السبت, 18 05 2024

آخر تحديث: الجمعة, 17 أيار 2024 1pm

المقالات
خطبة الجمعة 17-5-2024 الامام الرضا (ع) والنموذج الاخلاقي الرفيع

خطبة الجمعة 17-5-2024 الامام الرضا (ع) والنموذج الاخلاقي الرفيع

الشيخ دعموش: المقاومة في غزة لا زالت تملك الكثير من عناصر القوة. أكد نائب رئيس...

خطبة الجمعة 10-05-2024: المجتمع الشيعي في وصايا الامام الصادق(ع)

خطبة الجمعة 10-05-2024: المجتمع الشيعي في وصايا الامام الصادق(ع)

الشيخ دعموش: مهما حاول العدوّ تجاهل الحقائق لن يُخفي فشله وهزيمته. أكد نائب رئيس...

اطلاق مشروع مجمع ديني في الناصرية 4-5-2024

اطلاق مشروع مجمع ديني في الناصرية 4-5-2024

الشيخ دعموش من البقاع: الحراك الطالبي في ‏الجامعات الأميركية والغربية هو جزء من...

خطبة الجمعة 3-5-2024 قيمة العمل لدى الامام الصادق(ع)

خطبة الجمعة 3-5-2024 قيمة العمل لدى الامام الصادق(ع)

الشيخ دعموش: التمادي في العدوان على لبنان لن يُعوّض عجز الاحتلال عن تحقيق...

خطبة الجمعة 26-04-2024 النفس محور الخطر

خطبة الجمعة 26-04-2024 النفس محور الخطر

الشيخ دعموش: التمادي في العدوان على لبنان ليس بلا ثمن شدد نائب رئيس المجلس التنفيذي...

خطبة الجمعة 19-4-2024: الادارة في المجال الدفاعي والعسكري

خطبة الجمعة 19-4-2024: الادارة في المجال الدفاعي والعسكري

الشيخ دعموش: الردُّ الإيراني هشّم صورة الكيان رأى نائب رئيس المجلس التنفيذي في...

خطبة الجمعة 12-4-2024: الورع

خطبة الجمعة 12-4-2024: الورع

الشيخ دعموش: مقابل العدوان هناك رد ‏وعقاب.. والإصرار على إطالة أمد الحرب لن يغير...

  • خطبة الجمعة 17-5-2024 الامام الرضا (ع) والنموذج الاخلاقي الرفيع

    خطبة الجمعة 17-5-2024 الامام الرضا (ع) والنموذج الاخلاقي الرفيع

  • خطبة الجمعة 10-05-2024: المجتمع الشيعي في وصايا الامام الصادق(ع)

    خطبة الجمعة 10-05-2024: المجتمع الشيعي في وصايا الامام الصادق(ع)

  • اطلاق مشروع مجمع ديني في الناصرية 4-5-2024

    اطلاق مشروع مجمع ديني في الناصرية 4-5-2024

  • خطبة الجمعة 3-5-2024 قيمة العمل لدى الامام الصادق(ع)

    خطبة الجمعة 3-5-2024 قيمة العمل لدى الامام الصادق(ع)

  • خطبة الجمعة 26-04-2024 النفس محور الخطر

    خطبة الجمعة 26-04-2024 النفس محور الخطر

  • خطبة الجمعة 19-4-2024: الادارة في المجال الدفاعي والعسكري

    خطبة الجمعة 19-4-2024: الادارة في المجال الدفاعي والعسكري

  • خطبة الجمعة 12-4-2024: الورع

    خطبة الجمعة 12-4-2024: الورع

 
NEWS-BAR
الشيخ دعموش في خطبة الجمعة 17-5-2024: المقاومة في غزة لا زالت تملك الكثير من عناصر القوة. الشيخ دعموش في خطبة الجمعة 10-05-2024: مهما حاول العدوّ تجاهل الحقائق لن يُخفي فشله وهزيمته. الشيخ دعموش من البقاع: الحراك الطالبي في ‏الجامعات الأميركية والغربية هو جزء من التحول في الرأي العام الشيخ دعموش في خطبة الجمعة 3-5-2024: التمادي في العدوان على لبنان لن يُعوّض عجز الاحتلال عن تحقيق أهدافه. الشيخ دعموش في خطبة الجمعة 26-04-2024: التمادي في العدوان على لبنان ليس بلا ثمن الشيخ دعموش في خطبة الجمعة 19-4-2024: الردُّ الإيراني هشّم صورة الكيان الشيخ دعموش في خطبة الجمعة 12-4-2024: مقابل العدوان هناك رد ‏وعقاب.. والإصرار على إطالة أمد الحرب لن يغير شيئاَ. الشيخ دعموش في الحفل التكريمي للشهيد علي عبد علي في الشياح 9-4-2024: المقاومة لا تتراجع عن معادلة الرد المباشر والسريع مهما كانت التضحيات والتداعيات. الشيخ دعموش من صيدا: لن نقبل أن يتوسع العدو في عدوانه من دون أن يدفع الثمن. الشيخ دعموش في خطبة الجمعة 5-4-2024: الحديث عن ضغوط أميركية جديدة على "إسرائيل" يبقى في دائرة الخداع والنفاق ما لم تُترجم هذه الضغوط المزعومة بوقف العدوان. الشيخ دعموش في خطبة الجمعة 29-3-2024: مهما تمادى العدو في مجازره لن تتراجع المقاومة عن مساندة غزة. الشيخ دعموش في الحفل التكريمي للشهيد علي محمد فقيه في انصارية 27-3-2024: نحن رجال الميدان وحاضرون للدفاع عن بلدنا وأهلنا إلى أقصى حد. الشيخ دعموش في خطبة الجمعة 22-3-2024: المقاومة لن ترضخ لشروط العدو الشيخ دعموش في خطبة الجمعة 15-3-2024 المقاومة ما تزال تُمسك بالميدان وتُقاتل بقوة. الشيخ دعموش في خطبة الجمعة 8-3-2024: لسنا معنيين بإعطاء ضمانات للعدو الصهيوني. الشيخ دعموش في رعاية حملة الخير-ثقافة للامداد في بيروت 6-3-2024: المقاومة ستواصل حضورها في الميدان ولا يمكن أن يردعها شيء. الشيخ دعموش في الحفل التكريمي للشهيد فاروق حرب في الحلوسية 5-3-2024: قرار المقاومة هو الردّ بحزم على كل اعتداء أو استهداف. الشيخ دعموش في خطبة الجمعة 1-3-2024: لن تخرج المقاومة من المعركة إلّا بنصر ‏جديد. الشيخ دعموش في رعاية حفل تخريج دورة كوادر نقابية في بعلبك 25-2-2024: المقاومة على أتم الاستعداد والجهوزية للدفاع عن لبنان الشيخ دعموش في خطبة الجمعة 23-02-2024: العدوانية الاسرائيلية في غزة ولبنان لا يردعها ولا يسقط اهدافها شيء سوى المقاومة والحضور في الميدان ومواجهة القتل بالقتل والتدمير بالتدمير والتصعيد بالتصعيد. الشيخ ‏دعموش في خطبة الجمعة 16-02-2024: العدو الصهيوني مأزوم في لبنان والمقاومة مصممة على ‏مقابلة التصعيد بالتصعيد. الشيخ دعموش في الاحتفال السنوي لجمعية البر والتقوى 9-2-2024: وقف العدوان على غزة هو الخيار الوحيد لوقف ‏جبهة لبنان. الشيخ دعموش في خطبة الجمعة 09-02-2024: العدو وصل إلى طريق ‏مسدود واستمرار العدوان لن يؤدي إلا ‏إلى المزيد من الفشل. الشيخ دعموش في خطبة الجمعة 2-1-2024: المقاومة وجهت للعدو رسائل نارية وأفهمته أنّه لا يمكن أن يتمادى في عدوانه على لبنان من دون أن يلقى الرد الحاسم الشيخ دعموش في اسبوع الحاج حسين مرجي: توسيع العدوان على لبنان لن يكون نزهة. الشيخ ‏دعموش في خطبة الجمعة 26-1-2024: التهويل والتهديد للبنان لن يقدم أو يُؤخّر شيئًا ولن يُثني المقاومة عن دعم غزّة. الشيخ دعموش في خطبة الجمعة 19-1-2024: التهديدات والرسائل التي ‏يحملها الموفدون إلى لبنان لن تقفل جبهة الجنوب طالما استمر العدوان ‏على غزة. الشيخ دعموش في خطبة الجمعة 12-1-2024: من يريد مساعدة "إسرائيل" على الخروج من ورطتها عليه الضغط على العدو لوقف عدوانه قبل الضغط على لبنان أو الحديث عن أي شيء آخر. الشيخ دعموش في اسبوع الشهيدين عبدالله الاسمر وعباس رمال 10-1-2024: إذا فرض العدو الحرب علينا فسنُريه من قدراتنا وبأسنا ما يجعله يندم على جرائمه وعدوانه. الشيخ دعموش في أسبوع الشهيد عبد الجليل حمزة في بلدة الخضر 07-01-2024: عمليّة ميرون نوعيّة واستراتيجيّة هزّت الكيان الصهيوني. الشيخ دعموش في اسبوع الشهيد حسين علي غزالة في بلدة عدلون 06-01-2024: المقاومة لن تقبل بفرض قواعد جديدة تمكّن العدو من التمادي في جرائمه. الشيخ دعموش في خطبة الجمعة 05-01-2024: كلّ جرائم العدو لن تُثني المقاومة عن القيام ‏بواجبها.

المواجهة الأولى العسكرية للنبي (ص) كيف كانت وكيف انتصر ؟.(39)

معركة "بدر" أحداث وعبر (39)

معركة بدر كانت الأولى للنبي في مواجهة قريشكانت معركة بدر أولَ معركة مسلحة كبرى خاضها النبي(ص) والمسلمون في مواجهة المشركين من قريش, وقد حصلت هذه المعركة يومَ الجمعة في السابعَ عَشرَ من شهر رمضان المبارك, في السنة الثانية بعد الهجرة الى المدينة.

 

وقد بدأت المعركةُ عندما قرر رسولُ الله (ص) أن يفرُض حصاراً اقتصادياً على قريش, لأن قريشاً كانت لها رحلاتٌ تجاريةٌ سنوية إلى الشام وكان طريقُ هذه الرحلات يمر بالقرب من المدينة المنورة. وفي السنة الثانية للهجرة علم النبيُ (ص) أن قافلةً تجاريةً كبيرةً لقريش بقيادة أبي سفيان آتيةٌ من الشام باتجاه مكة وفيها أموالٌ وبضاعةٌ لقريش, فأمر النبيُ بعضَ المسلمين أن يعترضوا طريق هذه القافلة, ولم يكن الهدفُ من هذا الإجراء  الحصولَ على المال والغنيمة, أو قطعَ الطريق من أجل السلب والنهب طمعاً في المال كما يحاول بعضُ المستشرقين أن يصوّرَ ذلك, وإنما كان الهدفُ هو أن النبي كان يريد أن يظهر لقريش أنه في موقع القوة وأنها في موقع الضعف وأنه قادرٌ على أن يحاصرهم في تجارتهم وأن يعطل حركتهم الاقتصادية حتى يدفعَهُم ذلك إلى أن يمتنعوا عن محاربة الدعوة والتآمرِ على الإسلام وعلى النبي (ص).

وَعَرَفَ أبو سفيان أن قافلته ملاحقةٌ من قبل المسلمين, فأرسل إلى مكة رجلاً ليُبْلِغَ قريشاً بذلك, ليهبّوا إلى نجدته ونجدةِ قافلتِهِم التي فيها أموالُهُم, ثم غيَّرَ طريقَه ولم يمرّ بالقافلة قُربَ المدينة كما هي العادة, واستطاع أن ينجو من سرية المسلمين التي كانت ترصدُه وتلاحقُه.

وبعدما استطاع أبو سفيان أن ينجوَ بالقافلة أرسل إلى قريش أنه قد نجا وأنّه لا حاجة لخروجهم, وعندما وصلهم هذا الخبر كانوا قد خرجوا من مكة وأصبحوا في الطريق إلى المدينة, فاختلفوا فيما بينهم فرأى بعضُهُم: أن يرجعوا إلى مكة ما دام أن القافلة قد نجت, وأصرّ البعضُ الآخر ومنهم أبو جهل على متابعة السير لمحاربة النبي حتى لا يجرؤَ مرة أخرى على اعتراض قوافلهم ومحاصرتِهم اقتصادياً, وانتصر هذا الرأي وتابعت قريشٌ مسيرها بكلّ قوتها البشرية والمالية والعسكرية وقد بلغ عددُهُم تِسعَمَائةٍ وخمسين مقاتلاً معهم مئةُ فرس وسبعُمَائة بعير محملةٍ بالطعام والعتادِ والسلاح.

ولمّا علم رسولُ الله(ص) بخروج المشركين وتصميمِهِم على قتاله, جمع المسلمين واستشار أصحابه المهاجرين والأنصار في أمر القتال. إن سيرة رسولِ الله(ص) في استشارة أصحابه والاستماعِ إلى آرائهم وهو الرسولُ المسددُ في كل آرائه وخطواته من الله عز وجل, توحي إلينا وإلى كل قيادة إسلامية أن لا تستبدَ برأيها, حتى لو كانت تملك الرأي السديدَ والصائب بل إن عليها أن تستشير لا سيما في القضايا المصيرية والكبرى. ولأن معركة بدر كانت معركةً مصيريةً يتقرر على أساس نتائِجِها مصيرُ الإسلام والشرك في المنطقة في المستقبل المنظور على الأقل, فقد استشار النبي أصحابه المهاجرين والأنصار في أمر هذه الحرب, وبرز في المسلمين آنذاك موقفان:

التحضير لمعركة بدرالموقفُ الأول: موقفُ الذين كانوا يهابون قوةَ قريش وإمكاناتِها البشريةَ والعسكريةَ الواسعة وهؤلاء كأنهم أرادوا أن يَنْهَوا النبي(ص) عن مواجهة المشركين بأسلوب المثبطين للعزائم والإرادات, فقد قال بعضهم في التعبير عن هذا الموقف: يا رسول الله, إنها قريشٌ وغدرُها, والله ما ذَلَّتْ منذ عَزَّتْ, ولا آمنت منذ كفرت, والله لا تُسلمُ عِزَّهَا أبداً ولتقاتلنَك فاتهبْ لذلك أُهبَتَه وأَعِدَّ لذلك عُدّتَه.

الموقف الثاني: ولكن في مقابل هذا الموقف كان هنالك موقفٌ آخر: موقفُ أولئك المجاهدين الذين لا يخافون في الله لومة لائم, موقفُ الأقوياء والشجعان الذين يدركون أنهم على حق وأن الله معهم ولن يتخلى عنهم, موقفُ الذين لا يبالون بقوة العدو وقدراته وإمكاناته الواسعة برغم قلةِ عددِهم وضعفِ إمكاناتهم وبساطةِ عتادهم وسلاحهم.

فقد وقف بعضُهُم في بدر كما يقف المجاهدون والمقاومون اليوم وقالوا: يا رسول الله إمض لأمر الله فنحن معك, والله لا نقولُ لك كما قالت بنو إسرائيل لنبيها إذهب أنت وربُك فقاتلا إنا ههنا قاعدون, ولكن إذهب أنت وربُك فقاتلا إنا معكما مقاتلون, والذي بعثك بالحق يا رسول الله لو سِرْتَ بنا إلى بُرْكِ الغُمَاد - وهي منطقة بالقرب من اليمن - لسِرْنَا معك.

ووقف رجلٌ آخر وهو سعدُ بنُ معاذ سيدُ الأوس وقال للنبي: لقد آمنا بك يا رسول الله وصدّقناك وشهدنا أنّ ما جئتَ به هو الحق, وأعطيناك مواثيقَنَا وعهودَنَا على السمع والطاعة فامض يا نبي الله لما أردت, فوالذي بعثكَ بالحق لو استعرضت بنا هذا البحرَ وخضتَهُ لخُضْنَاهُ معك ... ولعل اللهَ يُريكَ منا بعضَ ما تَقَرُّ به عينُك, فسر بنا على بركة الله.".

وهنا كأن اللهَ قد أعطى رسولَه النتيجةَ الغيبيةَ للمعركة فقال لهم رسول الله(ص): سيروا وأبشروا, فإن الله قد وعدني إحدى الطائفتين - أي إما الغنيمةُ أو النصر - واللهِ كأني أنظرُ إلى مصارعِ القوم.

وادي بدر وهكذا خرج النبيُ(ص) بمن معهم من المسلمين لمواجهة المشركين, وكان عدد المسلمين ثلاثمائةٍ وثلاثةَ عشَرَ مقاتلاً, وكان معهم فَرَسَانِ من الخيل، وسبعون بعيراً من الإبل ومعهم من السلاح ستةُ أدرعٍ وثمانيةُ سيوف, وسار المسلمون حتى نزلوا بدراً وهي قرية تبعد عن المدينة المنورة نحو مِئةٍ وخمسين كيلو متراً جنوبَ غربيِ المدينة المنورة, وفي صبيحة يومِ السابعَ عشَرَ من شهر رمضان عبأ النبيُ أصحابه المقاتلين, وكانت رايتُه مع أمير المؤمنين عليِ بنِ أبي طالب, وكان عليٌ(ع) صاحبَ لواء رسولِ الله(ص) في هذه المعركة وفي كلِ المعاركِ الأخرى التي خاضها المسلمون في حياة رسول الله, حيث يؤكد المؤرخون أن لعليا الدور الأكبر في مسار حروب النبي وحسمها بالنصر، وبدأت المعركة بالمبارزة, ثم احتدمت والتحم الجيشان وهما غيرُ متكافئين لا من حيث العدد ولا من حيث العتاد, ولكن الله في هذه المعركة أنزل الكثير من ألطافه ورحمته, وأنزلَ الملائكةَ لا ليقاتلوا ولكن ليعيشوا أجواء المعركة وليُعطُوا المسلمين القوةَ الروحية لتطمئن قلوبُهُم, وانتصر المسلمون واستطاعوا أن يُلحقوا بالمشركين هزيمةً نكراء رُغمَ قلةِ عددِهم وعتادِهم وكثرةِ عددِ المشركين, فقد أسفرت معركةُ بدر عن قتل سبعينَ رجلاً من المشركين وأسرِ سبعينَ منهم ولم يسقط من المسلمين سوى أربعةَ عَشَرَ شهيداً ولم يُؤسرْ منهم أحد.

إن ما نستفيدُهُ من تلك المعركةِ التاريخيةِ الخالدة, هو أن القلة عندما تعيش الإيمانَ والإخلاصَ والثقةَ بالله، وتملكُ الوحدةَ والإرادةَ القوية، وتصبرُ وتثبُتُ في مواقع الجهاد والمواجهة، وتخططُ جيداً ولا تبالي بحشود العدو وقدراتِه وإمكاناته, تستطيعُ أن تصنعَ الانتصاراتِ بإذن الله حتى ولو كان العدو يملك الكثرةَ والقوةَ الكبيرة, وهذا هو سرُ بدر, فإن أصحاب بدر إنما انتصروا لأنهم كانوا يعيشون روحيةً واحدة وقلباً واحداً وموقفاً واحداً.

معركة "بدر" أحداث وعبر (33)

معركة بدر كانت الأولى للنبي في مواجهة قريشكانت معركة بدر أولَ معركة مسلحة كبرى خاضها النبي(ص) والمسلمون في مواجهة المشركين من قريش, وقد حصلت هذه المعركة يومَ الجمعة في السابعَ عَشرَ من شهر رمضان المبارك, في السنة الثانية بعد الهجرة الى المدينة.

وقد بدأت المعركةُ عندما قرر رسولُ الله (ص) أن يفرُض حصاراً اقتصادياً على قريش, لأن قريشاً كانت لها رحلاتٌ تجاريةٌ سنوية إلى الشام وكان طريقُ هذه الرحلات يمر بالقرب من المدينة المنورة. وفي السنة الثانية للهجرة علم النبيُ (ص) أن قافلةً تجاريةً كبيرةً لقريش بقيادة أبي سفيان آتيةٌ من الشام باتجاه مكة وفيها أموالٌ وبضاعةٌ لقريش, فأمر النبيُ بعضَ المسلمين أن يعترضوا طريق هذه القافلة, ولم يكن الهدفُ من هذا الإجراء  الحصولَ على المال والغنيمة, أو قطعَ الطريق من أجل السلب والنهب طمعاً في المال كما يحاول بعضُ المستشرقين أن يصوّرَ ذلك, وإنما كان الهدفُ هو أن النبي كان يريد أن يظهر لقريش أنه في موقع القوة وأنها في موقع الضعف وأنه قادرٌ على أن يحاصرهم في تجارتهم وأن يعطل حركتهم الاقتصادية حتى يدفعَهُم ذلك إلى أن يمتنعوا عن محاربة الدعوة والتآمرِ على الإسلام وعلى النبي (ص).

وَعَرَفَ أبو سفيان أن قافلته ملاحقةٌ من قبل المسلمين, فأرسل إلى مكة رجلاً ليُبْلِغَ قريشاً بذلك, ليهبّوا إلى نجدته ونجدةِ قافلتِهِم التي فيها أموالُهُم, ثم غيَّرَ طريقَه ولم يمرّ بالقافلة قُربَ المدينة كما هي العادة, واستطاع أن ينجو من سرية المسلمين التي كانت ترصدُه وتلاحقُه.

وبعدما استطاع أبو سفيان أن ينجوَ بالقافلة أرسل إلى قريش أنه قد نجا وأنّه لا حاجة لخروجهم, وعندما وصلهم هذا الخبر كانوا قد خرجوا من مكة وأصبحوا في الطريق إلى المدينة, فاختلفوا فيما بينهم فرأى بعضُهُم: أن يرجعوا إلى مكة ما دام أن القافلة قد نجت, وأصرّ البعضُ الآخر ومنهم أبو جهل على متابعة السير لمحاربة النبي حتى لا يجرؤَ مرة أخرى على اعتراض قوافلهم ومحاصرتِهم اقتصادياً, وانتصر هذا الرأي وتابعت قريشٌ مسيرها بكلّ قوتها البشرية والمالية والعسكرية وقد بلغ عددُهُم تِسعَمَائةٍ وخمسين مقاتلاً معهم مئةُ فرس وسبعُمَائة بعير محملةٍ بالطعام والعتادِ والسلاح.

ولمّا علم رسولُ الله(ص) بخروج المشركين وتصميمِهِم على قتاله, جمع المسلمين واستشار أصحابه المهاجرين والأنصار في أمر القتال. إن سيرة رسولِ الله(ص) في استشارة أصحابه والاستماعِ إلى آرائهم وهو الرسولُ المسددُ في كل آرائه وخطواته من الله عز وجل, توحي إلينا وإلى كل قيادة إسلامية أن لا تستبدَ برأيها, حتى لو كانت تملك الرأي السديدَ والصائب بل إن عليها أن تستشير لا سيما في القضايا المصيرية والكبرى. ولأن معركة بدر كانت معركةً مصيريةً يتقرر على أساس نتائِجِها مصيرُ الإسلام والشرك في المنطقة في المستقبل المنظور على الأقل, فقد استشار النبي أصحابه المهاجرين والأنصار في أمر هذه الحرب, وبرز في المسلمين آنذاك موقفان:

التحضير لمعركة بدرالموقفُ الأول: موقفُ الذين كانوا يهابون قوةَ قريش وإمكاناتِها البشريةَ والعسكريةَ الواسعة وهؤلاء كأنهم أرادوا أن يَنْهَوا النبي(ص) عن مواجهة المشركين بأسلوب المثبطين للعزائم والإرادات, فقد قال بعضهم في التعبير عن هذا الموقف: يا رسول الله, إنها قريشٌ وغدرُها, والله ما ذَلَّتْ منذ عَزَّتْ, ولا آمنت منذ كفرت, والله لا تُسلمُ عِزَّهَا أبداً ولتقاتلنَك فاتهبْ لذلك أُهبَتَه وأَعِدَّ لذلك عُدّتَه.

الموقف الثاني: ولكن في مقابل هذا الموقف كان هنالك موقفٌ آخر: موقفُ أولئك المجاهدين الذين لا يخافون في الله لومة لائم, موقفُ الأقوياء والشجعان الذين يدركون أنهم على حق وأن الله معهم ولن يتخلى عنهم, موقفُ الذين لا يبالون بقوة العدو وقدراته وإمكاناته الواسعة برغم قلةِ عددِهم وضعفِ إمكاناتهم وبساطةِ عتادهم وسلاحهم.

فقد وقف بعضُهُم في بدر كما يقف المجاهدون والمقاومون اليوم وقالوا: يا رسول الله إمض لأمر الله فنحن معك, والله لا نقولُ لك كما قالت بنو إسرائيل لنبيها إذهب أنت وربُك فقاتلا إنا ههنا قاعدون, ولكن إذهب أنت وربُك فقاتلا إنا معكما مقاتلون, والذي بعثك بالحق يا رسول الله لو سِرْتَ بنا إلى بُرْكِ الغُمَاد - وهي منطقة بالقرب من اليمن - لسِرْنَا معك.

ووقف رجلٌ آخر وهو سعدُ بنُ معاذ سيدُ الأوس وقال للنبي: لقد آمنا بك يا رسول الله وصدّقناك وشهدنا أنّ ما جئتَ به هو الحق, وأعطيناك مواثيقَنَا وعهودَنَا على السمع والطاعة فامض يا نبي الله لما أردت, فوالذي بعثكَ بالحق لو استعرضت بنا هذا البحرَ وخضتَهُ لخُضْنَاهُ معك ... ولعل اللهَ يُريكَ منا بعضَ ما تَقَرُّ به عينُك, فسر بنا على بركة الله.".

وهنا كأن اللهَ قد أعطى رسولَه النتيجةَ الغيبيةَ للمعركة فقال لهم رسول الله(ص): سيروا وأبشروا, فإن الله قد وعدني إحدى الطائفتين - أي إما الغنيمةُ أو النصر - واللهِ كأني أنظرُ إلى مصارعِ القوم.

وادي بدر وهكذا خرج النبيُ(ص) بمن معهم من المسلمين لمواجهة المشركين, وكان عدد المسلمين ثلاثمائةٍ وثلاثةَ عشَرَ مقاتلاً, وكان معهم فَرَسَانِ من الخيل، وسبعون بعيراً من الإبل ومعهم من السلاح ستةُ أدرعٍ وثمانيةُ سيوف, وسار المسلمون حتى نزلوا بدراً وهي قرية تبعد عن المدينة المنورة نحو مِئةٍ وخمسين كيلو متراً جنوبَ غربيِ المدينة المنورة, وفي صبيحة يومِ السابعَ عشَرَ من شهر رمضان عبأ النبيُ أصحابه المقاتلين, وكانت رايتُه مع أمير المؤمنين عليِ بنِ أبي طالب, وكان عليٌ(ع) صاحبَ لواء رسولِ الله(ص) في هذه المعركة وفي كلِ المعاركِ الأخرى التي خاضها المسلمون في حياة رسول الله, حيث يؤكد المؤرخون أن لعليا الدور الأكبر في مسار حروب النبي وحسمها بالنصر، وبدأت المعركة بالمبارزة, ثم احتدمت والتحم الجيشان وهما غيرُ متكافئين لا من حيث العدد ولا من حيث العتاد, ولكن الله في هذه المعركة أنزل الكثير من ألطافه ورحمته, وأنزلَ الملائكةَ لا ليقاتلوا ولكن ليعيشوا أجواء المعركة وليُعطُوا المسلمين القوةَ الروحية لتطمئن قلوبُهُم, وانتصر المسلمون واستطاعوا أن يُلحقوا بالمشركين هزيمةً نكراء رُغمَ قلةِ عددِهم وعتادِهم وكثرةِ عددِ المشركين, فقد أسفرت معركةُ بدر عن قتل سبعينَ رجلاً من المشركين وأسرِ سبعينَ منهم ولم يسقط من المسلمين سوى أربعةَ عَشَرَ شهيداً ولم يُؤسرْ منهم أحد.

إن ما نستفيدُهُ من تلك المعركةِ التاريخيةِ الخالدة, هو أن القلة عندما تعيش الإيمانَ والإخلاصَ والثقةَ بالله، وتملكُ الوحدةَ والإرادةَ القوية، وتصبرُ وتثبُتُ في مواقع الجهاد والمواجهة، وتخططُ جيداً ولا تبالي بحشود العدو وقدراتِه وإمكاناته, تستطيعُ أن تصنعَ الانتصاراتِ بإذن الله حتى ولو كان العدو يملك الكثرةَ والقوةَ الكبيرة, وهذا هو سرُ بدر, فإن أصحاب بدر إنما انتصروا لأنهم كانوا يعيشون روحيةً واحدة وقلباً واحداً وموقفاً واحداً.

الشيخ علي دعموش