الإساءات التي تعرض لها النبي محمد (ص) والصبر عليها

من الإساءات لرسول الله وللإسلام تربية الناس على التعصب الديني والمذهبي. فإن الثقافة التعصيبة في أوساط المسلمين التي يبثها علماء السوء وعلماء جهلة متعصبون ومتحجرون تحض على الكراهية والعدوان على الآخر المختلف في الدين والمذهب.

خلاصة الخطبة:

تناول سماحة الشيخ علي دعموش خلال خطبة الجمعة وفي اجواء ذكرى المولد النبوي الحديث عن الاساءات التي تعرض لها النبي (ص) والمستجدات السياسية في المنطقة فأكد أن النبي الأعظم(ص) نال النصيب الأكبر من الاساءة والأذى والأستهزاء سواء من الكافرين والمشركين أم من اليهود والمنافقين وغيرهم.

وأعتبر أن النبي (ص) تعرض لإساءات مادية كانت تستهدف تصفيته والقضاء عليه وعلى المسلمين من اتباعه، وإلى اساءات معنوية كان يراد منها النيل من شخصيته وصورته المشرقة.

وقال:ان الاساءات لرسول الله(ص) مستمرة حتى اليوم ولكن هذه المرة من قبل التكفيريين الذين يمارسون القتل والإرهاب باسم رسول الله (ص) معتبراً ان ممارسات التكفيريين هي من أقبح الاساءات لرسول الله(ص)، وانتقد الشيخ دعموش الهيئات الدينية والشخصيات العلمائية التي تهاجم اتباع الأديان والمذاهب الأخرى.

كما انتقد بعض رجال الدين الذين يربون الناس على التعصب الديني والمذهبي ويحضون بذلك على الكراهية والعدوان على الآخر المختلف في الدين والمذهب .محملاً هذه الجهات مسؤولية التفجيرات التي تستهدف الأبرياء في كل دول المنطقة والتي يذهب ضحيتها الآلآف من المسلمين السنة والشيعة والمسيحيين.

وقال:الفكر التكفيري خطر يتهدد الأمة ومن واجب كل الأمة التصدي له بكل الوسائل.

وأضاف:انه لا يمكن للتفجيرات أن تغير من المواقف السياسية لا في لبنان ولا في المنطقة.

نص الخطبة:

مبارك لكم مولد رسول الله محمد (ص) وحفيده الإمام الصادق (ع) الذي يصادف ذكرى ميلادهما بعد يومين في السابع عشر من شهر ربيع الأول.

لقد ولد محمد (ص) من رحم طاهر ومن سلالة طاهرة ومن أبوين طاهرين، كان يتقلب في أصلاب النبيين حتى أخرج من صلب أبيه من نكاح غير سفاح.

فقد ورد عن الإمام الباقر (ع) كان الله يرى تقلب محمد (ص) في أصلاب النبيين من نبي إلى نبي حتى أخرجه من صلب أبيه من نكاح غير سفاح من لدن آدم.

تقول آمنة بنت وهب أم النبي (ص): لما حملت برسول الله (ص) لم أشعر بالحمل ولم يصبني ما يصيب النساء من ثقل الحمل، ورأيت في نومي كأن آتياً أتاني وقال لي: قد حملت بخير الأنام، فلما حان وقت الولادة خفَّ ذلك عليَّ حتى وضعته وهو يتقي الأرض بيديه وركبتيه، وسمعت قائلاً يقول: وضعتِ خير البشر، فعوذيه بالواحد الصمد من شر كل باغ وحاسد.

وفي بعض الروايات سقط من بطن أمه واضعاً يده اليسرى على الأرض ورافعاً يده اليمنى إلى السماء وهو يحرك شفتيه بالتوحيد.

ويروي الإمام الصادق فيقول (ع): كان حيث طلقت آمنة بنت وهب وأخذها المخاض بالنبي (ص) حضرتها فاطمة بنت أسد زوجة أبي طالب فلم تزل معها حتى وضعت فقالت أحدهما للأخرى: هل ترين ما أرى؟ فقالت وما ترين؟ فقالت: هذا النور الذي قد سطع ما بين المشرق والمغرب.. فبينما هما كذلك إذ أقبَل عليهما أبو طالب فقال لهما: ما لكما؟ من أي شيء تعجبان؟ فأخبرته فاطمة بالنور الذي قد رأت فقال لها أبو طالب: ألا أبشرك؟ فقالت بلى فقال: أما إنك ستلدين غلاماً يكون وصيّ هذا المولود.

في بعض الروايات قال لها: أصبري لي سبتاً آتيك بمثله إلا النبوة..

والسبت هو ثلاثون عاماً وكان بين ولادة رسول الله (ص) وولادة علي أمير المؤمنين (ع) ثلاثون سنة.

وقد ورد عن الإمام الباقر (ع): أن آمنة أُمرت وهي حامل برسول الله (ص) أن تسميه أحمد.

في بعض الروايات عن علي (ع): إن آمنة بنت وهب رأت في المنام أنه قيل لها: إن في بطنك سيد فإذا ولدته فسميه محمداً.

ثم قال (ع): فاشتق الله له اسماً من أسمائه فإن الله المحمود وهذا محمد.

لقد تغير بمولد نبينا (ص) العالم بل لقد كان مولد محمد (ص) حدثاً تاريخياً كونياً استثنائياً حصلت خلاله أحداث وتحولات كونية وطبيعية واجتماعية وسياسية مذهلة.

فعند ولادته سطع نور ما بين المشرق والمغرب ورميت الشياطين بالنجوم وحجبوا عن السماء.. بل لقد أضاءت الدنيا ليلة ولد النبي (ص) حتى فزعت الجن والانس والشياطين.. واهتز عرش كسرى وقيصر.. في إشارة إلى حجم التحولات السياسية التي ستحصل على يدي هذا النبي (ص).

وعن أمير المؤمنين (ع): لما ولد رسول الله (ص): ألقيت الأصنام في الكعبة على وجوهها، فلما أمسى سُمعت صيحة من السماء: جاء الحق وزهق الباطل إن الباطل كان زهوقاً.

والصراع بين الحق والباطل قائم ومستمر حتى اليوم وسيبقى حتى يأذن الله لقائم آل محمد (عج) بالخروج والظهور.

[هو الذي أرسل رسوله بالهدى ودين الحق ليظهره على الدين كله ولو كره المشركون] التوبة / 33.

ولا يكون ذلك إلا حين قيام القائم من آل محمد، وعندها فإن الله يظهر الحق ويثبته في مقابل الباطل [ ويريد الله أن يحق الحق بكلماته ويقطع دابر الكافرين] ـ الأنفال/ 7.

فلا بد من مجيء الحق وزهوق الباطل [وقل جاء الحق وزهق الباطل إن الباطل كان زهوقاً]ـ الإسراء / 81.

[بل نقذف بالحق على الباطل فيدمغه فإذا هو زاهق] ـ الأنبياء / 18.

هذا الصراع المرير بين الحق والباطل اتخذ أشكالاً متعددة وأساليب متنوعة على مر العصور واستخدمت شتى الطرق في مواجهة الحق، وقد أسيء إلى الأنبياء والرسل واستهزئ بهم بأشكال متعددة وكذبوا وقتلوا وشردوا ونكل بهم قال تعالى: [وما يأتيهم من نبي إلا كانوا به يستهزؤن] وفي آية أخرى [أفكلما جاءكم رسول بما لا تهوى أنفسكم استكبرتم ففريقاً كذبتم وفريقاً تقتلون] ـ البقرة / 87.

ويقول تعالى: [يا حسرة على العباد ما يأتيهم من رسول إلا كانوا به يستهزؤون] ـ ياسين/3.

ونبينا الأعظم (ص) نال أكبر نصيب من الإساءة والأذى والاستهزاء سواء من الكافرين والمشركين أم من اليهود أم من المنافقين والمرتدين بل نال الأذى حتى من بعض أتباعه والمنتمين إليه في حياته وبعد مماته حتى قال: ما أُوذي نبي مثل ما أوذيت.

وقد بين الله في آيات عديدة أنواع وأشكال الإساءات التي تعرض لها النبي (ص) وهي على نوعين إساءات مادية وإساءات معنوية.

أما الإساءات المادية فتمثلت:

ـ بمحاولات القتل والاغتيال والتصفية الجسدية التي تعرض لها النبي (ص) من قبل المشركين واليهود وغيرهم.

ـ وبالحروب التي شنها المشركون واليهود بهدف القضاء على النبي وعلى الرسالة.

ـ وبمحاولات استئصال المسلمين وتصفيتهم خصوصاً في بدايات الدعوة.

وأما الإساءات المعنوية التي تعرض لها النبي (ص) فكثيرة:

منها: اتهامه بالسحر والشعوذة [أفسحر هذا أم أنتم لا تبصرون] هل ما يأتي به سحر أم أنتم لا تفهمونه ولا تعونه؟

أمام قوة المعجزة التي كان يحملها النبي (ص) لم يكن أمام المشركين سوى رميه بالسحر واتهامه بأنه ساحر.

يقول تعالى في سورة القمر [اقتربت الساعة وانشق القمر وإن يرو آية يعرضوا ويقولوا سحر مستمر].

ومنها: اتهامه بالجنون والشعر وأن ما يأتي به ليس وحياً وإنما شعر.

قال تعالى: [ويقولون أئنا لتاركوا آلهتنا لشاعر مجنون، بل جاء بالحق وصدق المرسلين].

ومنها: اتهامه (ص) بالضلال والغواية والنطق عن الهوى.

ومنها: تعييره بعدم العقب الذكر وهو ما كان يشكل نقصاً وعيباً في العرف الجاهلي.

وقد وصفه بعضهم بالأبتر يعني منقطع النسل فرد الله عليهم [إنا أعطيناك الكوثر فصلِ لربك وانحر إن شانئك هو الأبتر].

وقد ورد في بعض الروايات أن الكوثر هي فاطمة بنت محمد (ص) ومن كان لديه مثل فاطمة فلديه كل النسل الطاهر المستمر.

ومن الإساءات المعنوية تعيير النبي (ص) بأتباعه حيث كان معظمهم من الفقراء والمستضعفين الذين لا مكانة ولا زعامة لهم، تماماً كما عير فرعون موسى (ع) باتباعه فقال له: [وما نراك اتبعك إلا الذين هم أراذلنا بادىَ الرأي].

فقال تعالى للنبي الأكرم (ص) [يا أيها النبي حسبك الله ومن اتبعك من المؤمنين].

فإن هؤلاء المؤمنين الذين اتبعوك وثبتوا إلى جانبك يدافعون عن العقيدة والرسالة هؤلاء سيكفونك ويدفعون عنك إلى جانب الله عز وجل.

ومن الإساءات إساءة المنافقين الذين كانوا يظهرون الإسلام ويحملون شعارات الإسلام ولكنهم كانوا يضمرون العداء.. ولعل هذا النوع من الإساءة كانت أشد على رسول الله (ص) من إساءة المشركين واليهود لأن هؤلاء كانوا في داخل المجتمع الإسلامي وهم محسوبون عليه ظاهراً ومتغلغلون في داخله وهؤلاء كانوا يثيرون الفتن وينشرون الشائعات ويدعمون اليهود ضد الإسلام والمسلمين.

والمنافقون يتخذون اليوم تسميات أخرى هم موجودون بأسماء أخرى ويسيئون إلى النبي (ص) وإلى الدين..

الإساءات لرسول الله (ص) مستمرة حتى اليوم ولكن من قبل التكفيرين الذين يرفعون شعارات إسلامية ويدعون الانتماء لرسول الله (ص) ويمارسون القتل والإرهاب باسم الإسلام وباسم رسول الله.

من أقبح الإساءات لرسول الله (ص) أن يقتل الناس باسم الإسلام أن يقوم انتحاريون ليفجروا أنفسهم بمسلمين أبرياء باسم رسول الله (ص). من أعظم الإساءات لرسول الله أن تصدر فتاوى عن هيئات وهابية تقول عن نفسها أنها هيئات دينية وعن أشخاص وهابيين تكفيريين يقولون عن أنفسهم أنهم علماء دين ومفتين، تهاجم اتباع أديان ومذاهب أخرى وتحرض على إظهار العداوة لهم وتفتي باستباحة حرماتهم.

ألا يؤسس هذا إلى فتنة ونزاع ديني ومذهبي بين أتباع الأديان والمذاهب في المناطق والدول المتعددة دينياً ومذهبياً؟

من الإساءات لرسول الله وللإسلام تربية الناس على التعصب الديني والمذهبي. فإن الثقافة التعصيبة في أوساط المسلمين التي يبثها علماء السوء وعلماء جهلة متعصبون ومتحجرون تحض على الكراهية والعدوان على الآخر المختلف في الدين والمذهب.

لقد صبر النبي (ص) على كل الإساءات التي تعرض لها وانتصر في نهاية المطاف، وعلينا أن نصبر في مواجهة التكفيريين لننتصر في نهاية المطاف أيضاً.

التفجيرات الإرهابية التي تستهدف أبرياء في لبنان وفي كل دول المنطقة والتي يذهب ضحيتها الآلاف من المسلمين الشيعة والسنّة والمسيحيين.. يتحمل مسؤوليتها أصحاب الفتاوى المتطرفة، والمفتون المتعصبون الذين يسيئون إلى الدين وإلى محمد بن عبد الله (ص).

اليوم الفكر التكفيري وثقافة القتل خطران يتهددان الأمة، ومن واجب الأمة التصدي لهذا الفكر بكل الوسائل، بالفكر بالثقافة بالفقه وبالمواجهة الميدانية؟

عليهم أن يعرفوا  أنه لا يمكن للتفجيرات أن تغير من المواقف السياسية لا في لبنان ولا في المنطقة.

عليهم أن يعرفوا أن التفجير الذي طال مدينة الشهداء مدينة الهرمل بالأمس لن ينال من هذه المدينة، لا من صبرها وثباتها ولا من أرادتها وعزيمتها، ولا من التزامها وتمسكها بخيار المقاومة.

الإرهاب الذي لم يستطع أن ينال من الضاحية لن يستطيع أن ينال من هذه المدينة التي قدمت المئات من شبابها شهداء ضد العدو الصهيوني وبات اسمها مدينة الشهداء.

والحمد لله رب العالمين