أهالي المدينة المنورة نادوا الرسول (ص) بالهجرة إليهم(34)

 أسباب اختيار المدينة المنورة للهجرة إليها (34) :

الهجرة النبوية الشريفة من مكة إلى المدينة المنورةلقد كان لاختيار رسول الله (ص) للمدينة المنورة ليهاجر إليها المسلمون الأوائل وقاعدة لدعوتهم الإسلامية أسباباً موجبة لهذا الاخيتار، ولم يختر مثلا مدينة أخرى مثل الطائف أو الحبشة أو غيرهما من المدن المجاورة لمكة المكرمة.. في الحقيقة أن هناك عدة عوامل وأسباب أوجبت على نبي الإسلام اختيار المدينة بالتحديد.

 

أسباب إختيار النبي (ص) للمدينة المنورة :

السبب الأول : إن مكة المكرمة في قلوب المسلمين ونفوسهم، باعتبار وجود الكعبة المشرفة فيها، حيث كانت مهوى افئدة الناس. وكانت آنذاك قاعدة للشرك والوثنية. وبدون السيطرة عليها والقضاء على النفوذ الوثني فيها، واستبداله بالنفوذ الإسلامي، فإن الدعوة الإسلامية تعد خاسرة وتبقى بلا جدوى.

والدعوة الإسلامية كانت بحاجة إلى مكة بالمستوى نفسه التي كانت فيه مكة بحاجة إلى الدعوة. وإذا كان الأمر كذلك، فلا بد من اختيار مكان قريب منها، يمكن أن يمارس النبي (ص) منه عليها نوعا من الرقابة والضغط السياسي والاقتصادي وحتى العسكري، في الوقت المناسب حينما يقرر فرض سيطرته على مكة. والمدينة المنورة هي ذلك المكان الذي تتوفر فيه مقومات هذا الطلب. فالمدينة تستطيع مضايقة مكة اقتصاديا، ووقوع المدينة على طريق القوافل التجارية، تجعل النبي (ص) يقدر على فرض حصار اقتصادي على مكة، وأن يشكل عليها ضغطا سياسيا وعسكريا، تاليا يمكنه من السيطرة عليها، ويقضي على الشرك والوثنية فيها، ويحقق أحد أهم أهداف الإسلام.

السبب الثاني : هو أن المدينة المنورة كانت غنية بمواردها الزراعية، فلو فرض عليها حصار ما أو لضغط تجاري أو اقتصادي من المشركين، بمقدورها مقاومة هذا الحصار والضغط، وتحتفظ لنفسها بنوع من الحياة ولو بصعوبة دون أن تضطر للاستسلام أو الانهيار. ومن المعلوم أن الدعوة الإسلامية التي هدفها القيام بعملية تغيير شاملة، تواجه تحديات كبيرة، لذا هي بحاجة إلى أن تعيش استقرارا اقتصاديا داخليا تستطيع أن يوفر الفرصة للنبي (ص) بالتحرك لنشر الإسلام. وكانت المدينة تعيش هذا النوع من الاستقرار.

كان الابتعادعن مكة حيث الكعبة المشرفة أمرا صعبا على المسلمينالسبب الثالث: كانت تكثر في المدينة المنورة الحديث عن بشائر بظهور نبي في المنطقة. إذ كان علماء اليهود والمسيحية هم من يقوم بهذا التبشير استناداً إلى ما أخبرت به التوارة والأنجيل والكتب السماوية الأخرى. وهذا ما كان يجعل الناس في المدينة مستعدين للاستجابة لهذا النبي، وأصبحت الأرضية مهيأة لانتشار هذا الدين الجديد. فلماذا لا يهاجر النبي (ص) إليها؟!..

السبب الرابع : إن عدداً كبيراً من أهل المدينة، من الأوس والخزرج، كانوا قد أسلموا وبايعوا رسول الله (ص) على السمع والطاعة والالتزام بتعاليم الدين وأحكامه، وتحمّل أعباء نشر الإسلام والجهاد. وأصبح كثير من أهل المدينة، إلى ما قبل الهجرة بقليل، مسلمين مؤمنين بالرسول. وهؤلاء المسلمون هم أنفسهم طلبوا من النبي (ص) المهاجرة إليهم، وأبدوا استعدادهم الكامل لمساندته ونصرته، والوقوف إلى جانبه. كما ابدو استعدادهم ليكونو القاعدة القوية الصلبة ليعتمد النبي (ص) عليها في بناء المجتمع والدولة السياسية الإسلامية. فهاجر النبي إليهم واختارهم على من سواهم.

مدن الإمبراطورية الفارسية والرومانية لم تناسب الدعوة :

أما لماذا لم يختر النبي (ص) مكانا أخرا غير المدينة المنورة، للهجرة إليها؟.. إننا لو درسنا الاماكن والمناطق، التي كان من المحتمل للنبي (ص) الهجرة إليها آنذاك، لوجدنا أن تلك المناطق والبلدان هي الطائف؛ اليمن؛ الدولة الرومانية في بلاد الشام؛ الدولة الفارسية في إيران؛ والحبشة. ولم تكن أي بلد منها تصلح لتكون مكاناً آمناً للدعوة الإسلامية ولقيام المجتمع الإسلامي.

النبي محمد يحطّ رحله في المدينة المنورةالهجرة إلى الطائف لم تكن تجدي نفعاً، لأن أهلها رفضوا الاستجابة لدعوة الرسول (ص)، حينما هاجر إليها في السنة العاشرة من البعثة النبوية الشريفة. كما أن أهل الطائف أيضاً كانوا مرتبطين اقتصاديا وتجاريا بأهل مكة، حيث كانوا يصدّرون إليها وإلى غيرها من المناطق المجاورة الفاكهة التي كانت عمدة محاصيلهم الزراعية. لذا رأوا أنهم بحاجة إلى أهل مكة واستجلاب رضاهم حتى لا يتعرضوا لمقاطعة اجتماعية أو إلى حصار اقتصادي من قبل قريش المالكة السوق الرئيسي لمنتجاتهم. لأجل ذلك هم لا يستطيعون في المستقبل المنظور على الأقل إلا المدوارة سياسيا في فلك قريش. فكان من الطبيعي عدم اختيار الطائف للهجرة.

وأما الهجرة إلى اليمن أو بلاد الشام أو إلى إيران، او غيرها من البلدان المجاورة لمكة، فإنها كانت خاضعة لنفوذ سلطة الدولتين العظيمتين آنذاك، الرومانية والفارسية. وبالتأكيد إن سلطات هاتين الدولتين ليست على استعداد للسماح للمسلمين بالهجرة إلى مناطق نفوذها. فلم يكن من سبيل للهجرة إلى هذه البلدان. أما الهجرة إلى الحبشة، فلم يكن خيارا سليما بالنسبة إلى النبي (ص). فالحبشة بحكم موقعها الجغرافي هي مفصولة وبعيدة عن مكة ولا طريق برية إليها.

وهكذا، يتضح لنا أنه لم يكن من مكان مناسب للهجرة إليه من قبل النبي (ص) والمسلمين سوى المدينة المنورة، فكانت الهجرة إليها دون سواها.

الشيخ علي دعموش