الإحتكار وغلاء الأسعار

الاسلام نهى عن كل اشكال الاحتكار، وأمر بمعاقبة من يقوم بها، لأنها تربك حياة الناس، وتضعهم في ضغوط مادية ومعيشية صعبة، وتسبب للمجتمع الكثير من الاضرار والمصاعب.

خلاصة الخطبة

رأى نائب رئيس المجلس التنفيذي في حزب الله الشيخ علي دعموش في خطبة الجمعة: أن أمريكا تقدم الدليل تلو الدليل على تدخلها السافر في لبنان، واستغلالها للمتظاهرين وأوجاع اللبنانيين وصرخاتهم، من أجل تحقيق أهدافها السياسية، فبعد فيلتمان يأتي بومبيو ونتنياهو ليؤكدا على أن الحراك الشعبي في لبنان فرصة للضغط على إيران وحزب الله، ونحن نعرف أن ما يعنيهم بالدرجة الأولى ليس مساعدة لبنان على الخروج من أزماته، بل أمن الكيان الصهيوني، وملف النفط والغاز، وملف توطين الفلسطينيين.

 وشدد: على ان كل محاولات إستغلال الحراك لم تنجح حتى الآن، ولم تستطع أميركا وأتباعها في الداخل أن يفرضوا شروطهم وأولوياتهم السياسية، وعجزوا عن تغيير المعادلة السياسية الداخلية، كما أن سياسة العقوبات والضغوط الإقتصادية والمالية، والتضييق على اللبنانيين من خلال التضييق على المصارف، والتلاعب بسعر العملة الوطنية، وقطع الطرقات، وإحداث الفوضى، وشل البلد، لم تجديهم نفعاً، بسبب قوة الموقف اللبناني، والصبر والثبات الذي تحلى به اللبنانيون في مواجهة الأزمة، وتمسكهم بالسلم الأهلي، وحفاظهم على السيادة الوطنية، ورفضهم الإستجابة للمطالب السياسية التي تضر بمصلحة بلدهم ..

وأكد: على أنه ليس أمام اللبنانيين اليوم  لتفويت الفرصة على من يتربص بهم وببلدهم ويمارس الضغوط عليهم ويفاقم من أزماتهم الإقتصادية والمالية، سوى الحوار، والتفاهم، وتغليب المصلحة الوطنية على المصالح الأخرى، والإسراع في تشكيل حكومة منسجمة قادرة على إنتشال البلد من أزماته، فالبلد لم يعد يحتمل مناورات سياسية، ولا اللعب على الوقت، والإلتزامات السياسية باتت على المحك، ويوم الإثنين حيث موعد الإستشارات النيابية هو يوم الإختبار للمصداقية السياسية، وعلى الجميع أن يكون بمستوى المسؤولية الوطنية للخروج من هذه المرحلة الدقيقة والحساسة التي يمر بها البلد.

 

نص الخطبة

نبارك لصاحب العصر والزمان  وللمسلمين والموالين ذكرى ولادة الامام الحادي عشر من أئمة أهل البيت(ع) الامام الحسن العسكري(ع) الذي كانت ولادته في الثامن او في العاشر من شهر ربيع الثاني سنة 232 هجرية.

في عهد امير المؤمنين لمالك الأشتر وصايا تتعلق بالتجار والتجارة والإتكار والأسعار يقول(ع):

ثمَّ اسْتَوْصِ بِالتُّجَّارِ وَذَوِي الصِّنَاعَاتِ، وَأَوْصِ بِهِمْ خَيْراً- ثم يمدح التجار ويوصي بهم ويبين أهمية عملهم الى ان يقول:- وَاعْلَمْ ـ مَعَ ذلِكَ ـ أَنَّ فِي كَثِيرٍ مِنْهُمْ ضِيقاً فَاحِشاً، وَشُحّاً قَبِيحاً، وَاحْتِكَاراً لِلْمَنَافِعِ، وَتَحَكُّماً فِي الْبِيَاعَاتِ، وَذلِكَ بَاب مضرةٍ للعامة وَعَيْبٌ عَلَى الْوُلاَةِ، فَامْنَعْ مِنَ الاحْتِكَارِ، فَإِنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وآله مَنَعَ مِنْهُ.

وَلْيَكُنِ الْبَيْعُ بَيْعاً سَمْحاً: بِمَوَازِينِ عَدْلٍ، وَأَسْعَارٍ لاَ تُجْحِفُ بِالْفَرِيقَيْنِ مِنَ الْبَائِعِ وَالْمُبْتَاعِ فَمَنْ قَارَفَ حُكْرَةً بَعْدَ نَهْيِكَ إِيَّاهُ فَنَكِّلْ بِهِ وَعَاقِبْ فِي غَيْرِ إِسْرَافٍ

في هذا النص أربع وصايا :

الاولى: المنع من الاحتكار، لانه يضر بالناس بمعيشتهم وحياتهم، وهو سبب من اسباب فقدان السلع الاساسية من الاسواق، وسبب اساسي في غلاء الاسعار. والاحتكار هو تخزين السلع وعدم اخراجها الى الاسواق بهدف رفع سعرها وبيعها بأسعارعالية جدا، مثل تخزين السلع الاساسية كالمواد الغذائية والأدوية والمحروقات او غيرها من قبل التجار في المستودعات، او عدم افراغ حمولات البواخر مثلا دفعة واحدة بل بالتدريج وبالقطعة، حتى لا يتم اغراق الاسواق بها وهبوط اسعارها، وبهذه الطريقة يستطيع التجار التحكم بالأسواق والأسعار.

 اليوم في لبنان وفي ظل الازمة القائمة اغلب المؤسسات لا سيما التي تستورد المواد الاساسية مثل الحبوب والسكر والزيت وما شابه تحتكر السوق وترفع اسعارها بشكل جنوني تجاوز 30 و40% وتطالب بالتسديد المباشر.

كما ان اغلب التجار لا يسلم البضاعة الا كاش وبسعر 2200 للدولار ولا يسلمون بالدين الا نادرا.

ايضا هناك من يحتكر مادة البنزين والمازوت لبيعها بسعرأعلى او لبيعها بالدولار فقط.

الاسلام نهى عن كل هذه الاشكال من الاحتكار، وأمر بمعاقبة من يقوم بها، لأنها تربك حياة الناس، وتضعهم في ضغوط مادية ومعيشية صعبة، وتسبب للمجتمع الكثير من الاضرار والمصاعب.

النبي (ص) بحسب الروايات ، كان يأمر ويفرض على المحتكرين إخراج بضاعتهم المحتكرة إلى الأسواق، وكان يعاقب المحتكر على تصرفه، عندما يصر على ذلك، وكذلك فعل علي (ع) .

ففي كتاب لعلي (ع) إلى رفاعة بن شداد البجلي قاضيه (ع) على الاهواز: (إنه عن الحكرة، فمن ركب النهي، فأوجعه ثم عاقبه بإظهار ما احتكر). اي عاقبه بإجباره على اخراج بضاعته الى السوق.

وروى أنه (ع) أحرق طعاماً أكثر من مرة ولأكثر من تاجر، كعقاب لهم على احتكارهم للمواد الغذائية.

وقد يسأل سائل: ما الداعي لإتلاف السلع وإحراقها؟ ولماذا لا تصادر ليستفاد منها او لتباع بسعر مقبول؟ والجواب: ربما كان الإحراق يطال خصوص الذين كانوا يصرون على الإحتكار ويرفضون إخراج السلع من المخازن إلى الأسواق، فان المحتكرين المعاندين الذين يصرون على هذا الفعل ويمعنون في مخالفة الشرع والقانون ويتمردون ولا يستجيبون بالرغم من التحذيرات المتكررة، هؤلاء يستحقون العقاب على إصرارهم وإمعانهم في مخالفة القوانين، وهذا تماماً، كما أمر رسول الله (ص) بقلع النخلة وإلقائها إلى صاحبها سمرة بن جندب الذي أصر على موقفه في المرور بأرض جاره بدون استأذان لوجود نخلة له في الطريق، رغم تدخل النبي (ص) ورغم العروض المختلفة التي عرضها عليه والتي كانت لمصلحته، فقلع النبي نخلته ورماها له وقال: لا ضرر ولا ضرار في الاسلام.

اذن الاحتكار هو تخزين السلع وحبسها مع فقدان مثلها في السوق، اما تخزين السلع والاحتفاظ بها للوقت المناسب حيث يكون الطلب عليها اشد مع توفر مثلها في السوق فلا يعد احتكارا، وليس ممنوعا على التاجر، فان له ان يؤخر في مثل هذه الحالة إخراج بضاعته للسوق طلبا للزيادة اوللتسريع في البيع او ما شاكل.

 

الثانية: ان يكون البيع والشراء سمحاً، اي مبنيا على التسامح والتساهل والمرونة فاذا شعر البائع او المشتري بالغبن او الندم وطلب الإقالة، أقاله، واذا كان معسرا صبر عليه، واذ كان له حقعطاه حقهأ أعطاه حقه كاملا، وهكذا.

 

الثالثة: ان يكون البيع بموازين عدل ، اي مراقبة الميزان واعتبارالدقة فيه، وضرورة مراعاة الوزن والكيل وما شاكل، وعدم السماح ببيع المجازفة، اي من دون وزن ولا كيل ولا عدد ولا تحديد للمبيع بدقة.

 

الرابعة: ان لا يكون ثمة اجحاف وظلم في الاسعار لا بحق البائع ولا بحق المشتري، وبمعنى آخر: فان للمالك حرية البيع بأي سعر يريد، فقد يرضى بربح قليل، وقد لا يرضيه ذلك فيزيد من ربحه، وقد يرضى من شخص ربحا قليلا، وقد يبيعه بالرأسمال بدون ربح اصلا، ثم يبيع لشخص آخر بأزيد، ففي كل ذلك له الحرية كمالك وبائع هو حر في ان يبيع بأي كيفية شاء، لكن بشرط عدم الحاق الظلم والاجحاف بحق المشتري بأن يكون السعر والربح بالمقدارالمعقول والمقبول، وباعتدال، وليس فاحشا، بحيث يستغل الآخرين ويضر بهم، ويأكل القدرة الشرائية لهم، فإن الاسلام لا يمنع من الحصول على المال والربح ولكن بالطرق المشروعة وبما لا يؤدي الى الاخلال بالبنية الاقتصادية للمجتمع وبالوضع المعيشي للناس وبما لا يؤدي الى الاضرار بالآخرين.

 الاسلام حث على التجارة وعلىالبيع والشراء، واعتبر التجارة عزاً للإنسان، وأن تسعة أعشار الرزق في التجارة، ومن خلالها يرزق الناس بضعهم بعضاً عن طريق الربح الحاصل منها، وقد ورد في بعض الأحاديث : دعوا الناس يُرزق بعضهم من بعض.

ولكن من الواضح أن حب الإنسان للمال قد يدفعه أحياناً- وخصوصاً إذا لم يكن يملك الإنسان حصانة إيمانية وتربوية- إلى الإحتكار أو التلاعب بالأسعار ورفعها الى حد الاستغلال والاجحاف، جشعا وطمعا في أن يحصل على مال أكثر وربح أكبر.

الاحتكار مرفوض شرعا وقانونا وأخلاقا وانسانية، لكن شجع التجار أحياناً وطمعهم في الحصول على مزيد من الأرباح يدفعهم إلى رفع الأسعار بشكل جنوني فلا يراعون أوضاع الناس الصعبة ولا المستوى المعيشي ويتحولون إلى وحوش كاسرة همّها تحقيق الأرباح الطائلة، أما ماذا يحدث للناس الفقراء وذوي الدخل المحدود فهذا آخر همهم.

وكما ان رفع السعر اذا كان فاحشا منهي عنه كذلك تخفيض السعر ليخسر الاخرون في بضاعتهم، ويذهب رأسمالهم، وليهيمن من يبيع برخص على السوق ويتحكم فيه، هو منهي عنه ايضا، لأنه مضر بمصالح التجار، والله لا يريد الاضرار بالناس .

نعم اذا كان يقصد من خفض الاسعار مساعدة الفقراء والحصول على رضا الله سبحانه فانه لا مانع من ذلك.

ولذلك لابد من رقابة ذاتية وإيمانية ولابد من رقابة السلطة والدولة لوضع حد للشجع الحاصل على مستوى الغلاء.

لابد للتجار أن يحكموا ضمائرهم وأن يرأفوا بالناس وأن يتحلوا بالقناعة والرضا بالربح القليل, ولابد للدولة من مراقبة الأسعار أيضاً لحماية المستهلكين من الغلاء والتلاعب بالأسعار ومنع الإجحاف والظلم بالمستهلكين.

والنبي عاقب المحتكر وكذلك عاقب من يرفع الاسعار، بسحب اجازة عمله ومنعه من ممارسة العمل التجاري، كما فعل مع حكيم بن حزام .

لا بد من ان يتربى التجارواصحاب المحال التجارية على الرضا بالقليل والقناعة بما قسم الله، فعن النبي (ص): وارض بما قسم الله لك تكن أغنى الناس.

ولا بد من تربية النفس على التقوى فهي التي تجلب الرزق وليس رفع الاسعار، كما قال تعالى: (وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ ٱلْقُرَىٰٓ ءَامَنُواْ وَٱتَّقَوْاْ لَفَتَحْنَا عَلَيْهِم بَرَكَٰتٍۢ مِّنَ ٱلسَّمَآءِ وَٱلْأَرْضِ وَلَٰكِن كَذَّبُواْ فَأَخَذْنَٰهُم بِمَا كَانُواْ يَكْسِبُونَ) فالتقوى هي سبب لسعة الرزق والبركة فيه، كما قال تعالى في آية أخرى: (وَمَنْ يَتَّقِ اللهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجاً  وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لاَيَحْتَسِبُ وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللهِ فَهُوَ حَسْبُهُ إِنَّ اللهَ بَالِغُ أَمْرِهِ قَدْ جَعَلَ اللهُ لِكُلِّ شَيْء قَدْرا).

اليوم غلاء اسعار السلع والمواد الاساسية بشكل فاحش وبالشكل الذي نراه في الاسواق ليس مقبولا وعلى الدولة تشديد الرقابة وملاحقة المحتكرين ومنيرفع الاسعار بشكل جنوني وغير منطقي وعلى وزارة الاقتصاد وهيئة حماية المستهلك القيام بواجباتها على هذا الصعيد واستقالة الحكومة ليست مبررا للتهربمن المسؤولية على هذا الصعيد فاستقالة الحكومة لا تعني استقالة الوزارات والمؤسسات من دورها ومسؤولياتها تجاه المواطنيين.

اليوم أمريكا تقدم الدليل تلو الدليل على تدخلها السافر في لبنان، واستغلالها للمتظاهرين وأوجاع اللبنانيين وصرخاتهم، من أجل تحقيق أهدافها السياسية، فبعد فيلتمان يأتي بومبيو ونتنياهو ليؤكدا على أن الحراك الشعبي في لبنان فرصة للضغط على إيران وحزب الله، ونحن نعرف أن ما يعنيهم بالدرجة الأولى ليس مساعدة لبنان على الخروج من أزماته، بل أمن الكيان الصهيوني، وملف النفط والغاز, وملف توطين الفلسطينيين.

 لكن كل محاولات إستغلال الحراك لم تنجح حتى الآن، ولم تستطع أميركا وأتباعها في الداخل أن يفرضوا شروطهم وأولوياتهم السياسية، وعجزوا عن تغيير المعادلة السياسية الداخلية، كما أن سياسة العقوبات والضغوط الإقتصادية والمالية، والتضييق على اللبنانيين من خلال التضييق على المصارف، والتلاعب بسعر العملة الوطنية، وقطع الطرقات، وإحداث الفوضى، وشل البلد، لم تجديهم نفعاً، بسبب قوة الموقف اللبناني، والصبر والثبات الذي تحلى به اللبنانيون في مواجهة الأزمة، وتمسكهم بالسلم الأهلي، وحفاظهم على السيادة الوطنية، ورفضهم الإستجابة للمطالب السياسية التي تضر بمصلحة بلدهم ..

اليوم ليس أمام اللبنانيين لتفويت الفرصة على من يتربص بهم وببلدهم ويمارس الضغوط عليهم ويفاقم من أزماتهم الإقتصادية والمالية، سوى الحوار، والتفاهم، وتغليب المصلحة الوطنية على المصالح الأخرى، والإسراع في تشكيل حكومة منسجمة قادرة على إنتشال البلد من أزماته، فالبلد لم يعد يحتمل مناورات سياسية، ولا اللعب على الوقت، والإلتزامات السياسية باتت على المحك، ويوم الإثنين حيث موعد الإستشارات النيابية هو يوم الإختبار للمصداقية السياسية، وعلى الجميع أن يكون بمستوى المسؤولية الوطنية للخروج من هذه المرحلة الدقيقة والحساسة التي يمر بها البلد.