الشيخ دعموش في المحاضرة الاسبوعية 11-8-2014: من أوثق روابط الإيمان الحب في الله والبغض في الله.

المعايير التي يعتمدها الناس غالباً في الحب والبغض من النوع الذي ذكرناه هي معايير غير صحيحة, والله يريدنا أن نحب في الله وأن نوالي في الله من يطيع الله حتى ولو كان أبعد الناس عنا نسباً وانتماءاً ومصلحة.. وأن نعادي في الله من يخالف الله ورسوله ويحارب الله ورسوله ويعصي الله ورسوله حتى ولو كان أقرب الناس إلينا في النسب أو في الانتماء أو في ميزان المصالح والمنافع.

[لا تجد قوماً يؤمنون بالله واليوم الآخر يوادون من حاد الله ورسوله ولو كانوا آبائهم أو أبناءهم أو اخوانهم أو عشيرتهم].

ليس هناك من مؤمن ملتزم يؤمن بالله واليوم الآخر ويطيع الله ويخافه يحب وينصر ويوالي من تمرد على الله ورسوله وكفر بهما حتى ولو كان المتمرد والده أو ابنه أو من أخوانه أو من عشيرته وعائلته.

فالمؤمن لا يمكن أن يحب الكافرين والمنافقين والعصاة والمتمردين على الله ورسوله. المؤمن لا يحب إلا من يحبه الله ويطيع الله ويستجيب لأوامره وأحكامه, ويبغض من خالف إرادة الله ولم يلتزم بما أمر به وبما نهى عنه.

وهذا يدخلنا إلى بحث موضوع الحب والبغض والموالاة والمعاداة فما هو معيار الحب والبغض في حياتنا؟ وعلى أي أساس نوالي ونعادي ونحب ونكره؟

بالعودة إلى حياتنا الاجتماعية نجد ثمة الكثير من الناس يحبون ويكرهون على أساس القرابة والانتماءات السياسية والحزبية والمصالح.

فنجد البعض يحب فلاناً لأنه قريبه ومن أرحامه أو من عائلته وعشيرته.. ونجد البعض الآخر يحب فلاناً لأنه ينتمي إلى نفس الحزب أو الحركة أو التيار الذي ينتمي هو إليه.

ونجد شخصاً ثالثاً يحب فلاناً أو الجهة الفلانية لأنه يؤمن له مصالحه, أما لأنه شريكه في المصلحة, أو لأنه عامل وموظف لديه, أو لأنه زعيم أو رئيس ينجذب إليه ويحقق له مصالحه وأهدافه وهكذا..

وفي مجال البغض نجد البعض يبغض فلاناً ويكرهه لأنه من عشيرة منافسة لعشيرته أو لأن أباه أو أخاه أو أحد أفراد عائلته لا يحبه.

ونجد البعض الآخر يكره ويبغض فلاناً لأنه ينافسه في العمل أو الوظيفة أو في التجارة، أو لأنه لا يعجبه شكله أو هيئته، أو لمجرد أنه لم يدخل حبه في قلبه.

ونجد شخصاً ثالثاً يبغض وينفر من فلان لأنه لا يحمل نفس توجهاته السياسية أو الحزبية ولا يتفق معه في الانتماء السياسي أو الحزبي وهكذا..

قلما نجد من يحب ويبغض على أساس القرب من الله والبعد من الله، قلما نجد من يقول أحب فلاناً لأنه يحب الله ويطيع الله, وأبغض فلاناً لأنه يتمرد على الله ويعصيه ويخالف أوامره وأحكامه.

المعايير التي يعتمدها الناس غالباً في الحب والبغض من النوع الذي ذكرناه هي معايير غير صحيحة, والله يريدنا أن نحب في الله وأن نوالي في الله حتى ولو كان أبعد الناس عنا نسباً وانتماءاً ومصلحة.. وأن نعادي في الله من يخالف الله ورسوله ويحارب الله ورسوله ويعصي الله ورسوله حتى ولو كان أقرب الناس إلينا في النسب أو في الانتماء أو في ميزان المصالح والمنافع.

وهذا ما أكد عليه القرآن الكريم والأحاديث الواردة عن النبي الأكرم (ص) وأهل بيته الأطهار.

فالله تعالى يقول: [لا تجد قوماً يؤمنون بالله واليوم الآخر يوادون من حاد الله ورسوله ولو كانوا آبائهم أو أبناءهم أو اخوانهم أو عشيرتهم].

وقد اعتبرت بعض الروايات أن من أوثق روابط الإيمان الحب في الله والبغض في الله ,وهو أفضل الأعمال ويتقدم حتى على بعض العبادات لأنه الأساس فيها.

فعن النبي (ص) قال: أوثق عرى الإيمان الحب في الله والبغض في الله.

وعن الإمام الصادق (ع) قال: قال رسول الله (ص) ذات يوم لأصحابه: أخبروني بأوثق عرى الإسلام فبعضهم قال: الصلاة، وبعضهم قال: الزكاة وبعضهم قال الجهاد.. فقالوا: يا رسول الله فأخبرنا قال (ص): الحب في الله والبغض في الله.

إذن المعيار الصحيح للحب والبغض هو الحب في الله والبغض في الله, فما هي حقيقة الحب والبغض في الله؟ .

الحب في الله يتمثل في التالي:

1 ـ أن نحب من يحب الله ويعمل لله، وأن نتقرب ممن يكون قريباً من الله، وأن نوالي من يطيع الله.

وهنا تتفاوت درجات الحب بحسب تفاوت درجات القرب من الله, فكلما كان الشخص أو الجهة أو الجماعة قريبة من الله أكثر كان حبنا لها أكبر. فإذا كان فلان قريباً من الله بنسبة 20% بالمئة فإن حبنا له سيكون 20% وإذا كان قربه من الله بنسبة 50% فإن حبنا له يشتد إلى هذه النسبة، وإذا كان قريباً بنسبة 100% فإن حبنا له سيكون أشد وأقوى إلى أن يصل للنسبة نفسها..

ومن هنا فإن حبنا للأنبياء والرسل والأولياء والشهداء ينبغي أن يكون أشد وأقوى من حبنا للمؤمنين العاديين لأن قربهم من الله أعلى درجة من قرب كل أحد وحبهم لله أشد وأقوى من حب الناس العاديين لله.

ولذلك ورد عن النبي (ص): لا يؤمن عبد حتى أكون أحب إليه من نفسه، وأهلي أحب إليه من أهله، وعترتي أحب إليه من عترته، وذاتي أحب إليه من ذاته.

2 ـ أن نحب من يعيننا ويساعدنا على حب الله وطاعته, فإذا أحببنا شخصاً يساعدنا على فعل الخير الذي فيه لله رضا كمساعدة الفقراء وقضاء حوائج المؤمنين، ومعالجة بعض مشاكلهم أو ساعدنا على تأمين وظيفة أو عمل أو تحقيق مصلحة عامة فيها منفعة للدين أو للناس، فإن حبنا لهذا الشخص هو حب في الله.. لأنه ساعدنا على طاعة الله والتقرب إليه من خلال اعمال الخير والبر.

3 ـ أن نحب من يعيننا ويساعدنا في تأمين مستلزمات حياتنا وفي توفير المناخ المناسب لعبادة الله والتقرب من الله , كمن يساعدنا في تأمين منزل أو طعام أو وظيفة من أجل أن نتفرغ للعبادة والطاعة ولا ننشغل بأمور الدنيا  التي تلهينا عن طاعته سبحانه وتعالى..

وبذلك فإن كل من يوفر لنا فرصة ملائمة وجواً مناسباً للطاعة والعبادة والعمل الصالح فإن حبه هو حب في الله، وبذلك يصبح حبنا للزوجة حباً في الله إذا كانت عنصراً مساعداً على التقرب إلى الله، وهكذا الأولاد وغيرهم.

وأما البغض في الله فهو أن نبغض ونكره الآخرين لأجل عصيانهم وابتعادهم عن الله سبحانه.

وقد ورد عن النبي عيسى (ع): تحببوا إلى الله ببغض أهل المعاصي, وتقربوا إلى الله بالتباعد منهم, والتمسوا رضاه بسخطهم.

والمعاصي أيضاً درجات متفاوتة، والبغض في الله لمن يرتكب تلك المعاصي يشتد ويقوى بحسب حجم المعصية وكبرها، فقد تكون المعصية بالاعتقاد كالشرك والكفر وقد تكون بالفعل والممارسة والقول، ولأن الكفر والشرك من الذنوب العظيمة فإن البغض في الله للمشرك بنبغي ان يكون أعظم وأشد، كما أن المعاصي التي يمارسها الإنسان في الفعل والقول تختلف في أحجامها بين المعصية الكبيرة والصغيرة وتختلف في طريقة ارتكابها حيث تارة يكون الإنسان مستتراً وأخرى يكون متجاهراً بالمعصية. والبغض في الله يكون بحسب حجم تلك المعاصي وطريقة ممارستها..

ولذلك فإن بغضنا للمجرمين والقتلة والمحتلين والتكفيريين الذين يبارزون الله بقتلهم للأبرياء من الأطفال والنساء والرجال ويعتدون على الآمنين من المسلمين هو بغض شديد يتناسب مع حجم جرائهم وارتكاباتهم اللإسلامية واللإنسانية وإن كان بعضهم يرفع شعارات إسلامية وينتمي ظاهراً إلى الإسلام.

هؤلاء الذين يَدَعون الصهاينة ويقتلون الآمنين المسلمين هم امتداد لأولئك الخوارج في زمن الامام علي (ع) الذين كانوا يقرأون القرآن ويتظاهرون بتشددهم في العبادة لله ولكن ذلك لم يمنعهم من أن يتركوا اليهودي ويقتلوا المسلم الآمن، ولذلك فقد قاتلهم أمير المؤمنين (ع) لضلالهم.

هذا النوع من الضلال والإنحراف والبعد عن القيم نراه في التكفيريين الذين يمارسون القتل والجريمة باسم الإسلام ويدمرن بلاد المسلمين باسم الإسلام ويفتتون الأمة باسم الإسلام.

ولذلك نحن نبغضهم في الله ونعاديهم في الله ونرفض فكرهم ومنطقهم وعملهم في الله, لأنهم عادوا الله واعتدوا على عباد الله حتى ولو كانوا في الظاهر ينتمون إلى الإسلام.

والحمد لله رب العالمين