الحديث الرمضاني(11) 28-3-2024 علم الأئمّة بالغيب

قلنا ان علم الغيب بالرغم من انه منحصر بالله الا ان الله قد يطلع غيبه على من ارتضى من رسله وانبياءه (عَالِمُ الْغَيْبِ فَلَا يُظْهِرُ عَلَى غَيْبِهِ أَحَدًا إِلَّا مَنِ ارْتَضَى مِنْ رَسُولٍ) غايته ان علم الله بالغيب ذاتي واستقلالي بينما علم الانبياء بالغيب ليس استقلاليا وانما بتعليم من الله.

وبناءً على ذلك فان علم الأئمة بالغيب هو أمر ممكن وذلك: اما بتعليم من الله، او بتعليم من رسول الله حسب ما تقتضيه الحكمة والحاجة.

وقد ورد في الروايات ما يؤكّد ذلك :
فقد ورد اولا: ان أئمّة اهل البيت عليهم السلام لو ارادوا ان يعلموا الغيب لعلموا، ولكن لا على نحو الاستقلال وانما بتعليم من الله ، بطرق خاصة ، عن طريق الإلهام مثلا.

١- فعن الإمام الصادق عليه السلام لمّا سُئلَ: هل يعلَمُ الإمامُ بالغَيب؟ قال: «لاَ، وَلكِنْ إذا أرادَ أنْ يَعْلَمَ الشيءَ أعْلَمَهُ اللهُ ذلك.

٢- وسئل رجل من اهل فارس الإمام الرضا عليه السلام فقال له: أتعلمون الغيب؟ فقال: قال أبو جعفر يعني الامام الباقر عليه السلام: يبسط لنا العلم فنعلم ويقبض عنا فلا نعلم.

٣ - وعن الامام الصادق عليه السلام قال: إن الامام إذا شاء أن يعلم علم.

٤ - وعنه عليه السلام قال: إن الامام إذا شاء أن يعلم اعلم .

٥ - وعنه عليه السلام قال: إذا أراد الامام أن يعلم شيئا أعلمه الله ذلك.

اذن: الامام يمكنه ان يعلم الغيب بتعليم من الله بالطرق الخاصة كطريق الإلهام الالهي.

ثانيا: ورد في الروايات ان الامام يمكنه ان يعلم الغيب بتعليم من النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) فعن النبي الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم: " ما من أرض مخصّبة ولا مجدبة، ولا فئة تضلّ مئة وتهدي مئة إلاّ أنا أعلمها، وقد علَّمتها أهل بيتي . ".

ثالثا: دلت الروايات على ان الائمة ورثوا علم الغيب من النبيّ (صلى الله عليه وآله وسلم )

فقد اكدت بعض الروايات ان أهل البيت عليه السلام ورثوا عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في جملة ما ورثوه عنه، ما يتعلّق بعلم الغيب.

1-فعن الإمام الرضا عليه السلام في جواب عمرو بن هذّاب، حينما نفى عن الأئمّة عليه السلام علم الغيب متذرّعًا بأنّ الغيب لا يعلمه إلاّ الله تعالى، قال عليه السلام: "أوليس الله يقول: ﴿ عَالِمُ الْغَيْبِ فَلَا يُظْهِرُ عَلَى غَيْبِهِ أَحَدًا إِلَّا مَنِ ارْتَضَى مِن رَّسُولٍ﴾ فرسول الله عند الله مرتضى، ونحن ورثة ذلك الرسول الذي أطلعه الله على ما شاء من غيبه، فعلمنا ما كان، وما يكون إلى يوم القيامة.

2-وعن عبد الله بن جندب أنّه كتب إليه أبو الحسن الرضا عليه السلام: "أمّا بعد، فإنّ محمّدًا صلى الله عليه وآله وسلم كان أمين الله في خلقه، فلمّا قبض صلى الله عليه وآله وسلم كنّا أهل البيت ورثته، فنحن أُمناء الله في أرضه، عندنا علم البلايا والمنايا، وأنساب العرب، ومولد الإسلام، وإنّا لنعرف الرجل إذا رأيناه بحقيقة الإيمان، وحقيقة النفاق، وإنّ شيعتنا لمكتوبون بأسمائهم وأسماء آبائهم، أخذ الله علينا وعليهم الميثاق، يردون موردنا، ويدخلون مدخلنا، ليس على ملّة الإسلام غيرنا وغيرهم. نحن النجباء النجاة، ونحن أفراط الأنبياء، ونحن أبناء الأوصياء، ونحن المخصوصون في كتاب الله عزّ وجلّ، ونحن أولى الناس بكتاب الله، ونحن أولى الناس برسول الله صلى الله عليه وآله وسلم...".

3- وعن ضريس الكناسي قال: كنت عند أبي عبد الله الصادق عليه السلام وعنده أبو بصير، فقال أبو عبد الله عليه السلام: "إنّ داود عليه السلام ورث علم الأنبياء عليهم السلام، وإنّ سليمان عليه السلام ورث داود عليه السلام، وإنّ محمّدًا صلى الله عليه وآله وسلم ورث سليمان عليه السلام، وإنّا ورثنا محمّدًا صلى الله عليه وآله وسلم، وإنّ عندنا صحف إبراهيم عليه السلام وألواح موسى عليه السلام...

واضافة الى ذلك هناك العديد من الروايات التي دلت على ان الامام علي والائمة من بعده قد علموا بالفعل بعض الاسرار الغيبية واعلنوا عن ذلك.

وربما بهذا المعنى هم يطلعون على اعمالنا حيث تعرض اعمالنا عليهم الاعمال، السيئة والحسنة، والاعمال الطيبة والقبيحة والاعمال الخيرة والشريرة، وما ظهر منها وما خفي وطبعا اطلاع النبي(ص) والائمة على الاعمال ليس بالضرورة ان يكون بالطرق العادية والطبيعية اي عن طريق المشاهدة والرؤية الحسية والبصرية، لأن الكثير من الأعمال لا يمكن للنّبي (ص) والائمة ان يعلموا بها بالطرق العادية الطبيعية وعن طريق الرؤية البصرية، إما لانهم ماتوا او لأنّ أكثر المعاصي والأعمال المنحرفة ترتكب في السر، وتبقى مستترة عن الأنظار ولا يعلم بها احد، بل إنّ الكثير من أعمال الخير أيضاً تُعمل في السرّ، وتحاط بالكتمان. ولذلك اطلاع النبي(ص) والائمة على الاعمال وانما يكون عن طريق عرض أعمال الأمة على النبي (صلى الله عليه وآله) والأئمة (عليهم السلام)، بحيث أنّ الله تعالى يعرض أعمال الامة بطرق خاصّة عليهم، فيطلعون عليها ويعلمون بها.

وقد وردت رّوايات كثيرة تدل على ذلك:
فعن الإِمام الباقر (ع): " إنّ أعمال العباد تُعرض على نبيّكم كلّ عشيّة خميس،فليستحْي أحدكم أن يعرض على نبيّه العمل القبيح " .

وطبعا الاعتقاد والايمان بحقيقة ان الله ورسوله والائمة يطلعون على اعمال الناس والامة، له أثر تربوي عميق على سلوك الانسان ووعلى اعماله وتصرفاته ونياته واستقامته ، لإنّ الإِنسان - عادة - إِذا شعر بأنّ أحداً عاديا يراقبه ويتابع خطواته وحركاته وسكناته، فإنَّه ينتبه الى سلوكه وتصرفاته ويحاول أن يتصرّف تصرفاً صحيحا ، ويسعى كي تكون اعماله وخطواته في الطريق الصحيح وفي خط الاستقامة، حتى لا يؤاخذه من يراقبه على تصرفاته واعماله، فكيف إِذا عرف الانسان واعتقد بأنَّ الله ورسوله والائمة(ع) يطلعون على أعماله وتصرفاته فانه بالتأكيد يصبح اكثر حرصا على ان يكون سلوكه مستقيما وان تكون اعماله صحيحة .

إِذا علم الانسان المؤمن أنّ الله الموجود في كل مكان هو معه يواكبه ويراقبه ويطلع على تصرفاته واعماله، ومعه النبي (ص) والائمة (ع) يطلعون ايضا على كل أعماله، الحسنة والسيئة، والخفية والعلنية، في كل يوم، أو في كل أسبوع، فلا شك أنّه سيكون أكثر مراقبة ورعاية لما يصدر منّه من أعمال وتصرفات، وسيحاول ان يتجنب السيئات والمحرمات والمعاصي ما أمكن، تماماً كما لو علم العاملون في مؤسسة ما بأنّ تقريراً يومياً أو أسبوعياً سيرفع عن أعمالهم إِلى المسؤولين ليطلعوا عليها .