الأم صانعة الأجيال

إن من مسؤولية الأولاد ومن مسؤولية الزوج تقدير عطاءات الأم واحترام جهودها والاحسان اليها والتعامل معها برفق ورحمة واحترام، وبما يليق بتعبها وتضحياتها وجهودها الكبيرة.

خلاصة الخطبة:

اعتبر نائب رئيس المجلس التنفيذي في حزب الله الشيخ علي دعموش في خطبة الجمعة: أن التكفيريين هم مجرد أدوات في المشروع الأمريكي الإسرائيلي التفتيتي في المنطقة. 

مشيراً: الى أن ذلك يتأكد يوماً بعد يوم من خلال مجريات الأحداث والوقائع في المنطقة؛

لافتاً: الى ان الغارات الإسرائيلية على مواقع الجيش السوري في الاسبوع الماضي دليل على عمق العلاقة القائمة بين إسرائيل وبين الجماعات الإرهابية وحجم الدعم الذي تقدمه إسرائيل لهذه الجماعات.

ورأى: أن الغارات على سوريا هي محاولة إسرائيلية يائسة لإنقاذ داعش وأخواتها التي تتهاوى أمام ضربات الجيش السوري وحلفائه، وهي تأتي بعد تراجع داعش أمام تقدم الجيش السوري في شمال سوريا وبعد تحريره تدمر ووصوله إلى البادية.

وأوضح: أن إسرائيل تتدخل لمساعدة داعش بعد هزائمه في سوريا والموصل، لعلها تستطيع وقف التقدم ومنع الإنتصار الكامل لمحور المقاومة، مؤكداً: أن كل الغارات والمحاولات الإسرائيلية لن تستطيع إنقاذ الإرهابيين في سوريا ومنع تقدم محور المقاومة ، فهناك إصرار على سحق هذه الجماعات ولن يكون لها مستقبل في المنطقة.

نص الخطبة

في الأيام القليلة الماضية، احتفل العالم بعيد الأم، وهو يوم وفاء وتقدير للأمّهات يعبر الناس فيه عن اعترافهم بالجميل والإمتنان للأمهات، ويؤكدون فيه على المزيد من الحب والإحترام والوفاء والتواضع لهن، وهو وان لم يكن عيداً بالمعنى الشّرعيّ الإسلاميّ، الا أنه لا يتعارض مع الشرع والدين، لأنه ينسجم ويتوافق مع ما أمر به الشرع والدين من تكريم الوالدين والتّواضع لهما ورعاية حقوقهما وتقدير جهودهما ، فهو مظهر من مظاهر البرّ والإحسان والشكر الذي أمر الله به تجاه الوالدين في كلّ وقت وزمان، حيث يقول الله تعالى: (وَوَصَّيْنَا الْإِنْسَانَ بِوَالِدَيْهِ حَمَلَتْهُ أُمُّهُ وَهْنًا عَلَىٰ وَهْنٍ وَفِصَالُهُ فِي عَامَيْنِ أَنِ اشْكُرْ لِي وَلِوَالِدَيْكَ إِلَيَّ الْمَصِيرُ)لقمان: 14. ويقول تعالى:  (وَقَضَى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا)الإسراء: 23.

وللأم مكانة مميزة في الإسلام، لأن الأم هي أحد ركني الأسرة، فهي التي تصنع شخصية الأولاد وتبني حياتهم وتعطيهم من عاطفتها وحنانها وجهدها ، وتتحمّل كل التعب وكل الرعاية وكل المسؤولية في تربيتهم ، وهي المؤثر الأكبر في عقل وفكر وأخلاق وسلوك الأولاد من بداية نشئتهم ومنذ السنوات الأولى من عمرهم والى أن يصبحوا كباراً.

الأم الواعية الصالحة، صاحبة الأخلاق العالية والأدب الرفيع والسلوك القويم، والتربية الصحيحة، تصنع من شخصية أبنائها شخصية صالحة وقوية ومتوازنة.

ومع أن الأب يتحمل مسؤولية في الرعاية والعمل والجهد والتربية، ويبذل كل جهده في كسب الرزق وتأمين العيش الكريم للأسرة ، إلا أنه لا يحمل ما تحمله الأم، ولا يصنع ما تصنعه الأم.

ولذلك، تحدّث الله تعالى عن معاناة الأم ولم يتحدث عن معاناة الأب، فقال تعالى: (وَوَصَّيْنَا الْإِنْسَانَ بِوَالِدَيْهِ حَمَلَتْهُ أُمُّهُ وَهْنًا عَلَىٰ وَهْنٍ وَفِصَالُهُ فِي عَامَيْنِ) وقال في آية أخرى: (وَوَصَّيْنَا الْإِنسَانَ بِوَالِدَيْهِ إِحْسَانًا ۖ حَمَلَتْهُ أُمُّهُ كُرْهًا وَوَضَعَتْهُ كُرْهًا ۖ وَحَمْلُهُ وَفِصَالُهُ ثَلَاثُونَ شَهْرًا) الاحقاق15.

ولذلك جاء في الحديث عن النبي(ص) أنه قال: "الجنّة تحت أقدام الأمهات"، بمعنى أن الله قد جعل الجنة لها، لأنها هي التي تضحي وتتعب وتبذل الجهد في صناعة شخصية الإنسان وحياته ومستقبله.

وقد ورد في رسالة الحقوق للإمام زين العابدين (ع) عن حق الأم، ما يدل على مكانة الأم وعظيم قدرها والمعاناة التي تتحملها من أجل حياة أبنائها، يقول(ع): " وأمّا حَقُّ أمِّكَ أَنْ تعلمَ أَنّها حملَتْكَ حَيْثُ لا يحتملُ أحدٌ أحداً ـ من الذي يتحمّل في داخل جسده شخصاً فيغذيه ويمدّه بكل مقومات الحياة من وجوده وكيانه وحياته؟ ـ وأَعطَتْكَ مِنْ ثَمَرَةِ قلبِها ما لا يُعْطي أحدٌ أحداً ـ فالأم تعطي الولد من غذائها ـ وَوَقَتْكَ بجميعِ جوارِحِها، وَلَمْ تُبالِ أَنْ تَجوعَ وتُطْعِمَكَ، وتعطشَوتسقيَكَ، وتعرى وتكسُوَكَ، وتضحي وتظلُّك، وتهجرُ النومَ لأجلِكَ، ووَقَتْكَ الحرَّ والبردَ لِتَكونَ لها، فَإِنَّكَ لا تطيقُ شكرَها إَلاَّ بعونِ الله وَتَوْفيقِهِ". فهذا النوع من الإحسان الذي تحسنه الأم للولد، لا يستطيع الإنسان أن يؤدي شكره للأم الا بتوفيق من الله، لأن حق الأم كبير جداً، فشكرها حق الشكر يحتاج الى توفيق من الله.

ويقال إن شخصاً جاء إلى رسول الله (ص) وقال له: أنا أُطعم والدّي وأحملهما على ظهري وأنظفهما، فهل أدّيت حقهما؟ قال (ص): "لا"، قال: وكيف؟ فقال(ص): "لأنك تخدمهما وأنت تنتظر موتهما، وهما خدماك ويتمنيان حياتك".

وعن الإمام الباقر(ع) قال: قال موسى بن عمران: "يا ربِّ، أوصني.. فقال: أوصيك بي، فقال: يا رب أوصني، قال: أوصيك بي ، فقال: يا رب أوصني، قال: أوصيك بي ،قال يا رب أوصني، قال: أوصيك بأمك، قال: يا ربّ أوصني، قال: أوصيك بأمك، ثم قال: يا ربِّ أوصني، قال: أوصيك بأبيك".

وعن الإمام الصادق (ع) قال: "جاء شخص إلى رسول الله يسأله: من أبرّ يا رسول الله؟ فقال (ص): "أمك" (ثلاث مرات)، ثم قال: ثم مَن؟ قال (ص): "ثم أباك".

وعن شخص يسمّى إبراهيم بن مهزَّم الأسدي، يقول: خرجت من عند أبي عبد الله الإمام الصادق (ع) ليلة ممسية، فأتيت منزلي في المدينة وكانت أمي معي، فوقع بيني وبينها كلام، فأغلظت لها، فلما أن كان من الغد، صلّيت الصباح وأتيت أبا عبد الله الصادق (ع)، فقال لي: "يا أبا مهزَّم، ما لك وللوالدة، أغلظت في كلامها البارحة، أما علمت أن بطنها منزل قد سكنته، وأن حجرها مهد قد غمزته، وثديها وعاء قد شربته"، قلت: بلى، فقال(ع): "فلا تغلظ لها".

وقد أشار القرآن الكريم إلى عدم الإساءة إلى الوالدين حتى بأصغر كلمة، بقوله تعالى: (وَقَضَىٰ رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا، إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِندَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُمَا أَوْ كِلَاهُمَا فَلَا تَقُل لَّهُمَا أُفٍّ وَلَا تَنْهَرْهُمَا وَقُل لَّهُمَا قَوْلًا كَرِيمً، وَاخْفِضْ لَهُمَا جَنَاحَ الذُّلِّ مِنَ الرَّحْمَةِ وَقُل رَّبِّ ارْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيرًا)  وهذا الذل هو عبارة عن التواضع الذي لا يُسقط الإنسان بل يرفعه لأنه ذل الرحمة وذل التواضع .

وهناك شخص دخل في الإسلام، وبقيت أمه على دينها، فجاء إلى الإمام الصادق (ع)، وكان قد أسلم على يديه، فقال له: "قد أسلمت وأمي لا تزال على دينها، فماذا أفعل؟ فقال (ع): "انظر كيف كنت ترعاها وتخدمها عندما كنتَ على دينها وضاعف خدمتك لها"، فبدأ يضاعف رعايتها، فقالت الأم: يا بني، أراك قد تبدّلت وضاعفت في خدمتي؟ فقال: قد دخلت في دين الإسلام، وأمرني راعي هذا الدين أن أفعل ذلك، فقالت: يا بني، هل هو نبي؟ قال: لا، هو ابن نبي، فقالت: يا بني، إعرض عليّ دينك، فعرض عليها الإسلام فأسلمت معه.

فالأم لها كل هذه المكانة والمنزلة حتى ولو كانت على دين آخر، ولها كل هذا الدور العظيم الذي تصنع من خلاله الأبناء الصالحين والشهداء والمجاهدين والعلماء والقادة والمصلحين ولأجيال, ولذلك يجب على الأزواج والأولاد الالتفات في هذا المجال الى أمرين أساسيين :

الأمر الأول: أن من مسؤولية الأولاد ومن مسؤولية الزوج تقدير عطاءات الأم واحترام جهودها والاحسان اليها والتعامل معها برفق ورحمة واحترام، وبما يليق بتعبها وتضحياتها وجهودها الكبيرة.

مشكلة بعض الأزواج والأولاد أنهم يستهينون بالأمومة، فلا يحترمون جهد الأم وعطاءها، وما تعانيه في خدمتهم والسهر على راحتهم، فبعضهم يسيء الأدب مع والدته ويتعامل معها بقلة احترام وبقسوة وشدة،ولا يقدر عطاءاتها وتعبها، وبعض الأزواج كذلك .. بعض الأزواج يدخل إلى البيت ويخرج وكأنه طاووس، فيتعامل مع زوجته وكأنها خادمة له، فلا يقدر تعبها وجهدها الذي تبذله لراحة أسرته، ولا يشعر بمعاناتها ولا يكون له أدنى حسّ عاطفي تجاه هذه الإنسانة التي تربي أولاده وتقوم بشؤون المنزل، وعندما تحصل أدنى مشكلة أو سوء تفاهم يهددها بالطلاق، صحيح أن الله جعل القيمومة للرجل، لكن ذلك لا يعني أبداً أن يستبد الرجل في بيته ويتعامل بقسوة مع أم أولاده ويظلم زوجته ، وصحيح أن الله جعل الطلاق بيد الزوج، ولكنه ربط الطلاق بعقل الرجل ووعيه لا بغريزته وعصبيته، واعتبره من أبغض الحلال.

الأمر الثاني: هو أن على الشاب أن يكون واعياً عندما يختار زوجة له لأنها ستكون أماً لأولاده، بأن يختار المتدينة ومن لديها الوعي والأخلاق والتربية الحسنة، ولا يعتمد على الحب من النظرة الأولى، أو على الجمال وحده،أو على وضعها المادي، كما أن عليه يدقق ويتأنى عندما يختار فلا يختار لمعرفة عابرة عبر الفايسبوك أو عبر الواتس فإن معظم الزيجات التي تحصل من خلال التعارف الذي يحصل فبر وسائل التواصل الحديثة هي زيجات فاشلة تنتهي بالطلاق والإنفصال ، وقد ورد في الحديث: "من تزوّج امرأة لمالها أو جمالها سلبه الله مالها وجمالها"، ما قيمة المال والجمال إذا لم تكن الفتاة إنسانة عاقلة وأخلاقها حسنة وتخاف الله وتحفظ زوجها في حضوره وغيابه وتحمله في السراء والضراء؟ وقد سأل شخص النبي (ص) قال: يا رسول الله من أتزوّج؟ فقال(ص): "عليك بذات الدين" أي المتدينة التي تخاف الله وليست المتديّنة بالشكل والمظهر واللباس فقط، بل أن تكون متديّنة بالعقل والقلب والعمل والأخلاق والسلوك والمعاملة واسلوب التعاطي مع الزوج ومع الآخرين ، وإذا اختارها زوجة وأصبحت أماً فإن عليه أن يرعى أمومتها ويفي لها ما قامت به من جهد.

 وفي المقابل فان على الأم أن تقدّر الأبوّة، باعتبار أنها وإن عانت في عملية الحمل والولادة والرضاع والتربية، فإن الأب يعاني أيضاً عندما يسهر الليل ويتعب في النهار وهو يسعى لتأمين العيش الكريم لأسرته، فاذا بنيت الحياة الزوجية على الحب والإحترام والثقة والإنسجام والتعاون بين الرجل والمرأة وتكاملت الحياة الأسرية وقام الرجل بمسؤوليته وقامت المرأة بمسؤوليتها في جو من الإحترام المتبادل فإن الحياة الزوجية تستقر وتهنىء، وبذلك يتقرّب الجميع إلى الله، وإذا كانا صالحَين مع أولادهما، فإن الله تعالى يجمعهم في دار رحمته وفي دار رضوانه حيث يقول تعالى: (جَنَّاتُ عَدْنٍ يَدْخُلُونَهَا وَمَن صَلَحَ مِنْ آبَائِهِمْ وَأَزْوَاجِهِمْ وَذُرِّيَّاتِهِمْ وَالْمَلَائِكَةُ يَدْخُلُونَ عَلَيْهِم مِّن كُلِّ بَابٍ  سَلَامٌ عَلَيْكُم بِمَا صَبَرْتُمْ  ـ وذلك عندما تصبر الزوجة على زوجها، وعندما يصبر الزوج على زوجته، والأولاد يصبرون على أبويهم ـ فَنِعْمَ عُقْبَى الدَّارِ ).

دار الرحمة هي للمؤمنين والطيبين والمتقين وأولادهم وأزواجهم وذرياتهم، وليس للتكفيريين والقتلة والإرهابيين الذين يتولون الكافرين والمستكبرين ويساندونهم في مشروعهم التفتيتي لهذه المنطقة.

اليوم، التكفيريون هم مجرد أدوات في المشروع الأمريكي الإسرائيلي الفتيتي في المنطقة، وهذا يتأكد يوماً بعد يوم من خلال مجريات الأحداث والوقائع ؛ فالغارات الإسرائيلية على سوريا في الاسبوع الماضي تدل على ذلك وتكشف عن عمق العلاقة القائمة بين إسرائيل وبين الجماعات الإرهابية وحجم الدعم الذي تقدمه إسرائيل لهذه الجماعات، وهي محاولة إسرائيلية يائسة لإنقاذ داعش وأخواتها التي تتهاوى أمام ضربات الجيش السوري وحلفائه، وهي تأتي بعد تراجع داعش أمام تقدم الجيش السوري في شمال سوريا وبعد تحريره تدمر ووصوله إلى البادية.

إسرائيل تتدخل لمساعدة داعش بعد هزائمه في سوريا والموصل، وبعد كل الإنجازات التي حققها الجيش السوري وحلفاؤه، لعلها تستطيع وقف التقدم ومنع الإنتصار الكامل لمحور المقاومة، لكن كل الغارات والمحاولات الإسرائيلية لن تستطيع إنقاذ الإرهابيين في سوريا ومنع تقدم محور المقاومة ، فهناك إصرار على سحق هذه الجماعات ولن يكون لها مستقبل في المنطقة.

                                                                                والحمد لله رب العالمين