقول علي (ع): ذوو العيوب يحبون إشاعة معايب الناس ليتسع لهم العذر في معايبهم.

رابعاً: حب الانتقام والحقد على الآخرين والعداوات والخصومات: فتجد البعض لأنه على عداوة مع فلان أو لأن الجارة على خصومة مع جارتها تقوم بالحديث عن عيوبها وسيئاتها, وتجد البعض الآخر لان قلبه يعتمل حقداً على فلان او فلانة يلجأ الى الغيبة بدافع الحقد وحب الانتقام..

وعلى الإنسان أن يعالج هذا المرض النفسي والاخلاقي في داخله, وإذا رأى نفسه قد تورط بالغيبة عليه أن يستغفر الله ويتراجع ويتوب ويتسامح.

فعن رسول الله (ص): ترك الغيبة أحب إلى الله عز وجل من عشرة آلاف ركعة تطوعاً.

وعلاج هذا المرض الخطير يحتاج إلى التفكير بالعديد من الأمور والى خطوات عملية يستطيع الانسان من خلالها القضاء على بعض المسببات منها:

ـ أن يفكر الانسان في النتائج الدنيوية للغيبة كسقوط الإنسان من أعين الناس.

ـ وأن يفكر في النتائج الآخروية لهذه المعصية التي توعد الله عليها بالعذاب والنار.

ـ وأن يعالج العوامل والأسباب التي تؤدي بالإنسان إلى ارتكاب هذه المعصية كالحسد والحقد والأنانية وحب الانتقام والتكبر والغرور وغير ذلك.

اليوم الحسد والحقد وحب الانتقام ليست عوامل للغيبة وحدها بل عوامل للكثير من المشكلات والأزمات والانقسامات والفتن التي تحصل في بلدنا وفي المنطقة.

 الشحن والتحريض والاتهامات العشوائية وارتكاب الجرائم وعمليات الخطف والخطف المضاد وما تنتجه من أحقاد هي أحد أهم أسباب حالة الفوضى التي شاهدناها في الأسبوع الماضي في بعض المناطق اللبنانية والتي كادت أن تفتح البلد على فتنة أو بدايات فتنة لا يعلم أحد كيف تنتهي.

يجب أن يكون الناس أكثر وعياً وانضباطاً وعقلانية وحكمة وهدوءاً , وأن لا ينساقوا مع ردات فعل غير مسؤولة يمكن أن تؤدي إلى تفلت لا يحمد عقباه.

الفتنة ليست من مصلحة أحد في لبنان , بل مصلحة اللبنانيين جميعاً إبعاد شبح الفتنة.. فلماذا يعمل البعض من أجل الفتنة وضد مصلحته؟!

 لقد كنا في حزب الله السباقين في الدعوة إلى الحوار والتلاقي والتعاون. والأخطار التي تواجهها المنطقة ويواجهها لبنان والتي تستهدف الجميع ولا تستثني أحداً .. وتستهدف لبنان كله بكيانه ووحدته وطوائفه ودولته وجيشه كل هذه الأخطار تتطلب أعلى درجة  من الوعي والعقلانية والحكمة والتضامن والالتفاف الداخلي والتفاهم والتعاون حتى نستطيع جميعاً أن نواجه الأخطار الراهنة والأزمات الفعلية.

ومن هنا نحن نرحب بكل الدعوات والمواقف السياسية التي تحمل هذه المسؤولية وهذا الحرص وتدعو الى درء الفتنة والتفاهم, ونمد اليد للتلاقي والتعاون لما فيه مصلحة لبنان ومصلحة كل اللبنانيين.

                                                                               والحمد لله رب العالمين