الشيخ دعموش في المحاضرة الإسبوعية 18-5-2015: القرآن وعد المؤمنين بالتعويض على خسائرهم المادية التي تنجم عن مشاركتهم في الجهاد والمقاومة

هناك الكثير من العوامل التي تلعب دوراً في تثبيط الناس عن الجهاد وشل إرادتهم وعزائمهم عن القيام بواجباتهم ومسؤولياتهم الجهادية تجاه أعداء الدين والوطن والأمة.هناك الكثير من الأشياء التي تشكل مانعاً وحاجزاً وعائقاً يمنع الإنسان عن المشاركة في قتال العدو والخوض في الصراعات والحروب والجهاد، فيتخلى الإنسان بسببها عن مسؤولياته وواجباته الجهادية ضد الذين يهددون الوطن والأمة.

 من تلك العوامل والأسباب، الخسائر المادية التي تنجم عن الحرب. فالحرب قد تتسبب بتدمير بيوت الناس وأرزاقهم وممتلكاتهم، وقد تعطل مصالح الناس وتذهب بأموالهم ومصادر رزقهم، وقد تسبب الفقر وضيق المعيشة وتردي الأوضاع الاقتصادية وخسارة التجارات والأعمال والمصالح..

أليس هناك الكثير من الناس يميلون إلى الدعة والسلامة, ويهربون من الدخول في حروب وصراعات, ويتخلفون عن تحمل مسؤولياتهم الوطنية والشرعية في مواجهة الأعداء, بسبب خوفهم على ممتلكاتهم ومصالحهم وأموالهم وأوضاعهم المعيشية والاقتصادية.

أليس هناك من يقول إن الدخول في صراع مع الإسرائيلي أو التكفيري يصيب الأوضاع الاقتصادية في البلد بأضرار جسيمة لا يتحملها لبنان؟ وأن الصراع مع التكفيريين في سوريا وعلى الحدود يأتي بالإرهبيين الى لبنان, ويؤدي إلى مخاطر كبيرة على البلد؟!

فالكثير من الناس يتخلون عن مسؤولياتهم ويتخلفون عن المقاومة والجهاد، ويتقاعسون ويتخاذلون، ويهربون من الدخول في الحروب والصراعات خشية على مصالحهم، وخوفاً من الخسائر المادية التي قد تسببها الحروب والصراعات.

ومن تلك العوامل أيضاً الخوف على الأرواح والأنفس، الخوف من القتل والموت، خوف الإنسان على نفسه أو على زوجته وأولاده أو على أهله، أو على أقربائه وأصدقائه وجيرانه ومجتمعه..

عندما يخاف الإنسان على روحه ويميل نحو الحفاظ على حياته ويخشى الموت والفناء فإنه يهرب من الحرب ولا يحبها, ويتخلى عن واجبه حتى عندما يكون واجبه مقاتلة العدو ومنعه من تشكيل خطر على وطنه وأهله

أليس هناك بعض الناس يفرون من المعركة أو يتجنبون الدخول والمشاركة في قتال العدو بسبب خوفهم على أرواحهم وحبهم للحياة؟

أليس هناك من هو ضد المقاومة والمواجهة  مع العدو الإسرائيلي المعتدي والمحتل أو مع العدو التكفيري الذي يهدد بلدنا وطوائفه ومكوناته بسبب جبنه وخوفه على حياته إذا حصلت حرب أو مواجهة مع الأعداء؟

مثل هذه العوامل والأسباب التي تحجز الإنسان وتمنعه عن القيام بواجباته تجاه أعداء الوطن والأمة، موجودة في واقعنا المعاصر.

وقد كانت موجودة في زمن رسول الله (ص) وكانت تمنع بعض الناس وخاصة المنافقين من المشاركة في الجهاد والمعارك التي كان يقودها النبي (ص) وقد تخلفوا عن الخروج مع رسول الله (ص) في أكثر من معركة، تحت حجج واهية, كما حصل في غزوة أحد وفي غزة الخندق وفي غيرها من معارك الإسلام.

وقد تحدث القرآن عن مثل هذه العوامل وعمل على معالجتها وتوعية المؤمنين والمسلمين بما يجعلهم يتجنبون مثل هذه العوائق عندما يكون واجبهم أن يقاتلوا عدوهم وأن يواجهوه بكل قوة.

فأولاً: أشار القرآن الكريم إلى أن الله وعد المؤمنين بالتعويض على خسائرهم المادية التي يمكن أن تحصل بسبب مشاركتهم في الجهاد والمقاومة, أو التي يمكن أن تنجم عن الدخول في حروب ومعارك وصراعات مع الأعداء.

قال تعالى: [يا أيها الذين آمنوا إنما المشركون نجس فلا يقربوا المسجد الحرام بعد عامهم هذا وإن خفتم عيلة فسوف يغنيكم الله من فضله إن شاء إن الله عليم حكيم].                                                                                                                                               

فمنع المشركين من دخول مكة والاقتراب من المسجد الحرام قد يسبب ركوداً اقتصادياً داخل مكة يؤدي إلى حرمان الكثيرين من وظائفهم وعائداتهم التجارية, ويؤدي بالتالي إلى فقر الناس, كون المشركين كانوا أساساً في العجلة التجارية والاقتصادية داخل مكة.

لذلك وعدهم الله إن ثبتوا وجاهدوا بالتعويض عن خسائرهم [وإن خفتم عيلة فسوف يغنيكم الله من فضله] وذلك بأن يهيئ لهم الظروف المناسبة كإنزال النصر عليهم، النصر الذي يستتبع الأمن والاستقرار ويوفر الرفاه والازدهار وتحريك العجلة الاقتصادية.

وثانياً: إن المؤمنين يعتقدون بأن ما من شيء يجري عليهم في هذه الحياة من أحداث ومصائب وأزمات إلا وهو مقدر ومكتوب عند الله سبحانه، لأن كل الأحداث التي تجري في العالم مرتبطة بالتقدير والتدبير الإلهي، ولأجل ذلك فإن المصائب التي يمكن أن تقع على الإنسان ليست مانعاً للمجاهدين عن الاستمرار في الجهاد وخوض الحروب لأن ما يقدره الله سبحانه سيقع حتماً.

يقول تعالى: [ما أصاب من مصيبة في الأرض ولا في أنفسكم إلا في كتاب من قبل أن نبرأها إن ذلك على الله يسير لكيلا تأسوا على ما فاتكم ولا تفرحوا بما آتاكم والله لا يحب كل مختال فخور].

كل شيء يصيبكم في الحياة فقد دونه الله في كتاب قبل أن يخلق الأرض ومن عليها، وهذا لا يعني أننا مجبرون على أفعالنا بل يعني بأن الله سبحانه وتعالى قدر وكتب وعلم بما سنقوم به باختيارنا وإرادتنا قبل أن يخلقنا ويخلق السماوات والأرض، لأن علمه علم أزلي وهو يعلم ما كان وما سيكون وما هو كائن منذ الأزل.

وإذا كان الإنسان يملك هذا الاعتقاد، أي الاعتقاد بأن ما يريده الله وما كتبه الله سيحصل قطعاً وما هو مقدر سيقع حتماً, فلا معنى بعد ذلك للخوف من أي شيء, لا من فقدان المال ولا من فقدان الأمن ولا من فقدان الزوجة والأولاد ولا من فقدان أي شيء آخر, وبالتالي فإن الخوف والقلقمن خسارة مثل هذه الأمور لا ينبغي أن تمتنع عن المشاركة في الجهاد والمقاومة لأن الانسان يجب أن يعرف ويعتقد بأنه قد يخسر نفسه أو ماله أو ممتلكاته وأرزاقه بأسباب أخرى غير الحرب. فإن الإنسان قد يموت بحادث سيارة، وقد يذهب ماله بسبب خسارة تجارية, وقد يدمر بيته بسبب زلزال طبيعي وهكذا.. من يضمن لنفسه إذا تخلف عن الجهاد والمقاومة بسبب الخوف من الموت أو فقدان الملك أن لا يموت أو يفقد أملاكه بسبب آخر؟ المؤمن يعتقد بأن أجل الإنسان إذا حان فإنه سوف يموت ولو كان بعيداً عن كل الأخطار التي تسبب الموت، أما إذا لم يحن أجله فإنه لن يموت حتى ولو كان في قلب الجبهة أو محاصراً فيها ويتعرض لقصف مباشر من العدو.

والخلاصة: إن المؤمن لا يخاف من المصائب والأزمات التي يمكن أن تسببها الحروب لأنه يعلم أن الأحداث التي تقع في الحياة إنما تقع وفقاً للتقدير الإلهي وطبقاً لما كتبه الله في الكون والحياة، ولذلك فلا يمكن أن يكون ذلك مانعاً وعائقاً أمام المؤمن للمشاركة في الجهاد والمقاومة كما لا يهمه عند ذلك ماذا ستكون النتيجة النصر أم الشهادة.

والحمد لله رب العالمين