الشيخ دعموش يلقي كلمة في ندوة بمناسبة ولادة الرسول واسبوع الوحدة في بلدة رومين 2012

بسم الله الرحمن الرحيم

قال الله تعالى :وأن يريدوا أن يخدعوك فأن حسبك الله،هو الذي أيدك بنصره وبالمؤمنين وألف بين قلوبهم،لو انفقت ما في الأرض جميعاً ما ألفت بين قلوبهم ولكن الله ألف بينهم إنه عزيز حكيم.

(الأنفال-62-63).

 

وقال سبحانه : واعتصموا بحبل الله جميعاً ولا تفرقوا،واذكروا نعمة الله عليكم إذ كنتم اعداءً فألف بين قلوبكم فاصبحتم بنعمته إخواناً،وكنتم على شفا حفرة من النار فانقذكم منها كذلك يبين الله آياته لعلكم تهتدون.      (آل عمران-103 )

 

من الأنجازات المهمة للثورة الأسلامية في إيران والتي تحققت ببركة عبقرية الإمام الخميني (رضوان الله عليه)هي تخصيص ايام ذكرى ولادة النبي (ص) الممتدة من 12 ربيع أول إلى 17 ربيع أول بالوحدة الأسلامية والأعلان عن أن هذا الأسبوع هو أسبوع للوحدة الأسلامية.

هذا الأمل انقسم الناس حوله إلى صنفين:

-الصنف الأول : عاش هذا الأمل بكل وجوده وعمل بصدق واخلاص وسعى بجدٍ وعزم على تحقيقه،ليكون المسلمون قوة منيعة في مواجهة التحديات.

- الصنف الثاني:أتخذ هذا العنوان وهذا الهدف والأمل شعاراً فقط من دون ان يكون جاداً في تحقيقه.

عندما نفكر في الآيات والأساليب العلمية لتحقيق هذا الأمل سوف نجد أن شخصية رسول الله الأكرم (ص) هي التي يمكن أن تكون محور هذه الوحدة التي نسعى لتحقيقها.

هذه الشّخصية العظيمة التي تعتبر أفضل وأعظم وأنبل شخصية في الاسلام،بل في عالم الوجود.

هذه الشّخصية التّي استطاعت في فترة وجيزة وفي زمن قياسي ان تنقل هذه الأمة من حضيض الذّل والمهانة إلى أوج العزة والعظمة ،والكرامة،وأن تغرس في هذه الأمة قيم الاسلام وقيم الإيمان التي من شأنها ان تغير فيها كل عاداتها وتقاليدها وتقضي على كل اسباب شقائها وآلامها.

هذه الشّخصية التي استطاعت في سنوات لا يتجاوز عددها عدد اصابع اليدين أن تحقق أعظم إنجاز في منطقة كان يسود فيها الجهل وينعدم فيها القانون وتسيطر عليها الحروب والقسوة والفاحشة وكل مظاهر الانحطاط والتخلف.

هذه الشّخصية التي استطاعت ان تحدث إنقلاباً حقيقياً وجذرياً في عقلية وسلوك واخلاق ومواقف تلك الأمة المشرذمة وان ينقلها من العدم إلى الوجود ومن الموت إلى الحياة ومن حالة التمزق والتشرذم إلى الوحدة والألفة والتأخي والتعاون.

هذه الشّخصية العظيمة الفذّة هي المحورالاساس الذي تتمحور حوله اليوم عواطف كل المسلمين في العالم كما كانت في الماضي.

وقلما نجد مفردة من مفردات الاسلام او حقيقة اسلامية تكون موضع إتفاق جميع المسلمين وقادرة على استقطابهم وتستأثر بعواطفهم ومحبتهم كما هو الحال بالنسبة إلى شخصية رسول الله (ص).

إذا استثينا بعض الفرق الشاذة التي لا تهتم بالجانب العاطفي والولاء القلبي ولا بالتوسل، فإن عموم المسلمين على إختلاف مذاهبهم وجنسياتهم وإنتماءاتهم والوانهم تربطهم وتشدهم بالرسول (ص)عواطف وأوصر حب ومودة قوية وراسخة.

   ولذلك يمكن لهذا الوجود المبارك ولهذه الشّخصية العظيمة أن تكون محور الوحدة التي نتطلع إلى تحقيقها.

يمكن لهذه الشخصية أن تكون موضع اجتماع والتفاف المسلمين جميعاً تجمعهم على المحبة والمودة والألفة والرحمة والتسامح والتعاون والترفع عن صغائر الأمور....

اليوم هذه الوحدة من الضروريات الإيمانية الملحة والأكيدة،لأن أعداء الإسلام اليوم وفي هذه المرحلة يمتلكون صفتين لم يمتلكوهما من قبل:

الصفة الأولى:

انهم يمتلكون اكبر قدر ممكن من عناصر القوة،المال،السلاح،التكنولوجيا،الاعلام،السياسة..كما يمتلكون كل وسائل وآليات السيطرة والهيمنة والنفوذ،والهجوم والمباغتة . وهم يشكلون اليوم محوراً واحداً وجبهة واحدة في مواجهة الاسلام والمسلمين بقيادة الولايات المتحدة والغرب عموماً واسرائيل.

ونظرة سريعة إلى تاريخ الصراع بين الإسلام والمسلمين وبين القوى المستكبرة المعادية للإسلام والمسلمين تثبت ان القوى المعادية لم تكن في يوم من الأيام مجهزة بكل هذه الامكانيات والعتاد وعناصر القوة كما هي عليه اليوم.

الصفة الثانية :

إن هذا المحور المعادي للإسلام والمسلمين والذي يتشكل من الاستكبار والغرب واسرائيل بات يشعر بالخطر الإسلامي، ويتحسس من الحركات الإسلامية والاسلامين اكثر من أي وقت مضى.

ومنشأ هذا الشعور وهذا التحسس: ان هؤلاء رأوا أن الإسلام خرج عن كونه مجموعة وصايا أخلاقية ولم يعد مجرد طقوس دينية وعبادية وإنما أصبح تياراً فكرياً قوياً له أسلوبه وطريقته الخاصة به.

لقد شاهد اعداء الإسلام بأم اعينهم كيف أن الإسلام استطاع ان يحدث ثورات وانتفاضات في العالمين العربي والإسلامي وأن يُخرج الناس من موقع الهزيمة والاستسلام والخضوع للأمر الواقع ويرسخ ثقتهم واعتزازهم بأنفسهم وبدينهم.

لقد شاهد الأعداءكيف أن الأسلاميين في أكثر من بلد عربي تصدروا قائمة الفائزين بالأنتخابات في تونس وفي مصر وفي غيرهما من البلدان ولم يستيطيعوا إحتواء هذه الأنتفاضات بل فشلوا حتى الآن في حرف مسارها وإحتوائها.

لقد شاهد أعداء الاسلام كيف استطاع الاسلام ان يؤسس نظاماً وكياناً في إيران ،يتمتع بالاستقرار والثبات والقوة وهو عصي على كل مؤامراتهم وحصارهم وعقوباتهم وتهديداتهم.

هذا الكيان الذي استطاع ان يبني نفسه علمياً وتكنلوجياً ويصبح في عداد الدول المتقدمة على الصعيد العلمي ويصبح له نفوذ على المستوى الاقليمي بالرغم من كل العراقيل والحصار والموانع والعقوبات التي يتعرض لها.....لقد رأى أعداء الاسلام كيف إن المقاومة الاسلامية في لبنان وفلسطين استطاعت أن تحقق الانتصار تلو الانتصار على الكيان الصهيوني وان يصنع معه توازناً.

لذلك كله نرى الولايات المتحدة والغرب واسرائيل يبدون حساسية شديدة تجاه الاسلام والحركات المقاومة في المنطقة وتجاه الجمهورية الاسلامية في إيران والاسلاميين في كل المنطقة.

والسؤال المطروح هو: ما الذي يخطط له هؤلاء في الوقت الراهن وفي هذه المرحلة بعد كل الفشل الذي منيوا به على صعيد احتواء هذه الثورات وعلى صعيد العجز عن فرض مشاريعهم في المنطقة؟؟

إن أفضل وسيلة يمتلكها الأعداء هي بث الفرقة والاختلاف بين المسلمين واشعال الفتنة بين المسلمين.

ومشروعهم هو تقسيم هذه المنطقة على أساس عرقي ومذهبي وتحويلها إلى دويلات متصارعة ومتقاتلة من أجل ان تبقى اسرائيل قوية ومهيمنة في المنطقة ،وثمة اصوات داخل اسرائيل كرئيس مجلس الأمن القومي الاسرائيلي السابق عوزي ديان تدعم فكرة تقسيم سوريا وتعتبرها في مصلحة اسرائيل ويقول :إن فكرة انفصال الأكراد وإقامة دولة كردية في شمال سوريا وإقامة حكم ذاتي علوي يمنح اسرائيل الكثير من الفرص لتحقيق مصالحها في المنطقة.

المطلوب ان تتخلى الأمة عن فلسطين والقدس وحركات المقاومة وأن يتحول الصراع من صراع عربي اسرائيلي إلى صراع عربي إيراني.

المطلوب ان يتحول السنة الى اعداء للشيعة والشيعة الى اعداء للسنة وإشعال الفتنة بينهم.

والأعداء يبذلون جهوداً حثيثة ومتواصلة في هذا المجال ويسخرون كل امكاناتهم لتحقيق اهدافهم ،يسخرون السياسة وأجهزة الأستخبارات والجماعات التكفيرية والاعلام الفتنوي والأقلام المأجورة في إثارة النعرات ...

المطلوب الذهاب في العراق إلى حرب يتقاتل فيها الشيعة والسنة ، والذهاب الى سوريا إلى حرب أهلية يتقاتل فيها العلويون والسنة من أجل القضاء على هذا البلد الذي لعب دوراً مهماً على صعيد القضية الفلسطينية وعلى صعيد دعم حركات المقاومة في لبنان وفلسطين .

المطلوب رأس المقاومة ورأس القضية الفلسطينية ،ولذلك فان الوحدة ضرورة وليست شعاراً.

 ومعنى أن تتحد الشعوب الاسلامية أن تتخذ موقفاً موحداً تجاه التحديات  التي تعصف بالأمة وان تتعاون فيما بينها ولا تهدر ثرواتها وقدراتها في فتن ونزاعات داخلية .

 معنى ان تتحد الأمة ان يترفع المسلمون ويبتعدوا عن التحاسد والتباغض والتكبر والحقد ، وعن لغة السب والشتم واللعن.

ان لا نلعن بعضنا بعضاً وان لا نلعن رموز بعضنا البعض ،فليس ذلك من أخلاق الاسلام ولا من أخلاق الرسول (ص)، ان لا نحتقر بعضنا البعض ولا نستهزء او نستصغر بعضنا البعض، ان نتغلب على عصبياتنا ليكون الحق رائداً..فان رسول الله (ص) يقول :المسلم أخو المسلم لا يخونه ولا يكذبه ولايخذلكل  المسلم على المسلم حرام عرضه وماله ودمه.

إن علينا أن نبدد مخاوف بعضنا البعض وقلق بعضنا البعض من أجل أن يطمئن المسلمون جميعاً على حياتهم واعراضهم ومستقبلهم ،على الأمة ان تتوحد في مواجهة كل الذين يعملون على تفتيتها ويَحُولُون دون وحدتها وفي مقدمهم العدو الصهيوني وأمريكا.

فلنتوحد ضد الجهل والأمية،ولنتوحد ضد الفقر، فلنتوحد بوجه الظالمين والمستكبرين ،لنتوحد في مواجهة اسرائيل، لنتوحد حول المقاومة والقضية الفلسطينية ،لنتوحد على نبذ التكفير والجماعات التكفيرية التي باتت أداة بيد الولايات المتحدة تفجر وتقتل في كل مكان ،فلنتوحد على نبذ وعاظ السلاطين وأصحاب الأقلام المأجورة ،فلنتوحد على نبذ الاعلام الفتنوي وفضحه فان الاعلام الفتنوي كمسجد ضرار يجب هدمه بكل الوسائل المشروعة.