الحج بين التسويف والمنافع

ورد في الحديث عن الإمام الصادق (ع): من مات ولم يحج حجة الإسلام لم يمنعه من ذلك حاجة تجحف به أو مرض لا يطيق فيه الحج أو سلطان يمنعه، فليمت يهودياً أو نصرانياً.

 

خلاصة الخطبة

الشيخ دعموش: خلاص المنطقة يكون بالحوار والتفاهم والحل السياسي بعيداً عن الكيدية والشخصانية والأحقاد.

رأى سماحة الشيخ علي دعموش في خطبة الجمعة: أننا اليوم بحاجة إلى التواصل والتلاقي والوحدة بين المسلمين لمواجهة محاولات زرع الفتنة, ولمواجهة التكفيريين الذين ينشرون القتل والإرهاب والخراب في بلدان هذه المنطقة بدعم من الولايات المتحدة وإسرائيل وبعض الدول الإقليمية.

وقال: من المؤسف أن تقوم بعض الدول الإقليمية بتوفير كل أشكال الدعم للمجموعات التكفيرية المسلحة في سوريا, من أجل الإمعان في القتل والتخريب وتعطيل الحلول وإعاقة أي بادرة للعمل السياسي.

واعتبر: أنه لا يمكن أن تخرج المنطقة من أزماتها بالعنف والقوة ولا بتدفق المزيد من الإرهابيين والقتلة إلى هذه المنطقة.

مؤكداً: أن خلاص المنطقة ولبنان وسوريا لا يكون إلا بالحوار والتفاهم والعمل لإيجاد حل سياسي للأزمة بعيداً عن الكيدية والشخصانية والأحقاد.

 

نص الخطبة

يقول الله سبحانه وتعالى: [إن أول بيت وضع للناس للذي ببكة مباركاً وهدى للعالمين فيه آيات بينات مقام ابراهيم ومن دخله كان آمناً ولله على الناس حج البيت من استطاع إليه سبيلا ومن كفر فإن الله غني عن العالمين]. آل عمران/ 96 ـ 97.

 ويقول سبحانه في موضع آخر: [وأذن في الناس بالحج يأتوك رجالاً وعلى كل ضامر يأتين من كل فج عميق ليشهدوا منافع لهم ويذكروا اسم الله في أيام معلومات على ما رزقهم من بهيمة الأنعام فكلوا منها وأطعموا البائس الفقير]. الحج/ 27 ـ 28.

 الحج إلى بيت الله الحرام لأداء المناسك والقيام بالأعمال العبادية المخصوصة التي افترضها الله في أيام معلومات هو أحد ضرورات الدين الإسلامي, وأحد الأركان التي بني عليها الإسلام.

 فقد بني الإسلام على خمسة أشياء كما ورد في الحديث عن الإمام الباقر (ع): بني على الصلاة, والصوم, والزكاة, والحج, والولاية.

 فالحج هو من الفرائض الإسلامية الأساسية, وهو واجب على كل مستطيع من الناحية المادية والجسدية في العمر مرة واحدة.

 هو واجب على من استجمع شروط الاستطاعة بنص القرآن الكريم الذي يقول: [ولله على الناس حج البيت من استطاع إليه سبيلا ومن كفر فإن الله غني عن العالمين].

 فمن استطاع الحج ولم يحج في سنة الاستطاعة, فقد ارتكب كبيرة من الكبائر حتى ولو حج في العام المقبل أو في الأعوام التالية.

ومن استطاع الحج ولم يحج حتى مات من دون أن يكون هناك سبب يمنعه من الحج من مرض أو سلطان جائر يمنعه, فقد كفر بالله وخرج عن دائرة الإسلام, لأن الله جعل الحج في مقابل الكفر، وبين الإسلام والكفر ترك الحج مع الاستطاعة حتى يموت الإنسان [ومن كفر فإن الله غني عن العالمين].

ولذلك ورد في الحديث عن الإمام الصادق (ع): من مات ولم يحج حجة الإسلام لم يمنعه من ذلك حاجة تجحف به أو مرض لا يطيق فيه الحج أو سلطان يمنعه، فليمت يهودياً أو نصرانياً.

ومن استطاع الحج ولكنه سوّف وماطل وقال: سوف أحج في العام المقبل أو في العام الذي بعده, أو سوف أحج عندما يصبح عمري أربعين أو خمسين حتى مات ولم يحج, حشره الله يوم القيامة أعمى وأضل سبيلا, وكان من الأخسرين أعمالاً.

فعن أبي بصير قال: سألت الصادق (ع) عن قول الله عز وجل: [ومن كان في هذه أعمى فهو في الآخرة أعمى وأضل سبيلا]. فقال (ع): ذلك الذي يسوّف نفسه الحج ـ يعني حجة الإسلام ـ حتى يأتيه الموت.

وفي حديث آخر عنه قال: سمعت الصادق (ع) يقول: من مات وهو صحيح موسر ولم يحج فهو ممن قال الله عز وجل عنهم: (ونحشره يوم القيامة أعمى) قال قلت: سبحان الله أعمى؟ قال: نعم, إن الله عز وجل أعماه عن طريق الحق.

هذا هو مصير تارك الحج ومسوّف الحج الذي يبرر تسويفه وتركه للحج بالأعمال والانشغالات والمصالح, وعدم التمكن من ترك العمل أو الوظيفة.

بعض الناس يحتجون ويبررون تركهم للحج مع استطاعتهم المادية والجسدية بانشغالاتهم الكثيرة.. ومصالحهم الكبيرة التي لا يمكنهم تركها, فيتركون الحج حتى يموتوا.. هؤلاء لا يوفقهم الله في أعمالهم ومصالحهم ولا تُقضى حاجاتهم.

 فقد ورد عن رسول الله (ص): ما من عبد يدع الحج لحاجة من حوائج الدنيا إلا رأى المحلقين قبل أن يقضي تلك الحاجة. أي أن الله لا يقضي حاجته خلال موسم الحج, ويعود الحجاج من حجهم قبل أن تُقضى حاجته.

وسُئل الإمام الصادق (ع) عن الرجل يسوف الحج لا يمنعه منه الا تجارة تشغله أو دين له فقال (ع): لا عذر له، ليس ينبغي له أن يسوف الحج، فإن مات فقد ترك شريعة من شرائع الإسلام.

إذن: الانشغالات والأعمال والمصالح والمواقع والمناصب لا ينبغي أن تدفع نحو التسويف.. وتمنع الإنسان من القيام بواجبه في الذهاب للحج, وتأدية هذه الفريضة المهمة التي إنما أوجبها الله سبحانه لأسباب تعود بالنفع على الإنسان.

وعندما نبحث في فلسفة الحج, وفي العلة التي من أجلها أوجب الله الحج على كل مسلم ومسلمة، وفي الحكمة من هذا التشريع، عندما نبحث في أسباب هذا الواجب من خلال الآيات والأحاديث والنصوص الواردة عن المعصومين, سنجد أن الأحاديث أشارت الى العديد من العلل والأسباب والمنافع الروحية والاجتماعية والسياسية والاقتصادية والإعلامية وغيرها.. وأهم هذه المنافع وأبرزها:

أولاً: إظهار العبودية لله, فالإنسان المؤمن إنما يُظهر عبوديته لله ويعبّر عن عبوديته لله واستجابته وإخلاصه له وسعيه لنيل رضاه والقرب منه من خلال العبادة ومن خلال الحج, لأن في الحج خضوع واستكانة وذلّ وتواضع, وفيه جهد وتعب ومشقة وبذل للأموال, وفيه حظر للشهوات والملذات، والإنسان فيه يؤدي مناسكه في الحر والبرد والأمن والخوف والرغبة والرهبة, وبذلك يُبرز الإنسان حجم استجابته لله سبحانه وسعيه لنيل رضاه, فيستحق بذلك ثوابه وكرمه وجوده عن جدارة, وينال الدرجات العليا بعمله وإخلاصه.

وثانياً: الحج وسيلة لتحريك العجلة الإقتصادية للمسلمين وللتبادل التجاري, حيث ينتفع بالحج كل الشراح العاملة.. الشركات والمؤسسات الغذائية، شركات النقل، قطاع الفنادق، الكسبة والبائعون العاديون، إلى عشرات الفئات العاملة التي توفر خدمات متنوعة لذلك الحشد الكبير من الناس.

وثالثاً: الحج فرصة حقيقية للتعارف والتواصل والتلاقي بين المسلمين, فليس هناك من عبادة في الإسلام يمكن أن يحتشد فيها الملايين من المسلمين من مختلف بقاع العالم وعلى اختلاف ألوانهم وجنسياتهم ولغاتهم ومذاهبهم وتوجهاتهم كما يحصل في عبادة الحج, وبذلك تتوفر فرصة حقيقية ليلتقي المسلمون جميعاً من مشارق الأرض وغربها ويتعارفوا, ويتعرّفوا على هموم بعضهم البعض والمشاكل والأزمات التي يعيشونها فيعملون على تبادل الخبرات والتجارب وتفاعل الأفكار وإيجاد قاعدة للحوار والتفاهم وتوفير مناخ للتعاون فيما بينهم.

الحج فرصة حقيقية للتأمل في قضايا العالم الإسلامي ومشاكله وأزماته للعمل على معالجتها والتعاون لحلها.

ورابعاً: الحج مناسبة لنشر المعارف والقيم الإلهية التي جاء بها رسول الله (ص)، ولبث الوعي السياسي بين الناس, والوقوف على حقيقة الأوضاع السياسية للمسلمين خصوصاً في ظل التشويش والتضليل الإعلامي الذي تمارسه بعض وسائل الإعلام لحجب الحقائق.

هذه الأهداف والمنافع العظيمة الروحية والسياسية والاجتماعية التي يحققها اجتماع المسلمين في الحج هي من أهم وأبرز الأسباب التي دعت إلى تشريع الحج وفرضه على المسلمين, وهذا ما أشارت إليه الآية في سورة الحج: [ليشهدوا منافع لهم].

فالله أراد للحج أن يكون جسراً للتواصل الحضاري بين المسلمين, لتترسخ روح الأخوة والمحبة والتآلف والتآخي بينهم, ولتنمو العلاقات بين كل المذاهب والفرق والاتجاهات, ولتقريب المسافات بين المسلمين وإلغاء الفوارق العرقية والجغرافية واللغوية والقومية والمذهبية التي تشكل عائقاً أمام وحدة المسلمين وتكاملهم وقوتهم.

واليوم نحن بحاجة إلى هذا التواصل والتلاقي والوحدة بين المسلمين لمواجهة محاولات زرع الفتنة, ولمواجهة التكفيريين الذين ينشرون القتل والإرهاب والخراب في بلدان هذه المنطقة بدعم من الولايات المتحدة وإسرائيل وبعض الدول الإقليمية.

من المؤسف أن تقوم بعض الدول الإقليمية بتوفير كل أشكال الدعم للمجموعات التكفيرية المسلحة في سوريا, من أجل الإمعان في القتل والتخريب وتعطيل الحلول وإعاقة أي بادرة للعمل السياسي.

لا يمكن أن تخرج المنطقة من أزماتها بالعنف ولا بالقوة ولا بالحل العسكري ولا بتدفق المزيد من الإرهابيين والقتلة إلى هذه المنطقة.

خلاص المنطقة ولبنان وسوريا لا يكون إلا بالحوار والتفاهم والعمل لإيجاد حل سياسي للأزمة بعيداً عن الكيدية والشخصانية والأحقاد.

                                                                       والحمد لله رب العالمين