كلمة في اللقاء العلمائي الاسلامي والمسيحي نصرة للقدس في صيدا 12-12-2017

كلمة في اللقاء العلمائي الاسلامي والمسيحي نصرة للقدس الذي دعت اليه مراكز الامام الخميني الثقافية  في مجمع السيدة الزهراء فيصيدا 12-12-2017.نجتمع هنا لنصرة القدس التي هي أعظم وأخطر قضية تواجه الأمة وتضعها وتضعنا جميعا أمام اختبار حقيقي، فإما أن نكون بمستوى التكليف والمسؤولية وإما أن نسقط في في هذا الإختبار الصعب والخطير كما سقط البعض .

 

اليوم وأمام العدوان الأمريكي الجديد على القدس المتمثل باعلانها عاصمة للكيان الصهيوني لا بد من وضع النقاط على الحروف: فما حصل هو نتيجة التخاذل والتنازل والإستسلام والإنحدار العربي الذي وصل الى أدنى مستويات الضعف والعجز، وكان متوقعا في ظل هذا الوهن وأمام سعي البعض في السر والعلن  للتواصل والتطبيع مع العدو الاسرائيلي أن يتجرأ الرئيس الأمريكي ويعترف بالقدس عاصمة لإسرائيل ولم يكن ذلك مفاجئا.

ولذلك القرار الأمريكي هو بالدرجة الأولى إستخفاف بالرؤوساء والملوك والأمراء العرب، وإهانة لمشاعر مئات ملايين المسلمين والمسيحيين، وانتهاك متعمد وصارخ لحرمة المقدسات الإسلامية والمسيحية في القدس، لحرمة المسجد الأقصى وكنيسة القيامة.

هذا القرار هو عدوان خطير على الأمة والمقدسات ولا يجوز أن يمر أو تتم لفلفته أو التهوين من خطورته أو مواجهته بكلمات وخطابات الشجب والإستنكار الضعيفة على الطريقة التي سمعناها في اجتماع وزراء خارجية الجامعة العربية من معظم الوزراء المتحدثين ، بل يجب أن تُجبر الولايات المتحدة الأمريكية بكل الوسائل والإجراءات الرادعة المتاحة على التراجع عنه، لأنه إذا نجح ترامب في هذه الخطوة وتم تمريرها بالسكوت او بالتواطؤ أو باللامبالاة والتخلي عن المسؤوليات، فإن من المتوقع أن تتسارع الخطوات الإسرائيلية للإستيلاء على كل شيْ في فلسطين والقدس والتوسع في عمليات الإستيطان وشطب حق العودة، وصولا الى وضع اليد على المسجد الأقصى وسائر المقدسات.

بإمكان العرب والمسلمين أن يحّولوا ما حصل إلى فرصة كبيرة لإعادة تصحيح المواقف وتسوية النزاعات والصراعات في المنطقة لمصلحة القدس وفلسطين.

العرب والمسلمون بعد قرار ترامب أمام فرصة حقيقية للملمة صفوفهم والتوحد وإعادة الثقة في العلاقات بين الدول الاسلامية ووقف الحروب والصراعات التي عُمل على تشكيلها بين أكثر من محور وبين أكثر من دولة والبحث عن حلول وعن مواطن التلاقي والتعاون؛ لأن القدس التي هي أقدس قضية في عصرنا في خطر حقيقي وتحتاج إلى تظافر الجهود كلها.

اليوم كل الدول الاسلامية والعربية أمام فرصة حقيقية لتجميد صراعاتها والتلاقي والتعاون فيما بينها من أجل القدس.

وفي المقابل يجب عزل الولايات المتحدة الأمريكية وليس اسرائيل فقط لأن القرار كان قراراً أمريكياً وليس اسرائيلياً فقط. يجب عزل الولايات المتحدة من قبل الدول العربية والاسلامية، وأن تتوقف الاتصالات واللقاءات مع المسؤولين الأمريكيين وأن يتم رفض استقبالهم كما فعل شيخ الأزهر وبعض المرجعيات السياسية.

يجب أن تتصاعد الاحتجاجات داخل فلسطين وخارجها وصولاً إلى انطلاق انتفاضة ثالثة شاملة؛ لأن انتفاضة الشعب الفلسطيني على الاحتلال في الداخل هي أهم وأخطر وأعظم رد على القرار الأمريكي كما قال سماحة الأمين العام بالأمس.. وعلى العالم العربي والاسلامي أن يقدم الدعم السياسي والاعلامي والمالي والعسكري للشعب الفلسطيني إذا ما قرر إطلاق هذه الانتفاضة.

 كما أن على الشعوب العربية والإسلامية أن تصعد من احتجاجاتها على امتداد العالم وأن تواكب انتفاضة الداخل باستنهاض عارم ومؤثر في الخارج لمواجهة القرار الأمريكي بما يجعل ترامب يندم ويتراجع عن هذا القرار.

وأيضا يجب أن لا  يتكرر مشهد الضعف الذي حصل في اجتماع وزراء الخارجية العرب في قمة منظمة التعاون الاسلامي عدا  في اسطنبول. على قادة الدول الاسلامية في هذه القمة اتخاذ اجراءات وقرارات رادعة وحقيقية تجبر الولايات المتحدة للعودة عن قرارها، بدءاً بقرار قطع العلاقات مع اسرائيل لمن يقيم علاقات معها، وطرد السفراء ووقف الاتصالات السرية والعلنية معها، ووإصدار قرار ملزم للدول الإسلامية بمنع التطبيع مع العدو واعتباره جريمة بحق القدس وفلسطين. والاعلان عن وقف المفاوضات لمن كان يؤمن بها حتى العودة عن القرار.

الشعوب العربية والاسلامية تتطلع إلى قمة منظمة التعاون غداً في اسطنبول، وتأمل بأن يقترب القادة والحكام والرؤساء والزعماء ولو لمرة واحدة من  تطلعات شعوبهم وآمالها وطموحاتها...

بعد الذي جرى لا يتصورنّ أحد أن بإمكان العرب والمسلمين أن يستعيدوا القدس وفلسطين عن طريق المفاوضات والتنازلات والمبادرات، لا يمكن أن تتحرر القدس إلا بالمقاومة، التي يجب أن تصبح خياراً ليس للأحزاب والحركات التي تؤمن بالمقاومة، بل لكل الأنظمة والدول والحكومات والشعوب العربية والاسلامية.

اليوم لم يبقَ أمام الأمة بعد فشل الرهان على المفاوضات والتسويات وفشل الرهان على نزاهة الوسيط الأمريكي لمن كان يتوهم نزاهته، لم يبق أمام الشعوب والقوى والأحزاب والحركات والحكام ولأنظمة العربية والاسلامية غير اللجوء لخيار المقاومة الذي أثبت صوابيته وجدواه ونجاحه في تحرير الأرض واستعادة الأسرى والحقوق .

بعض الناس يعتبرون أن استعادة القدس بالمقاومة حلم لكنه حلم قابل للتحقق وقابل ليصبح واقعا ، ألم يكن تحرير جنوب لبنان وبقاعه الغربي أمنية؟ طوال الأعوام الماضية ألم يقولوا أن تحرير الأسرى حلم؟ ألم يقولوا أن لبنان الضعيف لا يمكنه أن يواجه قوة إسرائيل؟ ألم يقولوا أن الخروج من غزة حلم؟ لقد تحققت كل هذه الأحلام وأصبحت حقيقة.

المواجهة والصمود وفرض الشروط والتوازن مع هذا العدو، توازن الردع وتوازن الرعب، هو حلم وها هو هذا الحلم يتحقق، وبسبب ذلك تخشى اسرائيل الإعتداء على لبنان وتحسب لذلك ألف حساب ، ولذلك كما تحققت هذه الأحلام يمكن أن يتحقق حلم استعادة القد بالمقاومة والجهاد والثبات.

لقد أصبح الحلم حقيقة ومشروعا واقعيا يتطلع إليه المنتفضون والمقاومون في كل مكان.

لذلك من الردود الأساسية والمؤثرة على القرار الأمريكي هو تبني المقاومة والعمل على تعزيز قدراتها ودعمها بكل الوسائل والإمكانات ودعم حركات وفصائل المقاومة في المنطقة سياسيا وماليا وعسكريا ،ونشر ثقافة المقاومة وتأجيج روح المقاومة في كل المنطقة، لتكون هي الثقافة الغالبة في هذه الأمة والروح التي تحملها هذه الأمة لمواجهة الغطرسة الأمريكية والإسرائيلية.

وكل فصائل وحركات المقاومة والدول التي تؤمن بالمقاومة مدعوة للتفاعل والاستجابة لدعوة الأمين العام التي اطلقها بالأمس والمشاركة في وضع استراتيجية موحدة وخطة ميدانية للمواجهة الكبرى مع اسرائيل لأن ذلك هو الخيار الوحيد المجدي لاستعادة الأرض والمقدسات.

                                                           والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته