معركة أُحد وحماسة الشهادة

المسلمون بكل فئاتهم, شباباً وكباراً, اندفعوا وشاركوا في هذه المعركة وغيرها من معارك الإسلام بكل شوق ورغبة وارادة, كانوا يتمنون الشهادة ويتنافسون عليها ويندفعون إليها باختيارهم وإرادتهم,وقد روى التاريخ لنا الكثير من الشواهد على هذه الحماسة والاندفاعة التي كان يتحلى بها المسلمون

خلاصة الخطبة

شدد سماحة الشيخ علي دعموش في خطبة الجمعة: على ان الإنتصارفي 14 آب من العام 2006 ما كان ليتحقق لولا توفيق الله وتسديده ولطفه ورحمته وفضله ,ولولا جهاد المجاهدين ودماء الشهداء وصمود أهلنا الشرفاء وصبرهم وثباتُهم وتضحياتهم الكبيرة.

وقال : بشهداء الوعد الصادق انتصرنا على الصهاينة وأفشلنا العدوان وحمينا لبنان. وبدماء شهداء الدفاع المقدس نحمي اليوم لبنان واللبنانيين من الموجة التكفيرية الإرهابية التي تضرب بلدنا وبلدان المنطقة.

وأكد: أن الصهاينة والتكفيريين لن يحصدوا في لبنان سوى الخيبة واليأس والهزيمة.

نص الخطبة:

                                       بسم الله الرحمن الرحيم

[ولا تهنوا ولا تحزنوا وأنتم الأعلون إن كنتم مؤمنين إن يمسسكم قرح فقد مسّ القوم قرح مثله، وتلك الأيام نداولها بين الناس وليعلم الله الذين آمنوا ويتخذ منكم شهداء والله لا يحب الظالمين]  آل عمران/ 139.

في مثل هذه الأيام من شهر آب من العام 2006 سجلت المقاومة الإسلامية في لبنان انتصاراً جديداً على العدو الصهيوني حيث أفشلت عدوانه ومنعته من تحقيق أي من أهدافه التي أعلن عنها قادته السياسيون والعسكريون .

هذا الانتصار ما كان ليتحقق لولا توفيق الله وتسديده ولطفه ورحمته وفضله علينا ,ولولا جهاد المجاهدين ودماء الشهداء وصمود أهلنا الشرفاء وصبرهم وثباتُهم وتضحياتهم الكبيرة.

وفي مثل هذه الأيام من شهر شوال من السنة الثالثة هجرية وقعت معركة أحد، وهي من المعارك الكبرى التي خاضها النبي والمسلمون في مواجهة المشركين, وقد تحدث التاريخ كما القرآن الكريم عن وقائع هذه المعركة واحداثها وعن بعض المواقف المهمة فيها، من أجل أن يستخلص المسلمون منها الدروس والعبر.

وسأتحدث هنا عن بعض تلك المواقف في نقطتين:

النقطة الأولى: إن النبي (ص) استشار أصحابه في أحد في سبل التصدي للعدو في هذه المعركة، هل يتصدى له من داخل المدينة أم من خارج المدينة؟ فاستقر الرأي على مواجهة العدو خارج المدينة بالقرب من جبل أحد الذي يبعد عن المدينة بضعة كيلومترات.

 وكان من عادة النبي (ص) أنه يستشير أصحابه في كثير من القضايا المهمة والمصيرية السياسية والعسكرية والأمنية وغيرها، ليس لأجل أنه كان بحاجة إلى من يعينه على اتخاذ القرار وإنما من أجل أن يشرك أصحابه في القرار فيشعرون بأنهم معنيون في تحديد الخطوات التي ترتبط بهم وبحياتهم ومصيرهم ولا يشعرون بالتهميش وفقدان الدور , وهذا يدفعهم ويحفزهم للعمل والسير بالقرارات التي يشاركون في اتخاذها بكل إخلاص وشوق ورغبة.

وهذا هو الدرس الذي ينبغي أن نتعلمه من النبي (ص) في هذه النقطة، أن نقوم بالمشورة وخاصة في القضايا الإساسية والمهمة, لأنه مهما كان الإنسان يملك عقلاً وفكراً ورأياً صائباً وخبرة وتجربة فإنه يبقى بحاجة إلى عقول الآخرين وأفكارهم وآرائهم وتجاربهم، فإن من شاور الناس شاركهم في عقولهم.

نتعلم من النبي (ص) أن نستشير وأن نتشاور ليس في القضايا السياسية والعسكرية فقط بل حتى في داخل البيت الزوجي وفي داخل الأسرة مع الزوجة ومع الأولاد في إدارة البيت وفي تنظيم شؤون الحياة وفي القضايا الحياتية المختلفة التي ترتبط بالأسرة أو بأحد أفرادها..  بحياته أو بعمله أوبمستقبله.

النقطة الثانية: ان المسلمين بكل فئاتهم, شباباً وكباراً, اندفعوا وشاركوا في هذه المعركة وغيرها من معارك الإسلام بكل شوق ورغبة وارادة, كانوا يتمنون الشهادة ويتنافسون عليها ويندفعون إليها باختيارهم وإرادتهم,وقد روى التاريخ لنا الكثير من الشواهد على هذه الحماسة والاندفاعة التي كان يتحلى بها المسلمون, أذكر منها مثالين:

الأول: لرجل كبير في السن أعرج كان قد أصيب بعرج في حادثة وقعت له في حياته واسمه عمرو بن الجموح.

والثاني: لشاب لم يتجاوز عمره الرابعة والعشرين واسمه حنظلة.

أما عمرو بن الجموح فقد كان رجلاً شيخاً أعرج شديد العرج , وكان له أربعة أولاد شجعان مثل الأسود، يشاركون مع رسول الله (ص) في الحروب , فلما كان يوم أُحُد أراد أن يخرج مع النبي (ص) وقد أبت نفسه أن تفوته الشهادة، وأن يجلس في بيته ولا يشترك مع رسول الله في تلك المعركة، وإن اشترك أولاده الأربعة فيها، فأراد أهله وبنوه حبسه وقالوا له: إن الله عز وجل قد عذرك، ولم يقتنع بمقالتهم وجاء الى رسول الله (ص) وقال: إن بَنِيَ يريدون أن يحبسوني عن هذا الوجه والخروج معك فيه، فوالله إني لأرجو أن أطأ بعرجتي هذه الجنة، فقال رسول الله (ص): أما أنت فقد عذرك الله ولا جهاد عليك، ثم قال (ص) لبنيه وقومه: لا عليكم أن لا تمنعوه، لعل الله يرزقه الشهادة، فخّلوا عنه، وخرج وهو يقول: اللهم ارزقني الشهادة ولا تردني إلى أهلي، فاستجاب الله دعاءه ورزقه الشهادة.

وأما حنظلة, فهو شاب لم يكن قد تجاوز الرابعة والعشرين من عمره آنذاك، وهو ابن أبي عامر عدو رسول الله (ص) ومن المحرّضين ضده وكان مع المشركين في أحُد، وكانت ليلة معركة أحد ليلة زواج حنظلة، ولكنه عندما سمع بنداء الجهاد استأذن النبي (ص) بأن يتوقف في المدينة ليلة واحدة لإجراء مراسيم الزفاف والإقامة ليلة عند عروسه ثم يلتحق بالمعسكر الإسلامي صبيحة الغد من تلك المعركة، فإذن له النبي (ص) ولما أصبح خرج من فوره وتوجّه إلى أحد وسقط شهيداً إلى جانب حمزة وعمرو بن الجموح، فقال رسول الله (ص): "رأيت الملائكة تغسل حنظلة بين السماء والأرض بماء المُزن في صحائف من ذهب". فكان يسمى غسيل الملائكة أو حنظلة الغسيل.

إن هذه الاندفاعة للمشاركة في الجهاد وهذا العشق للشهادة, يكشف عن روحية إيمانية وتربية جهادية وعن إخلاص وصدق واستعداد للتضحية وعشق للشهادة نشاهده اليوم في شبابنا واخواننا المجاهدين, شاهدناه في مجاهدينا في حرب تموز فصنعوا لنا انتصار 14 آب 2006 , واليوم نشاهده في معركة الدفاع المقدس.

كم من الشباب كانوا ينتظرون أدوارهم بلهفة من أجل المشاركة في الدفاع عن المقدسات وعن لبنان؟.

كم من الشباب تركوا أعمالهم ووظائفهم عندما وقفت أعمالهم حاجزاً وعائقاً أمام مشاركتهم في الدفاع عن المقدسات وعن لبنان والمقاومة؟.

 أحد الشهداء كان يعمل ممرضاً في إحدى المستشفيات ولشدة رغبته في المشاركة في معركة الدفاع المقدس تقدم بطلب إجازة إدارية، لكن الأخت المسؤولة عن عمله رفضت طلبه.

وعلقت على الموضوع: إن عملك في المستشفى جهاداً أيضاً لأنك تداوي الجرحى, وأنا لا أستطيع أن آذن لك ,فانزعج الشهيد من الأمر كثيراً.

بعد قرابة اسبوع جاءها يحمل استقالته في يده وقال مبرراً: أنا أجاهد هنا بعمل واحد أما هناك فأستطيع أن أجاهد بعملين: بالقتال وبمساعدة الجرحى وذهب إلى القتال ونال شرف الشهادة.

بهؤلاء وأمثالهم,وبشهداء الوعد الصادق انتصرنا في 14 آب على الصهاينة وأفشلنا العدوان وحمينا لبنان. وبدماء شهداء الدفاع المقدس نحمي اليوم لبنان واللبنانيين من الموجة التكفيرية الإرهابية التي تضرب بلدنا وبلدان المنطقة.

وطالما لدينا من أمثال هؤلاء ممن يعشقون الشهادة ويتمنون القتل في سبيل الله فلن يحصد الصهاينة ولا التكفيريون في لبنان سوى الخيبة واليأس والهزيمة.

 

والحمد لله رب العالمين