الحديث الرمضاني(16) 8-4-2024

“من أجل الأدعية وأعظمها دعاء اليوم الأخير من شهر رمضان المبارك هذا الدعاء الشريف: ”اللهم إنك أرحم الراحمين لا إله إلا أنت تفضلت علينا فهديتنا، ومننت علينا فعرفتنا، وأحسنت إلينا فأعنتنا“.

هذه العناوين الثلاثة تفضلٌ ومنٌ وإحسان، يقابلها هدايةٌ ومعرفة وإعانة .

هذه العناوين تشير الى عناية الله سبحانه وتعالى بعباده وعطفه عليهم ورافته بهم .

العنوان الاول: التفضل وهو الانعام والاكرام والعطاء الحسن بعطف ولطف، بان تنعم على شخص وتمنحه الثواب والعطاء والجزاء الحسن.

وهناك بحث في العقائد، هل أن الثواب تفضُل أم استحقاق؟

مثلا عندما يأتي الأنسان بعمل صالح هل أنه يستحق على الله الثواب؟ أو أنه لا حق للإنسان على الله، إنما الثواب تفضل محض من الله، معظم العلماء يقولون : أن الثواب تفضل محض لأن العبد مملوك وكل عمل يأتي به المملوك فهو من قبيل تسليم الملك الى مالكه.

فالانسان وكل ما يصدر منه هو ملك لله، وبالتالي العمل الصالح هو مجرد تسليم ملك الى مالكه وتسليم الملك الى مالكه لايوجب استحقاق شئ، فاذا أراد الله أن لا يعطيك ثواب على عمل صالح لم يكن ظلما منه عز وجل، وبالتالي إعطاء الثواب على العمل الصالح تفضل محض وليس إستحقاقا.

وكذلك كل ما اعطانا الله اياه فهو تفضل، الوجود، الحياة، الرزق، الثواب..الخ.

تفضلت علينا فهديتنا، قال تبارك وتعالى ﴿الَّذِي أَعْطَى كُلَّ شَيْءٍ خَلْقَهُ ثُمَّ هَدَى﴾ أول مرتبة من مراتب التفضل علينا أنك هديتنا بمعنى أنه زرع في قلوبنا الهداية الفطرية ﴿فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفًا فِطْرَةَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا﴾.

والهداية الفطرية هي عبارة عن ميل الانسان الى خالقه. هناك ميل وجداني وقلبي نحو قوة معينة، حتى الملحد حتى الكافر إذا واجه أزمات ومشاكل وإنسدت الطرق بوجهه يشعر أن في قلبه ميلا نحو قوة خارقة معينة، وهذا التوجه والميل نحو قوة خارقة هو الهداية الفطرية ﴿الَّذِي أَعْطَى كُلَّ شَيْءٍ خَلْقَهُ ثُمَّ هَدَى﴾﴿إِنَّا هَدَيْنَاهُ السَّبِيلَ إِمَّا شَاكِرًا وَإِمَّا كَفُورًا﴾.

العنوان الثاني: هو المن: توالي الفيض، والفضل بعد الفضل ، فمثلا اذا تفضلت على إنسان بعمل من الأعمال فهذا فضل منك اليه ، لكن إن استمريت وداومت في هذا التفضل عليه فهذ منٌّ.

من صفات الله سبحانه، المنان ، يعني الذي يعطي عطاءا متواصلا ومستمرا، فلا ينقطع فضله وعطاءه .

”ومننت علينا فعرفتنا“ المعرفة غير الهداية الفطرية، فالهداية الفطرية هي الميل القلبي نحو الله عزوجل، يأتي بعد ذلك التعرف على الله اي على الذي مال اليه قبلك.

مثلا: كل الناس تتنفس الأكسجين لكن هناك من يلتفت الى أن هذا أكسجين يتنفسه فيبحث عنه ويتعرف عليه، وهناك من لايلتفت، هو يتنفس لكن لا يدرك ماذا يتنفس؟ وماهو هذا الذي يتنفسه؟

ايضا كل الناس عندها ميل فطري نحو الله، لكن هناك من لا يلتفت فلا يبحث عن حقيقة هذه الفطرة، وهناك من يلتفت فيبحث عن حقيقتها يصل الى معرفة الله، لان الذي يلتفت إلى هذا الميل يحاول أن يفهمه ويتعرف عليه، فيبحث ويصل الى معرفة بالله .

العنوان الثالث:الإحسان وهو: مقابلة الإساءة بالعطاء، مثلا: اذا شخص أساء إليك وأنت تقابله بالعطاء، فهذا إحسان ، فنحن يارب أسأنا لك تجرأنا عليك ومع ذلك مازال عطائك مستمرا علينا ”خيرك إلينا نازل وشرنا إليك صاعد، نقابلك بالإساءة وتقابلنا بالإحسان“.

وهذه الصفة هي أعلى مرتبة من مراتب كرم الله وجوده ولطفه بعباده، نتمرد عليه ونسيء اليه ونُصر على الذنوب ، ومع ذلك يغمرنا برحمته ويسعنا بعفوه.

يأتي شهر رمضان شهر الرحمة شهر المغفرة شهر التوبة شهر الإنابة، ومع ذلك الإنسان يفعل المعصية في شهر رمضان يصر على الطغيان والتمرد ومع هذا كله يخاطبه الله ﴿قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِن رَّحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ﴾ هذا هو الإحسان هذا هو نهاية الإحسان ”.

وأحسنت إلينا فأعنتنا“ أعنتنا على على مواجهة التحديات والازمات ومشاكل الحياة ، اعنتنا على أداء ما التكاليف والواجبات والمسؤوليات اعنتنا على صيام شهر رمضان، فهي نعمة أن يمر على الإنسان شهر رمضان وقد أدى هذه الفريضة ، واستفاد من هذه الفرصة العظيمة فدخل في السعداء ، فهذه نعمة من نعم الله التي تستحق الحمد، فلك الحمد بمحامدك كلها على جميع نعمائك كلها حتى ينتهي الحمد الى ماتحب وترضى.