النميمة وآثارها المدمرة للمجتمع

عن الصادق (ع): من قال في مؤمن ما رأته عيناه وسمعته أذناه، فهو من الذين قال عنهم الله عز وجل: [إن الذين يحبون ان تشيع الفاحشة في الذين آمنوا لهم عذاب اليم].

 

خلاصة الخطبة

الشيخ دعموش في خطبة الجمعة 8-3-2013: يدعو الى إجراء الانتخابات في موعدها على اساس قانون جديد يراعي إنصاف الجميع وصحة التمثيل.

اعتبر سماحة الشيخ علي دعموش في خطبة الجمعة: أن الفريق الذي يريد قانون الستين أو ما يعادله هو فريق اعتاد على الهيمنة والاستئثار والاستحواذ على المقاعد بغير حق.

ودعى الفريق الآخر الى القبول بقانون عادل يُشعر الطوائف المختلفة بانها ممثلة وغير مغبونة, ويجعل التمثيل منسجماً مع الحجم الشعبي الذي تملكه كل فئة .

 ورأى: أن الفريق الآخر لا يريد قانوناً عادلاً لأن القانون العادل يعطينا الأكثرية وهم لا يريدون أن  نكون اكثرية..

وقال: لا يمكن للولايات المتحدة أن تفرض على لبنان المسار الذي ينبغي اتباعه في الانتخابات, مؤكداً:أن الزمن الذي كانت فيه السفيرة الأمريكية تفرض توجهاتها على اللبنانيين قد ولّى.

ودعى الى إجراء الانتخابات في موعدها على اساس قانون جديد يراعي إنصاف الجميع وصحة التمثيل.

نص الخطبة:

قال تعالى: [ولا تطع كل حلاف مهين هماز مشاء بنميم مناع للخير معتد أثيم].القلم/ 10 ـ 12.

يتميز المجتمع الإسلامي بصفات المحبة والأُخوّة, كما يتميز بالمجتمع الآمن الذي يأمن الناس فيه على أنفسهم وأموالهم وأعراضهم وأسرارهم وحرماتهم وكراماتهم.

فالأساس بين المؤمنين, الأُخوّة والرفقة الطيبة [إنما المؤمنون أخوة]. الحجرات/ 10.

وقد حرّم الله ما يُوقع بينهم العداوة والبغضاء [إنما يريد الشيطان أن يوقع بينكم العداوة والبغضاء]. المائدة/ 91.

وقد امتن الله على المسلمين بالتآلف بين قلوبهم [واذكروا نعمة الله عليكم إذ كنتم أعداءً فألّف بين قلوبكم فأصبحتم بنعمته اخواناً]. آل عمران/ 103. [هو الذي ايدك بنصره وبالمؤمنين، وألَّف بين قلوبهم لو أنفقت ما في الأرض جميعاً ما ألَّفت بين قلوبهم ولكن الله ألف بينهم]. الانفال/ 62 ـ 63.

وينبغي على كل مكلف أن يحفظ لسانه عن كل كلام لا مصلحة فيه, ولا خير فيه, ولا فائدة فيه.

فعن رسول الله (ص): (من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليقل خيراً أو ليصمت).

فكل كلام فيه مفسدة, أو يؤدي إلى العداوة والبغضاء بين الناس, يُحرم قوله.

ومن الكلام الذي يُحرم قوله, النميمة, التي أشارت إليها الآية التي ذكرناها في بداية الحديث.

فالنميمة: مرض نفسي لساني خطير, وهي تعني نقل قول الغير إلى المقول فيه, كأن تقول لشخص: فلان كان يقول عنك كذا وكذا, سواء كان بالتكلم او الكتابة أو الإشارة او الرمز.

بل حقيقة النميمة, كشف السر, وهتك الستر, وكشف ما يكره كشفه, سواء كان الكشف بالقول أو الكتابة أو الإشارة، فإن كل ما يراه الإنسان من أحوال الناس مما يكره كشفه, يجب السكوت عنه.

والنميمة هي مصداق بارز لإشاعة الفاحشة في المجتمع, لما فيها من الفساد والإفساد.

فعن الصادق (ع): من قال في مؤمن ما رأته عيناه وسمعته أذناه، فهو من الذين قال عنهم الله عز وجل: [إن الذين يحبون ان تشيع الفاحشة في الذين آمنوا لهم عذاب اليم].

وعنه (ع) أيضاً: وإن من أكبر السحر النميمة، يفرق بها بين المتحابين, ويجلب العداوة على المتصافين، ويسفك بها الدماء، ويهدم بها الدور, ويكشف بها المستور، والنمام أشر من وطئ الأرض بقدم.

والنميمة في بعض الأحيان تؤدي إلى سفك الدماء وإلى القتال.. ولذلك يروى أن أحدهم باع عبداً لآخر وقال للمشتري: ما فيه عيب إلا النميمة، فقال المشتري: رضيت به.

فمكث العبد أياماً في بيت الرجل, ثم قال لزوجة مولاه: إن زوجك لا يحبك وهو يريد أن يتسرى عليك, أي يريد أن يتخذ لنفسه زوجة جارية،فخذي شيئاً من شعره حتى أسحره لك.

ثم ذهب للزوج وقال له: إن امرأتك اتخذت صاحباً وتريد أن تقتلك, فتناوم لها حتى تعرف صحة ذلك. أي اصطنع النوم وراقبها.

 فتناوم الرجل وجاءت امرأته وهي تحمل موساً لتقص شعره، فظن الرجل أنها تريد قتله، فقتلها، وجاء أهل المرأة فقتلوا الزوج, ووقع القتال بين القبيلتين وسفكت الدماء.

وكذلك فإن النميمة تهدم الدور, وتخرب البيوت, وتفكك الأُسر، وهناك العديد من حالات الطلاق التي تحصل بين الزوجين إنما هي بسبب النميمة, أي بسبب أن الزوج نُقِل له كلام عن زوجته أنها تقول في حقه كذا أو في حق أهله كذا, أو العكس أي بسبب أن الزوجة سمعت أن زوجها يقول عنها كذا أو عن أهلها وعشيرتها كذا.. فيُدمر البيت الزوجي بسبب النقول, والقيل والقال, ونقل الكلام من هناك لهناك وهكذا..

وهناك العديد من الاسباب والدوافع التي تدفع الإنسان نحو النميمة ونقل القول إلى المقول فيه:

منها: التشفي, والتنفيس عن حقد يحمله الإنسان تجاه الغير, والانتقاص من الغير، وإظهار التقرب والمحبة والحرص على المحكي له، فيقول مثلاً: أنا أنقل لك ما قاله عنك حرصاً عليك! أو من محبتي لك! أو لأني لا أرضى بما يقال عنك ولا أقبل بذلك!.

ومنها: مسايرة الآخرين, ففي بعض الأحيان يكون الدافع نحو النميمة, هو مسايرة الجلساء ومجاملتهم والتقرب إليهم, فمثلاً عندما نكون في السهرات ونتناول أخبار الآخرين ويريد الواحد منا أن يسبق الآخرين في الإتيان بخبرية جديدة فيقول لزملائه مثلاً: ألا تعرفون آخر الأخبار؟! فلان تكلم عن فلان بكذا, أو فلان اتخذ بحق فلان الإجراء الفلاني أو ما شاكل ذلك.

ومنها: الحاق الأذى بالآخرين, ففي بعض الحالات قد يكون الدافع إلحاق الضرر والسوء بالمحكي عنه. فمثلاً أنا لا أحب فلاناً وأريد الإيقاع به وإلحاق الضرر به, فأنقل ما قاله بحق فلان الآخر من أجل إلحاق الأذى به أو ضرب سمعته وهكذا..

وأياً كانت الاسباب والدوافع فإنها كلها تسبب النميمة التي لها آثار ونتائج وخيمة على الإنسان في الدنيا وفي الآخرة.

فإن من النتائج التي تتركها النميمة في المجتمع: الحقد والضغينة.

فعن الإمام علي (ع): إياك والنميمة فإنها تزرع الضغينة.

وعن الإمام الصادق (ع): إياك والنميمة فإنها تزرع الشحناء في قلوب الرجال.

ومن الآثار والنتائج: هتك سترك, واستجلاب غضب الله وسخط الله عليك.

كتب الامام الصادق (ع) إلى عبد الله النجاشي والي الأهواز: إياك والسعاة وأهل النمائم, فلا يلتزقن بك أحد منهم، ولا يراك الله يوماً وليلة وأنت تقبل منهم صرفاً ولا عدلاً، فيسخط الله عليك, ويهتك سترك.

ومن الآثار أيضاً: أن النمام يصبح من شرار خلق الله, كما في الحديث عن رسول الله (ص): ألا أخبركم بشراركم؟ قالوا: بلى يا رسول الله, قال: المشاؤون بالنميمة, المفرقون بين الأحبة، الباغون للبراء العيب.

ومن آثار النميمة: أن صاحبها يعذب في القبر ولا يدخل الجنة.

عن الإمام علي (ع): عذاب القبر يكون من النميمة.

وعن النبي (ص): لا يدخل الجنة نمام.. وهذا يعني أنه يدخل النار لأنه ليس هناك إلا جنة ونار ولا شيء ثالث.

وينبغي لكل من حملت إليه النميمة أن يتبع الخطوت التالية:

1ـ عدم التصديق, وذلك لقوله تعالى: [ولا تطع كل حلاف مهين، هماز مشاء بنميم]. وقال: حلاف, اي كثير الحلف, أي يحلف كثيراً حتى يصدقه الناس.

2 ـ أن يتبين ويتحقق الإنسان مما نُقل إليه قبل أن يرتب الاثر ويُقدم على ردة فعل, وذلك لقوله تعالى: [إن جاءكم فاسق بنبأ فتبينوا أن تصيبوا قوماً بجهالة فتصبحوا على ما فعلتم نادمين].

3 ـ أن ينهي الإنسانُ الرجلَ النمام أو المرأةَ النمامة عن فعله, وذلك من باب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر, لأن النميمة منكر ويجب صد النمام عن هذا المنكر.

4 ـ أن نبغض النمام في الله, لأنه أصر على فعله, ولأنه ملعون وبعيدعن الله, كما ورد في الحديث عن علي (ع): إياك والنميمة فإنها تزرع الضغينة وتبعد عن الله.

5 ـ أن لا تظن بأخيك سوءاً, فلعل ما نُقل إليك ليس صحيحاً, أو ليس دقيقاً, ولماذا لا نفسر ما نُقل إلينا بطريقة إيجابية لا سلبية, ولماذا لا نفتش له عن وجوه ومحامل حسنة بدلاً من المحامل والوجوه السيئة [يا ايها الذين آمنوا اجتنبوا كثيراً من الظن إن بعض الظن إثم].

6 ـ أن لا يدفعك القول فيك إلى التجسس, فتقع في هذا المحرم الذي نهى الله عنه [ولا تجسسوا].

7 ـ أن لا تبادر إلى نقل ما نقل إليك, فتقع فيما وقع فيه غيرك من الابتلاء بالنميمة.

ويجب هنا أن نتعلم من طريقة أهل البيت (ع) كيفية التعاطي مع النمام, فقد روي عن علي (ع): انه أتاه رجل يسعى إليه برجل, فقال له: يا هذا نحن نسأل عما قلت، فإن كنت صادقاً مقتناك، وإن كنت كاذباً عاقبناك، وإن شئت نقيلك أقلناك قال: أقلني يا أمير المؤمنين.

هكذا ينبغي التعامل مع النمام حتى يشعر بانه مدان في كل الحالات, سواء كان صادقاً أو كاذباً, لأنه عندما يكون صادقاً فإن ذلك لا يخرجه عن كونه نماماً, وصدق ما جاء به لا يبرر نقله للغير.. فهو نميمة ايضاً.

ولذلك وسائل الإعلام المرئية والمسموعة وكذلك الإعلاميون في الصحف وغيرها, عندما ينقلون أخباراً فيها تحريض أو سب وشتم, أو فيها تعبئة مذهبية معينة, أو عندما ينقلون أحداثاً توتر البلد وتستفز الناس وتحرض الناس على بعضهم البعض, تحت حجة السبق الصحفي, او الخبر العاجل, أو البث المباشر, هي تمارس النميمة التي تزرع العداوة والبغضاء بين الناس, وتدمر المجتمع وتخرب العلاقات, وتهدد الاستقرار والسلم الأهلي..

أليس في بعض المواقف والتصريحات التي تتناقلها وسائل الإعلام عن بعض الموتورين والحاقدين والمحرضين والفتانين, أليس في نقل هذه الأقوال والتصريحات زرع للشحناء بين الناس وبين اللبنانيين؟

اليوم المطلوب من وسائل الإعلام أن تتحرى الدقة على هذا الصعيد.. وأن تنتبه إلى الاخبار ونوعية المواقف التي تنقلها, فلا تنقل ما يمكن أن يدخل في دائرة النميمة حتى لو كان صدقاً أي قولاً صادراً عن صاحبه, حتى لا نزيد من توتير الأجواء في هذه الظروف الحساسة التي نعيشها في لبنان وفي المنطقة.

ولا يزال الجدل قائماً في لبنان حول قانون الانتخاب, وظهر خلال الأسبوع الماضي دخول الدول الكبرى وفي مقدمهم الولايات المتحدة الأمريكية على خط الانتخابات, من خلال التحرك باتجاه كل من رئيس الجمهورية ورئيس الحكومة من أجل فرض قانون الستين كأمر واقع.

كما سجل ضغط غير مباشر من قبل الدول الخليجية في هذا الاتجاه.

نحن نعتبر أن الفريق الذي يريد قانون الستين أو ما يعادله هو فريق اعتاد على الهيمنة والاستئثار والاستحواذ على المقاعد بغير حق، وإلا تعالوا واقبلوا بقانون عادل, والقانون العادل له صفتان:

الاول: أن تشعر الطوائف المختلفة بانها ممثلة وغير مغبونة.

الثاني: أن يكون التمثيل منسجماً مع الحجم الشعبي الذي تملكه كل فئة وكل جهة، ولكنهم لا يريدون القانون العادل لأن القانون العادل يعطينا الأكثرية وهم لا يريدون أن  نكون اكثرية..

لا يمكن للولايات المتحدة أن تفرض على لبنان المسار الذي ينبغي اتباعه في الانتخابات، لقد ولى الزمن الذي كانت فيه السفيرة الأمريكية تفرض توجهاتها على اللبنانيين.

نحن ندعو لإقرار قانون جديد, ولتجري الانتخابات في موعدها على اساس قانون جديد يراعي إنصاف الجميع وصحة التمثيل.

 

والحمد لله رب العالمين