كلمة في احياء الليلة التاسعة من رمضان في مجمع السيدةزينب(ع) 15-5-2019

كلمة القيت في احياء الليلة التاسعة من شهر رمضان المبارك 15-5-2019 في مجمع السيدة زينب(ع) ونقلت مباشرة عبر قناتي المنار والصراط .

       يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ارْكَعُوا وَاسْجُدُوا وَاعْبُدُوا رَبَّكُمْ وَافْعَلُوا الْخَيْرَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ

 نواجه اليوم اضافة الى الاستهداف السياسي والاقتصادي وفرض العقوباتتحديا واستهدافا اخلاقيا وسلوكيا واجتماعيا، وهو اخطر من الاستهداف السياسي والاقتصادي والعسكري، فالعدو وبعدما فشل في تدمير مجتمعنا عسكريا، يتجه لافساد مجتمعنا وشبابنا وشاباتنا وأجيالنا أخلاقيا وسلوكيا واجتماعيا من خلال إغراقهم بالملذات والشهوات وتوريطهم بالمخدرات، وضرب الحياء والعفة والحشمة لدى نسائنا وفتياتنا وصولاً الى العمل على انحلال المجتمع وإبعاده عن القيم والأخلاق والفضيلة والاستقامة  

وهذا النوع من الاستهداف لا يمكن مواجهته واحباطه واحباط اهدافه الا اذا قمنا بتحصين انفسنا وأولادنا واجيالنا إيمانيا وأخلاقيا وسلوكيا. وتربية هؤلاء على القيم والخصال الانسانية والصفات الجميلة والنبيلة التي تحلى بها العظماء والقادة من الانبياء والاولياء والمعصومين والعلماء والصالحين والشهداء.

من هنا يقع على عاتق الآباء والأمهات والعلماء والنخب والمؤسسات التربوية وغيرها إضافة الى تعزيز القيم الروحية .. تعزيز القيم الاخلاقية لدى ابنائنا وأجيالنا وفي داخل الاسرة وفي المجتمع، فالاخلاق وحسن الخلق والتعامل الحسن مع الناس كما انه ضرورة تربوية واجتماعية وعنصر من عناصر التحصين في مواجهة التحديات والاستهدفات السلوكية هو وسيلة من وسائل التقرب الى الله سبحانه وتعالى لا سيما في هذا الشهر الشريف.

الخلق الحسن وكل مفرداته ومصاديقه مثل: المحبة, الرحمة, التودد للناس, احترام الناس، مواجهة الناس بالإبتسامة, التواضع، العفو، التسامح، خدمة الناس, الصبر على أذاهم، التقيد بالقوانين واحترامها, الحفاظ على النظام العام، الحفاظ على النظافة الترتيب الاناقة الصدق، الأمانة، العفة الاحتشام الستر الحجاب التعاون التكافل هي وسائل توصل الانسان الى الله  بل هي من أهم وسائل التقرُّب إلى الله، ونيل رضاه والحصول على الثواب والأجر والفضل والكرامة من الله، تماماً كما هي العبادات والمستحبات ومفرداتها ومصاديقها وسيلة للتقرب إلى الله ونيل رضاه.

المؤمنون يقبلون ويتنافسون على القيام بالعبادات والفرائض والنوافل وسائر المستحبات لا سيما في هذا الشهر المبارك لمعرفتهم بفضل هذه الأعمال وعظيم أجرها وثوابها، لكن لا ينبغي تجاهل أهمية القيم الأخلاقية والسلوكية وفضل وثواب وأجر التحلي بها وتربية النفوس والأجيال عليها.. فهي أيضاً مما ينبغي التنافس عليه بين المؤمنين, فكما يتنافس المؤمنون ايهم اكثر خشوعا في الصلاة وايهم اكثر تأدية للنوافل والمستحبات وايهم قراءة للقرآن وايهم يختم القرآن اكثر ،ينبغي أن يتنافسوا من يكون منهم أكثر صدقاً ومن يكون أكثر وفاءاً أو أمانة أو احتراماً للآخرين ، من يكون أشدَّ صبراً أو تحملاً لإساءات الآخرين من يكون اكثر ثباتا في مواجهة التحديات والتهديدات والتهويل، والصبر على الاذى والحصار والعقوبات ،من يكون اكثر حرصا على حقوق الناس وأموالهم ومصالحم ،ومن اكثر خدمة للناس وسعيا في قضاء حوائجهم، ومن اكثر التزاما بالقوانين ومن اكثر محافظة على النظام العام والنظافة والترتيب والاناقة وهكذا..

فان لكل هذه القيم الاخلاقية فضلا وثوابا لا يقل عن فضل وثواب الكثير من العبادات، بل ربما يكون لبعض الصفات الأخلاقية والسلوكيات الأخلاقية أرجحية على بعض العبادات, فربما يكون فضل بعض الخصال الاخلاقية وثوابها أعظم وأجرها أكبر من بعض العبادات.

فحن نقرأ في الروايات ان من حسن خلقه مع الناس أعطاه الله درجة الصائم القائم ودرجة  المجاهد المقاتل في سبيل الله الذي يدافع عن اهله ووطنه، بل قد يعطيه ما هو اعظم درجة من ذلك وهو ضعيف العبادة.

فعن رسول الله (ص): (من حسن خلقه بلّغه الله درجة الصائم القائم).

وعن الإمام الصادق (ع): إنّ الله تبارك وتعالى ليعطي العبد من الثواب على حسن الخلق كما يعطي المجاهد في سبيل الله.

وعن رسول الله (ص): (إن العبد ليبلغ بحسن خلقه عظيم درجات الآخرة وشرف المنازل وإنه لضعيف العبادة).

وعنه الامام الصادق (ع): "مَا يَقْدَمُ الْمُؤْمِنُ عَلَى الله عَزَّ وَجَلَّ بِعَمَلٍ بَعْدَ الْفَرَائِضِ أَحَبَّ إِلَى الله تَعَالَى مِنْ أَنْ يَسَعَ النَّاسَ بِخُلُقِهِ.

وعن النبي (ص): "ما من شيء أثقل في الميزان من خلق حسن.

وعنه (ص): إنّ أحبّكم إليّ وأقربكم منّي يوم القيامة مجلساً، أحسنكم خلقاً وأشدكم تواضعاً.

وهناك خصوصيّة لحسن الخلق في شهر رمضان، عبّر عنها رسول الله (ص)بقوله: مَنْ حَسَّنَ مِنْكُمْ فِي هَذَا الشَّهْرِ خُلُقَهُ كَانَ لَهُ جَوَازاً عَلَى الصِّرَاطِ يَوْمَ تَزِلُّ فِيهِ الأقْدَامُ.

هذا ما يناله الانسان على حسن الخلق بشكل عام، اما عندما نأتي الى بعض الخصال والصفات والمفردات الاخلاقية والسلوكية سنجد ان لبعضها ايضا فضلا كبيرا واجرا عظيما قد يفوق اجر وثواب بعض العبادات.

فالتبسم بوجه أخيك الانسان وملاقاته بالبشر وطلاقة الوجه مثلا او ادخال السرور على قلبه وتفريج همه وغمه مثلا، هو من احب الاعمال الى الله.

 فعن الامام الباقر(ع) قال: تبسم الرجل في وجه أخيه حسنة، وصرفه القذى عنه حسنة( كناية عن دفع الأذى عنه) وما عبد الله بشئ أحبُّ إلى الله من إدخال السرور على المؤمن، بان تفرحه بكلمة طيبة او بقضاء حاجته اوبمعالجة مشكلته او بنصرته في الحق او بما شاكل ذلك..

ايضا خدمة الناس وقضاء حاجاتهم مثلا لها فضل ايضاعلى بعض العبادات.

 فعن الامام الصادق (عليه السلام) قال: قَضَاءُ حَاجَةِ الْمُؤْمِنِ خَيْرٌ مِنْ عِتْقِ أَلْفِ رَقَبَةٍ وَخَيْرٌ مِنْ حُمْلانِ أَلْفِ فَرَسٍ فِي سَبِيلِ الله.

وعنه (عليه السلام): لَقَضَاءُ حَاجَةِ امْرِئٍ مُؤْمِنٍ أَحَبُّ إِلَى الله مِنْ عِشْرِينَ حَجَّةً كُلُّ حَجَّةٍ يُنْفِقُ فِيهَا صَاحِبُهَا مِائَةَ أَلْفٍ

 وعنه عليه السلام ايضا قال: "مشي المسلم في حاجة المسلم خير من سبعين طوافاً بالبيت الحرام..

وقال(ع)ايضا: ما من مؤمن يفرج عن أخيه المؤمن كربة إلا فرج الله عنه كربة من كرب الآخرة, وما من مؤمن يعين مظلوما إلا كان ذلك أفضلَ من صيام شهر واعتكافه في المسجد الحرام.

 ايضا فضل الحياء والعفاف، يعني العفّة في الالتزام والتشدد بالستر والحجاب، والعفّة عن الشهوات والملذات، والعفّة عن أكل الحرام، فضل العفة فضل عظيم قد يفوق فضل بعض المستحبات.

 فعن الإمام علي عليه السلام: "أفضل العبادة العفاف.

 في حديث اخر عنه(ع)  "طوبى لمن تحلّى بالعفاف

"في حديث ثالث عنه عليه السلام ايضا مَا الْمُجَاهِدُ الشَّهِيدُ فِي سَبِيلِ اللهِ بِأَعْظَمَ أَجْراً مِمَّنْ قَدَرَ فَعَفَّ، لَكَادَ الْعَفِيفُ أَنْ يَكُونَ مَلَكاً مِنَ الْمَلاَئِكَةِ.

.وفي حديث عن الإمام الصادق عليه السلام: "لا إيمان لمن لا حياء له".

 وعن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: "من لم يكن له حياءٌ في الدنيا لم يدخل الجنّة.

نقرأ في فضل النظافة والاناقة ايضا ما روي عن الرسول الأكرم (ص): "تنظّفوا بكل ما استطعتم؛ فإنّ الله تعالى بنى الإسلام على النظافة، ولن يدخل الجنّة إلا كلّ نظيف".

وذمّت الروايات أولئك الذين يؤذون الناس بوضع النفايات والاوساخ في الشوارع والطرقات العامّة. ففي الحديث عن النبي الأكرم (ص): "مَنْ سَلَّ سَخِيمَتَهُ(يعني اجلكم الله فتح المجارير والقاذورات) عَلَى طَرِيقٍ عَامِرٍ مِنْ طَرِيقِ الْمُسْلِمِينَ، فَعَلَيْهِ لَعْنَةُ اللَّهِ وَالْمَلائِكَةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ ".

وفي مقابل ذلك حثّت الروايات على إزالة ما يؤذي المسلمين في الطرقات العامّة مثل العوائق التي توضع على الارصفة وتعيق حركة الناس او البسطات او الحفريات التي تفتح ولا تغلق او التعدي على الارصفة والطرقات العامةمن قبل بعض المحال التجارية او المطاعن والمقاهي. فعن النبي (ص): "إنّ على كلِّ مسلم في كلِّ يوم صدقةً. قيل: من يطيق ذلك يا رسول الله؟

قال (ص): إماطتك الأذى عن الطريق صدقة" يعني ازالة وابعاد وتنحية كل ما يلحق الأذى بالمارة لها ثواب واجر وفضل الصدقة.

اذن في الآخرة قد يكون ثواب حسن الخلق والسلوكيات الاخلاقية والصفات الاخلاقية والانسانية تفوق فضل وثواب بعض العبادات والطاعات والمستحبات والنوافل ولذلك ينبغي الاهتمام بها وتربية النفس عليها والتنافس فيها تماما كما يتنافس المؤمنون في أداء العبادات والطاعات.

هذا كله في الآخرة، أما ثمرة ونتيجة حسن الخلق في الدنيا فهي عظيمة ايضا:

1-فحسن الخلق ينمي الرزق ويؤنس الصحبة: فعن الإمام عليّ (ع): حسن الأخلاق يدرّ الأرزاق ويؤنس الرفاق.

2-يعمر الديار ويطيل العمر: عن الإمام الصادق (ع): إنّ البرّ وحسن الخلق يعمران الديار ويزيدان في الأعمار.

3- يكسب الانسان محبة الناس له: فعن رسول الله(ص):حسن الخلق يثبت المودّة.

وعن علي عليه السلام: "من حسن خلقه كثر محبّوه وأنست النفوس به.

وعنه عليه السلام: "أرضى الناس من كانت أخلاقه رضيّة.

وعنه عليه السلام: "من حسنت خليقته طابت عشرته.

4-حسن الخلق قد ينقذ صاحبه من القتل ويشفع له في المواقف الصعبة:

فقد روي عن عليٍّ بن الحسين (ع) ان أمير المؤمنين (ع) قتل أثنين من ثلاثة اشخاص كانوا قد خططوا لاغتيال النبي(ص) فلما اراد ان يقتل الثالث نزل جبرئيل(ع)على النبيّ (ص)وقال:

 يا محمّد إنّ ربّك يُقرئك السلام ويقول: لا تقتله فإنّه حسن الخُلق سخيٌّ في قومه

 فقال النبيّ (ص): يا عليّ أمسك فإنّ هذا رسول ربّي عزَّ وجلَّ يُخبرني أنّه حسن الخُلق سخيٌّ في قومه.

 فقال الرجل وهو تحت السيف: هذا رسول ربِّك يُخبرك بذلك؟ قال: نعم، قال: والله ما ملكت درهماً مع أخ لي قطّ ولا قطَّبتوجهي في الحرب، فأنا أشهد أن لا إله إلّا الله وأنّك رسول الله.

 فقال رسول الله (ص): هذا ممّن جرّه حسن خُلقه وسخاؤه إلى جنّات النعيم.