قضايا الطلاق وحقوق المرأة (65)

الحمد لله رب العالمين وصلى الله على سيدنا ونبينا أبي القاسم محمد وعلى آله الطيبين الطاهرين.(والمطلقات يتربصن بأنفسهن ثلاثة قروء ولا يحل لهن أن يكتمن ما خلق الله في أرحامهن إن كن يؤمن بالله واليوم الآخر، وبعولتهن أحق بردهن في ذلك إن أرادوا إصلاحاً ولهن مثل الذي عليهن بالمعروف، وللرجال عليهن درجةٌ والله عزيزٌ حكيم) البقرة 238.

قلنا: إن هذه الآية تضمنت عدة أحكامٍ ومفاهيم تتعلق بأوضاع المطلقات، وقد تحدثنا في الحلقة الماضية عن أصل تشريع الطلاق في الإسلام، وعن العدة التي ذكرتها الآية للمطلقة الرجعية، ونتحدث في هذه الحلقة عن بقية الأحكام والمفاهيم التي أشارت إليها الآية في عدة نقاط:

النقطة الأولى: إن الآية تقرر في المقطع الثاني منها أنه لا يجوز للمرأة المطلقة أن تكتم ما خلق الله في رحمها أثناء العدة، تقول الآية: (ولا يحلُ لهن أن يكتمن ما خلق الله في أرحامهن). والظاهر أن المقصود من كتمان ما خلق الله في أرحامهن كتمان الجنين، وقد يكون المراد كتمان العادة الشهرية أيضاً, وبناءاً على ذلك يكون معنى الآية: أن على المرأة أن لا تكتم حملها إذا طلقها زوجها وكانت حاملاً، بحيث إنها تدعي بأن العادة الشهرية تأتيها بهدف أن تقلل من مدة العدة, لأن عدة الحامل وضع حملها, وقد يطول وضع حملها فتكون عدة الحامل أكثر من عدة غير الحامل. وهكذا أيضاً يجب على الحامل أن لا تُخفي وضع عادتها الشهرية لأن كتمان وضع عادتها الشهرية قد يؤدي إلى تفويت الفرصة على الزوج للرجوع إلى مطلقته فيكونُ ذلك ظلماً له.

والذي يمكن استفادته من هذا المقطع أن المرأة هي المرجعُ في معرفة بداية العدة ونهايتها، كما أنها هي المرجع في معرفة ما إذا كانت حاملاً أم لا؟ وما إذا كان الطلاق قد وقع في حال الحيض أم في حالة الطهر؟

ولذلك فقد ورد عن الإمام الصادق (ع) في تفسير هذا المقطع من الآية أنه قال: قد فوض الله إلى النساء ثلاثة أشياء: الحيض والطهر والحمل. أي بمعنى أن معرفة هذه الأحوال الثلاثة في المرأة يرجع فيها إلى قول المرأة نفسها، فان قولها هو المعتمد في ذلك لأنها أعرف بنفسها من كل أحد فهي أعرف بنفسها ما إذا كانت حائضاً أو طاهراً أو حاملاً.

النقطة الثانية: إن قوله تعالى في الآية: (وبعُولتهُن أحقُ بردهن في ذلك إن أرادوا إصلاحاً). يقرر حق الزوج في الرجوع إلى زوجته خلال فترة العدة, إن لم يكن الطلاق بائناً طبعاً. فالزوج يستطيع قبل انقضاء العدة أن يرجع إلى مطلقته ليعيد الحياة الزوجية كما كانت قبل الطلاق، من دون حاجة إلى عقد جديد ولا مهر جديد، وهذا الحق ثابتٌ له وحده، سواءٌ رضيت هي أم لم ترض، ولا حق لها أساساً أن تمتنع عن ذلك.

ونلاحظ هنا أن الآية تقيد عودة الزوج إلى زوجته بعبارة (إن أرادوا إصلاحاً)، وهذا يشير إلى أن للزوج أن يرجع إلى زوجته في العدة إذا كان هدفُه إصلاح الحياة الزوجية وإعادة الوئام والمحبة والمودة إلى تلك الحياة وإصلاح الأمور التي أدت إلى الطلاق والفراق، فهذا الحق, حق رد الزوجة إلى البيت الزوجي، يمارسُه الرجل إن كان نادماً بصورة حقيقية على وضعه، وإذا كان بهدف إصلاح الأوضاع واستئناف الحياة الزوجية بجدية، وهذا يعني أنه لا يحق للرجل أن يُرجع مطلقته بهدف إيذائها من جديد أو بهدف الضغط عليها في شيء معين، أو من أجل أن ينفس عما يحمله في داخله من حقدٍ عليها, كما يحدث الآن في واقعنا في بعض الحالات، فإننا نلاحظُ مثلاً في بعض النماذج من الناس، أن الزوج يعودُ إلى زوجته في أثناء العدة من أجل أن يضغط عليها لتتنازل عن مهرها وحقها الشرعي، أو لتتخلى عن حقٍ ثابتٍ لها، أو من أجل التشفي منها وتحطيم عنفوانها وكسر كلمتها أو كلمة أهلها, أو من أجل حبسها معه حتى لا تتزوج غيره بعد الطلاق، فإن هذا كله مما لا يصح لا من الناحية الأخلاقية والاجتماعية ولا من الناحية الشرعية، بل قد يعتبر ذلك إثماً وانحرافا عن خط الله.

ولذلك فإن على الإنسان أن يخاف الله فيرجع زوجته إن أراد ذلك بهدف أن يساكنها ويعاشرها بالمعروف كما يعاشرُ الزوج زوجته بالطريقة الإنسانية وعلى أساس الاحترام المتبادل، لا أن يُرجعها بهدف الإضرار بها.

النقطة الثالثة: إن قوله تعالى في الآية: (ولهن مثل الذي عليهن بالمعروف). تقرر وتؤكد مسألة الاحترام المتبادل بين المرأة والرجل، كما تقرر مبدأ المساواة والعدالة بينهما، فهي تقول: كما إن للرجل حقوقاً على المرأة ينبغي أن تراعيها وهي أن تحترمه مثلاً وتطيعه وتعاشره بالمعروف وتتعامل معه بصدقٍ وثقةٍ وتراعي مشاعره وظروفه وأوضاعه، فإنه كذلك للمرأة حقوق على الرجل يجب أن يراعيها أيضاً, وهي أن يحترمها ويعاشرها بالمعروف ويُحسن إليها ويمنحها المحبة والمودة ويراعي أحاسيسها ومشاعرها ويقدر تضحياتها تجاه الأسرة.

وهذا هو المعنى الذي يظهر من كلمة (بالمعروف) في الآية، أما سائر الحقوق الأخرى التي لكل من الزوجين على الآخر كحق الفراش مثلاً وحق الطاعة وعدم الخروج إلا بإذنه وما شاكل ذلك, فالظاهر أن هذا المقطع من الآية غيرُ ناظرٍ إليها. وإنما استفدنا تلك الحقوق من أدلة أخرى مستقلة عن الآية.

وأما المقطع الأخير من الآية وهو قوله تعالى: (وللرجال عليهن درجةٌ) فهو يشير إلى أن للرجل امتيازاً على المرأة، وموقعاً متقدماً عليها، وهذا الامتياز وهذه الدرجة هي القوامة التي تعني الإدارة والرعاية والإشراف، فالله تعالى وضع نظاماً وقانوناً للأسرة وجعل الرجل هو القيم عليها, فهو الذي يديرُ العائلة ويرعاها ويشرف عليها, وجعل القرار بيده والطلاق والرجعة أثناء العدة بيده.

أما المرأة فلها دورُ المساعد في إدارة شؤون العائلة، وليس لها حق التقرير والإدارة، كما هو موقعُ الرجل، وهذه الدرجة وهذا الامتياز الذي للرجل على المرأة، لم ينشأ بشكل مزاجي من دون أساس ومن دون الاستناد إلى حقائق موضوعية وواقعية، وإنما هو نابعٌ من جهة أن الرجل يملك بعض الخصائص الذاتية والمؤهلات الشخصية الجسمية والعلمية والعملية التي قد تجعلُه أكثر قدرةٍ على تحملِ المسؤولية وممارسة الدور من المرأة، وهذا ما أشار إليه القرآن في بعض آياته كما في قوله تعالى: (الرجال قوامون على النساء بما فضل الله بعضهم على بعض وبما أنفقوا من أموالهم).

فالرجال قوامون على النساء بما فضل الله بعضهم على بعض أي باعتبار أنهم يملكون من المؤهلات الجسمية التكوينية ما لا تملكه المرأة، وباعتبار أنهم هم الذين يتحملون موضوع النفقات المالية على العائلة، فالرجل هو الذي يبذل المهر للمرأة وهو الذي ينفق على العائلة ويتحمل كافة الأعباء المالية للحياة.

فلو أردنا أن نعدل بين الرجل والمرأة فلا بد من أن نعطي كل ذي حقٍ حقه، وحقُ الرجل بحسب مؤهلاته ومسؤولياته والأعباء التي يتحملها أن يكون هو القيم على الاسرة وأن يكون القرار بيده وأن يكون متفوقاً في هذه الأمور على المرأة في نطاق العائلة.

ولو أهملنا هذه المسألة، وأردنا أن نساوي بين الرجل والمرأة في جميع الحقوق والواجبات، فإننا بذلك نكون قد أهملنا القانون العام (الرجال قوامون على النساء)، بل أكثرُ من ذلك نكون قد ألغينا العدالة التي قررها قوله تعالى: (ولهن مثل الذي عليهن) لأن إحقاق الحقوق يستلزم أن يؤدي كلٌ من الرجل والمرأة واجباته حسب كفاءته وإمكاناته وتكوينه الجسمي، فالمرأة تساعد الرجل فيما لا يستطيع الرجل أداءه, والرجل يعاون المرأة فيما لا تقوى المرأة على القيام به، وهذا هو عين العدالة والمساواة.

وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين