الصفحة الرئيسية
مجالات الصدق (9)
- 21 حزيران/يونيو 2016
- الزيارات: 4723
الشيخ دعموش في الحديث الرمضاني 21-6-2016: الصدق مع الله يعني الإلتزام بالعهد مع الله والتقوى والاستقامة والأخلاق التي أمر الله بها.1-الصدق مع الله:الصدق مع الله هو أن يلتزم الإنسان بما عاهد الله عليه عندما آمن به وبدينه, لأن الإيمان عهد بين الإنسان وبين الله على القيام بكل ما أمر الله به والإبتعاد عن كل ما نهى الله عنه, بحيث يحب ما يحب، ويكره ما يكره، ويفعل ما يأمر.
﴿ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ فَمِنْهُمْ مَنْ قَضَى نَحْبَهُ وَمِنْهُمْ مَنْ يَنْتَظِرُ وَمَا بَدَّلُوا تَبْدِيلًا * لِيَجْزِيَ اللَّهُ الصَّادِقِينَ بِصِدْقِهِمْ وَيُعَذِّبَ الْمُنَافِقِينَ إِنْ شَاءَ أَوْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ كَانَ غَفُورًا رَحِيمًا ﴾ الأحزاب: 23، 24.
فعندما يلتزم الإنسان ما عاهد الله عليه, ويلتزم بالإيمان والتقوى والاستقامة والأخلاق التي أمر الله بها, يكون صادقاً مع الله, وعندما يسعى الإنسان جاهداً لما يرضي الله ويقوم بالأعمال والواجبات والمسؤوليات والمواقف والسلوك الذي أمر الله به يكون صادقاً مع الله، كما في قال الله تعالى: (لَيْسَ الْبِرَّ أَنْ تُوَلُّوا وُجُوهَكُمْ قِبَلَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ وَلَكِنَّ الْبِرَّ مَنْ آَمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآَخِرِ وَالْمَلَائِكَةِ وَالْكِتَابِ وَالنَّبِيِّينَ وَآَتَى الْمَالَ عَلَى حُبِّهِ ذَوِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ وَالسَّائِلِينَ وَفِي الرِّقَابِ وَأَقَامَ الصَّلَاةَ وَآَتَى الزَّكَاةَ وَالْمُوفُونَ بِعَهْدِهِمْ إِذَا عَاهَدُوا وَالصَّابِرِينَ فِي الْبَأْسَاءِ وَالضَّرَّاءِ وَحِينَ الْبَأْسِ ثم قال سبحانه بعد هذه الأوصاف كلها: أُولَئِكَ الَّذِينَ صَدَقُوا وَأُولَئِكَ هُمُ لْمُتَّقُونَ) {البقرة: 177}.
فالمتصفون بهذه الصفات أولئك هم { الَّذِينَ صَدَقُوا } في إيمانهم، لأن أعمالهم صدقت إيمانهم وجاءت منسجمة مع إيمانهم .والكاذب هو الذي لا يعمل بما عاهد الله عليه ولا يفي بالتزاماته أمام الله.
أ-ومن الصدق مع الله, الصدق في النية, بمعنى أن يكون الإنسان مخلصا لله في عباداته وطاعاته وأعماله بحيث يكون القصد والدافع والباعث والغاية والهدف منها هو الله وليس طلب الجاه او السمعة او الثناء والمديح او ما شابه ذلك , فالصلاة لله وليس رياءّ, والصيام لله وليس رياءً, والإحسان للناس لله وليس لكي يمدحه الناس, وهكذا كل الأعمال اذا عملها الإنسان خالصة لله عز وجل، فهو صادق النية, فصدق النية هو تعبير عن الاخلاص في النية لله تعالى وتجريدها من أي شيء آخر سوى الله, ﴿ وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ ﴾ [البينة: 5.
ب-ومن الصدق مع الله أيضاً, الصدق في الأعمال التي يؤديها الإنسان لله, بمعنى أن يكون هناك تطابق بين الباطن والظاهر وتساوي بين سريرة الإنسان وعلانيته. وهذا أعلى مراتب الإخلاص لله, فالصادق في أعماله هو الذي يخشع مثلاً في صلاته في الظاهر ويكون باطنه خاشعاً لله أيضاً, يظهر الخوف من الله ويكون داخله وباطنه خائفاً من الله, يصلي لله ويتعبد لله في الظاهر ويكون قصده وباطنه طاعة الله والحصول على ثوابه وليس شبئاً آخر, يتناهى ويبتعد عن المنكرات في العلن وأمام الناس وكذلك في السر لأنه يخاف الله وغضبه وعقابه..وهكذا,فباطن الإنسان ينبغي أن يكون كعمله الظهري وما يضمره في داخل سريرته ينبغي أن يكون منسجماً ومتطابقاً مع عمله العلني بل الباطن يجب أن يكون خير من الظاهر, لأن الأعمال والأفعال الظاهرة لا تدل على حسن الباطن, فقديكون فعل الإنسان حسن وعمله جيد ولكن باطنه شيء آخر, فلا ينبغي أن يغتر الإنسان بأفعال البعض فربما كان أداؤه للصلاة ليس الخوف من الله وليس مرضاة الله والحصول على ثوابه بل الوصول الى غايات ومنافع ومصالح معينة فمثل هذا يكون كاذباً وليس صادقاً في أعماله.
يقال أن أن عبدالله بن الزبير توسط لدى زوجة عبدالله بن عمر أن تكلم زوجها كي يبايعه بالخلافة, فكلمته في ذلك وقالت له: هذا الرجل كثير الصلاة والصيام والقيام في الليل وهو جدير بالمبايعة لتقواه, فقال لها: أما رايت البغلة الشهباء التي كنا نراها تحت معاوية بالحج اذا قدم مكة؟ قالت: بلى قال: فإياها يطلب إبن الزبير بصومه وصلاته. هذا من الإغترار بالأفعال وقبيح باطنه.
ومن طرائف الرياء والمرائين ما قيل:إن أعرابياً دخل المسجد، فرأى رجلاً يصلي بخضوع وخشوع ، فأعجبه ذلك، فقال له: نعم المصلي أنت, فقال الرجل : وأنا مع ذلك صائم، فإن صلاة الصائم، تضعف صلاة المفطر.فقال له الأعرابي: تفضل واحفظ ناقتي هذه، فإن لي حاجة حتى أقضيها, فخرج لحاجته، فركب المصلي ناقته وخرج بها فلما قضى الأعرابي حاجته، رجع ولم يجد الرجل ولا الناقة، فطلبه فلم يقدر عليه, فتبين أن الرجل سرق الناقة، فخرج وهو يقول:
صَلَّى فَأَعْجَبَنِي وَصَامَ فَرَابَنِي * نَحِّ الْقَلُوصَ عَنْ الْمُصَلِّي الصَّائِمِ.
القلوص: الناقة.
وقال بعضهم :
صلى وصام لأمر كان يطلبه لما حوى الأمر لا صلى ولا صاما
اذن مثل هذا كاذب في أعماله وليس صادقاً هو يضحك على الناس في صلاته وعبادته وخشوعه للوصول الى أهدافه.
ج-ومن جملة الصدق في الأعمال ليس موافقة الباطن للظاهر والسر للعلن فقط بل أيضاً موافقة ومطابقة القول والفعل في مجال الأمر بالمعروف والنهي عن المنكروالوعظ والإرشاد, فاذا طابق قوله فعله كان صادقاً, وإلا فهو كاذب, فمن أمر بالمعروف ولم يأتمر ونهى عن المنكر ولم ينته ووعظ الناس وهو لا يتعظ كان كاذباً.
مثل الحجاج بن يوسف, ينقل بعض المحدثين يقول: سمعت الحجاج يقول في بعض خطبه: ان امراءاً ذهبت ساعة من عمره في غير ما خلق الله لخليق أن تطول حسرته. مع أن الحجاج كانت معروفاً ببطشه وجرائمه وسوء أفعاله حتى أنه لم تذهب ساعة من عمره إلا فيما يسخط الله تعالى.