الشيخ دعموش في المحاضرة الأسبوعية 23-6-2014: على الإنسان المؤمن أن يراقب نفسه هل إيمانه من النوع الثابت او المتزلزل.

لفت سماحة الشيخ علي دعموش في المحاضرة الأسبوعية إلى أن الإيمان على نوعين: مستقر ومستودع.فالإيمان المستقر هو الإيمان الثابت الراسخ في النفس المكتوب على صفحة القلب [أولئك كتب في قلوبهم الإيمان]

الأيمان الذي لا يتزلزل ولا يتزعزع ولا يزول مهما تغيرت ظروف وأوضاع وأحوال الإنسان المؤمن.

هذا النوع من الإيمان ليس حالة طارئة وعارضة أو مؤقتة حتى يزول عند تغير الأحوال والأوضاع والمصالح .. بل هو إيمان مستقر ثابت لأنه لم ينشأ عن تقليد الآباء والأجداد, أو تأثراً بموجة معينة , أو نتيجة وجود مصالح أو منافع يمكن أن يستدرها الإيمان حتى إذا فقدت تلك المنافع زال الإيمان , بل هو إيمان ناشئ عن عقيدة ووعي وبصيرة ويقين, وهو يأتي نتيجة تأمل وبحث ودليل وبرهان وما ظهر للإنسان المؤمن من ألطاف الله وآياته وعظمته , بحيث يصل الإنسان بإيمانه إلى مرحلة اليقين الذي لا يزول ولا يتزعزع , ويصبح المؤمن مع هذا النوع من الإيمان أقوى من الجبل , لأن الجبل يستفلّ منه بالمعاول، والمؤمن لا يستفلّ من دينه شيء، ولا يستطيع أحد أن يأخذ منه شيئاً , كما لا تستطيع كل الشهوات والمغريات والأهواء والأضاليل أن تحرف الإنسان قيد أنملة عن دينه والتزاماته الدينية.

وأما الإيمان المستودع فهو الإيمان العارض والطارئ الذي يزول عند أدنى شبهة ويسقط أمام الأهواء والشهوات والمصالح، هو الإيمان المُعار على حد تعبير الروايات الذي يُسترد عندما يفقد الإنسان مصالحه ومنافعه معه , أو عندما تتغير أحواله وأوضاعه الاجتماعية أو المعيشية أو السياسية, أو عندما ينتقل من مكان إلى مكان ومن بلد إلى بلد، حيث نرى بعض الناس ظاهرهم الصلاح والتدين والهدى والتقوى، ويبقون كذلك فترة من الزمن ولكن لسوء اختيارهم ينحدرون إلى أن يصلوا إلى مرتبة سحيقة يفقدون فيها الإيمان.

ترى البعض يكون متديناً عندما يكون الدين منسجماً مع مصالحه ويعطيه مالاً أو جاهاً أو وظيفة أو منصباً، أما عندما يتعارض الدين والالتزام الديني مع مصالحه وأهوائه وطموحاته وآماله فإنه ينحرف ويبتعد عن الدين.

البعض يكون متديناً عندما يكون بين أهله وفي بلده لكنه إذا انتقل إلى بلد اغترابي , أهله بعيدون عن الدين والقيم والأخلاق فإنه يتأثر بالأجواء الفاسدة ويفقد إيمانه ويتخلى عن التزامه وينساق مع أهوائه وشهواته.

البعض يكون متديناً فترة من عمره إلا أنه عندما يواجه الشبهات والضلال والغزو الثقافي يتسرب الشك إلى قلبه فيتزلزل إيمانه ويزول .

يصف أمير المؤمين علي بن أبي طالب (ع) بعض أهل الإيمان فيقول :

هذا النوع من الإيمان هو إيمان متزلزل طارئ مؤقت غير ثابت, وقد عبرت عنه بعض الروايات بأنه إيمان معار، بمعنى أن بعض الناس يكون الإيمان عندهم عارية قابلة للرد، أي يُعارون الإيمان لفترة من الزمن ثم يسلبون ذلك, إما حال حياتهم أو عند الموت.

فعن أبي بصير، عن الإمام محمد الباقر (ع) قال: قلت [هو الذي أنشأكم من نفس واحدة فمستقر ومستودع] الانعام / 98. قال: ما يقول أهل بلدك الذي أنت فيه؟ قال: قلت: يقولون مستقر في الرحم ومستودع في الصلب فقال (ع): كذبوا، المستقر ما استقر الإيمان في قلبه، فلا ينزع منه أبداً، والمستودع الذي يستودع الإيمان زماناً ثم يسلبه، وقد كان الزبير منهم .

يوجد في التاريخ نماذج من هؤلاء الذين سمتهم الروايات بالمُعارين :

منهم : الزبير بن العوام، فقد كان هذا الرجل من صحابة النبي (ص) ووقف إلى جانبه في المراحل الصعبة وضحى بين يديه وأبلى بلاءاً حسناً، لكنه سرعان ما انحرف بعد وفاة النبي (ص) عندما لاحت له الدنيا حيث تمرد على أمير المؤمنين (ع) وحاربه في معركة الجمل وقتل على يدي أصحاب الإمام في تلك المعركة .

ومنهم: بلعم بن باعوراء حيث كان يعلم الاسم الأعظم وكان يدعو به فيستجيب الله دعائه، إلا أنه وقف إلى جانب فرعون في مواجهة موسى (ع) ودعا على موسى وأتباعه، وسقط في الاختبار بعد أن كان مؤمناً .

ومنهم: ابن الخطاب وهو من أصحاب الإمام الصادق (ع) الذي تتلمذ على يدي الإمام (ع) ودرس في جامعته وروى عنه الحديث في مجالات مختلفة، إلا أنه سرعان ما انحرف بعد ما أصابته شبهة وفسدت عقيدته ولم يثبت على الإيمان والحق بل زاغ وضل فكان من المعارين وقد قال الإمام أبو الحسن (ع) في حقه : إن الله خلق خلقاً للإيمان لا زوال له، وخلق خلقاً للكفر لا زوال له، وخلق خلقاً بين ذلك أعارهم الإيمان يسمون المعارين، إذا شاء سلبهم وكان أبو الخطاب ممن أعير الإيمان.

ولذلك فإن على الإنسان المؤمن أن يراقب نفسه وقلبه وأعماله فهل أن إيمانه من النوع الأول الثابت الذين لا يزول؟ أو أنه من النوع الثاني الذين يتزلزل ويزول أمام الشبهات والأهواء والشبهات؟

[ربنا لا تزع قلوبنا بعد إذ هديتنا وهب لنا من لدنك رحمة إنك أنت الوهاب]

 

والحمد لله رب العالمين