الشيخ دعموش في المحاضرة الاسبوعية 22-9-2014: على الإنسان المؤمن أن يتنبه حتى يكون مستعداً لمواجهة الاختبارات التي يمر فيها في حياته ليفوز فيها بجدارة.

أكد سماحة الشيخ علي دعموش في المحاضرة الأسبوعية أن المؤمن ليس بمنأى عن الاختبارات الإلهية المتعددة والمتنوعة، وأن المؤمن الصادق الذي يصبر على عظيم البلاد وينجح في الامتحانات المتعددة، يحيطه الله برعاية ويؤيده ويسدده وينصره ولا يمكن أن يتخلى عنه في أي حال من الأحوال.

وقال: إن الله اختبر جنود طالوت ـ وفق ما تحدث به القرآن الكريم ـ بنهر، حيث أمرهم بأن لا يشربوا منه مهما بلغ بهم العطش، فخالفت الكثرة وشربت وسقطت في الاختبار, بينما نجحت القلة بعد ما سلمت وانقادت والتزمت بالتكليف الإلهي وبأوامر القائد الرباني.

قال تعالى: فلما فصل طالوت بالجنود قال إن الله مبتليكم بنهرٍ فمن شرِب منه فليس مني ومن لم يطعمه فإنه مني إلا من اغترف غرفة بيده فشربوا منه إلا قليلاً منهم فلما جاوزه هو والذين آمنوا معه قالوا لا طاقة لنا اليوم بجالوت وجنوده قال الذين يظنون أنهم ملاقوا الله كم من فئة قليلةٍ غلبت فئة كثيرة بإذن الله والله مع الصابرين ولما برزوا لجالوت وجنوده قالوا ربنا أفرغ علينا صبراً وثبت أقدامنا وانصرنا على القوم الكافرين] البقرة/ 249-250.

وروي عن الإمام الرضا (ع) في تفسير هذا المقطع من كلام الله أنه قال: وقال لهم نبيهم: يا بني إسرائيل: إن الله مبتليكم بنهر في هذه المفازة، فمن شرب منه فليس من حزب الله، ومن لم يشرب فهو من حزب الله إلا من اغترف غرفة بيده، فلما وردوا النهر أطلق الله لهم أن يغرف كل واحد منهم غرفة بيده، فشربوا منه إلا قليلاً منهم، فالذين شربوا منه كانوا ستين ألفاً، وهذا امتحان امتحنوا به كما قال الله.

وروي عن أبي عبد الله (ع) أنه قال: القليل الذين لم يشربوا ولم يغترفوا ثلاث مائة وثلاثة عشر رجلاً، فلما جاوزوا النهر ونظروا إلى جنود جالوت قال الذين شربوا: لا طاقة لنا اليوم بجالوت وجنوده. وقال الذين لم يشربوا: [ربنا افرغ علينا صبراً وثبت أقدامنا وانصرنا على القوم الكافرين].

والملاحظ أن عدد 313 تكرر في أكثر من واقعة وأثبت أهليته وكفاءته ولياقته بالنصر, فالقلة التي نجحت في الاختبار مع طالوت كانت 313 , والقلة التي نصرها الله ببدر كانت 313 , والقلة التي ستساهم في تحقيق الوعد الإلهي عند ظهور قائم آل محمد (عج) هي 313 ايضاً كما في الروايات.

وفي كل الأحوال فإن ما يستفاد من قصة طالوت مع جنوده مجموعة أمور, سأقتصر في الحديث عن الأمر الأول هنا على أن نتحدث عن الأمور الأخرى في محاضرات لاحقة:

إن كلمة [إن الله مبتليكم بنهر] في الآيات التي تتحدث عن طالوت وجنوده، تقرر أمراً واقعاً وقانوناً ثابتاً هو قانون الاختبار والافتتان الإلهي في الحياة.

فالإنسان في كل مراحل حياته هو في دائرة الاختبار الإلهي، يواجه تحديات وضغوط وأزمات ويمر بمراحل قاسية وظروف صعبة ويتعرض للبلاء ويخضع لامتحانات عسيرة ويُفتتن وتُقدم له مغريات كثيرة, والله يختبره لكشف مدى إيمانه وإخلاصه وصدقه وثباته وصبره [أحسب الناس أن يُتركوا أن يقولوا آمنا وهم لا يفتنون، ولقد فتنا الذين من قبلهم فليعلمن الله الذين صدقوا وليعلمن الكاذبين] ـ العنكبوت/ 2 ـ3.

والمؤمنون مهما كانت درجة إيمانهم عالية هم ليسوا خارج دائرة الاختبار والامتحان الإلهي, بل هم مشمولون في هذا القانون, ومن الأخطاء الكبرى أن يظن المؤمنون أنهم في الحياة الدنيا لن يمروا بامتحانات وأنهم لن يتعرضوا لاختبارات صعبة [وما كان الله ليذر المؤمنين على ما أنتم عليه حتى يميز الخبيث من الطيب] آل عمران / 179.

فالمؤمنون كغيرهم..هم في دائرة الاختبار والافتتان الإلهي, وعلى الإنسان المؤمن أن يتنبه لذلك دائماً وفي جميع المراحل حتى يكون مستعداً لمواجهة الاختبارات التي يمر فيها في حياته ليفوز فيها بجدارة.

ألم نتعرض نحن هنا في لبنان لاختبارات في مراحل وحقبات متعددة.. لقد ابتلينا بالاحتلال، وواجهنا عدوان تموز 2006، وكان اختباراً صعباً , وتصدينا بعده لكل محاولات الفتنة التي كان البعض يستدرجنا اليها من أجل أن يحقق عن طريقها ما عجز العدوان الصهيوني عن تحقيقه.. وها نحن اليوم نمر بأصعب اختبار وابتلاء هو ابتلاءنا وابتلاء الأمة بالتكفيريين الإرهابيين الذين يقدمون أنفسهم ومشروعهم باسم الإسلام وباسم رسول الله (ص).. وهما منهم براء.

 أليس هذا اختباراً جديداً نواجهه في هذه المرحلة؟؟

والاختبارات التي يتعرض لها الإنسان متعددة ومتنوعة، فهي لا تحصل مرة واحدة ثم تنتهي القضية , ولا تأخذ شكلاً واحداً أو مستوى واحداً أو مساراً واحداً أو منحىً واحداً، وإنما قد تشتد وتضعف وتأخذ أشكالاً متنوعة، فقد يكون البلاء في بعض الأحيان فتنة دينية وقد يكون الاختبار سياسياً أو عسكرياً أو أمنياً أو اقتصادياً أو غير ذلك..وقد يكون في بعض الأحيان قوياً وشديداً وقد يكون عادياً ومحمولاً.

وهنا على الإنسان أن يبرهن عن إيمانه وثباته وصبره وتسليمه والتزامه، فإذا استطاع مواجهة كل أشكال الاختبارات بنجاح فإن الله لن يتخلى عنه وسيقف إلى جانبه يثبته ويقويه وينصره ويؤيده بألطافه ويلحق الخزي والهزيمة بأعدائه، ألم ينصرنا الله على إسرائيل بعد أن صبرنا وصبر مجاهدونا في المقاومة الإسلامية وصبر أهلنا وصمدوا وثبتوا ونجحوا في الاختبارات والتحديات المتعددة التي واجهتنا وواجهت بلدنا خلال العقود الثلاثة الماضية.

واليوم عندما نبرهن عن صدقنا وثباتنا وصبرنا سنفوز وننجح في الاختبارات الجديدة ونلحق الهزيمة بالتكفيريين الإرهابيين الذين ابتلى الله بهم هذه الأمة..

 

والحمد لله رب العالمين