"يا رسول الله أقرأ عليك القرآن وعليك أُنزل؟!"(75)

تلاوة النبي (ص) للقرآن وأذكاره وتسبيحه - (75)

القرآن الكريم به ختم الله رسالته للبشرتجلَّتْ علاقةُ رسولِ الله (ص) بربه إضافةً إلى ما ذكرناه في الحلقات الماضية من خلال عملين كان رسول الله (ص) يقوم بهما بصورة دائمة وهما: الأول: تلاوتُهُ لكتاب الله، والثاني: ذكرُ الله على كل حال وفي مختلِف الظروف.

 

تلاوته لكتاب الله

أما الجانبُ الأول: وهو تلاوتُهُ للقرآن، فالقرآنُ كتابُ الله الذي نَزلَ على عبده ورسوله محمد (ص) ليخرج الناس من الظلمات إلى النور.

وقد تكفل القرآنُ من خلال آياته المباركة بهداية الناس إلى الحق والعدل والخير في جميع شؤونهم "ومن ابتغى الهدى في غيره أضله الله فهو حبل الله المتين وهو الذكر الحكيم وهو الصراط المستقيم وهو الذي لا تزيغ به الأهواء ولا تلتبس به الألسنة ولا يشبع منه العلماء".

وقد شدد الإسلام على الاهتمام به والاعتصامِ بحبله من خلال قراءته وتدبره ووعي تعاليمه وتجسيد مفاهيمه في الحياة الفردية والاجتماعية وغيرها. قال تعالى: {هذا بيان للناس وهدىً وموعظةٌ للمتقين} آل عمران/138.
ونظراً لمكانة القرآن في الإسلام فقد كان رسول الله (ص) شديدَ العناية به تلاوةً وتدبراً وتعليماً وحضاً على تعاهده ورعايته، وكان هدفُهُ من تلاوة القرآن أن يُحرز المزيدَ من القربى إلى الله سبحانه، وليكونَ قدوةً للمؤمنين في تعاهد أمره وتدبرِ آياته، والحرصِ عليه.

وثمة رواياتٍ تشير إلى مدى اهتمامه (ص) بالقرآن:
كان (ص) لا يرقد حتى يقرأ المُسبِّحَات ويقول: في هذه السور آيةٌ هي أفضلُ من ألف آية. قالوا: وما المُسَبِّحَات؟ فقال (ص): سورةُ الحديد والحشر والصف والجمعة والتغابن.وعن أُم هانىءٍ قالت: كنتُ أسمعُ قراءةَ النبي (ص) بالليل وأنا على عريشي.

محمد رسول الله أشرف الخلقوعن أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (ع) قال: كان رسول الله (ص) لا يحجُزُهُ عن قراءة القرآن إلا الجنابة.

ولشدة تفاعله مع القرآن كان يبكي عندما يقرأ بعضَ آياته، فقد روى ابنُ مسعود قال: قال النبي (ص) لي: إقرأ عليَّ القرآن. فقلت: يا رسول الله أقرأ عليك وعليك أُنزل؟ فقال (ص): إني أُحبُ أن أسمعه من غيري، فقرأت عليه سورة النساء حتى جئت إلى هذه الآية {فكيف إذا جئنا من كل أمة بشهيد وجئنا بك على هؤلاء شهيدا} قال: حسبك الآن، فالتفتُ إليه فإذا عيناه تذرفان.

ولكثرة ما كان (ص) يقرأ من القرآن يشير أنسُ بنُ مالك فيقول: إن رسول الله (ص) وجد شيئاً من وجع، فقيل له: يا رسول الله، اشتد عليك الوجع، وإنَّا نرى أثر الوجع عليك. فقال (ص): أما مع ما ترون فقد قرأت البارحةَ السبعَ الطوال – أي من سورة البقرة إلى سورة الأنفال –وهكذا كان (ص) دؤوباً على تلاوة كتاب الله، شغوفاً به، فلم يترك القراءة حتى في حالات المرض.

ذكره لله : أذكاره وتسبيحه (ص) 

وأما الجانبُ الثاني: وهو أذكارُهُ (ص) وتسبيحُهُ لله سبحانه فقد كان رسول الله (ص) يكثر من ذكر الله بل ما فارق ذكرُ الله شفتيه المباركتين قط، ولم يُرَ إلا ذاكراً مسبحاً أو شاكراً مستغفراَ. فقد رُويَ عنه (ص) أنه كان يكثر من قول: سبحانك اللهم وبحمدك، اللهم اغفر لي إنك أنت التواب الرحيم.ويقول (ص): إني لأستغفر الله وأتوبُ إليه في اليوم سبعين مرة.

وعن الإمام علي بن موسى الرضا (ع) قال: كان رسول الله (ص) لا يقوم من مجلسٍ وإن خفَّ حتى يستغفرَ الله خمساً وعشرين.وعن الإمام الصادق (ع) قال: كان رسول الله (ص) يستغفر الله عز وجل في كل يوم سبعين مرة ويتوب إلى الله عز وجل سبعين مرة.  وعنه (ع) أيضاً: كان رسول الله (ص) يتوب إلى الله في كل يوم سبعين مرة من غير ذنب، كان يقول: أتوب إلى الله.

كان خلق الرسول القرآنوكان (ص) يقول: إن للقلوب صدأً كصدأ النُّحاس فأجلوها بالاستغفار.وكما كان (ص) دائمَ الاستغفار كان دائمَ الشكر لله سبحانه على كل حال.فعن أمير المؤمنين (ع) قال: كان رسول الله إذا رأى ما يحب قال: الحمد لله الذي بنعمته تَتِمُّ الصالحات.وعن الإمام الصادق (ع) قال: كان رسول الله (ص) إذا ورد عليه أمر يَسُرُّه قال: الحمد لله على هذه النعمة، وإذا ورد عليه أمر يغتم به قال: الحمد لله على كل حال.

وعنه (ع): كان رسول الله (ص) يَحْمَدُ الله في كل يوم ثلاثمئةٍ وستين مرة يقول: الحمد لله ربِّ العالمين كثيراً على كل حال.وعن علي (ع): كان رسول الله (ص) إذا أتاه أمر يَسُرُهُ قال الحمد لله الذي بنعمته تَتِمُ الصالحات، وإذا أتاه أمرٌ يكرهُهُ قال: الحمد لله على كل حال.وعنه (ع) قال: ما استيقظ رسول الله (ص) من نوم قط إلا خرَّ لله عز وجل ساجداً.

الشيخ علي دعموش