الرسول (ص) والصلاة..كان يشتد شوقه إليها ويترقب دخول وقتها(73)

صلاة رسول الله (ص) -(73)

الرسول (ص) في درس الصلاة..كان يشتد شوقه إليها ويترقب دخول وقتهاهذه المقالة مخصصةٌ للحديث عن صلاة النبي (ص) وعبادته وعلاقته بربه، ولكن قبل الحديث عن ذلك لا بد من مقدمة عن الصلاة وأهميتها في الإسلام، فالصلاةُ سكينةُ النفس وطهارةُ الروح، وأقوى مظهرٍ من مظاهر العبودية لله والعلاقةِ بين العبد وربه، وقد أمر اللهُ سبحانه عبادَه أن يُقيموا الصلاة في الغدو والآصال ومن قبلِ طلوع الشمس وبعدَ غروبها، وهم من أجل ذلك يترددون على ساحة الله سبحانه خمسَ مرات في اليوم كلما حان وقتُ الصلاة.

وللصلاة في الإسلام منزلةٌ لا تبلُغُها منزلةُ أيّةِ عبادةٍ أخرى فيه، وقد وردت في التشديد على إقامة الصلاة والمحافظةِ على وقتها وعدمِ التفريط أو التهاونِ بها وعلى أهميتها في الإسلام مجموعةٌ كبيرةٌ من الآيات القرآنية والنصوص النبوية الشريفة.

أقواله (ص) في فضل الصلاة :

فقد قال تعالى وهو يصور لنا الحوارَ الذي يدور في الآخرة بين الملائكة وسكانِ جهنمْ: {ما سلككم في سقر قالوا لم نكُ من المصلين ولم نكُ نُطعمُ المسكين} المدثر/42 و43 و44 وقال تعالى: {أقم الصلاة لدلوك الشمس إلى غسق الليل وقرآنَ الفجر ، إن قرآن الفجر كان مشهودا} 78/الإسراء. وقال تعالى: {حافظوا على الصلوات والصلاةِ الوسطى وقوموا لله قانتين} البقرة/238.

وقال (ص): إن عمود الدين الصلاة، وهي أولُ ما يُنظرُ فيه من عمل ابن آدم، فإن صحت نُظرَ في عمله، وإن لم تصح لم يُنظرْ في بقية عمله. وقال (ص) أيضاً: ليس مني من استخف بالصلاة، لا يردُ عليَّ الحوض لا والله.
ونظراً لما تحتلُهُ الصلاةُ من مكانة عظيمة في الإسلام فقد كان اهتمام النبي (ص) بها وتعاهُدُهُ لأمرها منقطعَ النظير، وهذا ما تكشفُهُ سيرتُهُ العطرة. فقد كان يصلي الصلاة في أول وقتها ويحثُّ المسلمين على أدائها في أول الوقت فقد روى عبدُ الله بنُ مسعود قال: سألت رسول الله (ص) أيُّ الأعمال أحبُّ إلى الله؟ فقال (ص): الصلاة لوقتها، قُلتْ: ثم أيُّ شيء؟ قال: برُّ الوالدين قُلتْ: ثم أيُّ شيء؟ قال: الجهادُ في سبيل الله.

ولشدة إقباله على الله سبحانه وتعالى وانشداده إليه تُحدثُنا إحدى زوجاته فتقول: كان رسول الله (ص) يُحدثُنا ونُحدثُهْ، فإذا حضرتِ الصلاةُ فكأنه لم يعرفنا ولم نعرفه. ولأهمية الصلاة لديه وشدةِ عنايته (ص) بها يُحدثنا أميرُ المؤمنين (ع) فيقول: وكان رسول الله (ص) نَصِباً – أي تعباً – بالصلاة بعد التبشير له بالجنة، لقول الله سبحانه {وأمرْ أهلك بالصلاة واصطبرْ عليها} فكان يأمر بها أهله ويُصَبّرُ عليها نَفسَه.ولعظيم شوقه للوقوف بين يدي ربه في الصلاة، فقد كان (ص) ينتظر وقت الصلاة بفارغ الصبر ويشتدُّ شوقُهُ إليها، ويترقبُ دخولَ وقتها ويقول لبلال مؤذِّنهِ: أرحنا يا بلال.

تعلّق النبي (ص) بالصلاة

في غرفة داخل بيت النبي (ص)ولشدة تعلقه بالصلاة كان يقول لأبي ذّرٍ الغِفاري: يا أبا ذر، إن الله تعالى جعل قرة عيني في الصلاة، وحببها إليَّ كما حببَ إلى الجائع الطعام وإلى الظمآن الماء، فإن الجائع إذا أكل الطعام شبع، وإذا شرب الظمآنُ الماء رَوِيْ، وأنا لا أشبع من الصلاة.

ومن مصاديق مداومته على العبادة والتوجه إلى الله وشكرهِ له أنه كان (ص) كما يروي الإمامان الباقرُ والصادقُ (عليهما السلام): إذا صلى قام على أصابع رجليه حتى تورمت، فأنزل الله تعالى {طه ما أنزلنا عليك القرآن لتشقى}. وعن الإمام علي بن الحسين (ع) قال: إن جدِّيْ رسولَ الله (ص) قد غفر الله له ما تقدم من ذنبه وما تأخر فلم يدعِ الاجتهادَ له، وتعبَّدَ بأبي هو وأُمي حتى انتفخ الساق وورم القدم، وقيل له: أفتفعلُ هذا وقد غفر الله ما تقدم من ذنبك وما تأخر؟ قال (ص) أفلا أكون عبداً شكوراً.

وكان (ص) إذا صلى خَشَعَ في صلاته، وتوجه بعقله وقلبه وروحه إلى الله، فعن الإمام الحسين (ع) في حديث له عن خشوع النبي (ص) في صلاته قال: كان (ص) يبكي حتى يبتلَّ مصلاه خشيةً من الله عز وجل من غير جرم.
وحول صلاة رسول الله (ص) في الليل يحدثنا عبدُ الله بنُ عباس فيقول: حتى إذا انتصف الليلُ أو قبلَه بقليل أو بعدَه بقليل، استيقظ رسولُ الله (ص) فجعل يمسح النوم عن وجهه بيده، ثم قرأ الآياتِ العشرَ الخواتمَ من سورة آل عِمران، ثم قام إلى شَنٍ معلقةٍ – أي قِرْبَةٍ عتيقةٍ فيها ماء – فتوضأ منها فأحسنَ وضوءه، ثم قام يصلي فصلى رَكعتين ثم رَكعتين ثم رَكعتين ثم رَكعتين ثم رَكعتين ثم رَكعتين ثم أوتر – أي صلى رَكعة واحدة هي رَكعةُ الوتر – ثم اضطجع حتى جاءه المؤذن، فقام فصلى رَكعتين خفيفتين ثم خرج فصلى الصبح.

النبي (ص) وصلاة الليل :

مدخل غرفة النبي (ص)ومن المعلوم أن صلاة الليل ثماني ركعات والشفعَ رَكعتان ثم الوترَ رَكعةٌ واحدة، وأما الركعتان الأوليان اللتان زادهما رسولُ الله (ص) فهما تستحبان قبل صلاة الليل كما ورد في الحديث المروي عن الإمام زين العابدين في وسائل الشيعة، وأما الركعتان اللتان صلاهما النبيُ (ص) عند مجيء المؤذنِ إليه فهما نافلةُ الفجر فيصبح المجموعُ خمسَ عشْرَةَ رَكعة كما ذكر ابنُ عباس في حديثه الذي ذكرناه.

وعن الإمام الصادق (ع): إن رسول الله (ص) كان يصلي بعدما ينتصفُ الليلُ ثلاثَ عشرةَ رَكعة.
وسُئلتْ أُم سلمة زوجةُ النبي (ص) عن صلاة رسول الله (ص) في الليل فقالت: ما لكم ولصلاته، كان يصلي ثم ينامُ قدْرَ ما صلى، ثم يصلي قدْرَ ما ينام، ثم ينام قدْرَ ما صلى، ثم يصبح.

هذه هي صلاة رسول الله (ص) وهذا هو خشوعُهُ ووقوفُهُ بين يدي الله سبحانه فهلا تكونُ صلاتُنا كصلاته وخشوعُنا بين يدي الله كخشوعه، فلنحاول ذلك...

الشيخ علي دعموش