الشيخ دعموش في المحاضرة الاسبوعية 15-9-2014 : على المؤمن مهما كانت انشغالاته أن لا يغفل عن الاهتمام بأسرته

أكد الشيخ دعموش في المحاضرة الاسبوعية على أن هدف الإنسان المؤمن وغايته في الحياة إرضاء الله سبحانه, فهو في كل أعماله وتطلعاته وآماله وأهدافه يطلب رضا الله, وهمه الأول والأخير أن يحصل على رضاه سبحانه وتعالى,

 بينما الإنسان غير المؤمن قد يكون همه بشكل أساسي هو إرضاء الناس، بأن يكون الناس راضين عنه ومقبولاً عندهم، البعض غايته طلب رضا الزعيم الفلاني والرئيس الفلاني والوجيه الفلاني، هدفه أن يكون رب العمل أو صاحب الشركة أو المسؤول عن الوظيفة راضياً عنه، البعض الآخر قد يكون هدفه إرضاء الحزب الفلاني أو التيار الفلاني أو الجماعة الفلانية أو إرضاء رفقائه وأصدقائه أو أقربائه وأرحامه أو المجتمع الذي يعيش فيه.. وهكذا يكون همُّ غير المؤمن إرضاء هذه الشرائح التي ترتبط مصلحته بهم، اما الحصول على رضا الله فهو آخر همه، بخلاف المؤمن الذي يكون هدفه نيل رضا الله أولاً وأخيراً، وقد صرح القرآن بذلك بقوله تعالى: (واتبعوا رضوان الله) ـ آل عمران/174.

وهذا لا يعني أن المؤمن لا يهمه الناس، أو أنه لا يبالي بسخط الناس وغضبهم وعدم رضاهم عنه، بل على الإنسان المؤمن أن يسعى ليكون مقبولاً عند الآخرين وأن يحصل على رضاهم ومحبتهم ومقبوليتهم إلا أن الفرق بين المؤمن وغير المؤمن في حالة تعارض رضا الله مع رضا الناس، وفي حالة ما إذا كان إرضاء الناس يستوجب غضب الله وسخطه.. فالمؤمن يقدم رضا الله على رضا الناس في هذه الحالة حتى ولو استوجب ذلك سخط الناس عليه، بينما غير المؤمن لا يبالي برضا الله عنه في هذه الحالة فهو يعمل على ما يرضي الناس أو فلان أو الحزب الفلاني أو الزعيم أو الوجيه الفلاني.. ويقدم رضا هؤلاء على رضا الله.. لأن غايته وهدفه والمهم عنده هو أن يكون الآخرون راضين عنه ولو استوجب رضاهم سخط الله وغضبه.

ومن جملة موجبات رضا الله عز وجل إضافة إلى ما ذكرناه في المحاضرة السابقة (حيث ذكرنا منها التقوى، وكثرة الاستغفار, والتواضع، والصدقة) أمران:

الأول: الإحسان إلى العيال والتوسعة عليهم، وإسداء المعروف لهم، وإحاطة الزوجة والأولاد بالرعاية والاهتمام والاحتضان المطلوب, ومتابعتهم ومواكبتهم بالتربية الصحيحة حتى لا يضيعوا أو ينحرفوا.. فإن الاهتمام بالعيال والأسرة والتوسعة عليهم وتوفير العيش الكريم لهم من موجبات الحصول على رضوان الله سبحانه.

ولا ينبغي للإنسان المؤمن مهما كانت انشغالاته وأعماله كثيرة ومهما كان مستغرقاً في وظيفته أو في متجره أو حتى في العمل الرسالي والجهادي أن يغفل عن الاهتمام بزوجته وأولاده، بل عليه حتى وهو في ذروة انشغاله بالعمل الجهادي أن يلاحق عياله بالاهتمام والرعاية ومتطلبات الحياة , وأن يعطيهم من وقته وجهده , وأن يفيض عليهم من عطفه وحنانه، وأن يلاحقهم بالتربية والنصح والتوجيه, وأن يطلع على شؤونهم وأحوالهم, وأن يهتم بدينهم واستقامتهم وأخلاقهم وسلوكهم كما يهتم بعلمهم, وأن يعرف من يعاشرون ومن يصاحبون ويرافقون، وماذا يفعلون في أوقات الفراغ، وإذا كانت لديهم وسائل للتواصل عبر الإنترنت أوالفايس بوك والوتس آب أن يتابعهم ليعرف إلى أية مواقع يدخلون ,ومع من يتكلمون, خصوصاً في هذه المرحلة التي يعيش فيها الشباب والفتيات وخاصة المراهقين منهم تحديات وضغوط كثيرة بفعل تطور وسائل الاتصال والتواصل الاجتماعي.

إن كل هذه الأمور وغيرها ينبغي للإنسان المؤمن أن يهتم بها في إطار الأسرة والعيال والأولاد من أجل ضمان حياتهم ومعيشتهم واستقامتهم في الحياة.

ولذلك فلا ينبغي أن يكون اهتمامه بالعمل مهما كان شريفا ً ونبيلاً وسامياً على حساب حياتهم وعيشهم الكريم, كما لا ينبغي أن تكون رعايته لأسرته الى الحد التي تجعله يغفل عن مسؤولياته الأخرى, بل لا بد للإنسان المؤمن أن يوازن بين عمله وبين اهتماماته بأسرته، وأن يوزع وقته وجهده وهمه واهتمامه بين بيته وعمله بطريقة منسقة ومدروسة قدر الإمكان,فلا يكون هناك شيء على حساب شيء .

وهذا ما أكد عليه الإسلام، فقد روي عن رسول الله (ص) انه قال: خيركم خيركم لأهله، وأنا خيركم لأهلي.

فرسول الله الذي هو قدوتنا وأسوتنا وأشرف وأعظم الناس بالنسبة لنا, بالرغم من كثرة مسؤولياته وانشغالاته الروحية والرسالية والسياسية والاجتماعية والجهادية، لم يصرفه شيء عن الاهتمام بعياله وأهله، فيقول: (وأنا خيركم لأهلي) كان خير الناس في اهتمامه ورعايته وتعامله مع زوجاته وأولاده، لم يبخل عليهم لا بوقت ولا بجهد ولا بعاطفة ولا بتربية, كان يعطيهم من كل ذلك ويوجه المسلمين ليكونوا مثله، فيقول:( خيركم خيركم لأهله.. )وقد بلغ من عنايته بأولاده أنه كان يخصص وقتاً لمداعبتهم.

ويقول الإمام زين العابدين (ع): إن أرضاكم عند الله أسبغكم على عياله.

الثاني: الرضا بقضاء الله: فإن من أهم الطرق إلى رضوان الله سبحانه هو أن يصل الإنسان إلى مقام الرضا والتسليم بالقضاء كيفما وقع, في السراء والضراء وفي الشدة والرخاء.. بمعنى أن يسلم بما قسمه الله له في هذه الحياة على كل المستويات، على مستوى الرزق والمال والقدرات والمواهب والإمكانات والقابليات والابتلاءات والمصائب.. فإذا لم يتأفف الإنسان من قلة الرزق والمال، ولم يتبرم لكثرة الضغوط والتحديات والأزمات والابتلاءات التي يصادفها في حياته، ولم يسخط ولم يغضب، ووصل إلى مقام التسليم والرضا بالقضاء, فإنه بذلك يَعبُر إلى مقام رضوان الله. والرضا بالقضاء ألى درجة وأسمى من الصبر، لأن الإنسان قد يصبر على الفقر وقلة المال، أو على البلاء والمصيبة مثلاً إلا أنه في داخله يكون متبرماً ومنزعجاً وغير راض, بينما إذا وصل إلى مقام الرضا، فإن الرضا معناه أنه مرتاح لما قسم الله له ومطمئن له وراض به على كل حال.

ويُعرف الإنسان بأنه راض بالقضاء إذا رضي بما صنع الله له ولم يسخط على شيء قدره الله له أو أصابه به.

فعن رسول الله (ص) أنه قال لجبرائيل، فما تفسير الرضا؟ قال: الراضي لا يسخط على سيده أصاب من الدنيا أم لا يصب.

بعض الناس يقيم الدنيا ولا يقعدها اعتراضاً على الله إن لم يحصل في الدنيا على مبتغاه أو إذا لم يُصب مالاً أو رزقاً أو جاهاً أو الخ.. بينما المؤمن لا يعترض ويسلم ويرضى في كل الأحوال وفي كل الأوضاع ومهما واجه من تحديات ومصاعب.

عن الإمام الصادق (ع): اعلموا أنه لن يؤمن عبد من عبيده حتى يرضى عن الله فيما صنع الله إليه وصنع به على ما أحب وكره.

فالمؤمن الحقيقي هو الذي يرضى بما يصنعه الله للإنسان سواء كان ما صنعه به خيراً أو شراً محبوباً عنده أو مكروهاً..

والخلاصة: أن الرضا بالقضاء هو أن يرضى الإنسان بما يصنعه الله للإنسان في كل الأحوال خيراً كان أم شراً, رخاءاً أم شدة ، سراء أم ضراء.

وهذا المقام لا يصل إليه الإنسان إلا إذا كان على درجة عالية من اليقين والإيمان القوي والعلم والمعرفة والمحبة لله سبحانه وتعالى لأن الرضا بالقضاء هو نتيجة وثمرة كل هذه الأمور التي يحولها الإنسان إلى جزء من شخصيته ولذلك يقول الإمام زين العابدين (ع): الرضا بالمكروه أرفع درجات المتقين.

فلنعمل لنكون من الذين اتبعوا رضوان الله وعملوا للوصول إليه وميزوا أنفسهم عمن سخط الله عليهم فكان مصيرهم جهنم.

[أفمن اتبع رضوان الله كمن باء بسخط من الله ومأواه جهنم وبئس المصير] ـ آل عمران/ 162.

 

والحمد لله رب العالمين