الغش والتدليس( 15)

الشيخ دعموش في الحديث الرمضاني 30-6-2016: لا فرق في الغش والتدليس بين أن يكون ذلك من فعل المتعامل نفسه أو من فعل غيره.تحدثنا بالأمس عن بعض أنواع ومصاديق ومفردات الغش التي ربما لا تحصى لكثرتها, ولكننا نشير الى أبرز المصاديق التي ربما يقع فيها الناس بكثرة في تعاملاتهم وتجاراتهم.

من مصاديق الغش, التطفيفوهو نقص المكيال والميزان،كأن يبيعك عدداً معيناً دزينة مثلاً ويعطيك أقل, أو يبيعك وزناً معيناً كيلو مثلاً ويتلاعب بالميزان ويعطيك أقل وزناً وهكذا.. هذا هو التطفيف, وهو نوع من الغش، لأنه فيه إخفاء لعيبٍ على الطرف الآخر ، ولأنه يقوم على معاملة فاسدة, حيث لا يصرح البائع أمام المشتري بما انتقص من حقه, فهو دفع ثمناً كاملاً وأخذ أقل من حقه دون أن يعلم . ففي هذه المعاملة خداع وتمويه، وهي نوع من السرقة، إلاّ أنها سرقة لا يشعر بها الطرف الآخر، فيتوهم أنها معاملة صحيحة.

وقد نهى الله تعالى عن التطفيف. وأنذر المطففين بالوعيدوَيْلٌ لِّلْمُطَفِّفِينَ  الَّذِينَ إِذَا اكْتَالُواْ عَلَى النَّاسِ يَسْتَوْفُونَأي يأخذون حقهم كاملاً، (وَإِذَا كَالُوهُمْ أَو وَّزَنُوهُمْ يُخْسِرُونَ (أي ينقصون) أَلَا يَظُنُّ أُولَئِكَ أَنَّهُم مَّبْعُوثُونَ لِيَوْمٍ عَظِيمٍ  يَوْمَ يَقُومُ النَّاسُ لِرَبِّ الْعَالَمِينَ.  المطففون:1- 3

وقال تعالى:وَأَقِيمُوا الْوَزْنَ بِالْقِسْطِ وَلَا تُخْسِرُوا الْمِيزَانَ.) الرحمن: 9]

ووبخ الله قوم شعيب وأنزل عليهم العذاب بسبب التلاعب بالمكيال والميزان قال تعالى:{ وَإِلَى مَدْيَنَ أَخَاهُمْ شُعَيْبًا قَالَ يَاقَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ قَدْ جَاءتْكُمْ بَيِّنَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ فَأَوْفُوا الْكَيْلَ وَالْمِيزَانَ وَلَا تَبْخَسُوا النَّاسَ أَشْيَاءهُمْ وَلَا تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ بَعْدَ إِصْلَاحِهَا ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ.*  الأعراف

وقال في آية أخرى: وَإِلَىٰ مَدْيَنَ أَخَاهُمْ شُعَيْبًا ۚ قَالَ يَا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُم مِّنْ إِلَٰهٍ غَيْرُهُ ۖ وَلَا تَنقُصُوا الْمِكْيَالَ وَالْمِيزَانَ ۚ إِنِّي أَرَاكُم بِخَيْرٍ وَإِنِّي أَخَافُ عَلَيْكُمْ عَذَابَ يَوْمٍ مُّحِيطٍ.   هود

وروي أنه لما قدم النبي (ص) إلى المدينة، كانوا أخبث الناس كيلاً، فنزلت هذه الآيات، فأحسنوا الكيل بعد ذلك، وقال لهم النبي (ص)خمس بخمس: ما نقض قوم العهد إلاّ سلط الله عليهم عدوهم، وما حكموا بغير ما أنزل الله إلا فشا فيهم الفقر، وما ظهرت فيهم الفاحشة إلاّ فشا فيهم الموت، وما طففوا الكيل والميزان إلاّ منعوا النبات وأخذوا بالسنين، وما منعوا الزكاة إلاّ حبس عنهم القطر.                

ومن المصاديق, البخسإذا كان التطفيف هو النقصان في الوزن والكم أو العدد، فإن البخس هو  مطلق النقصان أي النقصان بالمفهوم العام والواسع وليس في الكيل والوزن فقط، كل نقصان أو عيب سواء في النوعية أو في المواصفات، أو في عدم تحقق شروط الجودة في السلعة المعروضة للبيع. مثلاً هو بخس نهى الله عنه, يقول تعالى: وَلاَ تَبْخَسُواْ النَّاسَ أَشْيَاءهُمْ. هود: 84 .

 وهذا النوع من الغش مجاله واسع النطاق، لأنه يتناول جميع ضرورات الحياة، من أبنية للسكن، وسلع متنوعة، ومواد غذائية، وما أشبه ذلك. ففي مجال بيع الشقق مثلاً قد تظهر في البناء عيوب كانت خفية على المشتري أثناء توقيع عقد البيع والشراء، بحيث يكون الشاري قد اشترى بمواصفات معينة وبمستوى معين من الجودة, لكنه عند الإستلام يستلم شقة لا تتطابق الموصفات التي تم التوقيع عليها, وما ذلك إلاّ نتيجة للغش وعدم النصيحة، فيقدم البائع لائحة تتضمن مواصفات جيدة، ثم يسقط بعضها أثناء التنفيذ، ويخل ببعض الشرو, وهذا ما بات يتسبب بمشاكل كثيرة بين المتعاملين بحيث أن الكثير من الدعاوى القضائية في المحاكم هي من هذا النوع.

أما في صناعة التغذية، فحدث ولا حرج، فكم من الأغذية التي يكتبون عليها أنها مثلاً أنها نباتية خالصة ويتبين أن فيها مواد حيوانية.

أما أسوأ أنواع الغش فهو في عالم التغذية، لا سيما الغش في علف الحيوان، حيث صارت المزارع تطعم البقر والمواشي والدجاج علفاً من مسحوق عظام الحيوانات النافقة والميتة، وقد أدّى ذلك إلى ظهور أمراض كثيرة بتنا نسمع عنها.

 ومن مصاديق الغش هو التدليس، ويُمثَّل له بتدليس ‏الماشطة المرأة التي يراد تزويجها، أي قيام العاملات في مجال التجميل بعمل تغييرات ظاهرية على المرأة التي يُراد تزويجها بحيث تغطي على عيوبها بهدف خداع الرجل المقدم على الزواج منها، كتغيير لون بشرتها، أو التغطية على‏الصلع بوضع شعر مستعار، أو التغطية على عيوب في الوجه أو العين مثلاً بالمساحيق وأدهان التجميل.

إذن، فالتدليس هو: كل عمل يؤدي الى كتمان عيوب الشي‏ء وإخفائها وإظهاره على خلاف الواقع.

ولا شك في حرمة هذا العمل مع القصد إليه، لأنه من أبرز مصاديق الغش المحرم.
إلاّ أن التدليس لا ينحصر اليوم في عمل الماشطة، بل هناك مجالات كثيرة للتدليس المحرم في العقود والمعاملات, ومن المصاديق والأمثلة:

1-   التدليس في منشأ البضاعة كأن يعرض بضاعة مصنوعة في بلد معين على أنها مصنوعة في بلد آخر.

2-   التدليس في العلامات التجارية، كأن يستخدم الفرد أو المصنع علامة تجارية معروفة ومرغوبة لتسويق بضاعته التي‏ لولا إنتحالها للعلامة المعنية لما أقبل عليها المشتري.

3-   التدليس في كتابة مكوِّنات المنتج ومقاديرها، فإذا كانت مادة غذائية معينة - مثلاً - تدخل في مكوِّناتها خامات‏ غير مرغوبة كالألوان الصناعية أو المواد الحافظة المضرّة، فيكتب عليها أنه خالية من ذلك، أو يذكر في المكوِّنات بعض‏المواد دون بعضها الآخر مما يؤدي إلى تضليل المشتري، وهكذا كل ما يغطي على حقيقة مكوِّنات المنتوج.

4-   التدليس في تواريخ الإنتاج والانتهاء، ككتابة تواريخ غير حقيقية، أو تغيير تاريخ الانتهاء المنقضي بتاريخ جديد،وهكذا كل تغيير في التاريخ يؤدي إلى تضليل المشتري

5-   التدليس في نوعية المنتوجات، فلو كانت بضاعة ما مقسّمة من حيث النوعية إلى درجات: ممتازة، ومتوسطة،وعادية - مثلاً- فيعرض ذات النوعية العادية على أنها من النوعية الممتازة.

ولا فرق في كل ما ذكر من مصاديق الغش والتدليس بين أن يكون ذلك من فعل المتعامل نفسه، أو من فعل غيره، فإذا كانت هناك بضاعة تحتوي على التدليس والغش، حرم على كل من علم بذلك تسويقها.

 

                                                                      والحمد لله رب العالمين