خطبة الجمعة 05-01-2024: الكوثر فاطمة (ع)

الشيخ دعموش: كلّ جرائم العدو لن تُثني المقاومة عن القيام ‏بواجبها.

رأى نائب رئيس المجلس التنفيذي في حزب الله الشيخ علي دعموش أنّ: "المجازر ‏والجرائم التي تُرتكب من غزة إلى إيران، والاغتيالات الجبانة لقادة مقاومين في ‏لبنان والعراق، هي محاولات للتعويض عن العجز والفشل أمام المقاومة وصمود وثبات أهل غزة، وأمام تصميم حركات المقاومة في لبنان والعراق واليمن ‏على مُواصلة عملياتها لمُساندة غزة ونُصرة الشعب الفلسطيني".

وفي خطبة الجمعة من مجمع السيدة زينب (ع) في الضاحية الجنوبية، شدد الشيخ دعموش على أن: "كلّ هذه ‏الجرائم ومعها كلّ التهديدات والتحالفات، لن تُثني حركات المقاومة عن القيام ‏بواجبها الديني والأخلاقي والإنساني تجاه مظلومية الشعب الفلسطيني الذي يتعرّض ‏لحرب إبادة إسرائيلية أمريكية لا مثيل لها في تاريخنا المعاصر". ‏

وقال سماحته: "لن ينجح العدو في التعويض عن عجزه أو في كسر ‏إرادة الصمود والمقاومة عند أهلنا ومقاومتهم"، لافتًا إلى أن: "فلسطين وشعبا قدما العديد من القادة شهداء على طريق ‏فلسطين والقدس، وكان كلما يرتقي شهيد في الميدان تتعاظم المقاومة وتتعاظم ‏شعبيتها".‏ ‎ ‎

وأضاف: "إذا كان العدو من خلال المجازر والاغتيالات للقادة يريد تقويض المقاومة ‏وشعبيتها، فإنّ النتيجة التي يشاهدها العالم تؤكد أن المقاومة تزداد حضورًا في الميدان ‏وتزداد شعبيتها في غزة وفي الضفة وفي كل فلسطين، بل إنّ هذه الدماء تُؤجج روح ‏المقاومة عند شعوبنا في المنطقة وتزيدهم قناعة بخيار المقاومة ومواصلة طريقها". ‏

وأكد الشيخ دعموش أنّ: "الاغتيالات لن تعطي العدو الإسرائيلي صورة النصر التي يريدها، ولن ‏تُغيّر من انطباعات الرأي العام الإسرائيلي عن الفشل الذي أصاب جيشهم في ‏غزة،‎ ‎ولن تُخفّف من حال التململ التي بدأت في الداخل الإسرائيلي من كلفة الحرب ‏وتراجع الوضع الاقتصادي في الكيان الصهيوني، ولن تُعيد لجيش الاحتلال صورته التي تحطّمت في عملية طوفان الأقصى، لأن أسلوب الاغتيالات جرّبه ‏العدو مرارًا ولم يُوصله إلى نتيجة، ولم يُؤدّ إلى توقف المقاومة أو إنهاء القضية ‏الفلسطينية، بل على العكس من ذلك فإن دماء القادة الشهداء كانت على الدوام تستولد ‏قيادات جديدة أكثر إصرارًا وتصميمًا على مواجهة العدو وأشد عزمًا وصلابة ‏للدفاع عن القضية". ‏

وختم بالقول: "إذا كان العدو يُريد من خلال اعتدائه على الضاحية واغتيال الشهيد صالح العاروري تغيير المعادلات وفرض وقائع جديدة فهذا لن يحصل، لأن ‏المقاومة لن تسمح بكسر المعادلات القائمة، ولا يمكن أن يردعها شيء عن القيام ‏بما يجب القيام به لحماية لبنان وردع العدو عن المزيد من الجرائم أياً كانت ‏النتائج".‏

نص الخطبة

يقول الله سبحانه وتعالى في سورة الكوثر: ﴿إِنَّا أَعْطَيْنَاكَ الْكَوْثَرَ، فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ، إِنَّ شَانِئَكَ هُوَ الْأَبْتَرُ﴾.

الكوثر هو الخير الكثير، وهو يشمل كل خير وهبه الله لنبيه الأكرم محمد(صلى الله عليه وآله وسلم)، ومصاديقه ومفرداته كثيرة، لكن من أبرز وأوضح مصاديقه هو فاطمة الزهراء (عليها السلام) ، لأن الرواية التي تتحدث عن سبب نزول هذه السورة تقول: إن بعض الحاقدين ويقال اسمه عمرو بن العاص، وقيل: العاص بن وائل السهمي، قد وصف النبي(ص) بالابتر، اي الذي لا نسل له ولا اولاد له، وذلك بعدما مات أبناؤه ولم يبق له ولد في بداية البعثة، فنزلت السورة لترد على هذا الحاقد، ولتؤكد ان الله سيعطي نبيه نسلا كثيرا من خلال فاطمة(ع) يبقى مستمرا على مر الزمن، وان من صفه بالأبتر سيكون هو الأبتر، وقد عبر عن ذلك بصيغة الماضي (إنا أعطيناك) مع ان الأمر لم يكن قد تحقق بعد، لان فاطمة لم تكن قد ولدت عند نزول السورة، حيث نزلت في بداية الدعوة وفاطمة(ع) ولدت في السنة الخامسة بعد البعثة، وانما عبر بصيغة الماضي ليؤكد حتمية حصول هذا الأمر في المستقبل، وكأنه واقع ومتحقق فعلا، وصار من الماضي.

ولذلك فان هذه السورة المباركة في الحقيقة تخبر عن أمر غيبيّ سيتحقق وهو ان الله سبحانه وتعالى سيعطي نبيه كوثرا من الخير والبركات والنسل من خلال فاطمة الزهراء(ع) التي بواسطتها سيكثر نسل رسول الله(ص) ويستمر إلى يوم القيامة .

ولذلك رُوِيَ أن النبي (ص) قال لخديجة وذلك قبل ولادة فاطمة (ع): ( هَذا جِبرَئِيلُ يُبَشِّرُنِي أَنَّها أُنثَى ، وأَنَّهَا النَّسلَةُ ، الطاهرةُ ، المَيْمُونَةُ ، وأنَّ الله تبارك وتعالى سيجعل نَسلِي مِنها ، وسيجعل مِن نَسْلِهَا أئمة ، ويجعلُهُم خلفاء في أرضه بعد انقضاء وحيه ).
ومن هنا فإن الخير الكثير أو الكوثر ليس النبوة ولا إظهار الدين والرسالة،ولا الانجازات والانتصارات التي حققها النبي بجهاده ، وإنما الخير الكثير بقرينة الاية الاخيرة من السورة: ﴿إِنَّ شَانِئَكَ هُوَ الْأَبْتَرُ﴾، هو الخير الكثير في ذريته ونسله وهو فاطمة الزهراء (عليها السلام)كما يؤكد مغظم علمائنا ، لأن نسل رسول الله (ص) انما انتشر في العالم بواسطة فاطمة وذريتها التي خرجت من رحمها، وذرية النبي(ص) من فاطمة لم تكن امتدادا نسبيا لرسول الله(ص) فقط، بل كانت امتدادا رساليا له حمت الاسلام وضحت من أجل المحافظة على الدين والرسالة وارتقى الكثير منهم شهداء في سبيل العقيدة ، وكان منهم الأئمة الاثنا عشر، وكان منهم أيضا مئات الآلاف من العلماء والمفكرين والفقهاء والمحدثين والمفسرين والقادة الذين نشروا مبادىء وقيم واحكام الاسلام في ارجاء العالم.

وعند التأمُّل اكثر في الآية الأولى: ﴿إِنَّا أَعْطَيْنَاكَ الْكَوْثَرَ﴾ وفي بقيت الايات سيتّضح لنا العديد من الامور التي تدل على عظمة هذا العطاء الذي منه الله لرسوله(ص) وعلى عظمة الزهراء(ع):

الامر الأول: إنّ المقارنة بين هذه الآية والاية التي نزلت قبلها في سورة الضحى وهي قوله تعالى: ﴿وَلَسَوْفَ يُعْطِيكَ رَبُّكَ فَتَرْضَىٰ﴾ الضحى: 5. ترشدنا الى أن العطاء الموعود به النبي(ص) لا ينحصر في العطاء الأخروي وهو مقام الشفاعة، وأنّ بيده الصراط وبيده الميزان يوم القيامة؛ كما ورد في الروايات الشريفة، بل إن قوله تعالى: ﴿وَلَسَوْفَ يُعْطِيكَ رَبُّكَ فَتَرْضَىٰ﴾ يفيد أنه وعده بعطاءٍ لا حدود له في الدنيا والآخرة.

وأن العطاء الذي وعده به هو عطاءٌ يُرضيه، وأبرز وأوضح مظاهر العطاء الذي منحه الله إياه في الدنيا هو الكوثر وفاطمة وذريتها ﴿إِنَّا أَعْطَيْنَاكَ الْكَوْثَرَ﴾، فإن عطاء الكوثر هو أعظم عطاءٍ أرضى قلب النبي(ص) وهو عطاء حصل عليه الني(ص) في الدنيا واستمر في الآخرة.

الامر الثاني: أن العطاء يتضمن معنى السعة والكثرة، فهناك فرق بين الهبة والهدية وبين العطاء، فالجميع تمليك وبذل وعطاء، لكن الهبة والهدية لا تستبطن أكثر من تخصيص شيء لشخص معين من منطلق المحبة او القرابة او المصلحة، بينما الإعطاء يتضمن السعة والكثرة والشمول من موقع الإنعام والتفضل واللطف الالهي.

فعنوان العطاء هو السعة والكثرة ، لذلك كان المناسب ان يكون متعلق العطاء الكوثر الذي هو الخير الكثيروالواسع ، اي كان المناسب لهذا العطاء أن يكون كوثرا اي خيرا كثيرا وجزيلا وواسعا ﴿إِنَّا أَعْطَيْنَاكَ الْكَوْثَرَ﴾.

الامر الثالث: أن الله أعطى نبيه(ص) الكوثر والخير الكثير والنسل الكثير، وهو عطاء جزيل وكبير وعظيم، ولذلك فهو يستوجب الشكر الله ويستحق الشكر لكن ليس بالقول واللفظ ، بل بالعمل ولذلك قال تعالى (فصل لربك وانحر)، فطلب ان يكون الشكر بالصلاة التي هي من ابرز اشكال الشكر لله سبحانه وتعالى ، لان هذه النعمة العظيمة توجب الشكر واخلاص العبودية والعبادة لله سبحانه وتعالى، ولان هذا العطاء لرسول الله(ص) كان تكريما وإعزازاً وتشريفا من الله لرسوله(ص) فهو عطاء خير وكرامة وإعزاز ومحبة وتشريف، ولذلك كله استوجب الشكر بالصلاة والتوجه إلى الله من خلالها.

الامر الرابع: ان من شأن الوعد الالهي بإعطاء الكوثر والخير الكثير﴿إِنَّا أَعْطَيْنَاكَ الْكَوْثَرَ﴾. ان يبعث في نفس رسول الله(ص) الأنس والاطمئنان والارتياح التام، وايضا ان يقويه ويجعله اكثر صلابة في مواجهة التحديات والضغوط التي كان يفرضها المشركون والاعداء، هؤلاء الذين كانوا يعيريون النبي(ص) في تلك المرحلة بانه لا اولاد له ولا نسل له ولا امتداد له ولا قوة ولا سند ولا ظهر يعتمد عليه في المواجهة جاءت هذه الاية لتبشر النبي(ص) بالكوثر وبهذا العطاء الجزيل والواسع والعظيم ولتبعث في قلبه الطمانينة والراحة وفي المقابل لتبعث في نفوس الاعداء اليأس والاحباط لان من شأن إعطاء الكوثر للنبي(ص) ان يزرع اليأس والاحباط في نفوس شانئيه واعداءه، فهؤلاء الذين يحسبون ان النبي(ص) لا نسل له لا اولاد ولا علاقات وليس لديه قوة ولا امتداد يمكن ان يعتمد عليهم، ولا يملك شيئا من الوسائل التي تمكنه من الاستمرار والتمدد في المستقبل، بينما هم يملكون من الأموال والأبناء والقدرات والمواقع والسلطة ما يمكنهم من الامتداد في المستقبل، هؤلاء سيحبطهم وعد الله لرسوله بالكوثر وكثرة الخير والبركات والعطاءات والنسل المتكاثر والمستمر، وسيجعلهم ييأسون، لان هذا العطاء الكثير لرسول الله (ص)، اولا: هو من الله وليس من الغير حتى ينقطع فهو عطاء حقيقي مستمر ولا احد يستطيع قطعه ومنعه، وثانيا: لان الله يخبر رسوله بان شانك هو الابتر الذي سينقطع نسله وخيره، وان كل ما عنده من قدرات وامتداد سيزول ولن يبقى وهو الى بوار وزوال، ولا مستقبل له، وبالتالي فان عليهم ان يعيدوا حساباتهم.

فهذه الإخبارات (أنا أعطيناك الكوثر) و(ان شانئك هو الابتر) من شأنها أن تثبت وتقوي عزيمة النبي(ص) في المواجهة وأن تضعف وتوهن المشركين والأعداء. وهكذا كان فقد انتصر النبي(ص) على اعدائه من المشركين والكافرين واليهود والمنافقين ولم يستطع هؤلاء ولا تحالفاتهم ان تنال من النبي(ص) ولا من رسالته وهزموا جميعا امام المسلمين الذين تسلحوا بالايمان والارادة والجهاد وقدموا التضحيات الكبيرة في سبيل الله واليوم نحن نستطيع ان نتغلب على احفادهم وكل امتداداتهم عندما نتمسك بالايمان والارادة وخيار المقاومة ونكون مستعدين لتقديم التضحيات في سبيل الله.

اليوم المجازر والجرائم التي ترتكب من غزة الى ايران، والاغتيالات الجبانة لقادة مقاومين في لبنان والعراق، هي محاولات للتعويض عن العجز والفشل امام المقاومة، وامام صمود وثبات اهل غزة، وامام تصميم حركات المقاومة في لبنان والعراق واليمن على مواصلة عملياتها لمساندة غزة ونصرة الشعب الفلسطيني، لكن كل هذه الجرائم ومعها كل التهديدات والتحالفات لن تثني حركات المقاومة عن القيام بواجبها الديني والاخلاقي والانساني اتجاه مظلومية الشعب الفلسطيني، الذي يتعرض لحرب إبادة اسرائيلية امريكية لا مثيل لها في تاريخنا المعاصر .

لن ينجح العدو في التعويض عن عجزه او في كسر ارادة الصمود والمقاومة لدى اهلنا ومقاومتهم في غزة ولبنان والضفة وغيرها.

فلسطين والشعب الفلسطيني قدم العديد من القادة شهداء على طريق فلسطين والقدس وكان كلما يرتقي شهيدا في الميدان كانت تتعاظم المقاومة وتتعاظم شعبيتها.

إذا كان العدو من خلال المجازر والاغتيالات للقادة يريد تقويض المقاومة وشعبيتها فان النتيجة التي يشاهدها العالم ان المقاومة تزداد حضورا في الميدان، وتزداد شعبيتها في غزة وفي الضفة وفي كل فلسطين وفي كل المنطقة، بل ان هذه الدماء ستؤجج روح المقاومة لدى شعوبنا في المنطقة وتزيدهم قناعة بخيار المقاومة ومواصلة طريقها.

الاغتيالات لن تعطي العدو الاسرائيلي صورة النصرالتي يريدها، ولن تغير في انطباعات الرأي العام الاسرائيلي عن الفشل الذي اصاب جيشهم في غزة، ولن تخفف من حالة التململ التي بدأت في الداخل الاسرائيلي من كلفة الحرب وتراجع الوضع الاقتصادي في الكيان الصهيوني، ولن تعيد للجيش الاسرائيلي صورته التي تحطمت في عملية طوفان الاقصى، لان اسلوب الاغتيالات جربه العدو مرارا وتكرارا ولم يوصله الى نتيجة، او يؤدي الى توقف المقاومة، او انهاء القضية الفلسطينية، بل على العكس من ذلك، دماء القادة الشهداء كانت على الدوام تستولد قيادات جديدة اكثر اصرارا وتصميما على مواجهة العدو، واشد عزما وصلابة للدفاع عن القضية .

واذا كان العدو يريد من خلال اعتداءه على الضاحية واغتيال الشهيد الشيخ صالح العاروري تغيير المعادلات وفرض وقائع جديدة، فهذا لن يحصل، لان المقاومة لن تسمح بكسر المعادلات القائمة ولا يمكن ان يردعها شيء عن القيام بما يجب القيام به لحماية لبنان وردع العدو عن المزيد من الجرائم اياً كانت النتائج .