الرسول (ص) في المعارك بطل مقدام "لا يُبلَغُ شأوُهُ ولا يُدرك مَداه"(78)

شجاعة الرسول الأعظم (ص) - (78)

ثبات الرسول في المعارك حمت الإسلامصمد رسول الله (ص) بشجاعة وبسالة أمام خوض معركة التغيير الاجتماعي الكبرى من أجل إخراج الناس من عبودية الأصنام والأوثان إلى عبودية الله الواحد الأحد في واقع بعيدٍ كلَّ البعد عن القيم والأخلاق والفضيلة، وفي واقع كان يتآمر عليه ويكيد له ولدعوته ورسالته.. إن ذلك الصمودَ والعزمَ والتصميم لتغيير هذا الواقع الجاهلي وفقاً لإرادة الله تعالى وخطه ومنهاجه، إنما هو قمةُ الشجاعة التي لا تدانيها شجاعة.

 

ولو أننا تتبعنا مواقف النبي (ص) الرسالية والعسكرية والأمنية خلال حروبه الدفاعية والهجومية لرأينا نمطاً خاصاً من الرجال لا يُبلَغُ شأوُهُ ولا يُدرك مَداه.

أولاً: ثباتُ رسول الله (ص) طيلة الفترة التي قضاها في مكة ورفضُهُ لكل اشكال المساومات والتسويات واصرارُهُ على مواصلة الدعوة الى الله في تلك الظروف الصعبة التي كانت تحمل الكثير من التهديد والوعيد والترغيب والتعذيب والحصار وكل أنواع التحدي دليلٌ على شجاعة رسول الله(ص) وصلابتهِ وايمانهِ الراسخِ برسالته.

ثانياً: صمودُ رسول الله (ص) في دخول معركة بدر بجيشه الصغير عُدةً وعدداً وهي معركة فاصلة ومصيرية. كان دليلَ شجاعةٍ فائقة، إذ لا يُقدمُ عليها إلا من يملك نفساً لا تعرف الخوف أبداً.

ثالثاً: ثباته في معركة الأحزاب في مواجهة عَشَرَةِ آلاف مقاتل مع قلة جيشه المدافع، ونقضِ اليهود لعهودهم ومواثيقهم مع النبي (ص)، وانضمامهِمِ إلى الجيش المعتدي، وتحركاتِ المنافقين المشبوهة في الداخل، وتخلخلِ الجبهة الداخلية، هو شاهد آخر على شجاعة رسول الله (ص) وصموده في مواجهة التحديات.

رابعاً: في معركة حنين، انهزم المسلمون وفرَّ الكثيرون منهم من ساحة المعركة ولم يثبت في الميدان غيرُ رسول الله (ص) وعليٍ (ع) والعباسِ بنِ عبد المطلب وقلةٍ من المؤمنين، ولم ينتصر المسلمون في هذه المعركة إلا بعد استجابتهم لنداء الرسول (ص) الذي ضرب لهم المثلَ الأعلى في الثبات والصمود والشجاعةِ في ميدان المواجهة والجهاد.

فقد سألَ رجلٌ البَرَاءَ بنَ عازب قائلاً: أفررتم يومَ حنينٍ عن رسول الله (ص)؟ فقال البَرَاءُ: لكنَّ رسولَ الله لم يَفِرَّ!..ثم قال: لقد رأيته على بغلته البيضاء وأبو سفيانَ ابنُ الحرث آخذٌ بلجامها والنبيُ (ص) يقول: أنا النبيُ لا كذب – أنا ابنُ عبدِ المطلب، قال: فما رُئي يومئذ أحدٌ كان أشدَّ منه.

وإذا أردنا أن نكوِّن صورةً واضحة عن مدى شجاعة رسول الله (ص) في ساحات الجهاد فلنستمع إلى شهادة أميرِ المؤمنين عليِ بنِ أبي طالب (ع) وهو يصف شجاعة النبي (ص) إذ يقول: لقد رأيتنا يوم بدر ونحن نلوذ بالنبي (ص) وهو أقربنا إلى العدو، وكان من أشد الناس يومئذ بأساَ. ويقول (ع) أيضاً: كنا إذا احمرَّ البأسُ ولقي القومُ القومَ اتقينا برسول الله (ص) فما يكون أحدٌ أقربَ إلى العدو منه.

المقتحم الأول :

روي عن الإمام الصادق (ع) قال: أغار المشركون على مسرح المدينة، فنادى فيها مناد: يا سوء صباحاه! فسمعَهَا رسولُ الله (ص) في الجبل، فركب فرسه في طلب العدو، وكان أولَ من لحقه من أصحابه أبو قَتَادَة على فرس له، وكان تحت رسول الله (ص) سَرْجٌ دفّتَاه ليف ليس فيه أَشَرٌ ولا بَطَرْ، فطلبوا العدو فلم يلقَوا أحداً، وتتابعتِ الخيل. فقال أبو قَتَادَة: يا رسول الله إن العدو قد انصرف فإن رأيت أن نستبق. أي نتبارى في السباق على الخيل! فقال: نعم، فاستبقوا، فخرج رسول الله (ص) سابقاً على الخيل كلِها، ثم أقبل عليهم فقال: أنا ابن العواتك من قريش، إنه لهو الجوادُ البحر (يعني فرسَه سريع).

رسول الله أشجع العربوعن أنس بنِ مالك قال: كان رسول الله (ص) أشجعَ الناس وأحسنَ الناس وأجودَ الناس، قال: لقد فزع أهلُ المدينة ليلة، فانطلق الناسُ ناحية الصوت فتلقاهم رسولُ الله (ص) وقد سبقهم الى المكان. وهو يقول: لم تُراعُوا. وعن علي(ع) قال: كان النبي(ص) أجرأ الناس صدراً.

وعن الامام الصادق(ع) قال: لما نزلت على رسول الله(ص) آية(لا تُكَلَّفُ إلا نفسك) قال: كان أشجعُ الناس من لاذ برسول الله(ص).أي كان(ص) بحيث يكون اشجع الناس من لحق بالنبي(ص) ولجأ إليه لأنه أقرب الناس الى الأعداء وأجرأهم عليهم.    

إن هذه المفرداتِ وغيرَهَا تدل على مدى شجاعة رسول الله (ص) وقوته ورجولته حيث كان يبادر إلى لقاء العدو ويقتحم ميادينَ القتال والمواجهة قبل أن يبادر أصحابُه. وإن سرَّ هذه القوة والشجاعة التي كان النبيُ (ص) يملكُها هي الإيمانُ واليقينُ والثقةُ المطلقةُ بالله سبحانه وتعالى والاعتمادُ عليه في كل الأحوال والظروف، وهذا ما يجب أن نربي عليه أنفسنا من أجل أن نملك روحيةَ رسول الله (ص) وحماستَه وشجاعتَه في ساحات الجهاد وميادين المقاومة.

الشيخ علي دعموش