كلمة القيت في إذاعة النور (بحضور العاملين في الإذاعة) بمناسبة ذكرى ولادة أمير المؤمنين (ع)

 في مولد النور مولد الإمام أمير المؤمنين علي بن أبي طالب صلوات الله وسلامه عليه نتقدم من اسرة إذاعة النور إدارة وعاملين وموظفين بأحر التهاني والتبريكات، ونشكر الله سبحانه وتعالى على هذا اللقاء الطيب بالوجوه الكريمة الطيبة في مناسبة من اغلى وأعز المناسبات في تاريخنا وحياتنا وفي بيت من البيوت التي يرتفع فيها صوت علي(ع) ليصدح بالحق والعدل والنور الإلهي وجهاد علي(ع) ومقاومته والمقاومة الإسلامية، ونسأل الله أن يجعلنا من التابعين والمتمسكين بولاية علي وخطه ونهجه.  

               

 

  بسم الله الرحمن الرحيم

ومن الناس من يشري نفسه ابتغاء مرضاة الله والله رؤوف بالعباد

 في مولد النور مولد الإمام أمير المؤمنين علي بن أبي طالب صلوات الله وسلامه عليه نتقدم من اسرة إذاعة النور إدارة وعاملين وموظفين بأحر التهاني والتبريكات، ونشكر الله سبحانه وتعالى على هذا اللقاء الطيب بالوجوه الكريمة الطيبة في مناسبة من اغلى وأعز المناسبات في تاريخنا وحياتنا وفي بيت من البيوت التي يرتفع فيها صوت علي(ع) ليصدح بالحق والعدل والنور الإلهي وجهاد علي(ع) ومقاومته والمقاومة الإسلامية، ونسأل الله أن يجعلنا من التابعين والمتمسكين بولاية علي وخطه ونهجه.

في ذكرى أمير المؤمنين نقف مع إنسان إلهي عظيم لنتعلم منه كيف يكون إخلاصنا لله ولنتعلم منه كيف يكون إخلاصنا للحق ولنتعلم منه كيف يكون إخلاصنا للعدل ولنتعلم من علي (ع) كيف نكون عملاء صادقين في كل ما حملنا الله مسؤوليته في كل جانب من جوانب الحياة. ولنتعلم من علي (ع) أن الإنسان إذا أحرز دينه وأحرز سلامة دينه فلا يبالي بشيء ولا يضره شيء.

ذلك هو علي بن ابي طالب الذي ولد في الكعبة الشريفة، ولم يولد في الكعبة قبله أحد ولم يولد في الكعبة بعده أحد.

فقد كان هذا تكريما وتعظيما من الله له، عندما جاءت والدته إلى الكعبة الشريفة وهي تتوسل إلى الله، وجاءها المخاض فتنحت ناحية في بيت الله ووضعت علياً في بيت الله.

فكانت هذه الولادة المباركة إشارة إلى حياة الإمام كلها، إشارة إلى حياته العظيمة التي فتح فيها علي عينيه في بيت الله ورفع صوته في أول صوت ارتفع في بيت الله.

فكانت بدايته في بيت الله ونهايته في بيت الله وحياته كلها تضحية وجهادا في سبيل الله ومع الله في كل مجالات الحياة.

وهكذا تنقل لنا النصوص الإسلامية أنه عندما أخبره رسول الله (ص) في آخر حياته أنه سيقتل ويستشهد في شهر رمضان فماذا كان جوابه؟

قال له: يا رسول الله ، إن الله علمك من الغيب ما لم نعلم، أويكون ذلك على سلامة من ديني؟ فقال النبي (ص): بلى يا علي، قال: إذن لا أبالي أوقعت على الموت أو وقع الموت عليَّ.

فالهدف من الحياة عند الإمام هو أن يفارق الحياة وهو على سلامة من دينه، أن يفارق الحياة والله عنه راض. وأن يفارق الحياة ولا ينحرف عن الخط.

كان هذا هو همه ولم يكن همه أي شيء مما نفكر فيه دنيوياً، ولذلك عندما ضرب وهو بين يدي الله يصلي في مسجد الكوفة قال: (فزت ورب الكعبة باسم الله، وبالله وعلى ملة رسول الله)

تلك كانت كلماته في اللحظة التي ضرب فيها، كأنه تصور عندما جاءت الشهادة لتتوج حياته وخاتمة حياته، كأنه تصور كل حياته في تلك اللحظة، وتصورها كلها حياة طيبة يرضى بها الله، وحياة ترفعه عند الله، وتصور أن حياته كلها ليس فيها أي امتياز شخصي، وليس فيها أي شكل ذاتي، لم يحاب قريبا ولم يجامل صديقا ولم يتنازل عن الحق بالرغم من كل شيء، وإنما كان الحق هدفه في جميع جوانب حياته حتى صار قرينه يدور معه كيفما دار.

لهذا كله شعر أنه فاز عندما تحركت حياته في طريق الله وفاز فوزا عظيما عندما قتل وهو بين يدي الله سبحانه.

وهذا هو سر شخصية علي (ع)، أنه إنسان عاش لله وفي سبيل الله بكل وجوده وفي جميع مراحل حياته، وهذا هو سر كماله الإنساني حتى شهد بكماله وسمو عظمته الأعداء.

يقول ضرار بن ضمرة دخلت على معاوية فقال: يا ضرار: صف لي علياً. فقلت: اعفني. قال بالله عليك إلا وصفته.

فقال ضرار: أما إذا لا بد، فإنه والله كان بعيد المدى، شديد القوى يقول فصلا ويحكم عدلا، يتفجر العلم من جوانبه، وتنطق الحكمة من نواحيه، يستوحش من الدنيا وزهرتها، ويأنس بالليل ووحشته، وكان غزير الدمعة، طويل الفكرة، يعجبه من اللباس ما خشن ومن الطعام ما جشب.

وكان فينا كأحدنا يجيبنا إذا سألناه، ويأتينا إذا دعوناه، ونحن والله مع تقريبه إيانا وقربه منا لا نكاد نكلمه هيبة له، يعظم أهل الدين، ويقرب المساكين، لا يطمع القوي في باطله، ولا ييأس الضعيف من عدله.

أشهد لقد رأيته في بعض مواقفه، وقد أرخى الليل سدوله، وغارت نجومه، قابضا على لحيته يتململ تململ السليم، ويبكي بكاء الحزين، وهو يقول: يا دنيا غري غيري، أبي تعرضت ام إليّ تشوقت هيهات هيهات قد طلقتك ثلاثا لا رجعة فيها، فعمرك قصير وخطرك كبير، وعيشك حقير، آه من قلة الزاد للسفر ووحشة الطريق.

فبكى معاوية وقال: رحم الله أبا الحسن كان والله كذلك، فكيف حزنك عليه يا ضرار؟

قال: حزن من ذبح ولدها بحجرها، فهي لا تُرقُّى عبرتها ولا يسكن حزنها.

هذه صفات علي وخصائصه، وهذه هي جوانب عظمته، فهي متعددة الجوانب فعن أي جانب منها نتكلم.

البلاغة:

هل نتكلم عن بلاغته، ونحن الذين نعصر الأدمغة ساعات وساعات لنركب الجمل، ونصيغ الكلمات، نتحدث عن بلاغة من سن الفصاحة لقريش وقد قيل عن كلامه: إنه فوق كلام المخلوق ودون كلام الخالق.

الشجاعة:

أو نتكلم عن شجاعته، ونحن الذين نهتز ونرتجف لمجرد الوهم والخيال، نتحدث عن شجاعة من قال: والله لو اجتمعت العرب عليَّ لما وليت مدبرا، وان ابن ابي طالب لا يبالي سقط على الموت أو سقط الموت عليه.

وقال: لألف ضربة بالسيف أحب إلى من ميتة على فراش. ويكفيه أنه شهد جبريل بشجاعته ونادى بين السماء والأرض : لا سيف إلا ذو الفقار، ولا فتى إلا علي.

الحلم:

أو نتحدث عن حلمه ونحن نعيش في مجتمع مليء بالحقد والغل، ويحب أحدنا أن يأكل لحم أخيه ميتاً. نتكلم عمن سقى الماء لأعدائه بعد أن منعوه منه، وعفى عن ابن العاص اعدى اعدائه ويسر بن أرطأة وطلحة بعد أن مكنه الله من رقابهم؟.

الزهد:

أو نتكلم عن زهده، ونحن نعيش في مجتمع يبيع دينه للشيطان من أجل الدرهم والدينار والحصول على زخارف الدنيا ، نتحدث عن زهد من قال:

والله لو اعطيت الأقاليم السبعة بما تحت افلاكها على أن اعصى الله في نملة اسلبها جلب شعيرة ما فعلت.

وقال مشيرا إلى حذائه التي لا تساوي كسر درهم: إن هذه أحب إليَّ من دنياكم إلا أن أقيم حقا أو أدفع باطلاً.

العلم:

أو نتحدث عن علمه، ونحن الذين نقرأ الكتب ونسهر الليالي حتى نحفظ الكلمة، نتحدث عمن قال على المنبر بملأ من الناس كلمة لا يجرأ على التفوه بها إلا علي(ع): (سلوني قبل أن تفقدوني، فوالله إني لأعلم بطرق السماء كما أعلم بطرق الأرض).

وقال: لو ثنيت لي الوسادة لأفتيت أهل التوراة بتوراتهم، وأهل الإنجيل بإنجيلهم، وأهل القرآن بقرآنهم.

وأخبر بمغيبات كثيرة مذكورة في كتب مضى على تأليفها أكثر من الف سنة ومنها اخباره عن الراديو والتلفزيون حيث قال: يأتي زمن يرى ويسمع من في المشرق من في المغرب.

العدل:

أو نتكلم عن عدله في زمن انعدم فيه العدل واصبحت فيه المحاباة والمحسوبيات هي الأساس. نتحدث عن عدله في ولاته وموظفيه وأقرب الناس إليه، التي تروي فيه  سودة بن عمارة  قصتها مع أحد ولاة علي (ع)

تقول سودة بن عمارة الهمدانية: قدمت على علي في رجل ولاه صدقتنا، قدم علينا من قبله فظلمنا، فأتيت علياً لأشكو إليه ما صنع عامله على منطقتنا فوجدته قائما يصلي فلم نظر إليَّ انفتل من صلاته ثم قال لي برأفة وتعطف:

الك حاجة؟  قلت: نعم. فأخبرته الخبر، فبكى:

ثم قال: اللهم انت الشاهد عليَّ وعليهم، وإني لم آمرهم بظلم خلقك ولا بترك حقك، ثم أخرج قطعة جلد فكتب فيها: "بسم الله الرحمن الرحيم، قد جاءكم بينة من ربكم فأفوا الكيل والميزان ولا تبخسوا الناس اشياءهم ولا تفسدوا في الأرض بعد إصلاحها. ذلكم خير لكم إن كنتم مؤمنين)  فإذا قرأت كتابي هذا فاحتفظ بما في يدك من عملنا حتى يقدم عليك من يقبضه منك والسلام.

ثم دفع الرقعة إليَّ، فوالله ما ختمها بطين ولا خزمها، فجئت بالرقعة إلى صاحبه فانصرف معزولاً.

سياسته الادارية

أو نتكلم عن سياسته في الإدارة والحقوق والمال، وهو الذي عزل ولاة عثمان الذين كانوا السبب المباشر في الثورة، لظلمهم وبغيهم وعدم درايتهم بالسياسة وأصول الحكم، وولى من قبله رجالاً ذوي دين وعقل وبعد نظر وحسن تدبير.

وهو الذي نادى بأن المسلمين جميعا سواء في الحقوق والواجبات في الإسلام، وألغى سياسة التفاضل التي كانت قائمة في عهد من كان قبله.

وهو الذي يقول: والله ما معاوية بأدهى مني، ولكنه يغدر ويفجر ولولا كراهية الغدر لكنت من ادهى الناس.

وهو الذي كتب أعظم عهد سياسي وإداري لمالك الأشتر حيث ولاه مصر، شرح فيها قواعد وأصول السياسة والإدارة والحكم ونبه إلى أصول في السياسة قبل أكثر من الف وثلاثمائة وخمسين سنة لم يتنبه إليها أحد إلا في العصر الحديث.

والحمد لله رب العالمين