الزهراء(ع) والحياة الزوجية
- المجموعة: 2020
- 24 كانون2/يناير 2020
- اسرة التحرير
- الزيارات: 8788
عاشت مع أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (ع) ما يقارب التسع سنوات في حياة زوجية ناجحة ومليئة بالسعادة والاطمئنان والانسجام والوئام، رغم الظروف الصعبة التي مرا فيها على الصعيد المعيشي والمالي، وما تحملاه من أعباء على الصعيد الرسالي في مواجهة الانحراف والدفاع عن الاسلام.
خلاصة الخطبة
شدد نائب رئيس المجلس التنفيذي في حزب الله الشيخ علي دعموش في خطبة الجمعة: على أن الشعب العراقي أفشل كل الرهانات الأميركية في العراق، وعبر من خلال مظاهرته المليونية في بغداد عن رفضه الحاسم للوجود الامريكي، وأعلن بشكل واضح ان لا مستقبل للولايات المتحدة في هذا البلد.
واعتبر: ان الرسالة التي وجهها الشعب العراقي اليوم هي رسالة كل شعوب المنطقة، وهي ان وجود القوات الامريكية في المنطقة هو وجود احتلال واستعمار، وان سياسات الولايات المتحدة هي سياسات معادية ومرفوضة ومنبوذة من قبل هذه الشعوب، وانه لا يمكن لهذه الشعوب ان تتعايش مع الوجود الامريكي بعد كل الجرائم التي ارتكبتها أميركا بحقها في العراق وسوريا وفلسطين ولبنان واليمن وايران وغيرها.
وعلى الصعيد اللبناني رأى الشيخ دعموش: ان الحكومة الجديدة امام استحقاقات حقيقية وتحديات جدية، تبدأ بمواجهة الازمات الاقتصادية والمالية والاجتماعية والمعيشية المتفاقمة والخطيرة التي يعاني منها البلد، ولا تنتهي بضرورة اثبات مصداقيتها للداخل والخارج لا سيما فيما يتعلق باجراء الاصلاحات المطلوبة ومحاربة الفساد واستعادة الاموال المنهوبة، وعليها ان تثبت جدارتها وقدرتها على تحمل المسؤولية في مواجهة هذا التحديات التي لا تحتمل التاخير او التاجيل او التعاطي غير الفاعل والجدي.
ولفت: الى ان الحكومة معنية بتقديم تجربة مغايرة للتجارب السابقة ونموذج مغاير لما كانت عليه الحكومات السابقة، ويجب ان تقدم بسرعة فائقة انجازات ملموسة تستطيع من خلالها ارضاء اللبنانيين الخائفين على مستقبلهم ومسقبل ابنائهم، وهي امام اختبار العمل كفريق وطني منسجم وفاعل، موضحا: ان كل انجاز تحققه هذه الحكومة سيعزز من صدقيتها وجديتها وسيساعدها على قطع الطريق امام المتربصين بها داخليا وخارجيا.
ودعى الشيخ دعموش: كل حريص على مستقبل لبنان سواء كان مشاركا او غير مشارك في الحكومة، ان يعطي الفرصة الكافية للحكومة، وان يساعدها لكي تنجح وتقدم الانجازات لان نجاحها هو نجاح لكل الوطن وانجازاتها ستكون انجازات لكل اللبنانيين .
نص الخطبة
نحن على مقربة من الايام التي تعرف بالايام الفاطمية ،وهي ايام شهادة سيدة نساء العالمين السيدة فاطمة الزهراء(ع) بناءاً على الرواية الثالثة التي تقول ان شهادة الزهراء كانت في الثالث من شهر جمادى الثاني، والأيام الفاطمية هي ايام مصيبة وحزن وألم وأسى ولوعة، ويجب على المؤمنين ان يظهروا الحزن والأسى خلالها، وان يستذكروا فيها مصاب فاطمة(ع) ومظلوميتها ورسالتها اضافة الى ايمانها وعبادتها وقيمها واخلاقها وسلوكها واسلوب تعاملها مع زوجها وأهل بيتها ومجتمعها من اجل ان نتعلم منها ونقتدي بها ونجسد ايمانها وأخلاقها واسلوب تعاملها مع الآخرين.
وهنا أود ان اتحدث عن كيفية تعامل الزهراء(ع) كزوجة مع زوجها في داخل البيت الزوجي، فالسيدة الزهراء (عليها السلام) ليست زوجة عادية بل هي تمثل نموذج الزوجة المثالية وعنوان ومثال الزوجة الصالحة التي جعلت من حياتها الزوجية حياة هادئة مستقرة مطمئنة وسعيدة.
فقد عاشت مع أمير المؤمنين علي بن أبي طالب(ع) ما يقارب التسع سنوات في حياة زوجية ناجحة ومليئة بالسعادة والاطمئنان والانسجام والوئام، رغم الظروف الصعبة التي مرا فيها على الصعيد المعيشي والمالي، وما تحملاه من أعباء على الصعيد الرسالي في مواجهة الانحراف والدفاع عن الاسلام.
كل زوجة ترغب وتتمنى ان تكون حياتها الزوجية حياة ناجحة وان تعيش مع زوجها حياة مستقرة وسعيدة، فما المقومات والعناصر التي تحقق ذلك؟ وما هي القواعد والأساليب التي التزمت بها الزهراء(ع) حتى جعلت من حياتها الزوجية حياة ناجحة ومنسجمة؟.
يمكننا من خلال قراءة بسيطة لحياة الزهراء الزوجية ان نكتشف بسهولة تلك القواعد التي اتبعتها الزهراء في تعاملها مع زوجها أمير المؤمنين (عليه السلام) والتي جعلت من حياتها معه حياة مستقرة وسعيدة .
1-أول تلك القواعد والاساليب، هوتبادل المودة والمحبة بينها وبين زوجها علي(ع):لآن من الأمور المهمة في نجاح الحياة الزوجية هو تبادل المودة والمحبة بين الزوجين، بل ان الهدف الأساسي للزواج هو ان يجد كل من الفتاة والشاب سكنا وملجأ يلجىء اليه ويعيش معه الاطمئنان والمودة والرحمة كما يقول الله تعالى: ﴿وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُم مِّنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجاً لِّتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُم مَّوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ ﴾ فالغاية من الزواج تحقيق الاستقرار النفسي والعاطفي ﴿ لِّتَسْكُنُوا إِلَيْهَا﴾، وهو الأمر الذي ينتج المودة والرحمة ﴿ وَجَعَلَ بَيْنَكُم مَّوَدَّةً وَرَحْمَةً﴾.
وقد كانت الزهراء (عليها السلام) تحب زوجها حبا شديدا، وتحزن وتبكي لفراقه وغيابه محبة له، حيث كان الإمام (عليه السلام) يغيب عنها عندما كان يخرج للجهاد ويبقى خارج البيت مدة طويلة احيانا، فكانت الزهراء تحزن لفراقه هذه المدة حبا له، وعندما يعود كانت تستقبله بوجه بشوش مبتسم مشرق حتى قال (عليه السلام) عنها: (وقد كنتُ أنظر إليها فتنكشف عني الهموم والأحزان).
وكان أمير المؤمنين (عليها السلام) يحبها حباً جماً، فلم يتزوج عليها أحداً طيلة حياتها، وعندما سمع بوفاتها سقط على وجهه قائلاً: (وأما حزني فسرمد، وأما ليلي فمسهد).يعني حزني عليك دائم وساقضي ليلي سهرانا حزينا على فراقك.
2-حسن التبعل للزوج:والمقصود به إطاعة الزوج، وحسن التعامل والعشرة معه، ان تعامل الزوجة زوجها باحترام وثقة وصدق وصراحة ووفاء وهدوء بعيدا عن الكذب والانفعال والغضب والسب والشتم والضرب والخيانة، ان لا تتمرد عليه، ان لا تعصي له امرا يرضي الله، ان لا تخونه، وان تحفظه في حضوره وفي غيابه، وقد كانت السيدة الزهراء تتعامل مع زوجها بهذا السلوك، بالصدق والصراحة والوفاء والثقة والاحترام الكامل، تقول(ع) للإمام علي (ع): "..ما عهدتني كاذبة ولا خائنة ولا خالفتك منذ عرفتك" فقال لها: "أنت أبر وأتقى وأعرف بالله من أن أوبّخك في شيء من ذلك".
هذه الكلمة تحمل العديد من المعاني والقيم ، ونحتاج إلى التأمل فيها عند مراجعة الأزمات التي تعاني منها الأسر اليوم، من تفكك وعنف وازمات ومشاكل متعددة.
فالصدق بين الزوجين مثلا، من أهم مقومات نجاح الحياة الزوجية، ويعد بمثابة طوق نجاة للزوجين من الكثير من المشاكل، لان الصدق بين الزوجين يبني علاقة قوية ومتينة بينهما لا يمكن أن تدمر في يوم من الأيام، حيث يخلق حالة من الثقة والهدوء والود والتفاهم والانسجا/ بين الزوجين، تصوروا لو ان الكذب هو الاسلوب الذي يتعامل به الزوجان مع بعضهما فما الذي يمكن ان يحصل؟! وكم هي المشاكل التي كان يمكن ان تتحكم بالحياة داخل البيت.
اما التعامل بالغضب والانفعال والصراخ فهو دمار للحياة الزوجية، ومع الاسف التعامل بغضب وانفعال من قبل الزوج او من قبل الزوجة هو سلوك عام ملازم لكثير من الرجال والنساء بسبب ظروف الحياة وتعقيداتها، لكن مهما بلغت صعوبات الحياة ينبغي للانسان ان يواجهها بحكمة لا بانفعال، فالغضب يؤثر على الابناء وعلى الحياة الزوجية برمتها اذا زاد عن حده او اذا استمر كسلوك ثابت داخل البيت.
يقول الإمام علي(ع) عن فاطمة(ع): ما أغضبتها مدة حياتي معها ولم تغضبني ولم تعصِ أمري مدة حياتها معي) ويقول(ع) في حديث اخر : فو الله ما أغضبتها ولا أكرهتها على أمر حتى قبضها الله عز وجل إليه، ولا أغضبتني ولا عصت لي امراً، ولقد كنت أنظر إليها فيكشف عني الهموم والأحزان.
هذا هو حسن التبعل ، ويعد حسن التبعل للزوج نوعاً من أنواع الجهاد، فإذا كان جهاد الأعداء واجب على الرجال فإن جهاد المرأة حسن تبعلها لزوجها، إذ يقول الرسول الأعظم (صلى الله عليه وآله): ((جهاد المرأة حسن التبعل لزوجها)). وهكذا يجب أن تكون المرأة المؤمنة، أن تُحسن التبعل لزوجها، وأن تحسن معاشرته، وأن تطيعه فيما يرضي الله تعالى.
3- القيام بالأعمال المنزلية:فرغم مكانة الزهراء (عليها السلام) وعظمتها ومقامها الرفيع كما قلنا في الاسبوع الماضي إلا أنها لم تستنكف عن القيام بالأعمال المنزلية، فكانت تطحن بالرحى حتى مجلت يداها، وكانت تنظف البيت وتطبخ وتعجن وتخبز، فكانت تقوم بالأعمال المنزلية داخل البيت، وكان أمير المؤمنين (عليه السلام) يقوم بمسؤولياته خارج البيت، فكان كل منهما يقوم بما عليه في تعاون وانسجام ومحبة بينهما.
وقيام الزوجة بالأعمال المنزلية وإن لم تكن واجبة على الزوجة إلا أنه يستحب لها القيام بذلك. وتوجد العديد من الروايات التي تحث المرأة على خدمة زوجها، ذكرنا بعضها في الخطبة الماضية، فلا ينبغي للمرأة الزوجة أن تستنكف عن القيام بتلك الأعمال لما فيها من الأجر والثواب، ولما ينتج عنه من ألفة ومودة وتماسك وانسجام داخل الاسرة.
4-مراعاة ظروف الزوج المالية:فان من المهم جدا في الحياة الزوجية أن تراعي الزوجة ظروف زوجها المالية، وقدراته المادية، وعدم إجبار الزوج على شراء أشياء كمالية بما لا يتناسب مع وضعه المادي وان لا تحمله فوق طاقته.
وقد كانت السيدة الزهراء (عليها السلام) لا تكلف زوجها شيئاً، ولا تطلب منه أي شيء، وعندما يعلم أمير المؤمنين (عليها السلام) بعدم وجود طعام كاف في البيت يقول لها: يا فاطمة ألا كنت أعلمتني فأبغيكم شيئاً؟
فتقول (عليها السلام): ((يا أبا الحسن إني لأستحي من إلهي أن تكلف نفسك ما لا تقدر عليه)).
5- التجمل والتزين للزوج :فان من الضروري ايضا أن تهتم الزوجة بزينتها ونظافتها ومظهرها لزوجها، لأن ذلك يزيد من تقوية وتمتين العلاقة الزوجية، أما إهمال هذا الجانب فيؤدي إلى النفور والكراهية بين الزوجين، وربما أدى إلى الانفصال والطلاق.
وقد كانت السيدة الزهراء (عليها السلام) تهتم بهذا الجانب كما تفيد الكثير من الروايات.
ومن الخطأ ما تقوم به بعض النساء من اهتمام بالتزين والتجمل ولبس أجمل الملابس عند ما تخرج من البيت، وإهمال هذا الجانب لزوجها، فهذا التصرف خلاف الحكمة، ويؤدي إلى خراب وفساد الحياة الزوجية.
اليوم اقتداء المرأة المسلمة بسيدة نساء العالمين في سيرتها وحياتها المباركة، في كل هذه الجوانب والتزامها بكل هذه المقومات والقواعد التي التزمت بها الزهراء في حياتها مع علي(ع)، كفيلة بان تحول الحياة الزوجية الى حياة مثالية ناجحة تملئها السعادة والطمائنينة والراحة وهو ما ينبغي ان يسعى اليه كل انسان عاقل.
اليوم أفشل الشعب العراقي كل الرهانات الأميركية في العراق وعبر من خلال مظاهرته المليونية في بغداد عن رفضه الحاسم للوجود الامريكي، وأعلن بشكل واضح ان لا مستقبل للولايات المتحدة في هذا البلد ، والرسالة التي وجهها الشعب العراقي اليوم هي رسالة كل شعوب المنطقة، وهي ان وجود القوات الامريكية في المنطقة هو وجود احتلال واستعمار، وان سياسات الولايات المتحدة في المنطقة هي سياسات معادية ومرفوضة ومنبوذة من قبل هذه الشعوب، ولا يمكن لهذه الشعوب ان تتعايش مع الوجود الامريكي بعد كل الجرائم التي ارتكبتها بحقها في العراق وسوريا وفلسطين ولبنان واليمن وايران وغيرها
اما في لبنان فقد تشكلت الحكومة بارادة وطنية لبنانية بعيدا عن املاءات وتدخلات الخارج.
الحكومة الجديدة امام استحقاقات حقيقية وتحديات جدية، تبدأ بمواجهة الازمات الاقتصادية والمالية والاجتماعية والمعيشية المتفاقمة والخطيرة التي يعاني منها البلد، ولا تنتهي بضرورة اثبات مصداقيتها للداخل والخارج لا سيما فيما يتعلق باجراء الاصلاحات المطلوبة ومحاربة الفساد واستعادة الاموال المنهوبة، وعليها ان تثبت جدارتها وقدرتها على تحمل المسؤولية في مواجهة هذا التحديات التي لا تحتمل التاخير او التاجيل او التعاطي غير الفاعل والجدي.
الحكومة مطالبة باثبات جدارتها وقدرتها على تحمل المسؤولية، وهي معنية بتقديم تجربة مغايرة للتجارب السابقة ونموذج مغاير لما كانت عليه الحكومات السابقة، ويجب ان تقدم بسرعة فائقة انجازات ملموسة تستطيع من خلالها ارضاء اللبنانيين الخائفين على مستقبلهم ومسقبل ابنائهم.
الحكومة امام ختبار العمل كفريق وطني منسجم وفاعل وكل انجاز تحققه هذه الحكومة سيعزز من صدقيتها وجديتها وسيساعدها على قطع الطريق امام المتربصين بها داخليا وخارجيا.
اليوم كل حريص على مستقبل لبنان سواء كان مشاركا اوغير مشارك في الحكومة عليه ان يعطي الفرصة الكافية لهذه الحكومة، وان يساعدها لكي تنجح وتقدم الانجازات لان نجاحها هو نجاح لكل الوطن وانجازاتها هي انجازات لكل اللبنانيين.