رعاية الوالدين والاحسان اليهما (25)

المقصود بالاحسان للوالدين في الاية هو تكريمهما واحترامهما والقيام بكافة حقوقهما ،فالاحسان  يتمثل بالمحبة لهما والطاعة والرعاية والقول الطيب وكسب رضاهما بأية وسيلة لا تتنافى والحكم الشرعي . فقد ورد ان احد اصحاب الإمام الصادق (ع) سأله عن قول الله عزوجل : (وبالوالدين احسانا) ما هذا الاحسان ؟ فقال  (ع): الاحسان ان تحسن صحبتهما وان لا تكلفهما ان يسألا شيئا مما يحتاجان  اليه وان كانا مستغنيان.

 

بسم الله الرحمن الرحيم

( وقضى ربك الا تعبد الا اياه وبالوالدين احسانا اما يبلغن عندك الكبر احدهما اوكلاهما فلا تقل لهما اف ولا تنهرهما وقل لهما قولا كريما واخفض لهما جناح الذل من الرحمة وقل ربي ارحمهما كما ربياني صغيرا) الاسراء 23/24

هاتان الاياتان توضحان جانبا من التعامل الاخلاقي الدقيق مع الوالدين والاحترام الذي ينبغي ان يؤديه الابناء لابائهم .

وقد اشارت الايتان الى عدة امور يمكن لنا ان نثير الحديث حولها في النقاط التالية :

النقطة الاولى : ان الاية الاولى تشير الى اهم اصل من اصول الاسلام وهو التوحيد (وقضى ربك الا تعبدوا الا اياه) ثم تشير بعد ذلك مباشرة الى مسألة الاحسان الى الوالدين (وقضى ربك الا تعبدوا الا اياه وبالوالدين احساناً)

وبذلك نلاحظ ان الله سبحانه وتعالى هنا ربط التوحيد الذي يعتبر اهم أصل من اصول الاسلام مع الاحسان الى الوالدين ،وربط واقتران التوحيد مع الاحسان للوالدين لم يرد في هذه الاية فقط في القرآن ، بل لقد ورد في ايات وسور اخرى ،فقد ذكر الاحسان الى الوالدين بعد التوحيد مباشرة في اربع سور قرآنية :

ففي سورة البقرة نقرأ قوله تعالى ( لا تعبدون الا اياه وبالوالدين احسانا) 83 وفي سورة النساء نقرأ قوله تعالى: (واعبدوا الله ولا تشركوا به شيئاً وبالوالدين احسانا)36-اما الاية 151 من سورة الانعام فانها تقول (ألا تشركوا به شيئاً وبالوالدين احسانا) وفي الاية التي نبحثها نقرأ قوله تعالى: (وقضى ربك الا تعبدوا الا اياه وبالوالدين احسانا) ان هذا الاقتران بين التوحيد والاحسان للوالدين وفي اكثر من آية وسورة قرانية يدل على الاهمية التي يعطيها الاسلام للوالدين وان اهمية الاحسان اليهما تساوي اهمية التوحيد وانه بالمستوى الذي يجب فيه على الانسان ان يوحد الله وان لا يشرك به شيئا بنفس المستوى يجب عليه ان يحسن الى والديه ،وكلمة (قضى ) في هذه الاية لها مفهوم الزامي اكثر من كلمة (أمر ) لان كلمة (قضى) لا تعني الامر فقط بل تعني القرار والامر المحكم والثابت الذي لا نقاش فيه ،فعندما يقول (وقضى ربك ألا تعبد الا اياه وبالواالدين احسانا ) فهذا تأكيد اخر على وجوب الاحسان للوالدين .

الامر الثاني : ان المقصود بالاحسان للوالدين في الاية هو تكريمهما واحترامهما والقيام بكافة حقوقهما ،فالاحسان  يتمثل بالمحبة لهما والطاعة والرعاية والقول الطيب وكسب رضاهما بأية وسيلة لا تتنافى والحكم الشرعي .

 فقد ورد ان احد اصحاب الإمام الصادق (ع) سأله عن قول الله عزوجل : (وبالوالدين احسانا) ما هذا الاحسان ؟

فقال  (ع): الاحسان ان تحسن صحبتهما وان لا تكلفهما ان يسألا شيئا مما يحتاجان  اليه وان كانا مستغنيان.

ونلاحظ ان كلمة الاحسان وردت مطلقة وعامة في هذه الاية لتشمل كل انواع الاحسان ولتؤكد ان كل انواع الاحسان للوالدين مطلوب من الابناء .

وفي مقابل الاحسان والبر بالوالدين يأتي عقوق الوالدين  والعقوق هو : ان تترك احترامهما وتأتي بما يؤذيهما قولاً وعملاً وان تخالفهما في ما يريدان ويحبان من الامور المباحة والجائزة في الشريعة.

والعقوق يعتبر من الذنوب الكبيرة التي يستحق عليها الانسان العذاب في النار بل لقد ورد عن رسول الله (ص) : ان اكبر الكبائر الشرك بالله وعقوق الوالدين .

الامر الثالث : تشير الاية الى فترة الشيخوخة وحاجة الوالدين في هذه الفترة الى المحبة والاحترام والمراعاة اكثر من اي فترة اخرى ،تقول الاية :(إما يبلغن عندك الكبر احدهما او كلاهما فلا تقل لهما أف) من الممكن ان يصل الوالدين او احدهما الى مرحلة العجز فيعجز احدهما او كلاهما عن الحركة من دون مساعدة الاخرين ،وقد لا يستطيعون بسبب الكهولة  رفع الخبائث عنهم مثلاً، وهنا يبدأ الاختبار العظيم للابناء فهل يعتبرون وجود مثل هذين الوالدين دليل رحمة ،أم انهم يحسبون ذلك بلاءاً ومصيبة وعذاباً ،هل عندهم الصبر الكافي لاحترام مثل هؤلاء الاباء والامهات ام انهم سيتأففون من حالتهم ويوجهون الاهانات اليهم ويسيئون الادب معهم ويتمنون موتهم ؟

تقول الاية (فلا تقل لهما أف) ففي هذه الحالات حالات الكبر والعجز لا تظهر عدم ارتياحك او تنفرك منهما (ولا تنهرهما ) اي ولا تواجههما بالاهانة والاساءة ، ثم تؤكد الاية على ضرورة التحدث معها بالقول الكريم والكلمة الطيبة ( وقل لهما قولا كريما) اذن فلا تقل لهما أف ولكن قل لهما قولاً كريماً ،بدل ذلك ، ومن جانب اخر تأمر الاية بالتواضع والخضوع لهما ، هذا التواضع الذي يكون علامة المحبة ودليل الود لهما واللطف بهما (واخفض لهما جناح الذل من الرحمة ) وأخيراً تنتهي الاية الى توجيه الانسان نحو الدعاء لوالديه وذكرهما بالخير سواء كانا حيين او ميتين ، توجه الانسان الى ان يطلب من الله الرحمة لهما جزاءاً لما قاما به من تربيته ورعايته وحضانته  (وقل رب ارحمهما كما ربياني صغيرا) فهي تخاطب الانسان لتقول له : اذا اصبح والداك مسنين وضعيفين وكهلين لا يستطيعان الحركة بشكل طبيعي او رفع الخبائث عنهما فلا تنسى انك عندما كنت صغيراً كنت على هذه الشاكلة ايضاً ، لم يقصرا في مدارتك والعناية بك والرعاية لك ،لذلك فان عليك انت ان لا تقصر في مدارتهما ومحبتهما ،ورعايتهما، والقيام بأمورهما وشؤونهما كافة.

واخر دعوانا ان الحمد الله رب العالمين