الإمام علي قال عنه:"كان أجود الناس كفاً وأكرمَهم عشرة لم أرَ مثلَه قبله ولا بعده(79)

آدابُ معاشرة الرسول (ص) للناس- (79)

وإنك لعلى خلق عظيم نزلت بحق الرسول الأعظمإمتاز رسول الله (ص) بخُلقٍ إنساني رفيع وسلوك اجتماعي مميز مع الناس على اختلاف شرائحهم وانتماءاتهم مما جعله يمتلك عقولَ الناس وقلوبَهم ويكسبُ محبتهم، ويجذبُهُم إلى الهدى والى طريق الله. فقد امتازت شخصيةُ رسول الله (ص) بالأخلاق الإنسانية السامية وحُسنِ معاشرة الناس ومعاملتِهم بالرفق واللين والرحمة، والقدرةِ على تحملِ الآلام والإساءات والأذى.

 

ونستعرض هنا نماذجَ من خُلُقه الاجتماعي وآدابِ معاشرته للناس، كما ورد في الأحاديث عن أهل البيت (ع) الذين هم أعرفُ الناس بسيرة النبي (ص) وشخصيته وسلوكه الفردي والاجتماعي.

فقد كان رسول الله (ص) طَلقَ الوجه دائمَ البشر يواجه الناس بالابتسامة ويُحسنُ لقاءَهم، ويعاملُهُم بالرفق واللين والرحمة، ولم يكن يبدو على وجهه العُبُوسُ أو الحزنُ أو الانقباض، بل كان بشوشاً ويخفي أحزانَه وآلامه.

فقد روي عن الإمام الحسن (ع) عن أبيه عليٍ (ع) قال: كان رسول الله (ص) دائمَ البشر، سهلَ الخُلُق، ليِّنَ الجانب، ليس بفظ ولا غليظ، ولا صخّاب (من الصخب وهو شدةُ الصوت وارتفاعُ الصوت) ولا فحَّاش ولا عيَّاب ولا مدَّاح.
وكان يخاطب قومه ويقول: "يا بني عبد المطلب إنكم لن تسعوا الناس بأموالكم فالقوهم بطلاقة الوجه وحسن البشر". وكان أمير المؤمنين (ع) إذا وصف رسولَ الله (ص) قال: كان أجود الناس كفاً وأجرأ الناس صدراً وأصدقَ الناس لهجة وأوفاهم ذمة وألينَهم عريكة وأكرمَهم عشرة ومن رآه بديهة (لأول مرة) هابه ومن خالطه معرفةً أحبّه، لم أرَ مثلَه قبله ولا بعده.

وكان شديدَ المداراة للناس، وأرأفَ الناس بالناس، وخيرَ الناس للناس، وأنفعَ الناس للناس، حتى لقد روي عنه (ص) أنه قال: أمرني ربي بمداراة الناس كما أمرني بالفرائض. وقال (ص): أعقل الناس أشدُّهُم مداراةً للناس، وأذلُّ الناس من أهان الناس.

وكان (ص) أبعدَ الناس عن التعالي على مجتمعه أو تمييزِ نفسهِ عن الآخرين، فقد كان يعيش مع الناس كواحد منهم لا يختلف عنهم في شيء، ويَكرهُ أن يتميز عنهم، ولذلك كان (ص) يجلس بين أصحابه كواحد منهم، فيأتي الغريبُ ولا يدري أيُّهُم رسولُ الله (ص) حتى يسألَ عنه.

النب محمد أعظم خلق الله خلقه من نوره وأاشتق له اسمه من اسمه وكان (ص) يتفقد أحوال الناس، ويسأل الناس عما في الناس، أي يسأل عن أحوالهم ليطلع على أوضاعهم وحاجاتهم، بل لقد روي أنه (ص) كان إذا فَقَدَ الرجلَ من إخوانه ثلاثةَ أيام سأل عنه، فإن كان غائباً دعا له، وإن كان شاهداً زاره، وإن كان مريضاً عاده.

ومن مصاديق رفقه بالآخرين ومعاملته لهم بالحسنى، ما رواه يونس الشيباني قال: قال أبو عبد الله الصادق (ع): كيف مداعبةُ بعضِكم بعضاً؟ قلتُ: قليل. فقال (ع): فلا تفعلوا (أي لا تقللوا من المداعبة والملاطفة لبعضكم البعض)، فإن المداعبةَ من حُسن الخُلُق، وإنك لتدخلُ بها السرورَ على أخيك، ولقد كان رسولُ الله (ص) يداعبُ الرجلَ يريد أن يسُره. أي أن يُدخلَ السرور عليه. وعن علي (ع) قال: كان رسول الله (ص) ليسُرُّ الرجلَ من أصحابه إذا رآه مغموماً بالمداعبة.اي بملاطفته وممزحته

وكان (ص) يُفشي السلام بين الناس، فيسلمُ حتى على الصغير منهم ويسلم على المرأة. بل كان يبادر كلَ من لقيه بالسلام والمصافحة فيسلمُ حتى على الصغير منهم ويصافحُه. وكان (ص) من سأله حاجةً قضاها له إن قدر على ذلك، وإلا واجه صاحب الحاجة بكلمة طيبة أو دعاء أو نصيحة أو توجيه.

وكان لا يأتيه أحدٌ حرٌّ أو عبدٌ أو أمةٌ إلا قام معه في حاجته يسعى معه لقضائها. وعن علي (ع): ما فاوضه أحدٌ قط في حاجة أو حديث فانصرف حتى يكونَ الرجلُ هو الذي ينصرف، وما نازعه الحديثَ أحدٌ حتى يكون هو الذي يسكت.
وكان يُكرمُ من يدخلُ عليه حتى ربما بسط له ثوبَه ليجلسَ عليه، وكان يُؤثرُ الزائرَ له بالوِسَادة التي تحته. ورُوي أن رسول الله (ص) كان لا يدعُ أحداً يمشي معه إذا كان راكباً حتى يحملَه معه فإن أبى قال: تقدَّمْ أمامي وأدركني في المكان الذي تريد.

ورفعنا لك ذكركوكان (ص) يدعو أصحابه بكُناهم إكراماً لهم واستمالةً لقلوبهم، ويكنّي من لم يكن له كنية، فكان يدعى بما كناه، ويكني النساء اللاتي لهنَّ أولاد واللاتي لم يلدنَ، ويكني الصبيان فيستلينُ به قلوبَهم. وكان لا يذم أحداً ولا يعيّرُ أحداً ولا يكلم أحداً بشيء يكرهه، بل كان شديدَ الحياء حتى لقد ورد أنه (ص) كان اذا اراد لومَ أحدٍ أو عتابَه يعاتبُهُ بكل حياء وخجل.

هكذا كانت سيرة رسول الله (ص) مع أصحابه ومجتمعه وأمته، لقد كان يتعامل مع جميع الناس بعاطفة أبوية تتفجر حباً وعطفاً وحناناً ورحمةً مع كونه يحتل مركزاً قيادياً في الأمة، وقد كان هذا السلوك النبوي المحمديُ الأصيل وتلك الأخلاق والخصائصُ النبيلةُ التي توافرت في شخصيته العظيمة أحدَ أهم العوامل في انتصار الإسلام وسرعة امتداده وانتشاره ودخولِهِ إلى عقول الناس وقلوبهم.

الشيخ علي دعموش